اللامركزية ( الحكم المحلي ) في العراق الجديد

سعد طارق الشيخ جاسم الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 2960 - 2010 / 3 / 30 - 11:43
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

اللامركزية ( الحكم المحلي ) في العراق الجديد
بادئ ذي بدء وقبل الخوض في غمار الحديث عن المركزية واللامركزية يجب فهم معنى اللامركزية والذي يعرف من قبل علماء الاجتماع والسياسة بعدة تعريفات نذكر منهم الدكتور خليل الشماع فيعرفها بأنها ( درجة عدم تركيز السلطة، أي تشتت السلطة وتوزيعها بين الأشخاص والمستويات الإدارية المختلفة في المنظمة أو على مستوى الدولة)1 .
ويصف عالم الاجتماع الأمريكي دي وايت (D.White) اللامركزية كمفهوم شامل بأنها (نقل السلطة، تشريعية كانت أو اقتصادية أو تنفيذية من المستويات الحكومية العامة إلى المستويات الدنيا)2 .
أما د. حاتم قابيل أستاذ إدارة الأعمال فيتحدث عن اللامركزية بإقتضاب (ازداد الاهتمام بمفهوم اللامركزية منذ أواخر القرن العشرين نتيجة للمتغيرات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية التي شهدها العالم،واللامركزية لا تعد هدفا في حد ذاتها وإنما فلسفة وأداة تنموية تمكن البشر من المشاركة في صنع واتخاذ القرارات المتعلقة بتنمية مجتمعاتهم بما يعود عليهم بالفائدة، فاللامركزية معنية أساساً بنقل السلطات والصلاحيات من المستويات المركزية الأعلى إلى المستويات المحلية الأدنى. )3 .
ولو أردنا أن نميز بين أشكال اللامركزية فيجب علينا أن نقسمها حسب أشكالها إلى عدة أنواع منها:
1. اللامركزية الإقليمية: تقوم على إسناد جزء من الوظيفة الإدارية إلى هيئات إقٌليمية تتمتع بالشخصية المعنوية و تباشر الوظيفة الإدارية في حدود نطاق الإقليم مع خضوعها لرقابة السلطة المركزية.و قد أطلق عليها تسمية الإدارة المحلية مثل الولاية ( المحافظة ) و البلدية ( القضاء ) أو المجموعات المحلية أو الحكم المحلي كما هو الشأن في بريطانيا.
2. اللامركزية المرفقية أو المصلحية : تقوم على وجود أشخاص معنوية متخصصة في موضوع نشاط معين كالمؤسسات العامة و تكون في حالة إذا منح مرفق عام محلي الشخصية المعنوية و قدر من الاستقلال 4.
إذا رجعنا إلى مكان تطبيق تقريرنا هذا ألا وهو جمهورية العراق بعد العام 2003، سنلمس بهذا التطبيق العديد من المتغيرات الجذرية على واقع مجتمع العراق، منها ما هو ايجابي ومنها عكس ذلك.
فالعراق دولة من أقدم الدول التي أنشئت على وجه البسيطة، فكانت محط أنظار من كل حدب وصوب على مدى عمر هذه الدولة، ونتيجة لذلك اختلفت مكونات هذه الدولة، فكان مواطنيها مرة عرب ومرة كرد ومرة اترك ومرة كلدو آشوريين، وهؤلاء انقسمت معتقداتهم إلى إسلام ومسيح ويهود وصابئة وايزيديين ...الخ.
قد تكون في نظام اللامركزي فوائد عديدة أبرزها:
1. الفائدة الأولى: إن الأشخاص المناط بهم إدارة مناطقهم (الحكومات المحلية ) من خلال الصلاحيات المخولة لهم يختصرون كثيراً من الحلقات الإجرائية السابقة لتنفيذ ما تحتاجه مناطقهم وبشكل مباشر.
2. الفائدة الثانية: إن إدارة الحكم اللامركزية تخلق فرصا أكثر لمشاركة المواطن وإسهامه في خدمة منطقته.
3. الفائدة الثالثة: في استطاعة الحكومات المحلية أن تكون أكثر تجاوبا وتكيفا مع الأوضاع المحلية الأمر الذي يؤدي إلى فاعلية أكبر في إجراءاتها.
فضلا عن إن اللامركزية تؤدي إلى إيجاد التعددية و المشاركة الفاعلة الحقيقية في الحياة السياسية بصورة ديمقراطية وعادلة بعيدا عن التفرد في الحكم وحكر السلطات بيد شخص أو مجموعة قد لا تكون قراراتها صائبة ، ويحقق التوازن بين السلطة المركزية والسلطات المحلية لكل محافظة أو إقليم .
وهذه ايجابيات لايمكن نكرانها أو التغاضي عنها كونها اختصرت سلسة مراجع يمر بها المواطن وخدماته كانت المركزية تفرضها بكل ما أوتيت من قوة.
أما لو تطرقنا إلى مساوئ اللامركزية فنفصلها لكم كما هو رأينا مشارك أو مخالف لباقي الآراء.
مساوئ اللامركزية:
اللامركزية بحد ذاتها لا تضمن إدارة أفضل للحكم. ففي الواقع تخلق اللامركزية غير الفاعلة أو غير الملائمة من المشكلات أكثر مما تحل.
ولذا فانه لأمر أساسي أن يتم تطبيق اللامركزية بعناية من أجل ضمان فاعلية المؤسسات المحلية، ومن هنا فإذا كانت اللامركزية ايجابياتها فقد ترافقها بعض السلبيات، إذ قد تكون اللامركزية غير ملائمة في بعض الظروف، ويمكنها فعلا أن تؤدي إلى تدني نوعية إدارة الحكم.
ففي الدولة الصغيرة جدا يمكن للحكومة المركزية أن تحقق قدرا أعلى من الفاعلية من خلال تنسيق عمل الحكومة الوطنية بدلا من إيجاد كيانات محلية مستقلة ذاتيا. ويمكن للامركزية أن تقود إلى خسائر في وفورات الحجم والى عدم الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للامركزية الضريبية أن تستنزف الإيرادات المركزية عندما تعجز الحكومة الوطنية عن ضبط الإنفاق العام.
وقد تفتقر الحكومات المحلية إلى القدرة والخبرة الموجودتين في المؤسسات الوطنية. وتعزز هذه التحديات أهمية وفاعلية التخطيط والتصميم عند تطبيق اللامركزية. هناك قسمان من الدول في العالم دول موحدة وأخرى اتحادية ، فالدولة الموحدة، تعرف بوحدة السلطة والقوانين والإقليم وسكانها يخضعون لنظام وقانون واحد وتختلف الدول الموحدة فيما بينها لاختلاف أنظمتها السياسية، ودرجة المركزية التي تمارسها حكوماتها المركزية، كما تعتمد تلك الدول على مجالس وإدارات وهيئات محلية لإدارة شؤون مناطقها المختلفة، وهو ما يعرف باللامركزية الإدارية، وتختلف الإدارات المحلية في تلك الدول من حيث الأهمية والصلاحية المعطاة لها، وطريقة تشكيلها ووضعها القانوني والمالي، بناء على نوعية النظام السياسي للدولة ومدى نظرتها إلى اللامركزية، فنجد الإدارات المحلية شكلية في بعض الدول الموحدة، حيث تنشئها السلطة المركزية، وتسير أمرها وتملك حق إزالتها، كما هو حال الدول الموحدة ذات الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية، ولكن الدول الموحدة ذات الأنظمة الديمقراطية، تكون فيها الإدارات المحلية شبه منتخبة في أحسن الأحوال، ويعهد إليها بعض الاختصاصات الوظيفية والخدمات الإدارية في مناطقها، وقد تحظى بدرجة من الاستقلال في ممارسة الصلاحيات الممنوحة، ولكنها في النهاية تحت رقابة ومساءلة السلطة المركزية. إن من أسباب توجه الدول الموحدة إلى اللامركزية الإدارية، تنفسا عن شعوبها المقهورة، وإحكاما لقبضتها الأمنية في آن واحد كما هو حال الأنظمة الاستبدادية والشمولية، كذلك من الأسباب فشل الحكومات المركزية في إدارة عجلة التنمية في شتى المجالات، أما بعض الأنظمة الديمقراطية تلجأ إلى اللامركزية الإدارية رغبة في إشراك سكان المناطق في التخطيط والاستفادة منهم في رسم السياسات واتخاذ القرارات، وتحسين الخدمات المقدمة للسكان في أطراف الدولة أداء وجودة، كذلك من الأسباب التي تدفع بعض الأنظمة ذات النزعة المركزية، رغبة في تحقيق ضمان بقاء وديمومة نظامها المركزي، أو تخفيفا لضغوط عالمية، ولتظهر نوعا من التوافق والانسجام مع التوجه العالمي الجديد (العولمة)5 .
وعليه يجب علينا لنجاح تطبيق هذه العملية الكبيرة في التطبيق الجماهيري الديموقراطي ، أن نستعد لها من خلال تدريب مسبق للكفاءات الإدارية والتثقيف المتواصل للجمهور لتغيير الحالة النفسية السائدة التي فرضتها الأنظمة السابقة ، إضافة إلى وضع قواعد وأسس إدارية قانونية رصينة، لإدارة هذا النظام قابلة للتطوير والتنمية بحسب المفروض، لنؤسس لدولة قوية متكاملة بمكوناتها .


مصادر:
1.د.خليل الشماع وآخرون ((مبادئ إدارة الأعمال)) مطبعة جامعة الموصل، 1985، ص222.
2. Leonard Dwhite “Decentralization” in Encyclopedia of the social sciences, U.S.A, vol, 5, 2003. p.44
3.مفهوم اللامركزية في الإدارة التربوية http://www.7oob.net/vb/t83856.html
4. أ.معلم يوسف . وحدة الإدارة والمؤسسات في الجزائر.ص198.
5.اللامركزية أو الحكم المحلي.. ماهيته وإيجابياته.جريدة الصباح العراقية.مجتمع مدني.4/2/2008.

#سعد_طارق_الشيخ_جاسم_الربيعي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات