محمد ضياء عيسى العقابي
الحوار المتمدن-العدد: 2956 - 2010 / 3 / 26 - 10:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لماذا إجتمع قائد الثورة الليبية العقيد معمر القذافي بالبعثيين العراقيين في هذا الوقت بالذات؟ إنه سؤال هام ومشروع.
أجبتُ في مقال سابق لي جزئيا على هذا السؤال. إذ أوضحتُ أن العقيد القذافي إستفاد من حضور ذلك النَفَرِ من البعثيين الخائبين لحرف أنظار شعبه عن الديمقراطية الناشئة في العراق.
غير أن هذا لا يجيب على سبب توقيت اللقاء في هذا الوقت بالذات. قد يظن البعض أن للموضوع صلةً بإنعقاد مؤتمر القمة العربي في ليبيا. هذه المناسبة مهمة ولكنها ليست الأهم.
السبب الأهم يتعلق بعقلية العقيد وطموحاته التي لم يَدَعْ أحدا، داخل وخارج ليبيا، غيرَ عارفٍ بها. يستطيع المرء كشفَها حتى ولو لم يكن من مواطني ليبيا بل يكفي لكشفها أن نتابع مواقف العقيد وتصرفاته وأقواله من خارج بلده.
فالعقيد مُغرمٌ لحد الهوس بالزعامة والتميُّز حتى ولو لعب دورَ "خالِفْ تُعْرَفْ"، وهو لا يَدَعُ أية فرصةً تفوتُه إلا وإغتنمها لأجل الظهور و "التألُّق" أمام الجماهير، حتى ولو كانت الفرصة زائفةً أو مسروقةً.
الحالة التي نحن بصددها الآن هي حالة سرقة. ولكن... كيف؟ إليك التفاصيل كما أراها:
الموضوع له علاقة بما أضحى مفضوحا في منطقة الشرق الأوسط من وجود مخطط لانقلاب ابيض عبر الإنتخابات في العراق تدبّره امريكا – وايران – والسعودية – وتركيا – وسوريا ؛ إذ قيل يجري الإنقلاب عبر توجيه ضغوط على بعض الإئتلافات لتأييد إئتلاف أياد علاوي. حتى فضائية "الجزيرة" سأَلَتْ على لسان السيد غسان بن جدو (وهو من القلائل الذين أَحترمُهم في طاقم الجزيرة المسئولة عن تشجيع الإرهاب في العراق) قبل شهرين تقريبا – سألتْ الرئيسَ التركي عبد الله غول عن صحة ما يتردد في الأوساط السياسية والإعلامية عن إتفاق أمريكي – تركي – سعودي يرمي إلى إستبعاد المالكي من رئاسة الحكومة العراقية لصالح أياد علاوي (الذي سبق لأمريكا والمنطقة أن عيّنته، بما يشبه التتويج، على رأس الحكومة العراقية ولكن الجماهير لفظته في أول إنتخابات حرة مباشرة). فالموضوع إذاً له نصيب كبير من الصحة وقد إزدادت المؤشرات إلى وجوده في الآونة الأخيرة بإنضمام إيران إليه، حسب الأنباء المتواترة. لقد قال السيد كنيث كاتسمان، المسئول الكبير في وزارة الخارجية الأمريكية، في فضائية "الحرة" بتأريخ 21/3/2010، وكان يتحدث بصفته الشخصية، بأن الرئيس أوباما يفضّل وجود السيد أياد علاوي بدل السيد المالكي على رأس الوزارة العراقية.
لابد وأن المخابرات الليبية إلتقطت خبر التخطيط للإنقلاب ووضعته بين يدي العقيد القذافي الذي راح يقلّبه يسرة ويمنة حتى توصَّل إلى نتيجة مفادها أن النظام العراقي الحالي آيلٌ إلى الزوال، بكل تأكيد، مع عودة مؤقتة لأياد علاوي ليزيحه فيما بعد البعثيون وتعود الأمور إلى مجاريها.
أما كيف دخلَ اليقينُ، بقرب سقوط النظام الجديد، إلى خَلَدِ العقيد فهذا مرتبط بأمرين:
أولا: إيمان العقيد المطلق بأن "نفخة" من أمريكا و"همسة" من إيران كافيتان لوضع النظام العراقي الجديد في مهب الريح بأقل من لمح البصر. يرتكز هذا الإيمان إلى تَخَيّلٍ يضع فيه العقيد نفسه مكان المالكي... فماذا سيحصل؟ بالطبع سيقول الليبيون: خذوه ... خفةً وراحة، (كما قال العراقيون يوم أُطيحَ بصدام: إلى جهنم وبئس المصير).
ثانيا: إن العقيد كغيره من معظم الحكام العرب لا علم له ولا ممارسة لديه مع طقطقات الصراع في النظام الديمقراطي. فحَسِبَ ما يجري في العراق علاماتِ السقوط المُحَتَّم حتى بدون تدخل أمريكا والسعودية وإيران، فما بالُك وقد تآمر هؤلاء وتشابكت أيديهم لإزاحة المالكي (لأنه يريد، بحق، عراقا صديقا للجميع ومستقلا عن الجميع)؟
مِنْ هذا عقدَ العقيدُ العزمَ على ركوب الموجة المتآمرة بدعوته ذلكَ النفرَ الخائبَ من البعثيين؛ إذْ سيظهر، بعد نجاح الإنقلابِ الأبيضَ الفارسَ العربيَّ الأوحدَ على الساحة الذي دعم "المقاومة" و "حرَّرَ" الشعب العراقي؛ لأن "المحررين" الحقيقين، أمريكا والسعودية وإيران، الأكثر نضجا وخباثة منه، سيخفضون رؤوسهم ويلتزمون جانب الصمت ويَفسحون المجال له، القذافي، ليبدو المُلَعْلِعَ الأوحدَ كي يبدو الإنقلاب أمرا طبيعيا أفرزته إنتخابات حرة ديمقراطية جاءت بحكومة يقبلها المحيط العربي، ولا دَخْلَ لأَحَدٍ غيرِ العراقيين بها؛ وبالطبع سوف لا يجري أي حديث عن شركة البرمجة ذات العلاقة "بمجاهدين خلق" التي وضعت برمجيات الإنتخابات ودسَّت فيها مستلزمات التزوير (على ذمة السيد صائب خليل) دون علم "المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات " مؤكدا، وربما بِعِلمِ كلِ أو بعضِ مَنْ لهم علاقة بالأمر من موظفي الأمم المتحدة الذين، للأسف، شجعتني ذكريات كوبونات النفط الصدامية على تصديق إتهامهم بقدر أو آخر.
لسوء حظ القذافي والسعودية وإيران وسوريا وتركيا ومصر وكافة الكارهين للديمقراطية العراقية والطامحين لتشويهها (أمريكا)، إنهم يواجهون شعبا ذكيا نَبِها؛ لسان حاله يقول:
ماكو مؤامرة تفوت والعيون مفتوحة
من هذا هبَّ الشعب العراقي منتظرا الإشارة.
يبدو أن المظاهرات التي خرجت لإدانة التزوير إسما، ربما أرادت، في الحقيقة، تطيير رسالة لذوي الشأن بأن الجماهير واعية للعبة وما يخطط في الخفاء. إنها رسالة لتلك الدول وتحذير للإئتلافات العراقية الديمقراطية التي قد يُغَرَّرُ بها أو تقع في دائرة الخطيئة.
بناء على ذلك صدرَ تصريح للسيد فيليب فرين المتحدث بإسم السفارة الأمريكية في بغداد بتأريخ 26/3/2010، إذ نقلت عنه موقع فضائية "الفيحاء" ما يلي:
نفى الناطق الرسمي بإسم السفارة الأمريكية في بغداد فيليب فرين اليوم التقارير التي بدأت بالظهور مؤخرا في وسائل الإعلام حول دعم الولايات المتحدة لمرشح معين لتشكيل الحكومة الجديدة. وأكد فرين أن سفارة الولايات المتحدة في بغداد تود أن توضح وتعلن بشكل واضح جدا أنها لا تدعم أي مرشح أو كتلة والتصريحات التي تدعي عكس ذلك لا أساس لها من الصحة. مضيفا: لقد أدلى الشعب العراقي بصوته في إنتخابات حرة يوم السابع من آذار/ مارس والأمر عائد للأحزاب العراقية لتشكيل حكومتهم الجديدة، مشيرا إلى أن الولايات المتحدةمستعدة للعمل مع أية حكومة جد-يدة يتم تشكيلها.
لكن هذا التصريح لا يعني أن الأحزاب سوف تتصرف بحرية لتشكيل الحكومة مثلما تصرفت الجماهير بحرية لإنتخاب مرشحي الأحزاب. فالحذر مازال مطلوبا. وتكرار التحذير للأحزاب والإئتلافات من مغبة التورط بدعم علاوي ضد المالكي مازال قائما.
#محمد_ضياء_عيسى_العقابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟