قانون الرعاية الصحية الأمريكي، إنتصار تاريخي لنموذج إنساني

عمار شريف

الحوار المتمدن-العدد: 2952 - 2010 / 3 / 22 - 12:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في ساعات متأخرة من ليل الأحد تمت المصادقة على قانون الرعاية الصحية الأمريكي الشامل في مجلس النواب بفارق بضعة أصوات. حسمت النتيجة صراعاً دام مايقرب من عام بين أوباما وكتلة الديمقراطيين من جهة وبين الجمهوريين والشركات الكبرى وشركات الـتأمين والرأسماليين من جهة أخرى.
سيصبح بامكان كل الأمريكيين الحصول على الرعاية الصحية بغض النظر عن أوضاعهم وامكاناتهم. سيشمل هذا القانون أكثر من ثلاثين مليون انسان في الولايات المتحدة لم يكن لديهم أيّ نوع من الرعاية الصحية في مواجهة الأمراض بسبب عدم قدرتهم على شراء تأمين صحي عبر شركات التأمين وإنتفاء امكانية الدفع النقدي للمعاينة والعلاج الباهظة التكاليف. ستحاول الولايات المتحدة محاكاة شيء من نظام الرعاية الصحية الشامل المطبق لدى جارتها الشمالية كندا منذ عقود. ذلك النظام الصحي الكندي الذي ظلّ حلماً ونموذجاً رائعاً لسنوات بالنسبة للأمريكيين المحرومين منه أو الذين يسعون لأمريكا أكثر عدلاً، ومحطّ سخط وتهجمات مفكري الرأسمالية والأغنياء والحزب الجمهوري وأوساط اليمين السياسي الى جانب الجماعات الدينية طبعاً التي تشم رائحة اليمين فتأخذ جانبه.
لقد جاء القانون متأخراً جداً بالنسبة لدولة تملك أقوى وأكبر وأغنى اقتصاد في العالم لعقود من السنين. فأمريكا تكاد تكون الدولة الوحيدة من بين بلدان الغرب المتقدمة التي تفتقر لمثل هكذا نظام. رغم المحاولات والطروحات السابقة الخجولة لهذا المشروع من قبل الديمقراطيين وتأييد الاوساط الشعبية له إلا ان مقاومة الأنياب والمخالب التي مارستها الشركات الكبرى والرأسمال واليمين السياسي حالت دون إمكانية تحقيقه.
مارس الاعلام اليميني الرجعي في أمريكا وعبر قناة فوكس نيوز التي تعتبر أكثر وجوهه شهرة، دوره (البطولي) كالعادة في نشر السموم. وصفوا أوباما بالاشتراكي وهذا الوصف هو تهمة وشتيمة في آن بالنسبة لهم. بل أن بعض منابرهم يصف قناة CNN بالاشتراكية (فيالها من اشتراكية). لقد نجحت تلك الأوساط واعلامها وخلال دعاية منظمة ومستمرة في خلق تخوف فعلي عند البسطاء بأن نظام الرعاية الصحية هو نظام خطير ومكلف وغير صحي. بل إن بعضهم تحدث كذباً نيابة عن الكنديين راوياً كيف أنّ الكنديين ليسوا راضين عن نظامهم الصحي. كانوا يجرون مقابلات مع كنديين حول نظامهم الصحي ويصورون انتقادات المواطنين في كندا بشكل مجتزأ حول الثغرات التي يدعون الى سدها وتطويرها في نظامهم على أنها رغبة من قبل الكنديين بالغاء ذلك النظام. إنه افتراء يثير الغثيان في الوقت الذي شاهد فيه ملايين الناس في شمال أمريكا وثائق مصورة عن اقتياد حراس المستشفيات في أمريكا لمواطنين مرضى فقراء عنوة والقائهم في الشارع لأنّ ادارات المستشفيات علمت انهم لن يستطيعوا دفع تكاليف العلاج.
بعد هذا وذاك انتصرت الارادة الأكثر أنصافاً والأكثر عدلاً وارادة المحرومين على المرض الذي يعذب الفرد ويستنزف طاقاته وعلى أحد أمراض السياسة في المجتمع التي تقيد الملايين بسلاسل الشقاء. انتصر الكنديون أيضاً الذين ظلّ يؤرقهم الهجوم المتواصل على نموذجهم المحتذى وخوفهم من فقدانه خصوصاً وأن حزب المحافظين الحاكم جمهوريّ الهوى بالمعنى الأمريكي، وساهم في حلحلة بعض القيود على شركات التأمين الخاصة بخصوص التأمين الصحي خلال السنوات الماضية. بتعرض نموذج المتاجرة بعذاب ومرض الناس في أمريكا لضربة قاصمة بالمصادقة على قانون الرعاية الصحية الشامل هذه الليلة، يقف النموذج الكندي وبقية النماذج في أوربا الغربية والنظام الصحي الكوبي دون شك بكامل قامتها دون خوف.
إنّه أمر يدعو للمسرة أن ينال الملايين فرصة علاج أمراضهم دون خوف مواجهة المرض أفراداً معزولين بسبب الفقر والحاجة في الوقت الذي توجد فيه ثروات جاثمة في خزائن الدول وامكانات تكنولوجية وطبية مناسبة. أمريكا دولة عظمى وهي نموذج قوي، وعليه أيّ تقدم لصالح الانسان فيها يحمل في ذاته جذباً لبقية العالم وأيّ تراجع في هذا الجانب يحمل مصائب كبرى للعالم. هنيئاً لمن تشملهم فوائد هذا القانون وتحية لكلّ أمريكي ساهم في تحويل حلم النظام الصحي الشامل الى حقيقة.

#عمار_شريف (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات