أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - رئوفين كامينر - نقاش حول -ألنظام ثنائي القومية دي فاكتو-: إستقرار على فوهة بركان















المزيد.....


نقاش حول -ألنظام ثنائي القومية دي فاكتو-: إستقرار على فوهة بركان


رئوفين كامينر

الحوار المتمدن-العدد: 2950 - 2010 / 3 / 20 - 10:47
المحور: القضية الفلسطينية
    


الاستيطان ليس جامدا، بل حالة كولونيالية تتفشى


هنالك طرف واحد وهو اسرائيل، يشارك في نظام "ثنائي القومية" ولكن في "ثنائية القومية" تعترض وجود بعض الاتفاق بين الحركتين القوميتين ولكن لدى مواجهتنا الحقيقة الواضحة ان الفلسطينيين كقومية يرفضون الذوبان في القومية الاسرائيلية، ويتمسكون باهدافهم القومية، امام الاغراءات والتهديدات، يؤكد الأمر ان النظام هو احادي القومية من رأسه حتى اخمص قدميه


نشر الدكتور ميرون بنفنستي، مؤخرًا، شرحا مفصلا حول آرائه بالنسبة لسيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة. حسب ادعائه، فإن التعريف المناسب للوضع الحالي هو "نظام ثنائي القومة دي- فاكتو". وأكثر من ذلك ، يدعي بنفنستي إن رفض اليسار قبول نظريته حول هذا الموضوع الحيوي، يشير إلى المسؤولية العامة التي يتحملها، لاستمرار معاناة الفلسطيني، وحسب تحليله فإن المستوطنات لا تشكل عقبة أمام إحلال السلام، وأن القومية الفلسطينية عمليًا، أصبحت من مخلفات الماضي، وفي المقابل فان الإصرار على اعتبار السلطة في المناطق "سلطة احتلال" هي نموذج "لخيار لغوي سيئ".
ويدعي بنفنستي ان اليسار برفضه قبول نظريته هذه فهو يبقى بدون برنامج، ويتحمل مسؤولية استمرار الوضع القائم. ولكي يساعدنا على التغلب على مواقفنا المهترئة، فان بنفنستي يتناول بتحليله الأسس الهامة في الوضع الحالي وهي:
1- المستوطنات 2- الاحتلال- 3- الحركة القومية الفلسطينية. ومن هنا يظهر لنا أن المستوطنات ليست عقبة أمام السلام وأن الاحتلال قد انتهى، أما القومية الفلسطينية فما هي إلا تعبير رومانطيقي. من الضروري البحث في هذه الافتراضات وكذلك بحث معناها الحقيقي وأبعادها .



//الهوس حول المستوطنات

يبدأ بنفنستي مقاله باستعراض تاريخي لدور المستوطنات في المرحلة الأولى من الاحتلال 1967، حيث كانت المستوطنات القوة السائدة في المناطق، لا بل استخدمت الجيش لمآربها، ولكن في الثمانينيات فقدت المستوطنات أهميتها واليوم ما هي إلا تحف أثرية في المتاحف.
انتهى عهد الأيديولوجيات، حسب بنفنستي، وإقامة المستوطنات أسوة بإخلائها أصبح أمرا عفا عليه الزمن، ولا تأثير له على التطورات السياسية وأصبح رمزًا وأداة للتجنيد في اليمين واليسار على حد سواء. ومحاولة جعل المستوطنات العقبة الأساسية للتغطية على مشاركة جميع أجزاء المجتمع الإسرائيلي في توسيع النظام القائم في المناطق المحتلة.
إن بنفنستي يبالغ جدًا في تصويره للأوضاع في الفترتين المذكورتين. بعد حرب 1967، لم تكن المستوطنات هي التي حددت السياسة الإسرائيلية، واليوم لا يمكن الحديث عن المستوطنات كتحف في متاحف، ولا تأثير لها. ببساطة نرى أن الحكومة تستغل المستوطنات كجزء من سياسة عامة. ولذلك لا حاجة، كما يفعل بنفنستي، لإنكار الواقع السياسي الراهن، والتي تشكل فيها المستوطنات، مركبا هاما. وغير صحيح تماما أنه لا يوجد تأثير حقيقي للمستوطنات مع التطورات السياسية. إن نزعة الاستيطان تعزز اليمين الأيديولوجي ويستخدمها كأداة للتجنيد وهذا يؤثر على التطورات السياسية.
وحسب ما نرى فان بنفنستي يبذل كل جهد مستطاع من اجل وضع اليمين واليسار على نفس القاعدة الاخلاقية. اليمين يعمل على مصادرة حقوق الفلسطينيين، بينما اليسار الذي يرى في المستوطنات عقبة أمام السلام، وقد يكون مخطئا ( ولكنه ليس كذلك)، لا يستغل ذلك كأداة تجنيد، فلليسار هنالك حجج عديدة أخلاقية وسياسية ضد المستوطنات بالإضافة لكونها عقبة امام السلام.
ولنتتبع منطق بنفنستي، فبما أن الاراضي لا تشكل بعدا في الصراع فستبقى المستوطنات في مكانها. وهي لا تشكل خطرا على السلام لأنه، كما يدعي، فالسلام ليس على جدول الأبحاث، ولذلك فإن معارضة اليسار للمستوطنات ليست ذات قيمة. هذا الادعاء هو بمثابة دائرة مغلقة. لقد قرر بنڤنستي أن المناطق لن ترجع للفلسطينيين، ولذلك من الممكن تجاهل الدور الحقيقي للمستوطنين بصفتهم الكتائب الامامية للضم ولسلب الفلسطينيين، ويطلب منا ان نمتنع عن شجب المستوطنين بالرغم من استفزازاتهم العنصرية اليومية.
من الواجب ان نشير انه حتى لدى اقامة الدولة الواحدة، فسيشكل المستوطنون مصدرا دائما للتوتر والعنصرية والعنف. ولذلك فإن معارضة اليسار للمستوطنين، في الامس واليوم وفي الغد، لا تشكل أداة، إنما إسهاما سياسيا وأخلاقيا هاما للعيش المشترك بين الشعبين.
ولذلك فان المساواة بين اليمين واليسار في هذا الموضوع هو أمر سيئ. حسب بنفنستي فان معركة اليسار من اجل السلام هي خطرة وغير أخلاقية، كما هو الامر لدى اليمين، حيث يحاول زعران اليمين الفاشي السيطرة على الضفة ويطالبون بتوجيه العقوبات ضد الفلسطينيين، بينما يفسر لنا بنڤنستي ان المستوطنات ما هي إلا معروضات في متحف، لا أهمية لها.
ويتهم بنفنستي معارضي المستوطنات بخلط الأوراق فجميع الاتجاهات في المجتمع الإسرائيلي مؤيدة للنظام في المناطق. في حالات عديدة فان معارضة المستوطنات تثبت ان هنالك جهات ومصالح معنية بنظام الاحتلال. وهذه الأمور واضحة فيتم ذلك بشجب المستوطنات ولكن أسوأ من ذلك فبنفنستي يتبنى الشعار الماركسي الأكثر قدما ( ما دام يخدم مصالحه) حين يقول أن الجميع من أبناء الشعب المضطهد يربح من الاحتلال والجميع معنيون بنفس المقدار باستمرار الوضع على حاله. ولكن ليس كلهم رابحين من الاحتلال ومحاولة استبعاد شعب كامل أدت إلى خسائر وأضرار للشعب المضطهد، وهذا الأمر صحيح ايضا بالنسبة لإسرائيل، الربح من الاحتلال يشمل الحروب المستمرة، كل بضع سنوات وان تعيش المنطقة في بحر من التوتر العسكري وسنعود الى ذلك.



//إختفاء الاحتلال
حسب ادعاء بنفنستي فان اعتبار الوضع الحالي بمثابة احتلال هو خطأ فادح. وفي محاولة لبرهنة نظريته الاساسية بأننا نعيش في واقع ثنائي القومية- يعرض عدة حجج، فهو يعتقد ان ما يجري في الضفة ليس احتلالا. ولسبب ما يفترض أن الاساس الحيوي لكل احتلال هو انه عابر، وبموجب ادعائه فيما اننا نقف حيال وضع جديد يتميز بالديمومة، فما نراه في المناطق يفتقد مميزات الاحتلال، هذا ليس احتلالا انه امر دائم، وبما ان اليسار يريد رؤية الاحتلال بأنه حالة عابرة فهو اي اليسار وبشكل اعتباطي يختار تسمية هذا الواقع بالاحتلال.
بنفنستي يحدد وبحق ان اسرائيل تقوم باعمال عديدة في المناطق، لا تتوافق مع التعريف القانوني للاحتلال، وهذا يشمل الضم الرسمي غير الرسمي. لقد انتبه اليسار لهذا النشاط، وباللغة اليومية تمت تسميته " الضم الزاحف" ولكن التعبير الأكثر علمية هو "الكولونيالية".
اسرائيل تستخدم الاحتلال كقاعدة امامية للضم وللتوطين على ارض محتلة، من خلال انتهاك القانون الدولي الذي يعتبر هذا التوجه للضم نتيجة مباشرة للاحتلال وليس كنقيض له. ولأسبابه الخاصة به، يحاول بنفنستي اقناعنا ان هذا ليس احتلالا، بسبب هذه المظاهر، الأكثر ديمومة. ولكن الدافع الاسرائيلي للحصول على موارد ثابتة أكثر يؤكد بالضبط أننا بصدد حالة احتلال، ولذلك فاليسار محق تماما في اختيار تعريفاته، ولكن لبنفنستي هنالك حجج اخرى في محاولته الاقناع بان الحديث لا يجري عن احتلال.



//بنفنستي يبشر بموت القومية الفلسطينية
المراقبون الذين يتابعون التطورات في المنطقة يعرفون ان اسرائيل من خلال سيطرتها وسياساتها استطاعت تقسيم الشعب الفلسطيني لخمس مجموعات: 1- الفلسطينيون مواطنو اسرائيل 2- الفلسطينيون في القدس3- الفلسطينيون في الضفة الغربية 4- الفلسطينيون في غزة 5- الفلسطينيون في الدول العربية. ونتيجة لذلك يدعي بنفنستي ان "القومية الفلسطينية" تم تحطيمها، وان المجموعات المختلفة تبنت هويات مختلفة، وأكثر من ذلك فلدى هذه المجموعات مميزات ثقافية ولغوية مختلفة.
وهنا، بموجب بنفنستي، يجب العودة الى قائمة الخطايا الكبيرة التي اقترفها اليسار: فاسرائيل تدعي انها موجودة تحت خطر الابادة نتيجة التهديد الاسلامي الفاشي واليسار يؤكد صحة هذا التهديد وذلك لانه لا يقبل نظرية بنفنستي بشأن اندثار القومية الفلسطينية، بدل ذلك فان "اوساط اليسار" و"معسكر السلام" يواصلون حديثهم عن العبارة الرومانطيقية بوجود شعب فلسطيني موحد في نضاله من اجل الحرية. ( وفي النقاط التي يوردها يدعي بان الحديث يجري عن جاليات وليس عن حركة قومية. ويرى كذلك بأن اسرائيل هي مجموعة جاليات اكثر من كونها مجموعة قومية. بالطبع كان من الاسهل تجميع الجميع في اطار ثنائي القومية ما دام لا توجد هنالك قوميات تعطل ذلك).
يحاول بنفنستي ان "يساعدنا" على فهم عملية اندثار القومية الفلسطينية، من خلال وصف نماذج التفكير السياسية والنفسية، في مجتمعاتهم المختلفة. وبموجب هذا التفسير فان المجتمعات المختلفة مشغولة تمامًا بقضاياها المميزة وبتحسين أوضاعها، ولا يهمها مصير الشعب الفلسطيني. بالطبع هذه التوجهات قائمة، ولكن وصف الشعب الفلسطيني كخمس مجموعات مختلفة، كل منها يهتم بوضعه الخاص، هو تصوير كاريكاتوري .



//تغير النموذج
يعلن لنا بنفنستي انه يجب البحث عن نموذج اخر من اجل تقييم الوضع حيث رجعت اسرائيل وفلسطين لتشكلا وحدة جيوسياسية واحدة، بعد (19 عاما) من الوجود المستقل، وبعد (40) عاما على الاحتلال. وبالنسبة له فان مصطلح "نظام ثنائي القومية دي- فاكتو" فضل من نموذج احتلال وواقعون تحت الاحتلال، وذلك للعلاقة التبادلية بين المجتمعين، وللعلاقات المادية، الاقتصادية، وفي الرموز والثقافة الساندة بينهما، التي ليس من الممكن فصمها بدون دفع ثمن باهظ.
ان وصف الوضع بانه "ثنائي القومية دي- فاكتو" لا يدل على المساواة بين الاسرائيليين والفلسطينيين، بل على العكس من ذلك فانه يؤكد السيطرة المطلقة للقومية اليهودية الاسرائيلية على القومية الفلسطينية الممزقة جغرافيا واجتماعيا.
كل الثغرات الخطيرة في هذا النموذج، مركز في هذه الفقرة، ان الفكرة الاساسية لنظام ثنائي القومي تتطلب بشكل واضح، ان يكون نظام امتين، وهذا الاصطلاح يتطلب نوعا ما من شراكة متفق كلها في السلطة وإدارة الكيان على الأرض. ان التفسير، او على الاصح التبرير، الذي يقدمه بنفنستي لهذا التعريف للنظام بأنه " ثنائي القومية" متبادل. ولذلك فان محاولة تعريف الوضع القائم بين اسرائيل والاراضي المحتلة كنظام ثنائي القومية لعلاقة متبادلة"هو ببساطة عمل اعتباطي. لا يمكن القول أن الاصطلاح "نظام ثنائي القومية" يتم ترجمته في السيطرة الاسرائيلية القائمة على المجتمع الفلسطيني المضطهد. بشكل عام يوجد مدى معين من العلاقة التبادلية بين الامم المسيطرة وبين الامم المضطهدة. بنفنستي يحاول، ولكن لا يستطيع ان ينقض النموذج القائم: احتلال عسكري هو بمثابة قاعدة للتدخل الكولونيالي. يتمسك بنفنستي باصطلاح "ثنائي القومية" بينما في الواقع لا يوجد اي نظام ثنائي القومية، بل يوجد نظام لسلطة قومية واحدة، اسرائيل. لا يوجد في هذا الواقع شيء من "ثنائي القومية"، عدا العلاقة المتبادلة بين المضطهِد والمضطهَد..
وبدون تفسير، يرفض بنفنستي الاعتراف بالعلاقة الوثيقة بين الاحتلال العسكري، وبين تطور توجهات لدى الشعب المضطهد للسيطرة على مواقع جذابة، وتقييد القومية المضطهدة داخل كيانات صغيرة. ان التوجهات الكولونيالية لا تتناقض مع الاحتلال، بل تشكل افرازا طبيعيا له. حين تقضي على الاحتلال العسكري، ستذوب انذاك التوجهات الكولونيالية.
يدعي بنفنستي انه لا حاجة هناك للتخلص من الاحتلال ومن الاستغلال الكولونيالي لان الحقيقة اننا نتحدث عن وحدة جغرافية واحدة ستضمن مسارا حتميا نحو " ثنائية القومية في الادارة"، وكما رأينا فان بنفنستي يرتكب خطأ فادحا، حين يعتبر محاولة الاسرائيليين اقامة مصانع كولونيالية في المناطق لا تتلاءم مع النموذج الكولونيالي لان الكولونيالية لا تفرض اقامة مصانع ثابتة، واستغلال اقتصادي، بالرغم من الاثباتات التاريخية بان مصانع كولونيالية كثيرة قد تراجعت فان الكولونياليين يواصلون محاولاتهم. ان نظرية بنفنستي الاساسية تتجاهل الحقيقة البسيطة، ان السيطرة الكاملة على الشعبين موجودة فقط بحوزة القومية المضطهدة.
هنالك طرف واحد وهو اسرائيل، يشارك في نظام "ثنائي القومية" ولكن في "ثنائية القومية" تعترض وجود بعض الاتفاق بين الحركتين القوميتين ولكن لدى مواجهتنا الحقيقة الواضحة ان الفلسطينيين كقومية يرفضون الذوبان في القومية الاسرائيلية، ويتمسكون باهدافهم القومية، امام الاغراءات والتهديدات، يؤكد الأمر ان النظام هو احادي القومية من رأسه حتى اخمص قدميه.
قليلة هي العمليات الاجتماعية والسياسية في التاريخ التي يمكن اعتبارها حتمية وغير قابلة للتراجع. لا يمكننا اليوم ان نحدد مستقبل الانظمة في المنطقة، بالطبع هنالك امكانيات مختلفة لحل النزاع الحالي، ومن بين هذه الاحتمالات هنالك احتمال الاحتلال والضم في الفترة القريبة. ولكن توجد هنالك امكانيات لتحولات حادة توازن القوى المنطقية والعالمية وهذه التحولات بامكانها ان تقود لحل الدولتين او لتغيير ثوري في المنطقة. من غير المنطقي الاعتماد على النجاحات الاسرائيلية في المصادرة والضم، او على الهوة الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة بين اليهود والفلسطينيين لاثبات وكأن الحديث يجري عن نظام دائم وعصي عن التغيير.
يحاول بنفنستي ان يقول لنا ان "ثنائية القومية" هي وصف الواقع الحالي. ولكن علينا هنا فحص أمرين، اولهما تاريخ "ثنائية القومية" في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وهنا بنفنستي ينسب لهذا الامر اهمية مبالغا فيها، والجانب الحيوي الاخر هو الجوانب العالمية والمنطقية، وبنفنستي يتجاهل هذا الجانب.
نريد التأكيد هنا ان رفض الفلسطينيين قرار التقسيم في العام 48 لم يعبر عن امنية لتحقيق "ثنائية قومية" بل عبر عن الرفض للادعاء القائل بأن لليهود حقوقا قومية في فلسطين. ومن جهة اخرى فان " الحكم الذاتي" الذي اقترحه بيغن على الفلسطينيين لم يكن مثلا "لثنائية القومية" بل كان محاولة لتقليص القضية الفلسطينية الى مستوى بلدي- محلي-مدني.
يحاول بنفنستي وضع "قيمة" لعدم تقسيم البلاد، حيث يتضمن كلامه اشارة بأن الذي يعتبر البلاد هامة له حقا فهو يرفض تقسيم البلاد. حقا انه توجه رومانسي، لان المشاعر تمثل مكانة كبيرة هنا ان تاريخ "التقسيم بدل فلسطين موحدة" يؤثر قليلا، اذا كان يؤثر، على مصير النزاع.



//الاستقرار في المناطق في بيئة غير مستقرة
يصف بنفنستي الوضع القائم في المناطق وكأنه استقرار، وحتى لو سلمنا بما يقول فلا يمكننا ان نفصل ذلك مع عدم الاستقرار المنطقي والعالمي المستمر.
يجب بالطبع ان نعترف بالاخطار الكامنة بنجاح اسرائيل في محاولتها لخلق واقع قائم جديد وثابت. ولكن سوية مع ذلك توجد اسباب كثيرة لرفض نظرية بنفنستي، وخاصة ان هذا الوضع القائم المحلي هو غير ثابت بالضرورة في منطقة غير ثابتة في العالم اليوم.
اليأس هو الذي يجعل بنفنستي واخرين من اصحاب النوايا الحسنة، يتجاهلون المحيط المنطقي والعالمي. الخلفية اذا واضحة، انه التلون الذي يميز اوساطا واسعة عالمية لدى التطرق للقضية الفلسطينية، ولكن ذلك لا يجب ان يمنعنا من الاخذ بعين الاعتبار للدور الحاسم للقوى العالمية والمنطقية.
ان المفتاح لفهم الاحداث في منطقتنا هو حقيقة ان المشروع الاستيطاني الاسرائيلي مستمر ومتطور طوال هذه السنوات، نتيجة العلاقة المميزة مع الولايات المتحدة .
هذه العلاقات المميزة كانت في خدمة استمرار السيطرة على الاراضي المحتلة. الولايات المتحدة تدافع عن اسرائيل امام التنديد الدولي. الولايات المتحدة تعتمد على اسرائيل في مواجهة تهديد سيطرتها في الشرق الاوسط، في العراق وباكستان حتى ايران. ان قوى السلام والعدالة في الشرق الاوسط تقف في مواجهة عدو قوي جدا.
ان ادعاءات بنفنستي مبنية على مشاعر اليأس التي تعززت في اعقاب قيام الولايات المتحدة بتحطيم الامال التي علقت عليها بأن تعترف بموجب القانون الدولي بعدم شرعية الاحتلال والجرائم التي ترتكبها اسرائيل.
ان الهوة الكبيرة بين التصريحات الواضحة المؤيدة للشعب الفلسطيني على المستوى السياسي الرسمي في جميع دول العالم تقريبا وعدم الاستعداد للعمل بشكل مثابر من اجل ذلك، يقود لليأس وللاحباط، ولكن ليس بالامكان تجاهل الحس العالمي الآخذ بالتعاظم المؤيد لنضال حركة السلام من اجل فضح الطابع الحقيقي لسياسة اسرائيل.
في الشرق الاوسط وفي اسيا الوسطى- هنالك وضع من عدم الاستقرار، النابع بالاساس من انحسار السيطرة الامريكية. ولذلك علينا فقط ان نستعرض الاوضاع في غزة وفي لبنان وفي سوريا وفي العراق وفي ايران وفي باكستان وافغانستان؛ في جميع هذه الاماكن يعيش الاستعمار الامريكي في ازمة، ولذلك كل من يعتمد على السيطرة الامريكية هو غير ثابت وكل الثابت عابر. بنفنستي الذي يظهر وكأنه محايد بالنسبة للدور الامريكي وبالنسبة للاستقرار الاسرائيلي الفلسطيني، اختار عدم خوض اي نقاش جدي حول السياق المنطقي والعالمي في هذه المرحلة بالنسبة لاسرائيل وفلسطين.
بالطبع من غير الممكن توقع كيف ستتطور الاحداث في هذه الازمة، وتأثير ذلك على المشروع الاستيطاني. لا حاجة هنا للخصام حول افضلية حل الدولتين او الدولة الواحدة، المهم الان اكثر من اي وقت مضى، هو رفض كل نظرية تتجاهل الحاجة الحيوية لفضح الطابع الاجرامي للاحتلال والمستوطنات.



// الى اين نسير؟
بنفنستي يريد ان يقودنا الى الحائط المسدود، بشأن نظريته حول " نظام ثنائي القومية دي- فاكتو". الجماهير الفلسطينية واوساط قيادية فلسطينية واسعة ترفض التسليم بالاحتلال وبالضم الكولونيالي كحقائق ثابتة.
الفلسطينيون واسرائيليون تقدميون، واوساط واسعة في الرأي العام العالمي، يفضلون حل الدولتين كالحل الافضل والاكثر واقعية للتحقيق.
ومن جهة اخرى، ماذا سيكون برنامجنا اذا قبلنا تحليل بنفنستي باعتبار إدانتنا بشاعة وجرائم الاحتلال وكأنها أمور عفا عليها الزمن؟ هل علينا التضحية بجهودنا المتواصلة الى اقامة الجبهة الاوسع ضد سياسة اسرائيل للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني؟
ماذا يعني مصطلح " نظام ثنائي القومية دي- فاكتو" المبني على خيبة الامل واليأس. نظرية بنفنستي تضخم انتصارات النظام الاسرائيلي. وفي نفس الوقت فهي تعمل على تقزيم نجاحات المعارضة السياسية والاخلاقية في اسرائيل ومؤيديها في العالم. نظرية بنفنستي تفترض ان اسرائيل تعمل في محيط هادئ وداعم ولكنها في الحقيقة تقفز نتيجة الهلع العسكري.
حتى لو لم يعتقد ذلك، فنظرية بنفنستي هي نشيد استسلام للوضع القائم غير المحتمل. انتصار التوسع الاسرائيلي ليس حتميا وهو قابل للتغيير والنضال مستمر.



#رئوفين_كامينر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تحويل الرحلات القادمة إلى مطار دبي مؤقتًا بعد تعليق العمليات ...
- مجلة فورين بوليسي تستعرض ثلاث طرق يمكن لإسرائيل من خلالها ال ...
- محققون أمميون يتهمون إسرائيل -بعرقلة- الوصول إلى ضحايا هجوم ...
- الرئيس الإيراني: أقل عمل ضد مصالح إيران سيقابل برد هائل وواس ...
- RT ترصد الدمار في جامعة الأقصى بغزة
- زيلنسكي: أوكرانيا لم تعد تملك صواريخ للدفاع عن محطة أساسية ل ...
- زخاروفا تعليقا على قانون التعبئة الأوكراني: زيلينسكي سيبيد ا ...
- -حزب الله- يشن عمليات بمسيرات انقضاضية وصواريخ مختلفة وأسلحة ...
- تحذير هام من ظاهرة تضرب مصر خلال ساعات وتهدد الصحة
- الدنمارك تعلن أنها ستغلق سفارتها في العراق


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - رئوفين كامينر - نقاش حول -ألنظام ثنائي القومية دي فاكتو-: إستقرار على فوهة بركان