أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبدالعزيز البرتاوي - القاتل .. لا يكرّم المقتول !














المزيد.....

القاتل .. لا يكرّم المقتول !


عبدالعزيز البرتاوي

الحوار المتمدن-العدد: 2941 - 2010 / 3 / 11 - 20:03
المحور: حقوق الانسان
    


حتى الآن ، لا جديد. الوفاء لا يرتبط بالمواسم. والرجال أكبر من توقيت ورقة تقويم ، وذكرى عابرة. لماذا لم نتحدّث عن فرمان من قبل. لماذا لا زلنا "نتحدّث"، أعني "نسولف" عن فرمان حتى الآن. السؤال الأكثر بشاعة: لماذا لم نكرّم فرمان حتى الآن. السؤال الأخير في لعبة التساؤلات التي تجري في وطني: من هوَ فرمان أصلاً.
فرمان يا صديقي، عامل"بقالة" بسيط، "أجنبي" ووحيد، يُقرض الناس، في أغنى بلد نفطي، يمدّ لهم دفتره الممتلئ بتواقيعهم وديونهم، بعهودهم ووعودهم، أن يكون حضورهم لديه يوم الراتبِ أكيداً، هو الذي كان يصدّقهم، ويعرف أنّهم فقراء، كهوَ، وأنّ كل الذي عليه، أن يذكّرهم بذلك الموعد، وضحكة بسيطة، علّ هماً طويلاً، ينجلي.
لا تصدّق يا عزيزي، قصة رجل الجوازات، الذي وبخه يوماً لاقتراب انتهاء تأشيرته. ولا تفكر بأن فرمان، تذكر دفتره الممتلئ بتأخير مواطني رجل الجوازات هذا، عن سداد ديونهم، ولا تقل لي بأي طريقة، كان أطفال الحي "العشوائيّ" البسيطِ الغريقِ البعيد، الذي كان يسكن فرمان وإياهم، ينادونه بها، ولا تقل لي بأنّ المطر منحنا منحتين: منحة أن نتخلص من دفتر فرمان، الممتلئ بمواعيد سداد فقرنا، ومنحةَ أن يزورنا المسئول، فيعرفَ سعادته أنّ هذا الحيّ يقع في مدينة جدة، عروس البحر الأحمر، لا في مقديشو، عروس الموت الأسود.
مات "فرمان"، رحل قبل أن تكون له العنصرية بالمرصاد،. فرمان، "عامل أجنبي"، "صديق"، "رفيق"، أي شيء آخرَ يمكن أن يكون إلا أن يتعلّم تلحين أغنية: "ارفع راسك إنت سعودي ، غيرك ينقص وانت تزودي".
حين وقّع "فرمان" على تأشيرة دخوله لهذا البلد، كان فيها عدّة محاذير، أن لا يسافر إلا بإذن "كفيله"، وأن لا يعمل أي عمل، إلا المنصوص عليه في دفتر إقامته، وأن لا يخالف نظام الإقامة ومواقيتها، وأن لا، وأن لا. وهو لم يخالف ذلك أبداً، لكنّ الإنسانيّة كانت أكبر. تعاقد من النبل، وقّع عقدا مفاجئاً مع البطولة، أنقذ 14 نفساً، بالطبع، دون إذن الكفيل، ولا الحكومة، ولا الموتى/الأحياء أنفسهم.
***
هو الأجنبيّ العابر إذاً، ونحن المواطنون الدائمون، في تربية وعبارات من سياق "إحنا أحسن من غيرنا"، رأينا كيف يخذلنا المسؤول ، الباحث عن الكاميرا قبل الضحية ، وعن الصحيفة قبل الحفرة ، وعن التبرير قبل التحقيق.
هو يا صديقي، ليس مشروع تخوين، ولا تسفيل لما قام به الآخرون، ولا هو أيضاً، بمنصة تكريمٍ المسئولينَ، الآخذينَ رزم رواتبهم أصلاً من أجل هذا العمل، والذين كنا نودّ أن ندرك حجم "ارتياحاتهم" الدائمة، في تعبهم اللاحق هذا، ولو في إبلاغ الأحياء التي داهمتها السيول، بعد ساعتين من وقوع المطر، لكن .. "ما عندك أحد" !
هو مشروع حساب، لو كان فينا مثل "فرمان" قليلاً، لنقصت مواد اليوتيوب، والصور الصحفية، والجوالات/الكاميرات، والتغطيات الخاصة، ما سيزيد بدلاً منها، أعداد الأحياء، وأمثلة البطولة، ونماذج الشهامة، ولرأينا شجاعتنا في عرض الشارع، لا في ضيق الكاميرا، في وحول الأرصفة، لا في عناوين المنتديات، وردود" يسلمو .. والله مرّة شجاع " !

***
طبعاً، صديقيَ الراحل فرمان، إنهم الآن، يتسوّلون المسئول نفسه، أن يبحث لك عن شارع يمنحك اسمه، كي يدوسوكَ أكثر. وربما كي يغرق الشارع في مطر قادم، فيرى عابر "أجنبي" اسمكَ على الطريق فيتذكّر البطولة، وربما لأنّ الشوارع لدينا رخيصة، ولأنّه لا يمكن أن نمنحك، وسام الملك من درجة مميزة، يشبه تقريباً الوسام الذي منحنا لصديقنا "ديك تيشني"، يوم زار الرياض، بعد قضائه على أطفال بغداد، وجوامع البصرة. ويشبه أوسمة أبناء العائلات المترفة، الذين يحصلون عليه بالنسب والحسب والبطون المترهلة. ولأنّك فقير، ولأنّ لدينا أثرياء، سيمنحون عائلتكَ نقوداً، وبيتاً، وعلاجات، وعجلات، وزيارات، وربما نجنّسهم، كي يكونوا بيننا في "غرقٍ" قادم.
***
إننا لا نمانع مثل هذا، لا نرفضه. فقط .. نريد أن تكون هديتنا الأولى لفرمان، هي أن نقول للأجنبيّ العابر، أنت أخونا، ونحن ذووك.
أن نرحم مرأى العمال المهاجرين في كدّ الظهيرة. أنّ تكسرنا ملامحهم، وهم يكدحونَ، بينما أعينهم هنالك في البعيد، تفكّر في طفلةٍ وطفلين، في أب وأم وزوجة شابةٍ تنتظر. أنّ ندرك ولو بجولة عابرة، أيّ أماكن مغلقةٍ، سيئة التهوية، والمعيشة يسكنون. أن نعرف أنّ هنالك بيننا، آلاف المواطنينَ الآخرين، لا يمنحونَ هؤلاءَ رواتبهم، إن لم يأخذوا منها فرضاً شهرياً، وجزية دائمة.
أن ندرك أنّا نشأنا في بيئة، تقول للخادمة المنهكة، قومي ليلاً متأخرا، كي تعطي الطفلَ المدلّلَ كأس ماء، وللسائق المهموم برسالة حبيبته، قم الآنَ لأنّ مراهقة تريد أن تغيّر تلبيسة الهاتف المحمول. ولأنّ نفس القضية/الكارثة، أرتنا مقطعاً، كان فيه "فرمان" السعودي هذه المرة، يقول للمتطوّع الذي يوزع الحاجات على المتضرّرين: " سعودي أعطيه..أجنبي لا تعطيه!".
نريد أن يكون فرمان، هديتنا الأولى، في احترام الأجنبيّ المقيم، في ظلّ وجود المواطن الراحل، خصوصاً مع فترة الشتاء الصائف هذا، وتقلّب الأجواء، ومن يدري، أي مطر سيأتي، وأي "فرمان" سيكون القادم.



#عبدالعزيز_البرتاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي أثناء اعتقال شاب في الضفة الغر ...
- فيتو أميركي يفشل مشروع قرار منح فلسطين العضوية في الأمم المت ...
- مساعد وزير الخارجية الأسبق: عرقلة منح فلسطين عضوية بالأمم ال ...
- اعتقال أكثر من 100 شخص خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين في جامعة كو ...
- السعودية تأسف لفشل مجلس الأمن في اعتماد مشروع عضوية فلسطين ا ...
- فيتو أمريكي يمنع عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وتنديد فلسطين ...
- الرياض -تأسف- لعدم قبول عضوية فلسطينية كاملة في الأمم المتحد ...
- السعودية تعلق على تداعيات الفيتو الأمريكي بشأن عضوية فلسطين ...
- فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي ...
- حماس تحذّر من مساع -خبيثة- لاستبدال الأونروا


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبدالعزيز البرتاوي - القاتل .. لا يكرّم المقتول !