أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسن حمود الفرطوسي - المشعل ... و 14 تموز المجيدة ... وصندوق ابي















المزيد.....

المشعل ... و 14 تموز المجيدة ... وصندوق ابي


حسن حمود الفرطوسي

الحوار المتمدن-العدد: 894 - 2004 / 7 / 14 - 07:22
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


كنت قد اعتدت ان اصطحب اختي الصغيرة من والى المدرسة .. كانت تحث خطاها خلفي متعثرة بحقيبتها المدرسية التي تبدو اكبر منها ، الا انها دائما تصرّ ، بخبثها الطفولي على ان تحملها بنفسها ...
المشعل.. كلمة المشعل هنا قد تفقد خاصيتها المتخيلة لشكل المشعل امام عنونة المشعل ( كنصب ) او بشكل ادق ، ان ابناء مدينة الشطرة حينما ينطقون هذه الكلمة _ المشعل _ يغيب عن بالهم شكل المشعل الموجود في قراءة الصف الثاني الابتدائي ، بل كل الذي يتشكل في الذاكرة اثناء النطق هو نصب مشعل الحرية العملاق الذي كان ينتصب شامخا يتأمل حركة الحياة و حركة النهر الذي ينساب بوداعة .. ينتصب المشعل بشيء من الطمأنينة قرب جسر الحاج خيون ال عبيد ، المؤدي الى قصره .. المشعل لا يقل هيبة من القصر في نفوس الناس اذ انه استحال الى عنوان .. وليس من الصعب على زائريك الاستدلال على بيتك اذا كنت تسكن قريب من المشعل ...
المشعل يتوسط المسافة بين البيت وبين مدرسة اختي الصغيرة .. كانت قد تعلّمت القراءة والكتابة .. المرّة الاولى التي تمكنت من القراءة بصوت مرتفع ما كتب ، حفرا ، على رأس المشعل ..... تعيش ثورة 14 تموز المجيدة .... كانت فرحة جدا ، حتى انها سارعت باخبار ابي ، حال وصولنا الى البيت ، بأنها قرأت ما كتب على المشعل لوحدها _ عاشت ثورة 14 تموز المجيدة _ ارتسمت على وجه ابي ابتسامة غامضة ، ما كدت افهمها ، لولا انه انعش مساءنا بفتح صندوقه الخشبي الذي لا يفتح الا نادرا والذي ليس بوسع احد سواه ان يعرف ما في الصندوق .. عادة ما نهنأ بليلة جميلة حين يفتح صندوق الاسرار ، في كل مرّة نكتشف سرا .. هذه المرّة كانت اختي الصغيرة هي السبب في فتح الصندوق .. تناول منه كيسا من النايلون الازرق ، فتحه بعناية شديدة واخرج منه كتلة ورقية بحجم الكف ، يبدو عليها انها مطويّة منذ زمن بعيد ، فتحها ، ثم فرشها على سريره .. كانت صورة الزعيم عبد الكريم قاسم ( رحمه الله ) وقد تهالكت حافات الورق امام الزمن في غياهب ظلمة الصندوق .. كانت قد ارتسمت خطوط عمودية واخرى افقية على الصورة .. خطوط الزمن على مسامات الورق .. كادت الصورة ان تتجزأ الى ثمانية عشر جزءا لكن الوانها ما زالت زاهية مما اغراه ان يطلب مني ان اجلب له ، لفّة الشريط الشفاف اللاصق ، الذي يستعمل عادة للصق العملة الورقية القديمة .. امضى ليلته بسحب الاشرطة الشفافة لتلتصق متجاورة على سطح الصورة ، بينما اسهب يحكي لنا حكايته .. قال : هذا الزعيم الطيب الذي علقتْ صورته بالقمر،
فقدناه بسرعة ، شأنه شأن كل حلم جميل .. لعنة الله عليك يا ابو الدسايس ، ثم عاجلنا بالقول ان ابو الدسايس هو عبد الناصر ، دون ان ينتظر استفهامنا عن من هو ابو الدسايس .. ادركت حينها ان الدسيسة تأتي من هناك .. مات الزعيم وحيدا بعد ان واجه القبح كلّه ...... اودعها في صندوقه الخشبي بعد ان اتمم طلاء سطح الصورة بالاشرطة اللاصقة ، بعد ان اودع فيٌِِِِِِ سر من اسرار الصندوق .. حذرنا جميعا من ان نقول لأحد ، ان صورة الزعيم عندنا .
تسللت الى سطح الدار ، لعلّي المح صورة الزعيم في القمر ، خيّل اليّ اني لمحتها ؟! لكنها لا تشبه الصورة الموجودة في صندوق ابي .. تماديت في التسلل تحت جنح الظلام ، وجدتني امام المشعل اتفحّص جوانبه ، علّ الصورة تهبط من القمر متخفية بالليل ، لتلتصق على جداره .. ليس هناك صورة !! ليس سوى الكلمات التي حفرتْ على قبّة المشعل والتي تمكنت من رؤيتها بوضوح رغم ظلمة الشارع .
بعد تلك الليلة ، صرت اسمعها كل يوم من اختي الصغيرة وهي تحثّ خطاها الناعمة خلفي : تعيش ثورة 14 تموز المجيدة .. بينما هي تلتفت الى الخلف لتتأكد من تهجئة الحروف ...
عدت الى المدينة بعد سنوات من الضياع ، فلم يكن المشعل موجودا .. ما زالت قاعدته تتوسط الساحة وليس سوى قضبان التسليح المنبثقة من الارض والتي تلوّت من مرارة الذبح !!
ترى ؟؟ لماذا ذبحوا مشعل الحريّة ؟؟ هل يعقل انهم يخافون ان تنزل صورة الزعيم من القمر لتحفر نفسها على جدار المشعل ؟! كما كنت اعتقد عندما كنت صغيرا ؟؟ . هناك اسطورة عند البرازيليين تقول ان السمكة ( بوتو ) _ الذكر _ يتحوّل في الليل الى رجل بعين واحدة ، يرتدي الابيض ويرتدي كذلك قبعة بيضاء ليحاول فيها اخفاء عينه الواحدة ، يخرج الى الساحل ويراقص الصبايا ، ثم يختار واحدة منهنّ ويمارس معها الحب ، فتحبل الفتاة من بوتو ... يقال ان بداية الاسطورة كانت من قبائل الامزون في شمال البرازيل ، حيث ازداد عدد الفتياة اللائي يحبلن من دون ان يعلمن من هو الاب الحقيقي على وجه التحديد فتكتفي الفتاة منهنّ بأن تقول بنوع من الخجل : انّه بوتو !!!. لفترة طويلة والناس تمنع بناتهم من الذهاب الى الساحل ، لكي يجنبونهن غواية بوتو المحتال .. ورغم ذلك بقي الحال كما هو عليه في عدد اللواتي يحبلن من بوتو .. الا ان الاسطورة مازالت باقية على قيد الحياة وبوتو ما زال يحبّل . والساحل مليء بصبايا الامزون ، يتقافزن مثل القطط البريّة .. لم يفكّر اي من رجال الامزون في ان يقتل الساحل او يقتل الصبايا او يقتل بوتو _ بوتو يعتبر خارج حدود الارادة ، النساء فقط بوسعها ان تراه _
هل ما كنت اعتقده بنزول صورة الزعيم من القمر الى قبّة المشعل قد تحوّلت الى اسطورة تمسّك بها البعثيون عندما شرعوا بذبح المشعل ثم وضعوه في شاحنة لتلقيه في احد مقالع القمامة على حدود قرية الفتاحيّة .. كأنهم اقتطعوا رئة المدينة ! .. قيل لي ان حسين هاشم ( المصوّر) كان سكرانا ذات مرّة ، طلب من سائق سيارة الاجرة ان يتوجه الى مقلع القمامة حيث المشعل يجثو ، بكى طويلا هناك ، بكى بحرقة ، قبّل التمثال ، كأنه يمارس طقسا بوذيا ، بينما سائق سيارة الاجرة يراقبه بذهول .. شدّه الحنين الى ايام ما قبل الخراب .. ايام كان فيها حسين هاشم يتجول بكاميرته حول المشعل ايام الاعياد ليلتقط صورا لعشاق المشعل وهم يفترشون دكّته .. ومضة ضوء قوية تتجمد خلالها لحظات من الزمن لتغوص في داخل عدسة كاميرته ...
بعد ان عدت الى المدينة بعد سنوات من الضياع ، لم اجد المشعل ولم اجد ابي ولم اجد اختي الصغيرة ولا الصندوق الخشبي ، كل الذي استطعت ان اعثر عليه هي صورة الزعيم _ ذات الشريط اللاصق طبعا وليست النازلة من القمر _ لأني لم اعثر على القمر هذه المرّة . ونسيت ان اسأل حسين هاشم ، اذا كان قد صوّره .

14 تموز 2004



#حسن_حمود_الفرطوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصل السكّين


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسن حمود الفرطوسي - المشعل ... و 14 تموز المجيدة ... وصندوق ابي