أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يوسف بكير - ذكريات حب الطفولة














المزيد.....

ذكريات حب الطفولة


محمود يوسف بكير

الحوار المتمدن-العدد: 2937 - 2010 / 3 / 7 - 22:59
المحور: الادب والفن
    




أمسكتني أمي من يدي وهى تقودني إلى المدرسة في أول يوم دراسي في حياتي أتذكر ذلك اليوم جيدا ، لم تكف عن إعطائي النصائح والتعليمات طوال الطريق:
كن مطيعا لمعلمة الفصل ... حافظ على حقيبتك ... كل طعامك ...المدرسة ستصنع منك إنسانا منظما ... كفاك فوضي وشقاوة ... لا تتعارك مع أحد ... إذا ضربك احدهم اشكه إلى المعلمة ..........الخ .
كنت أشعر بالخوف طوال الوقت وأنني مقبل على معركة لا طاقة لي بها وسيطرت علي رغبه جامحة في الفرار ولكن إلى أين !!
وعند بوابة المدرسة سلمتني أمي إلى أحد المشرفين الذي قادني بسرعة إلى فناء واسع يعج بتلاميذ وتلميذات من مختلف الأعمار يصرخون ويجرون في كل اتجاه مما ضاعف من خوفي واضطرابي. تركني المشرف في ركن معين من الفناء مع مجموعة من أقراني من التلاميذ والتلميذات الجدد كان معظمهم يبكي بحرقة مما شجعني على الافراج عن شحنات الخوف والحزن التي بلغت ذروتها بداخلي فانخرطت معهم في بكاء مر على حريتي التي سلبت مني فجأة وكرهت امى التي ألقت أبى في هذا المكان الكئيب المرعب .
بعد قليل حضر أحد المشرفين إلى ركن الأحزان وأمرنا أن نكف عن البكاء و إلا تعرضنا للعقاب وبدأ مشرف آخر أو مدرس- لا أدري- يقف في الدور الأول يصرخ في ميكروفون بأعلى صوته بأنه على من يسمع أسمه من المستجدين أن يتقدم إلى الأمام. أصابنا صوته الجهوري بحالة فزع فبدأنا نبكي من جديد وما أن سمعت اسمي حتى تحول بكائي إلى نحيب .
اصطففنا في طوابير وصعدنا إلى الفصول وعلى باب فصلي ودعت أيام الفوضى اللذيذة وتذكرت أخي الصغير بحقد فلا بد انه يلعب بحرية الآن وانخرطت فى موجه جديدة من البكاء.
جلست إلى جوار تلميذة بدت هادئة مما أثار استغرابي و تساءلت بداخلي لماذا لا تبكي هذه الطفلة مع الأغلبية !!
بدأت تنظر لي وهى تبتسم ، تحاشيت النظر إليها ولكنها فجأة ربتت بيدها الصغيرة على كتفي وقالت لا تبكي فالمدرسة حلوة، هكذا قالت لى ماما .
ملأني إحساس بالخجل والعار من نفسي ولم أرد، ولكنني توقفت عن البكاء بل وبدأت استهين ببكاء الآخرين وشعرت بامتنان كبير لها وتشجعت وسألتها عن اسمها فأجابتني وبسمتها الحلوة لا تفارق وجهها وسألتني عن اسمي أيضا .
بدأت المعلمة الصراخ في جموع الباكين وطالبتهم بالصمت وإلا.... وبدأت في رسم بعض الفواكه على السبورة وهى تردد الأرقام من واحد إلى عشرة. في الصف الأول كان هناك تلميذا في غاية الصخب والإثارة ولم تبدو على المدرسة أي علامات استياء منه وعلمنا بعد لحظات انه ابنها لأنه نادها بماما .
بعد عدة حصص سمح لنا أن نخرج إلى فناء المدرسة قبل خروج التلاميذ الكبار كي نأكل ما معنا من طعام ونقضي حاجاتنا ، وقفت مع زميلتي فلم أكن أعرف أحدا غيرها. الابتسامة لا تفارق وجهها الصغير مما كان يشعرني بالأمان ، دعوتها إلى مشاركتي فيما معي من طعام فلبت دعوتي بمثلها. وفجأة وجدت من يدفعها من الخلف فسقطت على وجهها وصرخت من الألم ، إنه أبن المعلمة . قامت وهى تبكي من جرح في ركبتها، رأيته يضحك طربا مما فعله بها، اعترتني نوبة جنون فاندفعت نحوه وأسقطته على الأرض ، قام من جديد وحاول دفعي ولكنني كنت أطول منه فأسقطته على الأرض ثانية بقوة هائلة استلهمتها من ابتسامة زميلتي الصغيرة وهى ترمقني بإعجاب. فر ابن المعلمة من ساحة المعركة وهو يبكي .
عدنا الى الفصل وكلينا مرعوب من عواقب ما أقدمت عليه . وما أن رآني حتى صاح: هذا هو يا ماما. أمرتني المعلمة أن أخلع حذائي وأمرت تلميذين أن يمسكا بقدمي وقامت بضربي بعصا رفيعة على قدمي ضربا مؤلما كنت أصرخ باكيا من الألم ومن موضعي رأيت حبيبتي تبكي على حالي . عدت الى جوارها وقد أخفيت رأسي بين زراعي وأنا أبكي ليس من ألم ولكن من امتهاني .
مر الوقت كدهر وأخيرا دق جرس الانصراف وطلب منا المغادرة. ودعتني حبيبتي بابتسامة وهى لا تدري ماذا تقول. كنت أخر من يخرج من الفصل والسبب معضلة حياتي في ذلك الوقت وهى عدم معرفتي الحذاء الأيمن من الأيسر وقررت أن أخرج حاملا الحذاء فى يد والحقيبة في اليد الأخرى.
كنت أمشي بسرعة وأنا أداري دموعي وضحكات التلاميذ تلاحقني على هذا المنظر الغريب ، وما ان رأيت أمي عند البوابة ومعها أخي الصغير حتى أجهشت بالبكاء وأنا أجري نحوها فاحتوتني في حضنها الدافئ ، صرخت بأعلى صوتي: لا أريد ان اذهب إلى المدرسة مرة أخرى.
قبلتني وقد ملأت الدموع عينيها وقالت: وحشتني .


محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي مصري



#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البرادعي و الإخوان المسلمون
- خناقة على من يركب الحمار
- هل يمكن أن يأتي الإصلاح في مصر من الداخل؟
- نصيحة مخلصة إلى الإخوان المسلمين
- مقدمة في الغدر والتملق عند العرب
- حقيقة دور المضاربين وأزمة النظام الرأسمالي
- الإسلام ما بين التقدم والتخلف


المزيد.....




- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يوسف بكير - ذكريات حب الطفولة