|
النقد الأخلاقي لنظرية ولاية الفقيه المطلقة (1-2)
فاخر السلطان
الحوار المتمدن-العدد: 2930 - 2010 / 2 / 28 - 17:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في مؤتمر بعنوان "إيران بعد الانتخابات الرئاسية" الذي عقد بجامعة أوكلاهوما في يوليو الماضي، قدم المفكر الإيراني آرش نراقي محاضرة تطرق خلالها إلى نظرية ولاية الفقيه المطلقة ووجه نقدا أخلاقيا إليها. وسوف نعرض في هذا المقال أبرز ما جاء فيها باعتبار أن ما يحدث في إيران يهم شعوب دول الجوار ومنها الكويت، وأن الصورة الفردية للنظام السياسي في طهران تتشابه مع صورة الكثير من الأنظمة العربية: هناك قراءتان لنظرية ولاية الفقيه. القراءة الأولى طرحها آية الله الخميني قبل أعوام من نجاح الثورة الإسلامية حينما كان منفيا في مدينة النجف. وبعض شروط تلك القراءة هي على النحو التالي: 1- أن الفقه يعتبر كاملا. أي أنه يستطيع أن يطرح حلولا لجميع مشاكل الحياة. 2- أن مهمة الحكومة الإسلامية تكمن في تنفيذ أحكام الفقه والشريعة. أي أنها حكومة تأسست من أجل تنفيذ تلك الأحكام. 3- أن الحاكم الإسلامي يجب أن يكون متخصصا في علم الفقه، أي أن يكون فقيها. 4- أن مهمة الحاكم الإسلامي، أو الولي الفقيه، هي فهم الشريعة وتنفيذ أحكامها. وبعد نجاح الثورة الإسلامية وتأسيس الحكومة الإسلامية، استطاع آية الله الخميني، بوصفه حاكما ومديرا سياسيا، أن يضع إصبعه على نقاط الضعف في الفقه الكلاسيكي فيما يتعلق بإدارة الشأن العام. لذا، وبعد قراءات جديدة عدة عن نظرية ولاية الفقيه، ظهرت نظرية ولاية الفقيه المطلقة التي تعتبر الأساس النظري والعملي للجمهورية الإسلامية في الوقت الراهن. وبعض شروط هذه النظرية، التي تعد القراءة الثانية، هي على النحو التالي: 1- أن الفقه لا يمكن أن يكون كافيا وكاملا من أجل إدارة الشأن العام. 2- أن استقرار واستحكام "نظام" الجمهورية الإسلامية هو من أوجب الواجبات. وبالتالي، حينما يظهر أي تعارض بين "مصلحة النظام" وبين أحكام الشرع، فإن الأولوية تكون لصالح الإلتزام بمصلحة النظام لا الإلتزام بأحكام الشرع. 3- أن الحاكم الإسلامي لا يعتبر متخصصا فحسب في الفقه الإسلامي، بل، وأهم من ذلك، لابد أن يكون مسؤولا عن الأمور المتعلقة بتشخيص مصلحة النظام. وهذا التشخيص هو الذي يحدد ما إذا كان يمكنه تعطيل الحكم الشرعي مقابل استمرار الحكم المتعلق بمصلحة النظام. 4- أن المهمة الأساسية للحاكم الإسلامي هي الدفاع عن النظام الإسلامي. وإذا ما كان الإلتزام بتنفيذ أحكام الشريعة يشكل تهديدا لوجود النظام الإسلامي أو يعرقل ممارسة الحكومة لمهامها، يستطيع الولي الفقيه أن يعطل أحكام الشريعة من أجل استمرار مصلحة النظام. وعليه، فالولاية هنا ليست للفقه بل للفقيه. وبعبارة أخرى، تنتقل أهم شؤون النبوة (أي التشريع) إلى الولي الفقيه، الذي يعتبر بمثابة المشرّع والمقنّن، حيث يستطيع أن يشرّع لأحكام جديدة أو ينسخ أحكاما قديمة انطلاقا من مصلحة النظام، أي أنه يصبح مصدر القوانين. فحكم الولي الفقيه وتشخيصه يعتبران عين قانون المجتمع الإسلامي، كما أن مؤسسات النظام، بما فيها المؤسسة التشريعية، وأحكامها، لا تصبح شرعية ونافذة إلا بإذنه. أما بشأن العلاقة بين الفقه والأخلاق، يوجد تباين واضح بين حكم القانون وحكم الأخلاق. فكل ما هو قانوني ليس بالضرورة هو أيضا أخلاقي. فمثلا، في مرحلة من مراحل التاريخ الأمريكي كان مسموحا بممارسة العبودية وفقا للقانون، لكن ذلك لا يعنى أن تلك الممارسة كانت أخلاقية ويجب تأييدها. وفي إيران راهنا، ينفّذ حكم الرجم وجميع العقوبات الشرعية العنيفة استنادا إلى القانون، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن هذه العقوبات أخلاقية. من جهة أخرى، فليس كل ما هو أخلاقي هو بالضرورة قانوني. مثلا، الكثير من الناس على قناعة بأن الإكثار من أكل لحوم الحيوانات هو عمل مذموم أخلاقيا، لكن ذلك لا يعني بأنه يجب منع بيع اللحم عن طريق القانون. وفي إطار الفقه الشيعي (أو الفقه الإسلامي بشكل عام) لا يوجد تباين واضح بين الشأن الشرعي/ القانوني وبين الشأن الأخلاقي. فـ"الشأن الشرعي" هو بمعنى الشأن القانوني والشأن الأخلاقي. فما هو حرام شرعا، يعتبر مذموما من الناحية الأخلاقية. وما هو واجب شرعا، يعتبر واجبا أخلاقيا أيضا. ووفق الفقه، فإن الأكل عمدا في نهار يوم رمضان يعتبر تصرفا مذموما أخلاقيا، وممنوعا قانونيا، وصاحبه يستوجب العقاب. هذه المقاربة ما بين الشأن الشرعي/ القانوني وبين الشأن الأخلاقي يمكن إيجادها في نظرة الأشاعرة تجاه ماهية الحسن والقبح الأخلاقيين. فوفق رأي الأشاعرة، الذي بات مسيطرا على الذهنية الشيعية، يتبع الحسن والقبح الأوامر والنواهي الإلهية إلى حد كبير. بمعنى أنه إذا أمرنا الله بأمر ما، فإن عدم تنفيذه يوجب شيئين: 1- التعزير القانوني، 2- أنه يعتبر عملا غير أخلاقي. وبالتالي لا توجد هنا أي مسافة تفصل بين الشأن القانوني والشأن الأخلاقي. فبمجرد أن يضع المدافعون عن نظرية ولاية الفقيه المطلقة الولي الفقيه في موقع المشرّع، أي في موقع مصدر القانون وواضع الشريعة، فهم في الواقع قد حكموا عليه بأنه أساس الأخلاق. بعبارة أخرى، إذا شخّص الولي الفقيه الأمر "ألف" بأنه في مصلحة النظام الإسلامي، فإن تنفيذ الأمر "ألف" ليس فحسب واجب وفق القانون، إنما هو من الناحية الأخلاقية واجب على مقلدي الولي الفقيه والمؤمنين. على هذا الأساس فإن الحسن والقبح في إطار نظرية ولاية الفقيه المطلقة يتبعان مصلحة النظام. ومصلحة النظام من جهتها تتبع تشخيص وحكم الولي الفقيه. وتشخيص وحكم الولي الفقيه لا يعتبر فحسب أساس تشريع القوانين، إنما أساس أي حكم أخلاقي أيضا. ومن الناحية الأخلاقية، فإن التباين بين نظرية ولاية الفقيه المطلقة وبين رؤية الأشاعرة يكمن في عدة أشياء، من أبرزها أن الأشاعرة يعتقدون أن إرادة الله هي المعيار في تحديد الحسن والقبح الأخلاقيين، لكن لدى ولاية الفقيه المطلقة فإن تشخيص الولي الفقيه للمصلحة هو معيار حسن وقبح المسائل. وبالتالي، لا يمكن لأي أمر أن يكون في ذاته حسنا أو قبيحا، لأنهما - أي الحسن والقبح - يتبعان المصلحة التي لا يشخصها إلا الولي الفقيه.
كاتب كويتي
#فاخر_السلطان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدل داخل حركة المعارضة الإيرانية
-
هل هناك سلوك ديني يعكس حقيقة الدين؟
-
الإنسان يكتشف نفسه
-
بين العريفي والسيستاني.. ومنتظري
-
الأصولية الكويتية.. وتسامحها المزور
-
من الذي يقود الحركة الخضراء في إيران؟
-
بين إقصاء أبوزيد.. والإقصاء الديني بشكل عام (2-2)
-
التيار الديني يسبح في بحر الإقصاء (1 – 2)
-
التيار الجديد المعادي للديموقراطية
-
في فصل الدين عن الدولة
-
عصر حقوق الإنسان.. والتكليف الديني
-
الديكتاتورية حينما تهيمن باسم الديموقراطية
-
في الشيعة والعصمة.. مجددا
-
الدعوة للتجديد الديني
-
الحجاب بالإكراه
-
الشيعة والعصمة (2 – 2)
-
الشيعة والعصمة (1 -2)
-
الثقافة.. بين الأدباء والمؤدبين
-
الاستبداد الديني... أسوأ أنواع الاستبداد
-
حب الدنيا رأس كل خطيئة
المزيد.....
-
مصر.. ساويرس يترحّم على القيادي الإخواني عصام العريان ويتفاج
...
-
الاحتلال يطرح 6 عطاءات لبناء أكثر من 4 آلاف وحدة استعمارية ف
...
-
نصرة الفلسطينيين فريضة لا يجوز التهاون فيها.. ما هي توصيات م
...
-
لماذا انتقد الداعية الكويتي سالم الطويل المذهب الإباضي ومفتي
...
-
واشنطن تضيق الخناق.. -الإخوان- في مرمى التصنيف الإرهابي
-
سالم الطويل.. فصل الداعية الكويتي بعد تهجمه على المذهب الإبا
...
-
سفير إسرائيل في بروكسل: التكتل سيخسر إذا عاقبنا بسبب غزة ولم
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال
...
-
الأردن.. توقيف أشخاص على صلة بجماعة الإخوان المحظورة
-
روبيو: نعمل على تصنيف -الإخوان- كتنظيم إرهابي
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|