أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مظاهر اللاجامي - بين الخميني والبابا والحاخامات اليهود















المزيد.....

بين الخميني والبابا والحاخامات اليهود


مظاهر اللاجامي

الحوار المتمدن-العدد: 2930 - 2010 / 2 / 28 - 07:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في أمستردام 27 يوليو عام 1656م صدرت عن أعلى سلطة كهنوتية في الكنيس اليهودي فتوى دينية تضمّنت ما يلي: " ...وبعد أن أخذ أقطاب الطائفة رأي السادة الحاخامات قررنا فصل هذا الرجل من أمة بني إسرائيل. وصدرت في حقه الإدانة التالية : باسم الملائكة والقديسين فإننا نفصل ونلعن هذا الشخص المدعو سبينوزا " ومما ورد في تلك الفتوى " وإننا لنخبر الجميع بأنه ممنوع على أي شخص أن يتحدث معه شفاهاً أو يراسله كتابة، وممنوع على أي شخص أن يقيم معه علاقة أو يقدم له أي معونة.... وأن يقرأ له أي مقالة أو كتاب ". وبعد صدور هذه الفتوى ببعض الوقت هاجم أصولي يهوديّ سبينوزا بينما كان يحيا حياته المعتادة، محاولاً طعنه بسكين، لكن المعطف السميك الذي كان يرتديه الفيلسوف الهولندي ذو الأصل البرتغالي كان مانعاً من أن ينفذ الموت لجسد الفلسفة التي تمثّلت في أحد أعلامها وهو سبينوزا مؤلف كتاب " مقالة في اللاهوت والسياسة ".

في ذات الإطار بعد ثلاثة قرون صدرت أيضاً فتوى دينية مشابهة لسابقتها، لكن ميدانها كان في إيران هذه المرة، فقد صدرت عن أعلى سلطة كهنوتية شيعية في 14 فبراير 1989م فتوى تقضي بموجبها قتل الروائي البريطاني ـ الهندي الأصل سلمان رشدي حيث أفتى الخميني بوجوب قتله حيث قال " إنني أبلغ جميع المسلمين في العالم بأن مؤلف الكتاب المعنون “ آيات شيطانية "الذي ألف وطبع ونشر ضد الإسلام والنبي والقرآن، وكذلك ناشري الكتاب الواعين بمحتوياته، قد حكّموا بالمـوت، وعلى جميع المسلمين تنفيذ ذلك أينما وجدوهم، كي لا يجرؤ أحد بعد ذلك على إهانة الإسلام ومن يقتل بهذه الطريقة فهو شهيد " بثت إذاعة طهران تلك الفتوى التي وجهها الخميني إلى مسلمي العالم والتي تضمّنت أيضا "إنني أطلب من جميع المسلمين في العالم تنفيذ الإعدام سريعاً في الكاتب والناشرين في أي مكان في العالم".

بعد صدور الفتوى اجتاحت المظاهرات كثيراً من المدن الإيرانية وغير الإيرانية كلندن واسطنبول وإسلام أباد، وفي نيويورك وقف المتظاهرون أمام دار فايكنغ بنجوين التي نشرت الكتاب، وقد منعت الهند الكاتب من دخول أراضيها كما قامت بنغلادش والسودان وماليزيا وأندونيسا وسنغافورة بمنع الكتاب. وما زال النقاش دائراً حول الفتوى رغم اعتذار الكاتب سلمان رشدي للمسلمين عن روايته " آيات شيطانية ".

هاتان الحادثتان لم تكونا الوحيدتين في التاريخ الديني الأوروبي والإسلامي فقد تكررت هذه الحادثة مضموناً واختلفت شخوصاً، ففي أوروبا قامت المؤسسات الكهنوتية بعمليات قمع وقتل للمفكرين والفلاسفة والكتاب والعلماء، نذكر من بينهم على سبيل المثال توماس مور وجوردانو برونو وعالمة الرياضيات والفلك هيباتيا وغاليليو ومارتن لوثر بالرغم من أنه كان رجل دين أيضاً، كذلك ديكارت وايراسموس وبيير بايل. وقد أسقطت الكنسية الكاثوليكية في مجمع الفاتيكان المنعقد عام 1962 م قائمة الكتب المحرمة. أما بالنسبة للمؤسسة الكهنوتية الإسلامية فلم تختلف كثيراً عن مثيلتها الكاثوليكية إلا إن الفرق الوحيد أن المسيحية الكاثوليكية أسقطت القائمة المحرمة من الكتب في حين أن المؤسسة الدينية الإسلامية ما زالت تواصل فتاواها حول كتب الضلال، ففي 2006 م أصدر أحد رجال الكهنوت وهو محمد فاضل اللنكراني وهو أحد مراجع المؤسسة الدينية في قم فتوى تقضي بإهدار دم كاتب من أذربيجان وهو رفيق تاجي، دون أن نغفل المفكر فرج فودة ومحمود محمد طه الذين قتلا بسبب الفكر، ودون أن نغفل أيضاً نصر حامد أبو زيد أو طه حسين أو علي عبد الرازق أو نجيب محفوظ الذي تعرّض لطعنة سكين في رقبته، تماما كما حصل للفيلسوف سبينوزا منذ ثلاثة قرون، والقائمة تطول لنجد اسم حلمي سالم أو ابن رشد أو ابن الراوندي أو حتى المرجع محمد حسين فضل الله وهو رجل دين كمثيله مارتن لوثر في ألمانيا حيث كلاهما يمثّلان الإصلاح الديني داخل مؤسساتهما الكهنوتية...

وبالرغم من إن محاكمات و عمليات قتل نفذتها أوساط ليست دينية إلا إنها كانت أولا قليلة جدّاً في التاريخ، وثانياً لم تكن ذات أساس قائم على الخروج عن عقيدة المؤسسات الكهنوتية، فسقراط قتل بسببين رئيسين وهما تعاطفه مع اسبرطة في فترة الحرب بينها وبين أثينا وتدريب الشباب على الجدل الفلسفي الذي كان تهمة تحت عنوان إفساد الشباب إضافة للتهمة المصطنعة والتي كانت ذات شعار ديني وهو وضع آلهة جدد أي إن المحاكمة تمت تحت مظلة دينية لكن حقيقتها سياسية ثقافية، والحادثة الشهيرة الثانية إعدام لافوزييه مؤسس الكيمياء الحديثة والذي أعدم بسبب ارتباطه بنظام الملكية الفرنسية وقد أعدمته محاكم الثورة الفرنسية بعد انتصارها.

من خلال الحفر الإركيولوجي في بنية الخطاب الديني في طريقة اشتغاله واقتحامه مجال الفكر والفلسفة والأدب والعلم، ومن خلال المقارنة بين المؤسسات الكهنوتية الدينية الإسلامية بشقيها الشيعي والسني والمؤسسة اليهودية والمؤسسة الكاثوليكية ومن خلال بعض الأحداث التي ذكرنا بعضها سابقاً نصل للكشف عن بعض البنى التي تشتغل داخل الخطاب الديني أياً كان عنوان ذلك الخطاب والتطرق لبعض القضايا والإشارات:

1 / حجم التفاوت بين العالم الإسلامي وأوروبا، ففي أوروبا ما عادت الكنيسة تشكّل ثقلاً في المجال الاجتماعي، وليس بإمكانها أن تعزل وتطرد من رحمة الله وتدين، بعد أن استطاعت تلك البلدان منذ القرن الخامس عشر حتى منتصف القرن العشرين أن تحقق تقدماً هائلاً في مجال الحريات الدينية والثقافية، حتى وصلت لحد أن يصبح الإلحاد والإيمان ذا دلالة محايدة بالنسبة للسلطة والمجتمع، وبالرغم من هذا التقدم إلا إن المؤسسة الكهنوتية ما زالت تتشبث بآخر خيط من قوتها، فهذا ايتيان جيلسون أحد أبرز مؤرخي الفلسفة والذي ينتمي للتومائية يقول بأن " عصر النهضة يساوي العصور الوسطى لكن الفرق أن عصر النهضة لم يضف الإنسان بل أنقص الله ". وما حدث عند صدور رواية شفرة دافنشي للروائي الأمريكي دان براون يكشف حجم المساحة التي نقصت من تسلط الكنيسة في المجال الاجتماعي والثقافي، فقد اكتفت الكنيسة ورجال اللاهوت والتيولوجيا بتنظيم الندوات للرد على الرواية وكتابة الكتب والمقالات. أما في الجهة الأخرى من العالم وهو العالم الإسلامي فما زال مسلسل التكفير وتسلط المؤسسة الكهنوتية قادراً على الحد من حرية التفكير إن لم يكن لجمها بأعلى شكل من أشكال الاغتيال الرمزي الذي ينبثق عنه بالضرورة الاغتيال الواقعي. فما حدث مع كتب محمد أركون في البحرين يكشف حجم السلطة الدينية التي ما زال يتمتع بها أفراد المؤسسة الكهنوتية وما حدث مع الشيخ عيسى قاسم من إلهاب حناجر المريدين بالهتاف تسقط العلمانية يكشف بعمق عن هذا الحجم والمكانة، إضافة للموقف المتشنج من مسرحية ليلى والمجنون التي ألّفها قاسم حداد ولحّنها مارسيل خليفة وعرضت في مهرجان ربيع الثقافة بالبحرين، دون أن نغفل ما حدث من مظاهرات في مصر حول رواية وليمة لأعشاب البحر للروائي حيدر حيدر.

2 / يصف الكاتب الهولندي إيراسموس كلية اللاهوت في جامعة لوفان ببلجيكا بأنها أكبر معقل للرجعية المسيحية في أوروبا وأيضا يصف البعض جامعة السوربون التي كانت تعني في الماضي كلية اللاهوت بذات الوصف، وفرنسا تلك هي التي مارست وأسبانيا والبرتغال أشدّ أنواع القمع والحد من المجال الفكري والفلسفي وهذا منذ خمسة قرون وقد وصلت أوروبا الآن لأن تحجم دور الكنيسة في الفاتيكان حيث لها قانونها الخاص ولم يعد بإمكانها التدخل في المناطق المجاورة، أما في العالم الإسلامي فما زالت معاقل الرجعية المتمثلة في المؤسسات الكهنوتية كحوزة قم وحوزة النجف وجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض التي تخرّج صيغ مختلفة لعبد الرحمن البراك الذي كفر مؤيدي الإختلاط في مجال التعليم أو الشثري حيث يقول بضرورة إطّلاع هيئة كبار العلماء على مناهج التعليم في جامعة الملك عبدالله، وكذلك الأزهر في مصر، كل هذه المعاقل قادرة على اجتياح الحدود الدولية لتصدُر تلك الظلامية كاجتياح المدّ الوهابي مصراً أو فتوى الخميني في سلمان رشدي التي أشعلت عدة مظاهرات في عديد من الدول وما فجّرته المقابلة التي بثتها قناة الجزيرة وتناول فاضل الربيعي للسيستاني بالنقد يكشف عن الحجم والمكانة التي تحتلها الرموز الكهنوتية وما يمكن أن يكون دورهم في المجال الاجتماعي، وأختم هذه النقطة بأن معاقل الرجعية كما وصفها ايراسموس تركّزت بشكل فاضح في بعض مناطق العالم الأوروبي دون أن ننفي ذلك عن بعض المناطق وكذلك في العالم الإسلامي فالمناطق التي ذكرتها سابقاً تمثل الحقيقة الفاضحة للرجعية الإسلامية، وبعض المناطق تخفت فيها حدة التوتر دون أن تختفي كلبنان المعروف بالتعددية الثقافية والدينية والانفتاح النسبي على الفكر والثقافة، ولبنان هذا متجلّياً في المؤسسة الكهنوتية الإسلامية هو الذي قدّم الفنان مارسيل خليفة للمحاكمة عن أغنيته أنا يوسف يا أبي وهو أيضاً من منع رواية شفرة دافنشي والتي صدر قرار منعها من المؤسسة الكهنوتية المسيحية، وكأن تواطؤاً يربطُ جميع تجليات السلطة الكهنوتية باتجاه محاربة الثقافة وحرية التعبير.

3 / أقترح مصطلحاً مشتقّاً من الفكر شبيهاً بصيغة مصطلح الإسلاموفوبيا وهي الظاهرة المنتشرة في الغرب حول التوجس والخوف من الإسلام والمسلمين، هذا المصطلح هو الفكروفوبيا وهي الظاهرة المنتشرة بين أوساط المؤمنين باللاهوت الديني التقليدي، وهي ظاهرة الخوف والتوجس من الفكر والثقافة والفنون بجميع أشكالها. فديكارت الذي أعلن تدينه باستمرار وقدم بعض الأدلة على وجود الله لم يمنع الكنيسة من أن تدرج كتبه على لائحة الكتب المحرمة وذلك توجّساً من الفلسفة والفكر وهذا في القرن السابع عشر الميلادي، كما حدث أيضاً في نهاية القرن العشرين حين قضت المحكمة بوجوب تطليق زوجة المفكر نصر حامد أبو زيد باعتباره مرتدّاً بالرغم من أنه يعلن إسلامه باستمرار، مما يعني أن في العالم الإسلامي ما زالت فتوى كتب الضلال فاعلة في إطار الفقه وجماعة المؤمنين، حتى أن رجل دين عرف بالتوجه الإصلاحي كمحمد حسين فضل الله ما زال يتوجّس خوفاً من " كتب الضلال ". أو إنتاج كتب الضلال. وما زالت أسماء المفكرين الغربية تحاط بالتوجس والريبة حين يطلقها أحد من المثقفين فاسم مثل فرويد أو أوغست كونت أو نيتشه يقصى في خانة بعيدة لا لشيء سوى التوجس من هذا الفكر والثقافة. وقد نشأت هذه الفكرة والخوف من خلال الظروف الموضوعية التي تمثّلت في انهيار مستوى المعيشة والاضطراب السياسي الذي يعصف بالعالم الإسلامي دون أن أتناسى الوعي الديني الذي يرى أن الحقيقة مُنتجَة ومختزَلة في النص التأسيسي حيث أن ما ينشأ لاحقاً هو بالضرورة ليس حقيقياً باعتبار أن النص أنتج الحقيقة بشكل نهائي وبصيغة مغلقة.

4 / يشتغل الخطاب الديني في إثبات حقيقته من خلال مفهوم المعجزات وهي الحادثة التي تقوم على خرق قوانين الطبيعة، فالمؤسسة الكهنوتية المسيحية تثبت حقيقتها من خلال تشغيل المخيال الجماعي الأسطوري، وكلما كانت الحادثة خارقة للقوانين كانت أكثر اثباتاً لحقيقة هذا الخطاب، دون أن نغفل أن المؤسسة الكهنوتية تستند على تلك المعجزات لتبرير سلطتها وحقيقتها، والخطاب الديني هنا يشتغل من خلال بنية واحدة هي بنية المعجزة ففي التراث المسيحي يقال بأن الله أوقف الشمس خدمة لعباده المؤمنين وفيه أيضاً أن القديس دومينيك مر من نهر وقد سقطت كتبه فيه وقد وجدها بعد ذلك صياد أسماك ولم يمسسها أي شيء أو يتلفها البلل. وفي التراث الشيعي كذلك نجد أن الشمس قد ردّت للإمام علي من أجل الصلاة دون أن تغفل المعجزات التي ما زالت مستمرة والتي عليها تستند سلطة رجال الكهنوت من أجل تبرير وجودها وسلطتها.

5 / يتمثّل أعلى شكل من أشكال العنف الرمزي لدى السلطة الكهنوتية في مفهوم الفتوى الدينية أو الشرعية ولعلّ فتوى الخميني بقتل سلمان رشدي مثالاً صارخاً على ذلك، وبنية الخطاب الديني قائمة على مفهوم العنف المقدّس، فالديني والدنيوي يتبادلان مواقعهما بشكل يبرّر العنف المقدّس فالفتوى مفهوم ديني يقتضي من الإنسان العمل برأي فقيه والتبعية المطلقة للسلطة الكهنوتية بينما الثقافة علمانية أرضية إنسانية وقيام رجال الكهنوت بالتدخل في مضمار الأرضي يجعل الديني يدخل بكل حمولاته الرمزية والمتعالية في هذا المضمار مما يجعل إصدار أي حكم سلبي ـ ولو لم يكن فتوى بالقتل ـ تداخلاً بين الديني والدنيوي وبين المتعالي والأرضي وبين الديني والثقافي وقد وجدت أعلى أشكال هذا التدخل في الفتوى الشرعية في المجال الديني الذي يعدّ أبرز عقبة من عقبات التحديث الثقافي والفكري.

6 / الفكر ليس مجالاً معزولاً أو نشاطاً ذهنيّاً خارجاً عن إطار الواقع، فالنهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر لم تستطع أن تواصل مشروعها لو لم تكن البرجوازية تحقق تقدماً هائلاً مطرداً في المجال الاقتصادي، وقد كان صعود تلك الطبقة بسبب البحث عن الذهب واكتشاف العالم الجديد مما كان سبباً عاد بالنفع على أصحاب السفن وأصحاب البنوك والمصارف والتجار وهم من يشكلون تلك الطبقة البرجوازية. أما في مجال الفكر الديني فلم تكن المؤسسات الدينية بقادرة على المواصلة لو لم تدعم سلطتها بالقوة الاقتصادية اللازمة، ولأن السلطة الكهنوتية المسيحية يعيش أفرادها حالة بطالة متفشية، أصبح التحالف بين رجال الكهنوت المسيحي وبين السلطة الرومانية عميقاً حيث تم منذ عهد شارلمان تتويجه من قبل الكنيسة وكان الإمبراطور أيضا يقدّم العصا والخاتم كتتويج للبابا خليفة للمسيح على الأرض ومن جهة أخرى أصبحت صكوك الغفران التي تباع بأثمان باهظة للناس من أجل الخلاص في الآخرة توفّر دخلاً ماديّا يدعم سلطتها ويكرّسها قوّة تضافرت العوامل الاقتصادية والدينية من أجل رسمها مشروع الله على الأرض، وهذا بالضبط ما حدث في العالم الإسلامي فالتحالف بين السلطة السعودية الزمنية والسلطة الدينية الوهابية كان منذ قيام الدولة السعودية عميقاً بشكل لا ينفصم وكذلك حدث في الدولة الصفوية مع الكركيّ، ومؤخراً ما حدث في الجمهورية الإسلامية في إيران حيث تجسّدت السلطة المتعالية والزمنية في شخص الولي الفقيه. ومن خلال مفهوم الخمس عند الشيعة ووجوبه قامت السلطة الكهنوتية الشيعية بدعم مركزها وسلطتها وفكرها تماماً كما حدث عند السنة من خلال وجوب الزكاة كركن من أركان الإسلام الخمسة كالصلاة والحج والصيام والشهادة.

7 / أخيراً نجد تماثلاً في بنية الخطاب الكهنوتي حول احتكار الحقيقة المطلقة والنطق باسم تلك الحقيقة، فالمساجلات المذهبية التي تجسّدت واقعياً على شكل حروب دينية تكشف عن عمق هذا الاحتكار، وقد تمت تصفيات واسعة بين أصحاب المذاهب المختلفة وذلك لأن الحقيقة اللاهوتية تنطق من خلال أفرادها ومتبعيها، هذا ما حدث مدّة قرنين منذ أواسط القرن السادس عشر بعد قيام حركة الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر وما قام طوال العصر الإسلامي حتى الآن، أما الحقيقة العلمية ففردانية الطابع وما أن تتم حتى تسجّل في رصيد العلم والمعرفة وربما يتم نسيان مكتشفها فقوانين الوراثة الآن ندرسها دون أن نذكر اسم مندل، وقانون السببية في إثبات أن لكل سبب مسبباً وأرسطارخوس الذي عاش في العصر الهيلنستي ما عاد أحد يذكر بأنه أول من قال بدوران الأرض حول الشمس وليس العكس، وقد وقف الفلاسفة حول هذه الفكرة بقوة في تلك الفترة الوثنية من التاريخ اليوناني، لكنها لم تؤدي لمحاكمة دينية كما تمّ مع غاليليو في القرن السابع عشر.


حين نقرأ صراع المؤسسة الكهنوتية الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية نجد عدّة مسميات يقصد بها وصم المختلف بوصمة سلبية تحمل في طياتها بذور عنف مادي وتصفية جسدية، ومن تلك المسميات ( مهرطق، مبتدع، زنديق، رافضي، مجدّف، ضال مضل، ملحد ) وكل هذه المسمّيات تأتي في سياق الإدانة لأي اختلاف مع المؤسسة الكهنوتية على الرغم من أن كثيراً ممن وصموا بهذه الصفات كانوا يعلنون إيمانا بالله وإن كان إيماناً فلسفياً... هذا ما حدث مع سبينوزا وفرانسيس بيكون وجون لوك وفولتير ونصر حامد أبو زيد ومحمد أركون ومحمود محمد طه ومارتن لوثر ونسطور وآريوس، ومن هنا أقول بأن أي كاتب ينزع منزعاً فلسفياً إنسانياً وفكرياً فردانياً وعقلانياً تحديثياً لا بدّ أن يُسبَغ عليه أحد هذه الأوصاف والمسميات، والنتيجة أن المثقف كلما صار أكثر قدرة على إضلال الناس والمجتمع كُتبت حسناته في ميزان العقل وتاريخ الحرية، وأن الهرطقة بالمعنى العميق للكلمة والابتداع والزندقة والرفض والتجديف والضلالة وأخيراً الإلحاد ضرورة حضارية لكلّ من يحمل هاجساً إنسانياً باتجاه التنوير...




#مظاهر_اللاجامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مظاهر اللاجامي - بين الخميني والبابا والحاخامات اليهود