أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تيسير العفيشات - الشعر والفلسفة















المزيد.....

الشعر والفلسفة


تيسير العفيشات

الحوار المتمدن-العدد: 2920 - 2010 / 2 / 17 - 10:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يبدو أن هنالك ثمة علاقة ما بين الشعر والفلسفة ، علاقة من نوع ما ، قد نقبض عليها اذا ما رحنا نعمق البحث قليلا نحو كشف هذه العلاقة ، لكن هذا أمر ليس مهم بتصوري على الأقل فيما نود قوله هنا . وهو ذلك السؤال الخالد والذي لم نجد له جوابا يشفي غليلنا اللعين كيف عرف العرب الشعر وطوره بهذه التقنية العجيبة وبالغة التعقيد ؟ والشعر ليس مصفوفة من الكلام الحكيم المتتالي الايقاع والمنسجم بين الكلمة والموسيقي التي تحملها الكلمة اذا وظفت شعريا فقط. ولكنه رفع الموسقى الى درجة قدرتها على خلق الرمز من العدم ثم إعادة توظيفه بشبكة معقدة من العلاقات المتداخله التي ترفع مستوى التعبير من مادية الكلمة الى صور حية بواسطة لغة مفعمة تحرك المشاعر وتهز الوجدان ، وذلك لا يتأتى إلا بمزج الفكر ضمن نسقه التعبيري اللغوي بالخيال ، فكيف يرتقي الفكر في صورته تلك الى خيال يعاد توظيفه لينتج فكرا آخر باستمرار من خلال جدلية متداخلة بين الصورة والواقع والفكر ذاته ؟
إن هذا التصور البسيط عن علاقة الشعر بالواقع لا يمكن القبض عليه بشكل واعي ، إلا اذا افترضنا أن الشعر كان هو الجدلية التي حركت السؤال الفلسفي بمعنى أنه كان الجذوة المشتعلة دائما مرسلة شرارة الخلق الأولى . هذا افتراض من نوع ما . وسيظل كذلك الى أن تهدينا الطبيعة الى حل مشكلة الموسيقى التي هي ناموس الخلق الذي تردد صداه على حد رأي فاغنر ليهتز الوجود هزته الأولى لتبدأ الحركة ، التي هي في كنهها شلال الموسيقى الوجودي الذي لا يزال متدفقا وسيظل كذلك الى الأبد . الوجود كائن موسيقي . وليست الموسيقى في جوهرها الا نغم نتحسسه بأدوات الفكر والوجدان ، وأرقى تعبير عن الموسيقى في قالبها الصوري هو الشعر .

إن الفلسفة في انبثاقتها الأولى صيغت شعرا وكانت بمثابة انفعال إنساني بالطبيعة في كونيتها . فأشعار بارمنيدس وهيراقليط التي احتفظ ببعض منها أرسطو شكلت رؤية جديدة في الشعر حيث استغل الشعر لا من أجل السرد الملحمي ورواية الأخبار المتعلقة بالآلهة التي تتحكم في أقدار البشر ، وإنما من أجل تكوين نمط جديد من التفكير يقطع مع التفسير الأسطوري للطبيعة .
لقد انتقلت الطبيعة هنا نقلة مغايرة في عملية الفهم والتصور والتلمس والاحساس . بعد أن كانت مادة جامدة لا تثير الاحساس .

ونحن نعرف ما قدمه طاليس وهيراقليط وبارمنيدس وأنكسمانس للتفكير الإنساني الذي قاد إلى ميلاد الفلسفة كفكر. ومع أفلاطون استمر حضور الشعر حيث أفرد أفلاطون مكانة كبيرة للشعراء الجيدين في جمهوريته ولم يطرد منها إلا الشعر الذي لا يساهم في بناء القيم التي تنادي بها المدينة الفاضلة . ربما كان افلاطون يأسره الشعر الوجودي ونحن بتنا نعرف كيف استخدم هذا الفيلسوف العديد من الشعراء منهم امبريوس ، وسالفوسيس في صياغة نظريته بالمثل في قالب شعري راحت تتردد صداه في كل زوايا أثينا .

كما يخبرنا تاريخ الفلسفة أن كثيرا من الفلاسفة غيره اضطروا إلى صياغة بعض أفكارهم شعرا لإعطائها زخما آخر حتى تحقق فعل الإقناع لدى المتلقي. نتذكر هنا قصيدة ابن سينا في النفس:


نزلت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزز وتمنعِ
محجوبة عن كل مقلت ناضر وهي التي سفرت ولم تتبرقع

نتذكر كذلك قصائد الخيام التي لخصت صوفيته وموقفه الأبيقوري الباحث عن اللذة الحيوية الآنية التي لا تعترف بالانتظار لأن الآتي ما هو إلا الموت :


هبوا املأوا كأس المنى قبل أن تملأ كأسَ العمر كفُّ القدر

أو حتى ما بات يطلق عليه الشعر الوجودي في الغرب عندما سيطرت الفلسفة الوجودية هناك . نذكر منهم هيس ونوفالس ، وشاتور و نيك وغيرهم . الفيلسوف شخص ، يتأمل بصمت ، في صومعته الفكرية . أما الشاعر فهو شخص ، مندفع ، متكلم لأن وجوده الفني مرتبط بالتلفظ والتكلم أي بإلقاء الشعر وحرارة التواصل مع الآخر ومع الأشياء الجزئية ومع مشاهد الطبيعة . كثيرا ما ننسى عندما نتذكر المتنبي وسيف الدولة شخصا ظل مغيبا جدا وهو الفيلسوف الفارابي العظيم . لقد كان المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس ، ينام ملء جفونه عن شوارد الكلمات والمعاني ويترك الآخرين في البلاط الحمداني أو بين كل النقاد المسلمين آنذاك يتصارعون ويتخاصمون من أجل فك شفرة قوله . أما الفارابي فلا تذكر كتب التاريخ أنه كان ذا حضور أو تأثير في بلاط سيف الدولة . كل ما تذكره هو تلك الحكاية عن دخوله على سيف الدولة حين بدأ يتكلم كلاما عجيبا و حين أخرج في النهاية من جيبه زقا عزف عليه فأبكى الجميع ثم غير اللحن فأضحك الجميع ثم عزف لحنه الأخير فنام كل من في البلاط وتركهم نياما وخرج إنها الموسيقى . لقد ظل الفارابي متواريا يعيش على أعطية لسيف الدولة عشرة دراهم في الشهر ، وينصرف لشؤونه الفلسفية دون تدخل في الشؤون اليومية للسياسة والبلاط وقضايا الناس . في الوقت الذي كان فيه المتنبي يسعى لمجده الشخصي ويبيع قوافيه من أجل من يدفع أكثر اومن أجل الظفر بحكم ولاية من الولايات ، كان الفارابي ، على خطى أفلاطون ، يضع الخطوط العريضة لمدينته المثالية الفاضلة . ربما هناك من سيعترض بأن هذا شأن المتنبي الشخصي ولا علاقة له بالمتنبي الشاعر المنتج للقيم ، ولكن حتى على مستوى الشعر نجد أن المتنبي حلم بسلطة عادية قائمة على العنف والغلبة والحرب عكس الفارابي الذي حلم بنظام مثالي قائم على المثل والقيم الإنسانية النبيلة.

فإذا كان الفيلسوف يصنع لغة شمولية كلية قائمة على العبارة العمومية المجردة ، أو ما يسمى بالمفاهيم ، فالشاعر يفجر الكلمة ليجعل الصورة تسيل ماء زلالا تغذوه مزن الخيال من عيونها الباكيه ومدامعها الساجية إنه ينقذ التصور من جفافه الاستدلالي .إن الشاعر شخص مشاغب ، يحمل طفلا في أعماقه ، يريد ملامسة الأشياء واحتضان الكلمات فيصوغها لحنا عذبا يلامس أعمق أعماق الوجود والتفاصيل كما يتمثلها بواسطة وجدانه وحدوسه الأولية ، وهو ينزل ليمشي فوق طمي الحياة ، دون افتراضات مسبقة أو توجسات مرهقة .
إن دور الفلسفة هو نسف البداهات التي ينطلق منها الشاعر ويشيد عليها قوله الشعري . يجد الشاعر بنية لغوية جاهزة ، حساسية جاهزة ، مصفوفة جاهزة ، يتماهى معها ، ويجد نفسه فيها ، أي أنه يتمثل جمالية عامة وذائقة سائدة في إطلاقيتها . لكن الفيلسوف يسأل عن ماهية اللغة وعلاقتها بالتصور والخيال وعلاقة التصور بالفكر وهذا ما ليلقي ايه الشاعر بالا .. لكن هذا العبور من الشاعر نحو الفلسفة يمنحه وعيا يجعله يعتنق ممارسته الفنية في عموميتها ويتباعد عنها ويقيم معها مسافة تمكنه من إدراك ثوابتها وحدود أدواتها وطرائقها وآفاقها .لكن هل كان شعراء العظام يمارسون هذا العبور المدوّي .. هل كان امرؤالقيس وزهير والنابغة والأعشى وعمروبن كلثوم والمتلمس وطرفة بن العبد مثقفون من طراز رفيع هل كانوا يعون ما يقولون ، كيف تفجرت قرائحهم في أتون الصحراء وعلى بحار رمالها الملتهبة ؟ من أين تأتى لهم هذا الوعي والحس الشفيف بالموسيقى ؟ كيف جعلوا من الكلمة صوت نغم كوني يأتي من فضاء لم يألفه البشر قبلهم إلا في في بلاد الفلسفة والشعر أثينا ؟ فلم نقع على غير هذين الكائنين من قال الشعر في أرقى صوره وأعظم تجلياته العرب والأغريق . فلم يؤثر عن السومرين أو الفراعنة أو الفرس القدماء أوالفنيقين أو الآراميين أو اليهود من الشعوب والحضارات القديمة أنهم قالوا الشعر واهتموا بالموسيقى هذا الاهتمام البالغ ،
لقد ظلت كل كتب التاريخ الأدبي وكافة الأبحاث والدراسات التي أرخت للأدب العربي تحصر البداية الفعلية لانطلاقة الشعر مع أمرؤالقيس ، وأن هذا الأخير تأثر بالارهاصات الأولى للمهلهل الذي يبعد عنه بجيلين فقط .هل هذا معقول؟ كيف ارتقى هذا الفن الرفيع عبر ماية عام فقط من نزول الاسلام ؟ وكيف فجره شخص واحد ثم انتشر في بلاد العرب بطولها وعرضها عبر هذا الزمن القصير ؟
لقد تناسى مؤرخونا الاعزاء أن الشعر دائما ما يأتي على قمم الحضارات الانسانية في أرقى صوره كتعبير عن روح الحضارة وفاعليتها المتجددة ، ويكون بهذه الحالة نقطة الانطلاق نحو تفجر الحضارة على مستويات أخرى في تطورها الفكري ، ونحن نعلم كيف أن الافكار العظيمة لا بد لها من خيال يقودها من خطامها ، هكذا شاهدنا كيف أن الأثينيين قد انبثق الشعر لديهم مفعم بالروح مليء بالاحساس متوقد بالخيال يصوغ الكون بإمكان شعري محض ، الأمر الذي أدى الى أن ينطلق العقل من إساره ويبحر في الكون الى أقصى حدوده الممكنة . هذا ما راح يحدثنا عنه الكتاب المهم جدا والذي صدر في عام 2004 أثينا السوداء .

ولنا عودة



#تيسير_العفيشات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرآن معجز في لغته ..
- القرآن .. قراءة على قراءة


المزيد.....




- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تيسير العفيشات - الشعر والفلسفة