أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم السيد - ماذا تريد














المزيد.....

ماذا تريد


حازم السيد

الحوار المتمدن-العدد: 2919 - 2010 / 2 / 16 - 15:01
المحور: الادب والفن
    


ماذا تريد
كان يمشي على الرصيف بخطواته البليدة وقامته الطويلة و النحيلة يكسوها بنطال أسود فضفاض وكنزة من الصوف الناعم وجاكيت يشبه السترات العسكرية بلونه العفني وجيوبه الكثيرة وأشد ما ميّز هندامه كان تلك اللفحة الخمرية القصيرة الملفوفة حول عنقه النحيلة بطريقة أرستقراطية و شعره الخرنوبي المجعد الطويل و الفوضوي وكي تكتمل صورة بطل قصتنا هذه كان لا بد لي من ذكر حقيبته المصنوعة من الجلد الرخيص والتي يضع فيها مقالاته وكتباً وغير ذلك مما يمكن أن تحويه حقيبة صحفي، كنت أراقبه وهو يمشي على الرصيف وما شدني إليه هو غرابة شكله ولكنني تفاجأت به يقف فجأة يخلع نظارته ذات الشمبر العريض البني الداكن ويخرج منديلاً من جيبه ويمسح نظارته بتأنٍ يذكرك بجدك العسكري المتقاعد وهو ينظف مسدسه أو يرسم في ذهنك صورة لمراهقة تدسّ المحارم المشرّبة بعطر الياسمين تحت صدريتها وتتأمل رشاقة و صلابة ثدييها أمام المرآة وبعد أن أنهى مسح نظارته أخرج من جيبه باكيت السجائر وأخرج السيجارة من الباكيت برشاقة ولامبالاة تذكرك ببطل في فيلم عنف هوليودي ليخيَّل إليك أنه سيشعل سيجارته ويسحب منها نفساً ثم يرميها في معين من النفط ويغادر ليعقبه صوت انفجارٍ مدوٍ ،ولكن المفاجأة وقعت فهو لم يشعل سيجارته وإنما وضعها في فمه ثم أدخل يديه في جيوبه يبحث عن شيء ما على الأغلب أنه القداحة وأخذ يبحث بشغف وسرعة لا تتوقعها إن كنت تراقب مشيته البليدة وعلى ما يبدو لمراقب بعيد مثلي أنه اكتشف أن لا قداحة لديه فأسرع الخطى إلى الكشك الذي أمامه وعندما وصل إليه كان تنفسه قد تسارع وأسقط السيجارة من فمه بحركة لا شعورية لام نفسه عليها ووقف أمام صاحب الكشك عاجزاً عن الكلام فبادر صاحب الكشك إلى تحطيم هذه اللحظات الصامتة التي يكرهها كل إنسان بسؤاله :
- ماذا تريد ...؟
وهنا انقطع هذا الجمود في رأس بطلنا لتتلوه عاصفة من الخواطر والهلوسات فهو بغبائه الاجتماعي لم يستطع أن يعالج السؤال على بساطته وإنما كما تقول جداتنا ركّب له أيدٍ وأرجل وأكسبه أبعاداً فلسفية ووجودية وأخذ يتساءل :
بالفعل، ماذا أريد أنا ..هل أريد أن استمر في العمل المقيت الذي أعمله لأمسح جوخ هذا وأرطّل بيضات ذاك وأنظم الابتسامات لسكرتيرة التحرير الغبية التي كان عليها أن تعمل في محل لبيع الألبسة الداخلية أم أن أتحول إلى غيفاري مغامر أدافع عن الحقيقة في بلد لا يحتفي إلا بالخراب .. ولماذا أدافع عن الحقيقة ؟
لن أقنع نفسي بالترهات التي يقولها ذوي الأيدي البيضاء بأن الحقيقة هي من يؤسس لمستقبل جميل .. تاريخنا سيمفونية من الألم و سيبقى كذلك .. ولنفرض أن دفاعي عن الحقيقة أسس لمستقبل جميل ولكن ما الفائدة إن كنت قد متُّ وأنا أحاول بناءه .. سحقاً للمستقبل الذي يصنعه رماد الحاضر.. هل أريد أن أصبح مثل جان جاك روسو أشحذ القلم لأكتب كتباً لا يعترف بأهميتها غيري و أموت و في قلبي حسرة أنني لم آكل اللحمة منذ شهور ثم بعد بضع سنوات من موتي تغطي كتبي رفوف المكتبات وترتفع صورتي على أعلام الثوار المنتصرين .. أنا واثق أنهم لن يرفعوا صورتي الحقيقية على الأعلام و إنما سيعالجونها في برامج الكومبيوتر لتبدو صورة إنسانٍ حيّ فمن الصعب أن يكون رمز الثورة ذا خدين متلاصقين و عينين يبحثان عن نتف لحم تغطي جحوظهما .. وقبل هذا الهرج كله .. ما هي الحقيقة ..أليست الحقيقة اجتماعية .. هل يوجد ما ندعوه بالحقيقة ؟ هل مجموع الواحد و الواحد اثنان .. لا أعتقد أن هذا هو الجواب الحتمي فعشيقان يتضاجعان في أيام الخصب ينتجان جنيناً واحداً و ربما توأماً وربما تجهض العشيقة و ربما يقتلها أخوها إن كانت في ديارنا
- ماذا تريد
أخذ هذا السؤال يتردد في ذهن صاحبنا بشكل وسواسي أشبه بقرع الطبول في سيمفونية روسية ونشأ صراع عنيف بين وعيه و لاوعيه الثاني يطرح الأسئلة بإيقاع ملحمي والأول يحاول الرد عليها منقط الأنفاس :
هل كل ما تريده أن تبتعد عن هذا السؤال مثلك مثل باقي الرعاع لتقضِ أيامك في قتل الزمن ومصارعة الوجود و ترويضه بالهموم اليومية التافهة و المشاريع الحياتية التي تتوهم أنها ستجلب لك الخلود .. هل تريد أن تمضي مع جلجامش إلى آخر الدرب المؤدي للخلود .. أم أن تنصت إلى نداء عاهرة في بار تدعوك إلى الخمر و الجنس و المخدرات .. لقد أعجبك هذا الخيار و لكنك يجب أن تتذكر أنك ينبغي أن تعمل أو تسرق كي تجلب المال لهذه النشاطات والخياران مرفوضان فالعمل قتل للحظة و السرقة اعتداء على الآخرين المنهمكين في قتل اللحظة .. لماذا لا يوجد غير خيارين في لاوعيك إما زمن حقيقي لا تدري ماهيته و إما غياب للزمن
أخذ هذا السؤال يرتدد كما اللازمة في ترتيلة مسيحية ليحاصر بطلنا ويحشره في زاوية الاختيار إلى أن سأله صاحب الكشك المستغرب لجموده الذي استمر لأكثر من دقيقتين :
- ماذا تريد ..؟
نظر بطلنا إلى الوجه الذي أمامه ببرود و أخذ يحرك بصره ببطء في أرجاء الكشك إلى أن وقف نظره على قلم ممدد أمام صاحب الكشك فأخذه بحركة سريعة ورجع إلى الوراء وقال لصاحب الكشك قبل أن يغرز القلم في صدره وينتحر :
- هذا ما أريد.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقط الحصان مضرجاً بقصيدتي
- قدر أحمق الخطى


المزيد.....




- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...
- الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة -بن بينتر- الب ...
- مليون مبروك على النجاح .. اعتماد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم السيد - ماذا تريد