المالكي .. وإجتثاث بغداد

خالد الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 2915 - 2010 / 2 / 12 - 10:50
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

لكل شعوب العالم فترات وحقب من تاريخها تفتخر بها وتمجدها من خلال اثارها وابداعها الفني والأدبي ورموزها ليكون دليلا على تطورها وتحضرها وليكون نتاجها الفني والأدبي شاهدا لا ينسى على ذلك ، وحين تتغير الأنظمة السياسية لتلك الشعوب لسبب ما تحتفظ بابداع الفترة الماضية كشاهد للتاريخ عما كان سائدا فيها من رموز ومنحوتات وفن وأدب لتتطلع عليه الأجيال القادمة ، وهذا ما حصل للكثير من شعوب العالم على سبيل المثال وليس الحصر الشعوب السوفيتية او الألمانية وغرهما الكثير ، لم تقم الحكومات الجديدة بتهديم معالم مدنها من نصب ومنحوتات ودلالات تذكارية للعهد الماضي ، بل قامت برفعها بكل اعتناء وأهمية ووضعتها في المتحاف المخصصة لها ، أما التي لا تحمل دلالة للعهد الماضي وقياداته فتركت في الساحات العامة على حالها مع الاهتمام بادامة جماليتها ، أما ما حدث في بغداد فهو جعل الشعوب المتحضرة في عجب من أمر حكومة المالكي ، فشنت حملة واسعة على أغلب معالم بغداد الفنية والأثرية بشكل ملفت للنظر ، فأرسلت جرافاتها لتهديمها وهي تحت حماية قواته الخاصة - قوات بغداد – خوفا من الغضب الجماهيري وهم يشاهدون كيف تجتث معالم بغداد وتسلخ عنها هويتها الحضارية .
عادة ما تزال المعالم التاريخية والحضارية للشعوب على أيدي جيوش غازية وتحمل حقدا تاريخيا محاولة طمس الهوية الحقيقية لتلك الشعوب ، ولم نقرأ او نسمع يوما حكومة ما قامت باجتثاث هذه المعالم لشعوبها ، لذا فأن حكومة المالكي تدخل بعملها هذا التاريخ من أوسع أبوابه كأول حكومة في التاريخ تقوم باجتثاث المعالم التاريخية والحضارية لشعبها وبهذا الجهد والتصميم المميز ، وهي باعتقادنا أبشع جريمة تقترف بحق تاريخ العراق وشعبه ، وهناك رأي قوي في الشارع العراقي يقول كل ما يجري هو تنفيذا لايرادة ايران .
قامت حكومة المالكي بتهديم نصب اللقاء ونصب قوس النصر ونصب الجندي العراقي في باب المعظم وغيرها الكثير من النصب التي تدعي حكومة المالكي بأنها ترمز لنظام صدام حسين وهي حجة واهية لتمرير المخطط الفارسي لمحو هوية بغداد الحضارية ، وستنال هذه التهديمات نصب الشهيد ونصب الجندي المجهول وربما نصب الحرية وجدارية فائق حسن وغيرها لتبدء بالصفحة الثانية وهي سلخ بغداد عن تاريخها العباسي بتهديم رأس ابو جعفر المنصور مرة ثانية ونصب كهرمانه وشهرزاد وغيرها ، لكن لاندري ما ستفعل مع شارع الرشيد وشارع ابو نؤاس والمدرسة المستنصرية وغيرها ، وربما سيرافقها ترميم شامل للآثار الفارسية في بغداد وغيرها مثل طاق كسرى .
هل كل ما أنتج من ابداع فني وأدبي في فترة الحكم الصدامي الذي استمر بحدود 35 سنة هو نتاج يرمز لهذا الحكم ؟ أو ما انتج خلال الحكم العباسي يرمز للخلفاء العباسيين ؟ وهل الابداع الفني والأدبي يخضع لعقيدة حزبية معينة أو مذهب طائفي أو سياسي معين ؟ أم هو نتاج حضاري يدلل على فترات من تاريخية الشعب ؟ كان الأجدر بالمالكي أن يشكل لجنة فنية مكونة من مشاهير الفنانين العراقيين والأفضل له لو أضاف لها مشاهير من فناني العالم لدراسة هذه النصب والتماثيل ومدلولاتها وتفريق منها ما يدلل على رمزية نظام صدام عن ما يدلل على فن ابداعي حضاري ليترك شاخصا في مكانه ، أما ما يدلل منها على صدام ونظامه يرفع من الساحات ليوضع في المتاحف للأجيال القادمة ، كان هذا الأسلوب يكون أكثر فائدتة للمالكي وخاصة وهو على أبواب انتخابات جديدة كان كسب من خلالها الكثير من الأصوات بدلا مما فقد الكثير منها من خلال همجية التهديم لمعالم بغداد .
والمثير للجدل والدهشة رافقت عملية اجتثاث معالم بغداد عميلة واسعة النطاق لنصب جداريات كبيرة لصور المالكي شملت اغلب مدن العراق وخاصة بغداد لتذكر الشعب العراقي من جديد بصور صدام حسين التي كانت تملأ شوارع المدن العراقية وربما عددها فاق عدد صور صدام ، فكانت عملية استفزازية للشعب وهو يرى اعادة عملية نشر الصور ، فقام الشعب وفي ليلة واحدة بحرق وتدمير ما يقارب 200 صورة منها فقط في مدينة بغداد ، بهذا يكون المالكي بعمله هذا قد فقد الكثير من الأصوات بدلا من كسبها حيث اعاد لذاكرة الشعب صدام حسين ودكتاتوريته مرة ثانية ، وحين اطلع على الرد العنيف الجماهيري أمر برفع صوره من المدن بل أمر بعدم تعليقها حتى خلال فترة الدعاية الانتخابية حيث هو الآخر تذكر ما آلت اليه صور صدام حسين وخاصة تلك التي كانت مرفوعة بساحة الأندلس كما اتعض من قبله الرئبس اليمني حين أمر برفع كل صوره من شوارع وساحات العاصمة صنعاء بعدما رأى من خلال شاشات التلفزة كيف تضرب صور صدام حسين بالأحذية يوم 9/ نيسان / 2003 م .
الشعب العراقي على اطلاع تام بالعقد المبرم بين مكتب سيادته وشركة نسيم للدعاية والنشر والاعلان الكائن في شارع السعدون ساحة النصر والموقع في كانون الثاني / 2010 والذي ينص على عمل وتصنيع وتنفيذ ونصب ألف جدارية لصور المالكي بقياس 3×4 متر جدارية ضوئية ويشترط العقد أن تكون من مادة الفلكس الضوئي الايطالي المنشأ وسعر الواحدة كما هو مثبت بالعقد مليون دينار عراقي ، اي أن قيمة العقد مليار دينار عراقي !!! من أين لك كل هذا سيادة ومعالي رئيس دولة العراق ؟؟؟ ونتيجة للاحتجاجات الجماهيرية كانت تخرج مع مفارز تنفيذ النصب ثلاث سيارات حماية من قواته الخاصة – قوات بغداد – مع كل مفرزة من مفارز التنفيذ في شوارع بغداد !!! حيث العاملون كانوا يتعرضون اثناء عملهم في شوارع بغداد وساحاتها للعديد من الكلمات الاستفزازية ومنها الجارحة وللاستهزاء من المواطنين منها على سبيل المثال ( شنو هذه صور صدام الجديد ، صدام هم ما سوه هيجي ، شنو رجع عمنه صدام واحنه ما ندري ، هذا صدام الثاني ؟ لو المالكي صارف هاي الفلوس على الفقراء مو كان احسن ؟ تدرون هاي كلها من فلوسنه ؟ ) ... الخ من التعليقات ، والله يكون في عونك ايها الشعب العراقي مادمت عاجزا على القيام بانتفاضة ضد ما يجري في وطنك وانت ترى هدر المال العام وترى كيف تسلخ هوية بغداد الحضارية .

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل