كريم رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 2911 - 2010 / 2 / 8 - 19:24
المحور:
الادب والفن
عرفاناً لأصدقائي حراس الخرائب المقدسة.
كريم رشيد / بغداد 2010
المدن التي تحتضر لاتترك لأهلها سوى خرائب معبأة بالأسرارفتثقلهم بأمانات لا يكاد لأهلها أن يجدوا متسعا لها في زوادات بقائهم المفترض او المتأمل.
وبينما ينشغل الجميع بأبتداع لعنات جديدة يصبونها على المدينة المحتضرة ليعلنوا بذلك تنصلهم عن الخرائب والحرائق اليومية متباهين بترفعهم عن تلك الأطلال المتهاوية و يغادروها ساخطين، تنشغل انت وحدك بتقيلب احجارك المقدسة لتفك ألغاز الوصايا التي رمتها اليك المدينة، مدركا انها أكبر من حملك،
وأنها بك أوبدونك ستموت مرة أخرى.
مثل طائر البياض الذي يعرف كيف يلتقط كنوز الأرض من بعد حرائق الحقول، وحدك تقف خلف تيار النار وترقب ما تطفح به شقوق الأرض من أسرار الحياة . انت تلتقط المدينة التي في حضنِك تموت.
تسمعُ همساتها الأخيرة وتسخرُ من زيف أحتضارها.
المدينة التي قضمت ساقك، سرقت قميصك ، أهانت رجولتك ، سخرت من جوعك وأتخمتك بالعذاب رغيفا كل يوم ، عبأت ذاكرتك بالبارود وحقيبتك بالكراهية، جعلتك ترى سرطانات خزييها تسري في دروب ضيعت جدوى الخرائط. المدينة العصماء التي لا طريق يؤدي لها سوى طرق المدافن .
كم مرة اعلنتَ كرهَك لها وبكيت نادما على سنينك التي أحترقت وتسرب رمادها من ثقوب القلب .
كم مرة اعلنتَ كرهَك لها وبكيتَ مستذكرا صراخ الثكالى الذي أكتظت به السماوات فردته إليك لعلك تجن أو تهاجر.
انت المعبأ بالفزع من مداهمات الليل وصراخ الفجر،
وحدُك بقيتَ ترقبُ أحتراقكما المتجدد
ساخرا من كل شيء.
كم مرةً رمت بنفسِها في حضنِك
تلك المدينةُ التي تنتظرُ موتًك
فسخرتَ منها
وغسلتَ جسدَها بمحبتِك لتُطهرها من خزييها.
كم مرة حملت رسائلك لي أخبار خيانتاها العاهرة
وعشقها لخاطفيها الذين نثرت فوقهم ذهبها وحليٌها،
سكبت فوق فحولتهم الخائرة ماءَ أنوثتِها
فانهزمت الشهوةُ وأندثرت بعيدا.
لا رعشة حياة في مضجعها،
ليس سوى آهات كاذبة تفضحُ زيف شبقها،
وأنت تبحث في خرائبها عن أحجار مزيفة
وأسرار منتهكة
وأكاذيب جديدة تصلح لخداع الذات.
من حماها من غييها غيرُ حبك؟
ومن صان عفتًها من عُهرها غيرُ صدقك؟
أنت الساخرُ الضاحك المتألم الصارخ المتعفف الثري الساخط الحاني
لك كل أسماء المدينة ، شوارعها والضواحي.
•
سؤال الطمأنينة.
إلى الصديق عماد جاسم.
سنيناً أنتظرتُ لقاءك،
جأتُ لأطمئنَ على بقائك
فسخرتَ من قلقي
وعلمتني سرَ الطمأنينة التي ورثتَها عن الأفعى.
سألتُك عن جدران العزل فأعرتني سلالمَ للروح
وقلت: أنتظرني عند نقطة التفتيش.
فرأيتُ ظلك يتسلقُ الجدرانَ ويسخرُ من صلابتها.
الكلاب تتطلع الى ظلك المرح وتتعقبه نابحة بوجه الحيطان الصماء
فيما أنت تصفق وراءك ابواباً يحفرها ظلك المشاكس في الجدران،
تدخل فتنفتح، تخرج فتختفي.
•
سؤال العشق.
سألتُك عن عشقك، فحدثتني عن سر النار المؤجلة في الفحم.
نزعتَ عن وجهك جلدَ شيخوختِك
وإلقيتَ به الى صاغة الذهب على طرف النهر
فصنعوا منه تعويذةً للحسد ،
منحتني أياها
هدية لجبين طفلتي المرتعشة من بردٍ أبدي.
•
حلم بعشرة أمتار مربعة وطابقين.
إلى الصديق الفنان مقداد عبد الرضا
صديقي المعبأ بالغضب على المدينة وأنا الطافح بالشوق إليها كنا معا نتمشى في شوارعها، فما كف عن لعنها ، مردداً.
ـ خربوها.. ما تركوا شيئا لنا سراقها الأوغاد.
لو كنتُ فقط عشرَ سنواتٍ أصغرَ عمرا لنفضتُ عني عشقَها وهجرتُها،
لو كنتُ فقط عشر سنوات أقل .
لو أن في العمر فقط عشر سنوات أكيدة.
.........
قال ذلك وصمت حتى نهاية الطريق.
تارة ننظر لبعضنا وحينا نشرد بأعيننا عن بعضنا كي لا يرى أحد دمعة الأخر، ونسكت حين يداهمنا البكاء ، ونبكي حين يهاجمنا الصمت،
نُنَقل عيوننا مثل الحمام المفزوع.
أنا المُكنى بحقيبتي ولحيتي
أفزعوني
فخرجت من دونهما كي لا أبدومغتربا
وعلق هو على ظهره حقيبته ، كاميرتين وبعض كتب لم تعد ممنوعة،
ربما هي عادته التي لم يكف بعدُ عنها.
يحيه البعض من معجبيه فيبتسم بهدوءٍ مفاجئ ليعلمَهم أن الشهرة التي أختارَ أن يغادرَها ويستبدلَها بالأختباءِ خلفَ كتابٍ أو كاميرا، ليست إلا أقلَ ما في جعبته.
خرجنا من المسرح الوطني بأتجاه نادي العلوية حيث ينتطرنا هناك صلاح القصب ، وكان الطريق حاشدا بالصراخ.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟