أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - بلال فضل يكتب سيرة المهمشين والمقهورين في : - ما فعله العيان بالميت -















المزيد.....

بلال فضل يكتب سيرة المهمشين والمقهورين في : - ما فعله العيان بالميت -


هويدا صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2897 - 2010 / 1 / 24 - 03:20
المحور: الادب والفن
    



يقول د. خيرى دومة فى بحثه عن تداحل الأنواع فى القصة القصيرة : " لقد كانت القصة القصيرة منذ نشأتها نوعاً بينياً تتنازعه أهداف متعارضة ، فهو شخصى واجتماعى ، رومانتيكى وواقعى ، شعرى ونثرى ، شفاهى وكتابى ، تعليمى وفنى ، يسعى إلى مشابهة الواقع كما يسعى إلى تكثيفه وترميزه . وانطلاقا من هذه الفرضية التي نتفق معها تماما ندخل إلى عالم مجموعة " ما فعله العيان بالميت " للقاص المصري بلال فضل . وبما أن القصة القصيرة كانت على الدوام نوعاً صالحاً للتجريب ، لأن كل تجربة جديدة كانت تحتوى ـ كما قيل ـ على قالب جديد، فإن بلال فضل مارس التجديد والتجريب في تلك المجموعة بمهارة وحرفية ، بدأ المجموعة بقصة : " زبادي التي حال بيني وبينها الشات " وفيها قام بتقطيع ماهر لأحداث القصة في كادرات تحدث بالتوازي والتبادل ، فالسارد في القصة كان يشاهد إحدى القنوات التي تتيح لمشاهديها فرصة بث رسائل قصيرة في أسفل شريط الشات ، وفجأة تدخل فتاة وحيدة تبحث عمن يؤنس وحدتها ، وتستعير لنفسها اسما طريفا هو " زبادي" ، وفجأة تنهال عليها التعليقات والرسائل التي تمتهنها كأنثى ، وتبتزها علانية بتصريح مرة وتلميح أخرى ، ووافقت لحظة بحث زيادي عمن يؤنس وحدتها شعور السارد بالوحدة هو الآخر ، فيتعاطف معها ويتعرض لكل أنواع الشتائم والابتذال من جمهور الشات الذي دخلته " زبادي صدفة " واختفت منه سريعا : " زبادي هكذا اختارت أن تسمي نفسها ..تماما كما اختارت أن تبدأ رسالتها الأولى على سطر الشات قائلة للموجودين عليه :" هاي إزيكو أنا زبادي .. حابة أتعرف عليكم " . لم ترحم الردود السخيفة لطفها الذي بدا جليا برغم كلماتها المقتضبة .. سريعا انهالت عليها مطارق الغلظة والبذاءة " .
ولكن هل واصل بلال فضل كشف المسكوت عنه ، وتقديم هذه الهموم الإنسانية الصغيرة فقط ؟ .
انطلاقا من مقولات ما بعد الحداثة التي حاربت النخبة والنخبوية، والتي تغلب فيها الهامش على المركز. والتي قوضت السلالم الهرمية، واهتمت بأشكال التعددية اهتماماً شديداً، انطلاقا من هذه الرؤية للعالم يقدم لنا بلال فضل مجموعته . ربما لم يكن قاصدا تبني مقولات ما بعد الحداثة إلا أنها ظهرت جلية في تلك المجموعة التي جاءت محملة بالكثير من الهموم الإنسانية الذاتية والجمعية ، فقد أفلح بلال فضل في نوع من المحاكاة الساخرة أن يكشف المسكوت عنه ليس ذاتيا واجتماعيا فقط ، بل يكشف المسكوت عنه سياسيا .
بلال فضل في هذه المجموعة يسائل الذات والعالم ، ويكتب حياة المهمشين الذين يعيشون طوال الوقت على هامش الحياة ، ويفضح ممارسات القهر والتهميش التي يمارسها النظام الشمولي ضد مواطنيه ، نجده في القصة التي أخذت المجموعة اسمها " ما فعله العيان بالميت " ينبش عالم المهمشين في البيئات البينية التي ليست من الندينة تماما ، بل على تخومها ، تحيا في ظل الفقر والبؤس حتى أن أفرادها قد ينبشون القبور بحثا عن مسامير بلاتين كانت في ساق أحدهم قبل أن يدفن ، وفي هذا النص الطويل نسبيا يلعب بلال فضل بتقنيات السينما التي أجادها بوصفه سيناريست ، فيقدم لنا الحدث في تسعة كادرات متتالية ومن زوايا مختلفة ، يفتتح المشهد بسيدة تصرخ وتلطم الخدود وتشق الجيوب على اقتحام تربة أخيها ، وبتتالي الحدث نكتشف أن ابن عم الميت الذي كان يعرف بوجود مسامير بلاتين في ساقي الميت يقتحم التربة بالتواطؤ مع التربي ويسرق المسامير ويبيعها من أجل إجراء عملية جراحية خطيرة لزوجته التي لم يستطع أن يعالجها في مستشفيات الدولة . إذن الحدث هو سرقة تلك المسامير ، ولكن الألعاب السردية التي يمارسها بلال في القصة تجعله بقطعها إلى كادرات تسعة وكل شخصية تحكي ذات الحدث من وجهة نظرها، في لغة تبدو حيادية وواقعية ، لكنها تبين شعريتها من كم الشجن والتأسي الذي يظهر على الشخصيات.
ولا يقف بلال فضل عند هذه الهموم الإنسانية كما أسلفنا ، بل يسائل الساسة والنظام عما فعلوه في الشعب ، من قهر وظلم وفقر ، يسائل الجميع في أكثر من قصة ، لعل أكثرها طرافة نص " البلد بتاعة سيادته " ، وفيه يقدم بلال فضل في محاكاة ساخرة لاذعة فكرة طريفة مفادها تضييع اسم البلد الرمزي ، والمقصود به مصر طبعا من أذهان الصغار والكبار ، ومحو الاسم نهايئا حتى لو اقتضي الأمر أن نلغي تدريس التاريخ في المدارس ، كل ذلك لأن الحاكم الذي بلغ الثمانين قد أصابه داء النسيان ، وبدأ ينسى اسم البلد التي يحكمها ، وتوصل المنافقون حول الحاكم إلى طريقة لتدارك الفضيحة أمام عدسات الفضائيات بأن وضعوا في خطابه بدلا من اسم مصر ، وضعوا جملة البلد " بتاعتي " وشيئا، ففشيئا ، محوا اسم مصر من كل شيئ حتى يريحوا الحاكم الثمانيني الذي لم يعد يذكرها وانتشى تماما بقوله " البلد بتاعتي " ولا يخفى بالطبع دلالة هذه الجملة التي سلبت البلد من أبنائه ، ونسبته للحاكم : " بدا مفتونا بذلك التعبير الذي قاله له مندوب كبرى الصحف بتاعة سيادته ، منذ ذلك اليوم أصبح يجد لذة في أن يكرر جملة " البلد بتاعتي " في حواراته التلفزيونية ومؤتمراته الصحفية ولقاءاته الرسمية ".
وهكذا يوالي بلال فضل فضح الفساد السياسي والاجتماعي في قصص طريفة ومدهشة ، وقادرة على جذب انتباه القارئ ،فيظل يلهث وراء الحكاية مستمتعا بحس السخرية اللاذعة الذي اشتهر به بلال فضل حتى في مقالاته اليومية .
ولا يقف الأمر عند القصص التي راهنت على كشف الفساد السياسي والاجتماعي ، والهموم اليومية للناس ، بل قدم لنا قصصا جاءت ناعمة وإنسانية ، قصص ربما أراد لها أن تخفف من وطء الهموم السياسية والاجتماعية التي طغت على المجموعة ، مثل قصة : " راحة القلب تبدأ من القدمين " ويتناص فيها مع قصة البطل اليوناني أخيل ، وفيها يقدم لنا في لغة طريفة وناعمة وقوع الذات في غرام فتاة دخلت عليه مقر عمله ، فيتناص مع قصص العشق والغرام مثل قصة أخيل وعنترة والعباس ابن الأحنف وأنطونيو وقيس وغيرهم : " لم أكن أعلم أنني سألقى على يديها أو قل إن شئت الدقة على أهداب عينيها مصير البطل اليوناني الأسطوري أخيل ..... اليقين الذي أعلمه أنني لم يُرشق في كعبي سهم مثل أخيل ، لكنني أعلم أيضا علم اليقين أن قلبي رشق بسهم من قوس عينيها " .
هويدا صالح
روائية وناقدة مصرية



#هويدا_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إذا انهمر الضوء ومشهدية السرد
- حلم العدل الاجتماعي بين الظاهر بيبرس وجمال عبدالناصر
- فكري الخولي / علمنا كيف يكون النضال السياسي
- لأنك صدقت أسطورة عدلهم
- الكاتب العربي ما بين السيرة الذاتية والسرد السيرذاتي ... خلو ...
- باليه فتاة متحررة / جان دوبيرفال
- الست كوم وفنون ما بعد الحداثة
- ليل الثعالب
- صورة المرأة في السرديات العربية / سيدة الأسرار نموذجا
- حوار هويدا صالح في مجلة الفسيفساء الثقافية التونسية / محمد ا ...
- برهان العسل بين كسر التابو ولغة الجسد غير الموظفة فنيا
- شبابيك هدية حسين المفتوحة
- الرماد في عيون من ؟!
- النوستالجيا في ثنائية السفر
- عطر البنفسج الذي شاغب روحها
- جدلية الزمان والمكان في رائحة الغائب
- أسئلة القصة القصيرة
- سينما السبعينيات وحقوق الإنسان
- النساء يبحثن عن كوي للضوء ما بين قاسم أمين والطاهر حداد
- قراءة في قصص ذاكرة الجسد


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هويدا صالح - بلال فضل يكتب سيرة المهمشين والمقهورين في : - ما فعله العيان بالميت -