جهاد الرنتيسي
الحوار المتمدن-العدد: 2891 - 2010 / 1 / 17 - 21:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حين اطلق عبارته الشهيرة عن المقاتل الذي " يحمل بندقيته في يده ... وظهره الى الحائط ... ولا يرى من العالم الا قضيته " كان زعيم اليسار الفتحاوي ماجد ابو شرار يصف صعوبة الموقف الفلسطيني في بدايات النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي .
لكن ابو شرار ، الذي استشهد بعد ذلك بسنوات قليلة ، بانفجار استهدفه في احد فنادق روما ، لم يكن يعلم حين اطلق عبارته ان المستقبل يخبئ لقضيته الوطنية يوما بلا جدران ، تتكئ عليها القيادة الفلسطينية ، وهي تخوض اصعب معاركها السياسية ، بحثا عن مخارج لمشروعها الوطني .
فقد بقي الخيال السياسي في ذلك الحين ، وحتى سنوات لاحقة ، دون القدرة على رسم مشهد يغيب عنه الاتحاد السوفيتي ، بكل ما كان يعنيه ذلك القطب الكوني من توازنات دولية واقليمية ، اتاحت لقوى التحرر العالمي هوامش واسعة من الحركة ، مكنتها من تحقيق انتصارات لقضاياها الوطنية والقومية .
كما كانت غائبة افرازات ذلك الغياب ، ومن بين تجلياتها التضخم السرطاني لقوى الاسلام السياسي ، وتفاقم ازمات الدولة الوطنية ، والشكل الذي تأخذه محاولات توظيف الوضع الراهن في تصفية القضية الفلسطينية .
وبفعل هذه الافرازات والتداعيات المدمرة تعيد قيادة الشعب الفلسطيني الى الاذهان صورة " سيزيف " في الاسطورة اليونانية وهو ينوء وراء صخرته على امل الوصول بها الى قمة الجبل .
فالبحث في الاساطير اكثر سهولة من محاولة تفكيك المشهد الفلسطيني بكل ما ينطوي عليه من تعقيدات والغاز و تفاصيل .
ولعل طبيعة الدور الاميركي ، الموغل في غموضه ، الدلالة الاكثر حضورا ، في منظومة الالغاز ، التي تحرص الدوائر السياسية في المنطقة على تفسيرها ، لبناء تصورات ، تعين على القيام بمناورات تكفي للافلات من المآزق .
ففي المسافة الفاصلة بين عودة الادارة الامريكية عن تهديداتها بقطع الضمانات المالية السنوية عن اسرائيل والضغوطات التي يتعرض لها الجانب الفلسطيني لاستئناف المفاوضات ما يكفي لتباين الاجتهادات .
ولهذا التباين اسبابه التي لا تقتصر على اللغة السياسية الاميركية المستخدمة في تليين الموقفين الاسرائيلي والفلسطيني لضمان تحريك عملية السلام بقدر ما تعود الى صعوبة المراهنة على الموقف الاميركي .
فلم يزل حاضرا في ذهن المسؤولين الفلسطينيين قول المبعوث الاميركي جورج ميتشل بان جهده يتركز على وقف الاستيطان الاسرائيلي في الضفة ـ بما في ذلك النمو الطبيعي ـ قبل اعترافه لمحاوريه بيأسه من التوصل الى صفقة بهذا الخصوص مع الحكومة الاسرائيلية .
كما كان لاكتشاف الصفقة الاميركية ـ الاسرائيلية ، التي تستثني القدس من وقف الاستيطان ، وتسمح ببناء 3000 وحدة استيطانية في الضفة ، واستمرار البناء في المباني العامة والبنى التحتية وقع الصدمة على الجانب الفلسطيني .
وعلى اساس هذه الصفقة ، بنى المبعوث الاميركي تصوراته للمرحلة اللاحقة ، والتي تتمثل في استئناف المفاوضات ، دون شروط مسبقة ، مع اعطاء الطرفين حق طرح ما يريدان طرحه .
في بعض الاحيان اخذت التحركات الاميركية شكل محاولة تسويق الموقف الاسرائيلي لا سيما لدى سعي واشنطن لتغطية التراجع برسائل تطمينات استخف الجانب الفلسطيني بقيمتها القانونية .
والواضح من خلال الاداء الفلسطيني وجود قناعة بان الموافقة على استئناف المفاوضات دون وقف حقيقي للاستيطان يعني من بين ما يعنيه الدخول في متاهة الدولة المؤقتة .
فهناك ما يكفي من المؤشرات بان الجانب الاسرائيلي يدفع الامور في هذا الاتجاه الذي يوفر مخارج تتيح توفير الغطاء السياسي لاستمرار عملية الاستيطان الى ما لا نهاية .
ووراء هذه المؤشرات دوافع ابرزها عدم قدرة الحكومة الاسرائيلية بتركيبتها الحالية على اتخاذ خطوات مثل وقف الاستيطان ، مما يتطلب اجراء تغيير على حكومة نتنياهو ، لم تتهيأ له الطبقة السياسية الاسرائيلية بعد ، ولا تفضله الادارة الاميركية في الوقت الراهن .
على ضوء هذا الفهم تسعى الحكومة الاسرائيلية لتصدير ازمتها ببعديها الداخلي والخارجي الى الجانب الفلسطيني .
فالتوجيهات التي تلقتها السفارات الاسرائيلية ، في العواصم الاوروبية ، لتحريض الراي العام وصناع القرار على القيادة الفلسطينية ، باعتبارها الطرف المعيق لعملية السلام ، لا تخرج عن هذا السياق .
ومن غير المستبعد ان تحقق التحركات الاسرائيلية في عواصم القارة العجوز بعض النجاحات لاسباب لا تخفى على اطراف الصراع في المنطقة .
ففي الامور المتعلقة بالسياسة الخارجية لم يخرج الاتحاد الاوروبي بعد عن كونه واجهة لعدة سياسات .
ظهر ذلك بوضوح بعد حالة الاحباط التي خلفتها ضجة " المشروع السويدي " الذي اضيف الى سلسلة الاوهام العربية ، وتعاملت معه اسرائيل بحذر ، لينتهي به المطاف نتائج بائسة لاجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في بروكسل .
فالصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي قضية اشكالية في اوروبا تدخل فيها عقد التاريخ والمصالح والقدرة على الابتعاد عن مدارات السياسة الاميركية في التعاطي مع بؤر التوتر الاقليمية والكونية .
وانتخاب رئيس للاتحاد الاوروبي وفق دستور برشلونة لم يخرجه من هذه التعقيدات .
لذلك لا يتجاوز الدور الاوروبي في المنطقة صورته المنمطة والمتمثلة في منح المعونات والمساعدات التي تقلل من نسب الفقر والبطالة وتساعد على تجنب وقوع اعمال العنف .
وفي الحالات الطبيعية يفترض ان يوفر الوضع الاقليمي والعربي شبكة امان للفلسطيني وهو يخوض معركة الحفاظ على قضيته الوطنية .
لكن هذه الفرضية تتلاشى بمجرد التفكير فيها ، مع انتشار بؤر التوتر ، المستخدمة ساحات لتصفية الحسابات مع المجتمع الدولي ، ومحاولات الالتفاف على عواصم القرار العربي .
وبتلاشي الفرضية تسهل قراءة الخارطة السياسية العربية حيث تنازع طهران النظام الرسمي العربي على شرعياته في محاولة تعريته امام شارعه .
الا ان عملية التعرية التي ينساق خلفها ماركسيون ضلوا الطريق ، وقوميون فقدوا البوصلة ، واسلاميون وصلوا الى حالة من الافلاس السياسي لا تعري النظام السياسي العربي امام شارعه بقدر ما تضعف قدرته على لعب دور سياسي فاعل على الصعيد الاقليمي .
وبذلك لا يصعب على الادارة الاميركية ممارسة ضغطها على النظام السياسي العربي ، لدفع المفاوض الفلسطيني الى طاولة المفاوضات ، دون وفاء الجانب الاسرائيلي بالتزاماته ، وفي مقدمتها ابداء بعض حسن النوايا ، والكف عن فرض سياسة الامر الواقع بوقف الاستيطان وقضم الاراضي المفترض ان تقام عليها الدولة الفلسطينية .
الى جانب التغول الايراني على العواصم العربية ، ومحاولات انقرة ضبط سياساتها على ايقاع الازمات الشرق اوسطية ، للعثور على دور يعوضها عن اغلاق النادي الاوروبي في وجهها، والعري العربي ، يضاف الانقسام الفلسطيني ، ليقلص هامش المناورة ، المفترض توفره ، لتحرك يحد من التدهور المضطرد .
فمن الصعب التعامل مع ملف الانقسام الفلسطيني باعتباره قضية محلية قابلة للحل في ظل الارتباطات الاقليمية لحركة حماس .
وخروج حركة الاسلام السياسي الفلسطيني الاولى من دائرة التجاذبات يتطلب تطورات لها علاقة بالاقليم والعالم ، من بين هذه التطورات توفر حل لازمة الملف النووي الايراني ، سلما او حربا .
ففي جولته العربية الهادفة لتأمين خط الرجعة ـ مع تفاقم ازمة النظام الايراني تحت ثقل الازمة الداخلية والعقوبات الدولية المرتقبة ـ وحرصه على احتفاظ حركته بارتباطاتها المعلنة وغير المعلنة بطهران ، ظهر خالد مشعل متارجحا بين انتمائين ، وهويتين سياسيتين .
ولا شك في ان المفاوض الفلسطيني يدرك وجود كل هذه الثغرات وهو يطالب اسرائيل الوفاء بالتزاماتها الدولية لاستئناف المفاوضات ، لكنه لا يجد مفرا من الاشتباك السياسي مع القطب الكوني الوحيد ، ومحاولة التأثير في القرار الاوروبي ، والتعايش مع نزعات مغامرة ، واخرى انتهازية ، في المعادلة الاقليمية، والاستقواء بواقع عربي هش لايصال صخرته الى قمة الجبل .
# جهاد_الرنتيسي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟