محمد حسن صبيح
الحوار المتمدن-العدد: 2891 - 2010 / 1 / 17 - 17:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ان مجرد نظرة سريعة لطبيعة المكونات السياسية المؤثرة في نظام الحكم الجديد في العراق بشقيه الاقليمي والاتحادي ، والذي تحقق بفعل انتخابي تتاكد لنا ملامح واضحة تكشف لنا عن لون تلك المكونات وطبيعتها . ان مجمل تلك الاحزاب والكيانات ان لم تكن كلها، تفتقد الى رؤيا واضحة لطبيعة العمل الديمقراطي واصوله وقوانينه ، ليس لانها حديثة العهد بمثل تلك التجربة وليس لان العراق لايمتلك ارثا ديمقراطيا حقيقيا يمكنها الاعتماد عليه، وليس لان الديمقراطية الحقيقية بشكلها الغربي تحديدا غير مالوفة بالمنطقة عموما، لكن الامر يتعلق في جوهر تلك الاحزاب وبرامجها السياسية ومنطلقاتها الفكرية الغير مؤمنة بالعمل الديمقراطي والاقتصاد الحر ولا حتى بالتداول السلمي للسلطة. هذا الامر معروف للجميع ، انها احزاب شمولية مهما تضاهرت بالديمقراطية فلان ذلك يخدمها في القبض على زمام الحكم وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية شخصية لمنتسبيها ثم نشر نفوذها وتاثيراتها على الناخب وهي مستعدة للذهاب لهذا الشوط الى ابعد مدياته ولنا في تجربة الجعفري وتعطيله للعملية السياسية مثلا في ذلك ، والاطراف الحكومية الحالية وسعيها لتحقيق النجاحات الانتخابية ولو على حساب تعطيل النمو والاستمرار بالعملية السياسية والبناء وايجاد الحلول للمشاكل المزمنة! وماهيمنة الحزبين الكرديين وتوافقاتهما على السيطرة وتحقيق المكاسب الحزبية والعائلية وحتى الشخصية الا مثالا اخر على انها احزاب تنتصر لايديولجيتها على حساب الهموم الوطنية ومستقبل الشعب بشكل عام . ان مفهوم السلطة والحكم في العالم الثالث والعراق بشكل خاص ، انما يعني الاسئثار وتحقيق المكاسب المادية والهيمنة على مصائر البلد واهله وليس مسؤولية وظيفية وتكليفا قانونيا وعملا مدفوع الاجر ولزمن محدد يضمنه العقد والقانون السائدين .
لم يكن هناك معرفة كاملة وتقدير حقيقي وواقعي لحجم التخلف في العراق وعلى الاصعدة كافة ، لقد. سحقت تلك الظروف الفئات الهامة والتي يعتمد عليها في أي عملية نمو وتطور ، من اساتذة وشعراء وفنانون ، جامعيون واطباء ومهندسون وكوادر مهنية علمية اخرى. لقد هاجرت معظم تلك العقول والامكانيات الى بلدان اخرى او انكفات على نفسها وشلت امكانياتها بالعطاء ، كما برزت فئات من اللصوص والغشاشين والمرتشين وتجار المخدرات والفاشلين والوصوليين والنفعيين وبرزت تلك الفئات في اولويات السلم الاقتصادي والاجتماعي! وبهذا فقد المجتمع دالته واضاع طريقه.
كما كان للمفاجئات السياسية، المواجهات الطائفية ، مقاومة الوجود الاجنبي عسكريا، التدخل الغيرمسبوق لدول الجوار وتاثيراته المدمرة كذلك ، كل ذلك اضافة الى ضعف الاستعداد على المستوى السياسي والمعرفي بطيعة الوضع وافرازاته جعل الامور تسير بطريقة كانها مخطط لها ، وهو بالفعل كذلك لكن هذا التخطيط قد جاء من الخصم المعادي للتغيير حتى بدا مؤثرا في سير العملية السياسية وكادت القوى الاجتماعية والسياسية المعنية بالتغيير ان تفقد مواقعها في مرحلة معينة.
لم يكن بمقدور البنية التحتية للاقتصاد العراقي ناهيك عن وضعه الثقافي والاجتماعي من الاستجابة الايجابية المطلوبة لهذا لتغيير الكبير. او الانسجام مع معالمه ومظاهره وافرازاته التي يستحيل تجاوزها. لقد اصا ب هذا التغيير عمق المفاهيم والمسلمات السائدةعلى الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لقد بالغ الاعلام والسياسييون في تصور عمق الوعي العام للمواطن العراقي واحساسه بالانتماء والمواطنة كما جرى التهويل في الامكانيات الاقتصادية للبلد ومايمكن ان ينتظره المواطنون من مستقبل وردي زاهر جعل الكثير يحلق في الوهم ويبني احلاما لاتمت للواقع كثيرا مما اشعر المواطن بالخيبة المضاعفة والتراجع والانطواء حالما تجلت الامور فعادت بنتائج مخيبة للامال ، فلم يتحقق اي من هذه الوعود .
كان من الاصح والاجدر مواجهة الناس بالحقائق واطلاعهم على حجم الخراب الموروث وحجم الجهد الذي ينتظرهم في بناء البلد والذي لايخلو من التضحيات والتنازلات التي قد تدوم زمنا ليس بالقصير .
من اجل كل ذلك، ماكان بالانتخابات ان تقع وفي ذلك الظرف المبكر جدا . كنا بحاجة الى مرحلة انتقالية طويلة نسبيا يتم خلالها تحقيق المستلزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للعملية الديمقراطية ولو بنجاحات محدودة تضمن انتقالا ديمقراطيا باقل الخسائر والاضرار .
لااحد ينكر ان التغيير كان مدويا افقد الكثيرين القدرة على استيعابه وتلمس خيوطه . ان العملية التي تجري حاليا انما هي اختزال للديمقراطية ومفاهيمها فالانتخابات ليست سوى مظهرا من مظاهر الديمقراطية وهي ليست هدفا بذاتها بل وسيلة يعتمد عليها في ارساء الدعائم للمجتمع الديمقراطي الذي يبنى على اساس الكفاءة ، المنافسة الحرة في خدمة الناس ، واحترام حقوق الانسان ومعتقداته ودياناته اضافة الى حقوقه الاخرى في الانتماء السياسي ، في التعليم والعمل ، السكن، التنقل والسفر ، التظاهر والاحتجاج السلمي وغيرها من الاركان الاساسية لأي نظام ديمقراطي حر .
لندن 2010
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟