ماجد مقبل
الحوار المتمدن-العدد: 2889 - 2010 / 1 / 15 - 16:03
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
أعلام من القدس -1
بندلي الجوزي
مؤرخ , كاتب , اقتصادي
مترجم و عالم لغة
ماجد مقبل
لاشك في أن التراث , هو الجذور التي تعطي للإنسان هويته , فحفظ أسماء القرى و الرموز و الشخصيات الوطنية و الثقافية , ضرورة تربوية و وطنية , كما أن نشر اعمال المبدعين من الكتاب الفلسطينيين في مراحل تاريخية مختلفة
و التعريف بهم و بدورهم الفكري و الثقافي , يعتبر الأسلحة الضرورية في مواجهة الصهيونية ووليدتها اسرائيل , حيث استمرت تحاول بهدف تثبيت المشروع الصهيوني , على طمس دور المثقفين الفلسطينيين في الثقافة العربية
و العالمية , و طمس الثقافة العربية المعاصرة في فلسطين , و التي عمرها اكثر من قرن .
سنحاول في هذه الإطلالة التعريف بأحد رواد نهضتنا العربية , الذين درسوا تاريخنا دراسة علمية , إنه الكاتب الفلسطيني بندلي الجوزي , الذي أخطأ بعض المؤرخين , لأنه كان بعيداً عن وطنه فلسطين , حين أتو على تاريخ ميلاده
و تاريخ موته , و الأغرب من ذلك أنهم أخطؤا في تحديد قوميته و جنسيته , في اسم كتابه الشهير " تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام " الذي استفاد منه عدد كبير من المؤرخين و الباحثين , و دائما حسب ما يذكره السيد جلال السيد , أنه بعد وفاته تم السطؤ على كتابه هذا , و لم تهتز الدنيا التي كثيراً ما نراها تهتز , من أجل سرقة مقال أو قصة أو قصيدة من الشعر الحر!!!
ولد الكاتب والمؤرخ و عالم اللغة الفلسطيني – بندلي صليبا الجوزي – في القدس عام 1871 , توفيت والدته أثناء ولادته , و توفى والده الذي كان يعمل نجاراً و هو في السادسة من العمر , تقول أخته مريم " أن طفولة بندلي كانت هادئة , كان يحب الركض , ويصعد على سطح الدار التي كانت تطل على أسوار القدس القديمة ".
كانت فلسطين في تلك الفترة جزءاً من الإمبراطورية العثمانية , و كان يطلق عليها اسم سوريا الجنوبية , و بسبب التنافس الاستعماري على المنطقة العربية ,
و ضعف الدولة العثمانية , حصلت بعض الدول الاستعمارية على امتيازات داخل الدولة العثمانية , و منها : حق فرنسا في حماية الكاثوليك , و حق روسيا في حماية الروم الأرثودوكس , ووصلت البلاد البعثات التبشيرية لتزاول نشاطها ببناء المدارس و الكنائس و المستشفيات , من احدى هذه المدارس الروسية تخرج بندلي الجوزي , ثم تابع دراسته الثانوية بمدرسة قفطين بالغرب من طرابلس الشام ,
و كان منذ صغره تواقاً في البحث في تاريخ اللغة العربية و آدابها , وتاريخ المجتمع العربي , و كان الطلبة المتفوقون في المدارس الروسية , يرسلون الى روسيا لإتمام دراستهم الجامعية , و هكذا أرسل بندلي إلى روسيا عام 1891 م , كما أرسل بعده ميخائيل نعيمه و كلثوم نصر عوده.
درس بندلي علوم اللاهوت في موسكو لمدة ثلاث سنوات , ثم انتقل الى آكاديمية قازان , عام 1895 م , و تحصل على ماجيستير في اللغة العربية و الدراسات الإسلامية عام 1899 م و كان موضوع رسالته : " المعتزلة – البحث الكلامي التاريخي في الإسلام " , عين استاذاً مساعداً كرسي اللغة العربية و الدراسات الإسلامية في جامعة قازان , ثم استاذا مساعداً في كلية الحقوق , و بعد ثورة اكتوبر عام 1917 م , عين استاذاً للآداب و اللغة العربية في جامعة "باكو" , فعميداً للغات الشرقية بهذه الجامعة عام 1921 م , و منح لقب دكتور في الآداب
و اللغة العربية , و في هذه الفترة قام بجمع كتب و مخطوطات عربية و فارسية اثناء زيارته لإيران ....
تزوج بندلي سنة 1903 م من ليود زويفا الروسية المولد , و أنجبت له سبعة أولاد , ثلاث ذكور و اربعة بنات , و قد احتلوا مراكز علمية مرموقة في الجامعات .
إن هجرة هذا المثقف من وطنه فلسطين , في ظروف تاريخية سياسية و اقتصادية معينة , الموضوعية تقتضي الا تشكل حكماً مطلقاً , و تصنيفاً نهائياً للإنتماء
و الإلتزام بقضايا وطنه و شعبه , صحيح انه هاجر بجسده , لكن قضايا شعبه
و وطنه بقيت تخفق في قلبه و عقله ووجدانه , استمر يتابع قضايا الوطن ,
و يشارك في المنتديات الفكرية و اللغوية و التاريخية , و يراسل المجلات الثقافية العربية التي كانت تصدر في بعض العواصم العربية , و لم تنقطع صلته بوطنه ,الا عندما داهمه المرض في الثلاثينيات من القرن الماضي , و قد زار وطنه فلسطين و بعض العواصم العربية مرات , فنعرف أنه زار فلسطين لأول مرة عام 1894 م , و ذلك من خلال المقال الثاني الذي أرسله لمجلة الهلال , و نشر في ابريل 1897 م , تحت عنوان " تاريخ الألفاظ ( شلبي أو جلبي ) " حيث يقول
" حضرة الفاضل منشئ الهلال الأغر , لاحظت في أثناء زيارتي سوريا
و فلسطين عام 1894 م , أن عدة مدن فلسطينية تستعمل عدة كلمات تركية
و فارسية ..إلخ "
اما زيارته الثانية فيذكرها " نصري الجوزي (ابن اخيه) في مقاله عنه , في مجلة الكاتب الفلسطيني – أوت 1978- و التي جاء فيها " زار موطن رأسه فلسطين عام 1900 عازماً البقاء فيها , و لما رأى الحالة و ما وصلت إليه من فقر و جهل و ضغط على الحريات , أخذ ينبه الناس و ينتقد الأوضاع , فما حدا بالسلطة التركية أن تجبره على مغادرة فلسطين , اما زيارته الثالثة لوطنه فكانت عام 1959 م التقى خلالها أدباء فلسطين , أمثال اسعاف النشاشيبي , جميل الخالدي ,
و خليل بيدس , في ليالي أدبية مقدسية جاء ذكرها في مجلة " النفائس العصرية " التي كان يصدرها خليل بيدس بالقدس , و تمر السنوات الطويلة , تشغل اديبنا الكبير دراساته و أبحاثه و مؤلفاته باللغة الروسية عن التاريخ و الأدب العربي , حتى عاوده الحنين للوطن , فكانت زيارته الرابعة لفلسطين عام 1928 م و تعتبر هذه الزيارة في رأي بعض عارفيه , من أهم زياراته للوطن , ففي هذه الزيارة طبع كتابه الوحيد باللغة العربية , و الذي عرف من خلاله , " من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام " الجزء الأول من تاريخ الحركات الاجتماعية – ووقف على طبعه الإستاذ خليل السكاكيني في مطبعة بيت المقدس – القدس .
و أثناء هذه الزيارة , حضر بندلي جوزي , المؤتمر العربي الفلسطيني الرابع -1928- وهو خاتمة المؤتمرات السبعة التي انبثقت من كل منها لجنة تنفيذية مسؤولة , وكانت الجمعيات و الأحزاب المختلفة هي التي تقوم باختيار المندوبين , بلغ عدد اعضاء اللجنة التنفيذية 48 عضواً , ( 36 مسلماَ و 12 مسيحياً ) فكان بندلي جوزي عضواًباللجنة التنفيذية من اعضاء مدينة القدس , و قيل أنه قدم تقريراً اقتصادياً هاماً في هذا المؤتمر كما يذكر السيد بيان نويهض في كتابه : القيادات و المؤسسات السياسية في فلسطين 1917-1948 الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية بيروت -1981.
كما زار بندلي القاهرة يرافقه المربي الكبير خليل السكاكيني , و الكاتب عادل جبر , و التقى بأدبائها و كتابها , اما في القدس فقد القى محاضرات في الفلسفة و علم الإجتماع في نوادي و كليات و جمعيات المدن الفلسطينية , حيث كان ينبه دائماً الى الأخطار التي تنتظر الأمة العربية , إن لم تبادر الى خلع رداء الذل والعبودية , و مصارعة الإستعمار , و كان يدعو دائماً كما يؤكد ابن أخيه , إلى نبذ الخلافات و العمل صفاً واحداً لإفشال المؤامرات التي تهدد وطنه فلسطين , فكان يقول :
" أفيقوا من هذ السبات العميق , و اعملوا من أجل بقاء فلسطين عربية , و اعلموا أن الطريق شاق , و العدو مخاتل خداع " . و نتيجة نشاطه أثناء زيارته الأخيرة ضد الإنتداب البريطاني , طلبت منه السلطات البريطانية مغادرة فلسطين , لكنه استمر يراسل أصدقاءه و يقف منهم على أخبار وطنه , و علقت صحيفة " الشورى " التي كان صاحبها الصحفي الفلسطيني ( محمد علي الطاهر ) و صديق بندلي في 26 ديسمبر 1928 بقولها : " إنه ليعز على أبناء فلسطين و ابناء الأمة العربية جميعاً , أن تتمكن العصابة الصهيونية بفلسطين , من حرمان وطن الأستاذ
و مسقط رأسه , من الإنتفاع بعلم الأستاذ و فضله , لقد عاد الأستاذ إلى دار الغربة حزيناً كئيبا و لا شك , و كيف لا يكتئب و لا يحزن , و هو يرى وطنه قد أصبح نهباً مقسماً بين أطماع فئة طرأت تحكم غير بلادها و تتصرف في غير ديارها...
#ماجد_مقبل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟