|
لماذا انهار العرب ؟
زياد محمد
الحوار المتمدن-العدد: 2886 - 2010 / 1 / 12 - 13:28
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
كنت طفلا غضاً ولم يكن عمري قد تجاوز العاشرة ، حين كنت أهرع ومعي أطفال في مثل عمري إلى استاد مدينتي حيث الاحتفالات في يوم 7 مارس ذكرى انسحاب القوات الغازية لقطاع غزة وبورسعيد اثر عدوان عام 1956 م ، حيث كان يحضر إلى هذا المكان كل القيادات الكبيرة في الثورة الفلسطينية وكبار قادة الجيش المصري ، وكان على رأس الحاضرين الزعيم الفلسطيني المرحوم / احمد الشقيرى ، الذي كان يصدح بصوته الجهوري القوى عبر الأرجاء فيثير في صغيرنا وكبيرنا روح الثورة وأجيجها ، وصور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تتطاير في السماء ، وسعيد الحظ من كان يظفر بإحدى هذه الصور ، الأمر الذي شجعني على مخاطبة الزعيم احمد الشقيرى بريديا ، وأنا بعد لم ابلغ سن الحادية عشرة من عمري ، وقد أرسل لي رحمه الله العديد من الكتب الثورية وصوراً له ، فكنت طفلا محظوظا وسعيدا ، ومحط إعجاب معلمي وأصدقائي من الطلاب ، ولم اقصد بسرد هذه المقدمة كيل المديح لنفسي لأنني لم أكن الطفل الوحيد بل كان كل أطفالنا يتسمون بهذه الروح ، ولكن ما اقصده واعنيه أن روح الثورة كانت قد ولدت لدينا منذ نعومة أظافرنا ، فهذه ثورة على الظلم في دمشق تارة ، وفى بغداد تارة أخرى ، وهذا زعيم عربي يقف في المؤتمرات الدولية والإذاعات المختلفة ليعلن أن أولويته هي فلسطين وان كل جيشه وإمكاناته بنيت من اجل فلسطين ، فلم يكن لفلسطين زعيم واحد ، بل كان لفلسطين زعماء كثيرون والجميع يتسابق من اجل الإعداد للمعركة الفاصلة من اجل فلسطين ، فهذا عبد الله السلال رئيس اليمن ، وذاك عبد السلام عارف الرئيس العراقي ، ونور الدين الاتاسي الرئيس السوري ، واحمد بن بيلا الرئيس الجزائري ، والملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية فكلهم كانت لهم مواقفهم العربية الأصيلة من فلسطين وأهلها ، وكانوا لا يحسبون لأمريكا أو للغرب حسابا ، بل ويجاهرون بعداوتهم لإسرائيل وأمريكا ، كنا نهرع إلى البقالة لشراء بطاريات للراديو حال سماعنا أن الرئيس جمال عبد الناصر سيلقى خطابا ، وقد كنا نفتقر إلى الكهرباء . وخلاصة القول في هذا المضمار أن روح الثورة لم تكن تنطفئ يوما من نفوسنا وقلوبنا ، بل كانت لدينا نحن العرب جميعا الجاهزية للموت من اجل فلسطين ، واذكر ذات مرة أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان يلقى خطابا بعد حرب عام 1967 حين هتفت الجماهير المصرية : سيناء ... سيناء ، فرد رحمه الله : القدس قبل سيناء .... يا لله كم ارتعشت أجسادنا وأرواحنا مع هذه العبارات الخالدة . كان للعرب مواقفهم البطولية النادرة وكانوا يقفون سدا منيعا أمام أطماع الصهيونية والامبريالية الغربية ، رغم ضعف إمكاناتهم آنذاك . ولعل أبناء الأمة اليوم يستغربون من هذه المواقف ويكاد البعض لا يصدقها ، فالأمة اليوم ليست هي أمة الأمس ، اليوم هي امة قبلت بالدنية وارتضت أن تكون طائعة للغرب ودون مجرد أن تناقش الأمر ، فالعدوان الإسرائيلي مزق لبنان وقتل من أهله الآلاف ، والعدوان الأمريكي على العراق دمر كل معالمه وثرواته وجعل من العراق فرقا متناحرة ، وفلسطين حدث ولا حرج ... جرائم إسرائيلية لا حصر لها ، حيث القتل اليومي والحصار والتجويع والموت من نصيب أهل فلسطين ، والمواقف العربية مشتتة إلى ابعد ما تكون ، فالصراعات العربية – العربية وصلت إلى أوجها ، وكان الروابط التاريخية والدينية والاجتماعية والسياسية قد زالت وبغير رجعة ، ولسان حال الإعلام العربي اليوم يقول للعالم :كما قال الشاعر : أقول وقد شنوا إلى الحرب غارة ..... دعوني فأنى آكل الخبز بالجبن فقد أصبح الإعلام العربي يجامل القادة الغربيين ويحرص على عدم استفزازهم أو إثارة غضبهم ، بل والأدهى من هذا أن بعض الفضائيات العربية تسعى جاهدة لاستضافة احد القادة الصهاينة المجرمين في نشراتها الإخبارية ، كي يفرغ سمومه إلى الجماهير العربية ، وكي يظهر كيانه المجرم وكأنه الحمل الوديع . ولازال العرب وأنظمتهم الحاضرة تفاخر بعلاقاتها المتميزة مع الغرب وعلى راسها أمريكا ، ويتسابقون في إظهار تمسكهم بالمشاريع التصفوية التي تتزعمها أمريكا ، ويعلنون أن السلام خيارهم الاستراتيجي وهم يعلمون جيدا أن هذا السلام المزعوم يعنى ضياع فلسطين وارض العرب ... وقد يتساءل سائل : لماذا قبل الفلسطينيون بعملية السلام المزعومة ؟ والإجابة واضحة تماما ... فالفلسطيني اليوم فقد العمق العربي والإسلامي ، ولم يعد النظام العربي قادر على الدفاع عنهم ، ولو كان العمق العربي قويا وداعما ، لما وصل الأمر إلى هذا الحد من المفاوضات التي لم نجنى من ورائها سوى إهدار الوقت وضياع ما تبقى من فلسطين ، بل وإضافة أعداد أخرى من الشهداء والأسرى ، والأدهى ما وصل إليه حال فلسطين من الانقسام الذي هو مصلحة أمريكية صهيونية بالدرجة الأولى . سألني ذات مرة زميل دراسة عراقي : هل يتم إجراء مقابلة للتلميذ في فلسطين عند دخوله المدرسة للتعرف على قدراته وميوله ؟ فأجبته بنعم ، فقال وما هي طبيعة الأسئلة التي توجه إليه ؟ فقلت : نطلب من التلميذ أن يعد الأرقام من الواحد وحتى العشرة ونسأله عن بلده وعاصمة فلسطين وهكذا أسئلة ، فرد قائلا : أتدرى انه يطلب من التلميذ في العراق قبل دخوله المدرسة أن يكون قادرا على رسم خريطة فلسطين ؟ كم كانت دهشتي كبيرة وكم كان اعتزازي بالعرب كبيراً ، فقد كانوا يربون أولادهم على حب فلسطين والتضحية من اجلها ، فكان عدد شهداء العرب فيها كبيراً وكان قدرهم في النفوس اكبر. ترى ما هو حال التربية السياسية اليوم في العالم العربي ؟ هل لازالت فلسطين تحتل مكان الصدارة ، أم زالت بزوال النظام الثوري العربي ؟ سؤال ينتظر الإجابة عليه .
#زياد_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا صانعو القرار .. قضية فلسطين هي الأسمى
المزيد.....
-
لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م
...
-
توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا
...
-
برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
-
مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
-
أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو
...
-
وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
-
الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي
...
-
تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع
...
-
-بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته
...
-
باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة
المزيد.....
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
-
سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية
/ دلير زنكنة
-
أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره
/ سمير الأمير
-
فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة
/ دلير زنكنة
المزيد.....
|