محسن شحاتة
الحوار المتمدن-العدد: 2885 - 2010 / 1 / 11 - 17:53
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
من حق أقباط مصر اليوم أان يتكلموا و يتكلموا بل وأن يصرخوا إن شاءوا و من واجبنا (نحن) أن نستمع لما يتكلمون به وأن نشعر بالألم الذي منه يصرخون.
ولكن من نحن ؟
نحن المثقفون و السياسيون والناشطون المصريون الخارجون من تحت الحصار المفروض علينا من جهات متعددة اختلفت فيما بينها في امور شتى واتفقت جميعها على تحجيمنا و وضعنا تحت الحصار. تقف السلطة السياسية المستبدة في جانب منه, وعلى الجانب الاخر تقف الجماعات الدينية المسيسة التي تزعم احتكارها للفهم الصحيح للدين و تأبى إلا أن تفرضه على المجتمع بأكمله. و تكتمل حلقات الحصار من حولنا بمثقفين و نخب يتعيشون من وراء نفاق يبذله البعض للسلطة المستبدة التي تحكم اليوم, ويبذله البعض الاخر للسلطة المستبدة البديلة التي تمثلها الجماعات الدينية, والتي تهيئ نفسها للقفز على السلطة الحالية والحلول مكانها غدا.
و أنتم أيضا محاصرون !
فالحصار المفروض علينا ممتد ليحيط بكم انتم ايضا حيث يتحول مثلث الحصار حولنا (السلطة / الجماعات الدينية المسيسة / المثقفون المنافقون) الى مربع متكامل الاضلاع حولكم بانضمام بعض رجال الكنيسة إليه يتكلمون باسمكم ويحتكرون تمثيلكم في المجتمع, وفي أحيان كثيرة ينافقون السلطة نيابة عنكم!!.
نعترف بكم كأقلية !!
فلا نحاول تمييع المواقف الذي يؤدي إلى تضييع الحقوق. ان القول باننا كلنا نسيج واحد, وبالتالي فليس هناك أقلية أو أكثرية في مصر, إنما هي قولة حق قد تؤدي الى باطل. هذا الباطل هو حرمان الأقليات الدينية في مصر من حقوقهم كأقليات متميزة لهم حق التمثيل المكافئ لعددهم. هذا التمثيل يجب ان يشمل التمثيل السياسي في البرلمان و عضوية الأحزاب السياسية بمستوياتها المختلفة وعضوية النقابات العمالية والمهنية, كما يشمل أيضا التمثيل في أجهزة الإعلام المختلفة, و كذلك التمثيل البيروقراطي داخل الأجهزة الحكومية من وزراء و محافظين و رؤساء جامعات و مديرين و قضاة و قادة أمنيين وغيرهم.
نحو دولة المواطنة
أن حصولكم قانونيا كأقلية على حقوقكم التمثيلية هو شرط لازم لتحقيق قيام دولة المواطنة في مصر, ولكنه ليس شرطا كافيا!. فالتغيير المطلوب تحقيقه يستلزم إحداث تغييرات جذرية ولكن ناعمة في ثقافة أفراد المجتمع لكي يصبح الفرد ليس فقط متسامحا مع الاخر بل ايضا مقدٍرا لقيم و عقائد ذلك الاخر. تلك التغييرات سوف تكون نتاج عملية مستمرة لن تتم بقوة التشريع وإن كانت تبدأ بها.
البداية: حكومة صالحة
ولكي تتم خطوة التشريع فلابد من حكومة صالحة و برلمان صالح. هذا ليس متوافرا الان. يجب إذن العمل لكي يتم قيام تلك الحكومة وانتخاب ذلك البرلمان. و لن يكون هذا بدون عمل سياسي جاد من خلال الأحزاب والحركات السياسية الاحتجاجية في مصر والتي تواجه مهاما في منتهى الصعوبة و إن كانت غير مستحيلة!.
كسر حصار المعارضة
إن على الحركات والأحزاب السياسية الوطنية المعارضة في مصر ان تكسر حلقات الحصار المفروضة عليها (السلطة المستبدة / الجماعات الدينية المسيسة / المثقفون المنافقون) لكي تخرج من شرنقتها الإجبارية و تعمل وسط الناس الذين تم تغييب وعيهم, و تحولوا الى أحد نوعين: الأول عازف عن العمل العام اما خوفا كنتيجة طبيعية لاستبداد السلطة وإما فقدا للامل في التغيير نتيجة طول ذلك الاستبداد, والنوع الثاني قد بدأ يتشرب افكار الجماعات المتطرفة الى الدرجة التي تجعلهم يمارسون العنف ضد الآخر نيابة عن تلك الجماعات. ولذلك فإن كسر ذلك الحصار يتطلب مشاركة كل من له مصلحة في الخروج الآمن لبلدنا من أزمته الحالية. إن أبناء الاقليات هم اصحاب مصلحة أكيدة في قيام الحكومة الصالحة في مصر و عليهم بالتالي أن يشتركوا مع الأغلبية في العمل على قيام تلك الحكومة.
الأقباط في قلب الحركة الوطنية المصرية
إن الإعتراف بكم كأقلية دينية لها حقوق يجب الحصول عليها لا يعنى التغاضي عن طبيعة مجتمعنا المصري و التداخل الشديد (في المكان والثقافة والحياة الإقتصادية) بين جميع أبنائة المنتمين إلى الأغلبية وإلى الأقلية. هذا يعني انه لا يمكن حدوث تغيير او اصلاح في اوضاع الاقلية بدون ان يكون هذا الاصلاح جزءا من تغيير او اصلاح اكبر واشمل في حال البلد ككل بأغلبيته وأقلياته. إن أقباط مصر ليسوا كأكراد العراق او مسيحيي جنوب السودان وأي حلول ممكنة لمشاكل هؤلاء لا يمكن ان تطبق على الحالة المصرية. وعلى هذا فإن عملكم و نضالكم كجزء من عمل و نضال الحركة الوطنية المصرية امر لا مفر منه للحصول على حقوقكم ضمن حقوق جميع ابناء الشعب المصري ككل.
فكوا حصاركم !
وجودكم في قلب الحركة الوطنية المصرية يتتطلب منكم ان تفكوا حصاركم وأن ترفضوا أن يمثلكم من يرتهن اصواتكم وتأييدكم للسلطة المستبدة التي هي أصل كل البلاوي التي أصابتكم وأصابت المصريين جميعا. إن احترامكم (و احترامنا) الشديدين لقياداتكم الدينية لا يعنى ابدا ان توافقوا على هذا النفاق المجاني الذي يتم باسمكم, ليس فقط للرئيس الحالي بل لنجله ووريث عرشه وقد يمتد ايضا للأحفاد!.
إن تحرركم من هذا القيد الظالم ووضع مطالبكم العادلة ضمن الاجندة الوطنية هو الخطوة الأولى نحو تحقيق تلك المطالب.
#محسن_شحاتة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟