أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد الحنفي - منطق الشهادة و الاستشهاد أو منطق التميز عن الإرهاب و الاسترهاب















المزيد.....



منطق الشهادة و الاستشهاد أو منطق التميز عن الإرهاب و الاسترهاب


محمد الحنفي

الحوار المتمدن-العدد: 875 - 2004 / 6 / 25 - 04:19
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


إهداء:
إلــــى :
ü المناضل الشهيد فرج الله لحلو
ü من اجل أن تصير ذكراك حافزا على النضال من اجل الحرية و الديمقراطية و الاشتراكية.
محمد الحنفي

تقــــــديم :
كثير هم الشهداء الذين قضوا من أجل أن تصير الاشتراكية حلما، و من أجل أن يتغير الحلم إلى واقع. و هؤلاء الشهداء سيصيرون حاضرين في ذاكرة الأجيال المتعاقبة من العمال و الفلاحين و المثقفين الثوريين، وسائر المقهورين من شرائح الكادحين الذين يشكلون غالبية الشعوب، و سيصيرون كما كانوا قدوة لمن يلتمس طريقهم في الشهادة من أجل أن يستمر النضال، و من أجل أن تستمد البشرية من ذلك النضال قوتها و قدرتها على فرض احترام حقوقها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، باعتبار تلك الحقوق وسيلة لامتلاك أشكال الوعي المتقدم و المتطور.. و الوصول إلى درجة امتلاك الوعي الطبقي الحقيقي الذي يعتبر وحده الوسيلة الباعثة على ممارسة الصراع الطبقي في مستوياته الأيديولوجية و السياسية و التنظيمية سواء تعلق الأمر بالصراع الديمقراطي أو الصراع التناحري.
و لذلك نرى ضرورة الاهتمام بالشهادة و علاقتها بالإرهاب و هل هي ضرورة تاريخية، أم اختيار ذاتي ؟ أم نتيجة لتحولات الواقع الموضوعي ؟ أم أنها تركيبة من تحولات الواقع الموضوعي و الاختيار الذاتي، و الضرورة التاريخية ؟ و هل الإرهاب ضرورة تاريخية أم اختيار ذاتي ؟ أم نتيجة لتحولات الواقع الموضوعي ؟ أم انه اختيار ذاتي لا علاقة له بالواقع الموضوعي و لا بالضرورة التاريخية ؟ و كون قيمة الشهادة في الدفع إلى الإقدام على الاستشهاد، و هل يعتبر ذلك ضرورة تاريخية، أم رغبة في التمتع بقيمة الشهادة ؟ أم ضرورة موضوعية باعثة على الإقدام على الاستشهاد ؟
كما نرى ضرورة الاهتمام بقيمة الإرهاب و كونه دافعا إلى النزوع نحو الاسترهاب و كونه نتاجا للضرورة التاريخية، أو نتيجة للرغبة الذاتية، أو للضرورة الموضوعية.
و ما طبيعة العلاقة القائمة بين الاستشهاد و الاسترهاب، و دور مفهوم الاستشهاد في الرغبة بالتمتع بقيمة الشهادة، و دور مفهوم الاسترهاب في الخوف من الوقوع تحت طائلة الإرهاب. و ما هو القاسم المشترك بين الاستشهاد و الاسترهاب ؟ و ما مظاهر التناقض بين الاستشهاد و الاسترهاب ؟
كما نرى أن الشهادة و الاستشهاد تبقى حاضرة في ذاكرة الشعوب، و أن الإرهاب و الاسترهاب يهدد أمنها، و يققدها طمأنينتها.
و بذلك نكون قد قدمنا تصورنا لمنطق الشهادة و الاستشهاد الذي يتميز عن منطق الإرهاب و الاسترهاب الذي يستهدف كادحي الشعوب في مختلف أرجاء المعمور و في مقدمتهم الأجراء، و طليعتهم الطبقة العامة من خلال هذه المعالجة المتأنية التي تقتضي منا سبر غور المفاهيم حتى تصير واضحة وضوح الشمس في كبد السماء لنتجنب بذلك الوضوح الوقوع في الخلط الذي تحاول الإمبريالية جاهدة أن توقعنا فيه ، و أن تبدد بذلك كل أمل في حرية الشعوب وفي الديمقراطية و الاشتراكية.
فهل يتعاظم منطق الشهادة و الاستشهاد في سبيل تحقيق ذلك ؟
و هل يتراجع منطق الإرهاب و الاسترهاب لصالح تكريس أمن و استقرار الكادحين ؟

بين الشهادة و الإرهاب :
و إن مفهوم الشهادة الذي تستحضره باستمرار كل الحركات التقدمية و الديمقراطية في العالم، و في حركات التحرر الوطنية و القومية و العالمية، وفاء لشهداء تلك الحركات الذين قدموا أرواحهم من اجل تحقيق الحرية و الديمقراطية و الاشتراكية، لا يعني إلا تقديم النفس فداء لتحقيق الأهداف السامية التي تسعى الحركات التي ينتمون إليها إلى تحقيقها ميدانيا، و على أرض الواقع، من أجل تخليص البشرية من همجية الاستغلال الرأسمالي، الذي يقف وراء الكثير من الكوارث الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي تعاني منها البشرية. فالشهادة إذا تضحية في سبيل هدف أسمى، و مثلا أعلى يجعل الشهادة أيضا مثلا أعلى. و هذا المفهوم يصير في حد ذاته قوة للشعب الذي يمتلك كادحوه أشكال الوعي الطبقي الحقيقي، فيسعون جميعا إلى النضال رغبة في الاستشهاد من منطلق "اطلب الموت توهب لك الحياة" خاصة و أن الشهداء بعد استشهادهم، يؤثرون في الواقع اكثر مما يؤثرون في حياتهم، لأن استشهادهم يدفع إلى الالتحام و القوة و السعي إلى اقتفاء اثر الشهداء. و نحن عندما نستحضر الشهادة في سلوكنا، و في ممارستنا إنما نستحضر ما قام به شهداء حركة التحرير الشعبية، و شهداء حركة التحرر الوطني و القومي و العالمي.
فهل يمكن أن نعتبر ما يقوم به بعض من يفجرون أنفسهم شهادة ؟
إن الشهادة تقتضي أن تحصل بسبب السعي إلى تحقيق هدف سام عن طريق الإقدام على العمل الذي يقتضيه تحقيق ذلك الهدف دون أن يعرض حياة المسالمين و ممتلكاتهم إلى الهلاك و دون الرغبة في إرهابهم، و أن لا يتنافى ذلك الهدف مع القوانين الدولية الإنسانية التي تقر للإنسان بحقه في تقرير مصيره بما يتناسب مع تحقيق كرامة الإنسان على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
أما بالنسبة للإرهاب فهو نقيض الشهادة لأنه عمل غير مشروع و غير مبرر من الناحية القانونية و الواقعية و الأخلاقية، و يترتب عنه فقدان الحق في الحياة، و في الأمان الشخصي، و فقدان الحق في الأمن الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي، و يقود إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لأنه لا يميز بين عدو و صديق، و لا بين الإنسان و الحيوان ،ولا بين الوسائل التي تقع في خدمة الإنسان و رهن إشارته. و عمل من هذا النوع لا يمكن قبوله مهما كانت الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، لأنها قد تكون أهدافا مشروعة أو غير مشروعة، نظرا لكون الوسيلة التي هي الإرهاب غير مشروعة.
و الإرهاب هو القيام بعمل يجعل الناس يفقدون توازنهم النفسي والاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي و السياسي بسبب مصادرة الحق في الحياة، و مصادرة باقي الحقوق مهما كانت بهدف نشر إمكانية القبول بالاستبداد بالمجتمع الذي هو الهدف الأساس من أي عمل إرهابي مهما كانت الجهة الممارسة لذلك العمل، و مهما كانت الشعارات التي ترفعها تلك الجهة. و غالبا ما يعتمد ممارسو الإرهاب المادي و المعنوي و الجسدي و الفكري و الأيديولوجي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي، أد لجة الدين بصفة عامة، و أد لجة الدين الإسلامي بصفة خاصة حتى تساعد تلك الأدلجة على جعل الناس يقبلون بالاستبداد القائم، أو بالاستبداد المفترض.
و الإرهاب قد يصدر عن أجهزة الدولة، أو عن حزب سياسي معين، أو تيار ديني، أو منظمة ذات بعد دولي. و قد يصدر عن فرد معين لا علاقة له بكل ذلك . وقد ينتج عن استغلال النفوذ من أجل تحقيق أغراض آنية ولا إنسانية ذات بعد فردي صرف .
ويمكن أن نسجل أن هدف الشهادة وهدف الإرهاب قد يتفق فيصير نفس الهدف مشروعا بوسيلة الشهادة . وغير مشروع بوسيلة الإرهاب .نظرا لعلاقة التناقض القائمة بين الشهادة والإرهاب ونظرا لأن الإرهاب قد يتسبب في الشهادة ، ولأن الشهادة لا تحصل إلا في إطار مقاومة كافة أشكال الإرهاب المادي والمعنوي .
فهل الشهادة ضرورة تاريخية أم اختيار ذاتي ؟
إن الشهادة عندما تحصل فلأنها تأتي استجابة لشروط معينة تختلف من عصر إلى آخر ، ومن مكان إلى آخر ، كما تأتي استجابة لتحقيق أهداف تختلف من عصر إلى آخر ومن مكان إلى آخر نظرا لاختلاف مستوى وعي الناس . واختلاف شروط حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . ولذلك كانت الشهادة ، ولازالت وستبقى ضرورة تاريخية . فما كان مشروعا منها في مرحلة معينة قد لا يكون مشروعا في مرحلة أخرى وفي مكان آخر .
ولكن هذه الشهادة لا يمكن أن تحصل ما لم يكن هناك من لديه استعداد نفسي وعقلي وإيديولوجي وسياسي وجسدي . بالإضافة إلى توفر شرط الإرادة والرغبة . لذلك يمكن القول بأنه إذا كانت الشهادة ضرورة تاريخية فهي أيضا رغبة ذاتية . وإلا فلماذا نجد أن خالد بن الوليد يتألم بسبب إقباله على الوفاة وهو على الفراش ، ولكونه لم يحظ بشرف الشهادة في الميدان ، فجاء على لسانه ما معناه " لقد خضت مائة واقعة، وما بقي في جسمي شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة خنجر ، ومع ذلك أموت على الفراش". ولذلك نجد أن شرف الشهادة يقضي وجود رغبة ذاتية واستعداد قبلي يرتبط بصيرورة النضال ومن أجل تحقيق هدف أسمى يتجسد بالنسبة إلينا ، وحسب رأينا في الحرية ، و الديموقراطية، و العدالة الاجتماعية. لأنها هي الهدف الأسمى بالنسبة للبشرية في جميع القارات الخمس. و هذا الهدف لا يتحقق إلا في المجتمع الاشتراكي الخالي من استغلال الإنسان للإنسان.
و هل الشهادة نتيجة لتحولات الواقع الموضوعي ؟
إن تحولات الواقع الموضوعي لابد أن يكون لها اثر مباشر على جميع الأفعال التي تحصل في المجتمع، و على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.و لذلك فهذه التحولات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في صياغة البرامج، وفي اتخاذ المواقف و خوض النضالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، كما يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في تحديد الأهداف التي تسعى الحركات المنتجة لتلك البرامج. و المتخذة لتلك المواقف و المتصدرة لخوض نضالات معينة. و لذلك يمكن القول إن الشهادة في جانب من جوانبها هي نتيجة للضرورة التاريخية، و للرغبة الذاتية، لأنه بدون الضرورة التاريخية، و بدون الرغبة الذاتية تبقى تحولات الواقع غير فاعلة في اتجاه حصول الشهادة.
و لذلك نرى أن الشهادة هي نتيجة لتركيب تحضر فيه الأبعاد الثلاثة التي أتينا على ذكرها:
البعد الموضوعي الذي يتجسد في تحولات الواقع بكل ما لتلك التحولات من اثر في حياة الناس.
و بعد الاختيار الذاتي الذي يجعل المعني بالشهادة مستعدا، مما يجعله ينخرط في المعارك النضالية مهما حصل فيها بما في ذلك حصول الشهادة.
و بعد الضرورة التاريخية الذي يفرض القيام بعمل معين لتحقيق هدف سام ينسجم مع متطلبات تلك المرحلة التاريخية.
و هذه الأبعاد الثلاثة تتداخل فيما بينها و يكمل بعضها بعضا فتصير للشهادة قيمة تاريخية، و قيمة موضوعية، و قيمة ذاتية.
و هل الإرهاب ضرورة تاريخية، أم اختيار ذاتي ؟
إن الضرورة التاريخية لا تكون إلا لأجل تحول نوعي لصالح البشرية، و لأجل تطور واقعها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و هي بالتالي لا تكون إلا انطلاقا من شروط معينة توفرت لها إمكانية النضج أو تم إنضاجها بفعل ما تقوم به حركات معينة تسعى إلى تحقيق أهداف معينة. و بالتالي فإنه لا يمكن القول بأن الإرهاب ضرورة تاريخية. لأن الأصل هو أن الإرهاب قائم في الواقع. و الضرورة التاريخية تقتضي تجاوزه، و نفيه ليحل محله الأمن و الأمان و الاطمئنان على مستقبل البشرية بصفة عامة و على مستقبل الكادحين المستهدفين بالإرهاب بصفة خاصة. و نحن عندما نتأمل في التاريخ. و نمعن النظر في مختلف المحطات التاريخية سنجد أن الضرورة التاريخية ترتبط بالحاجة إلى إحداث تحول يختلف عما هو قائم في الاتجاه الذي يجعل البشرية تتغير إلى الأحسن، إلا انه عندما تحدث انعكاسات تاريخية معينة بفعل تسليط شروط غير موضوعية على واقع معين في مرحلة تاريخية معينة. فإن التاريخ يعرف ارتدادا إلى الوراء، فتظهر أمراض اجتماعية و اقتصادية و ثقافية و مدنية و سياسية، تظهر و كأنها ضرورة تاريخية، و هي في الواقع ليست إلا عملا مناهضا لحركة التاريخ، و معرقلا لتلك الحركة.و لذلك كان الإرهاب مجرد مرض يعرقل حركة التاريخ. و هذا المرض لابد أن يتم تجاوزه بفعل الوعي بخطورته على مصير البشرية، و الوعي بدوره في عرقلة حركة التاريخ حتى لا يتم التحول في اتجاه التغيير المنشود من قبل البشرية بصفة عامة و من قبل الكادحين بصفة خاصة. و في المقابل فإن الإرهاب يعتبر اختيارا ذاتيا للحركات الإرهابية و للأفراد المنخرطين في هذه الحركات باعتبارهم ظاهرة مرضية معرقلة لحركة التاريخ، تضع نفسها في خدمة الرجعية المتخلفة و المستفيدة من الجمود الذي أصاب الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي حتى ينشغل الناس بالإرهاب، و ينصاعون للجمود القائم، و يقبلون التخلف المفروض عليهم من قبل الطبقة التي تمارس الاستغلال على المجتمع ككل، و على الطبقة العاملة بصفة خاصة، و الجهة المستفيدة من الاستغلال هي التي تمول الإرهاب، و تمده بالبرامج، و بالإمكانيات اللوجستيكية حتى يحقق أهدافها في الإبقاء على تكريس كل أشكال الاستغلال المادي و المعنوي. ليصير الإرهاب بعد ذلك غير مرغوب فيه من قبل الطبقة الحاكمة في كل بلد على حدة فتظهر و كأنها تحاربه و هي في الواقع إنما تستغل ظاهرة الإرهاب لخلق شروط التراجع عن المكتسبات التي حققتها الجماهير على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و تشرع قوانين لتكريس ذلك التراجع على أرض الواقع لتتحول تلك القوانين إلى ممارسة إرهابية مستدامة تجعل الجماهير الشعبية الكادحة غير قادرة على الحركة من اجل تحسين أوضاعها المادية و المعنوية خوفا من الاتهام بالإرهاب. و هل الإرهاب نتيجة لتحولات الواقع الموضوعي ؟
إن التحولات الطبيعية في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي و المدني لا يمكن أن تكون إلا إيجابية ولكن عندما يتعلق الأمر بالارتداد في تلك التحولات أو بإعاقتها، فإن الإفرازات غير الطبيعية تشرع في الظهور ، لأن التحولات الطبيعية لا تنتج الإفرازات المرضية، بل تسير في خدمة مصالح الإنسان الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية و تعمل على تطوير تلك الخدمة إلى الأحسن حتى تتحقق كرامة الإنسان بتمتيعه بكافة الحقوق الإنسانية التي تعتبر مصدر تلك الكرامة.
و لذلك نعتبر أن الإرهاب ليس نتيجة لتحولات الواقع الموضوعي بقدر ما هو نتيجة لعرقلة تلك التحولات و إعاقتها، و إعادتها إلى الوراء. لذلك كان الإرهاب إفرازا غير طبيعي في الواقع المرتد نظرا لسيادة التنمية المعاقة على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. و نظرا لدور الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و الأنظمة الرجعية التابعة، فإن التنمية في البلدان ذات الأنظمة التابعة لا تكون إلا معاقة تقود إلى الاستمرار في انتشار الأمية و البطالة و كثرة الذين يعيشون تحت عتبة الفقر، مما يجعل القبول بالسقوط تحت طائلة الخطاب اليميني المتطرف سائدا في صفوف الشرائح المتضررة التي تبحث عن الخلاص في العالم الآخر الذي لا علاقة له بالسعي إلى معالجة التردي الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و الحقوقي. و هو ما يجعل حالة اليأس هي السائدة و اليائس يكون اكثر رفضا للاندماج في الواقع بكل تجلياته و يكون قابلا للقيام بالعمليات الإرهابية في أي مكان و ضد أي كان. و الغاية هي جعل الناس جميعا يقبلون بالخطاب الرجعي المتردي المنتج لفكر الإرهاب.
و هل الإرهاب انفراد ذاتي لا علاقة له بالواقع الموضوعي و لا بالضرورة التاريخية ؟
لقد رأينا من خلال الفقرات السابقة أن الإرهاب ليس نتيجة للضرورة التاريخية. و لا للواقع الموضوعي الذي يعرف تحولا طبيعيا، بقدر ما هو نتيجة لما تقوم بعض الجهات ، وبعض الأفراد المرتبطين بتلك الجهات التي تعمل على إعاقة تحولات الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي . ليكون ذلك الإرهاب حاصلا في الواقع برغبة ذاتية للحركات أو الأفراد لحرصهم على الوصول إلى الاستبداد بالمجتمع . والانفراد بالسلطة القائمة التي تصير ذات بعد غيبي ، لا واقعي ، ديني متطرف .

قيمة الشهادة في الإقدام على الاستشهاد :
والشهادة عندما تحصل في إطار مواجهة الإرهاب المادي والمعنوي . فإنها تقف وراء بث مجموعة من القيم النبيلة في الواقع المعني بتلك الشهادة فيصير الشهيد أو الشهداء قدوة لغيرهم ممن عاصرهم أو ممن أتى بعدهم ، فيزداد الاهتمام بموضوع الاستشهاد ويتعمق الوعي به ، ويصير مؤثرا في قطاع عريض من المعنيين والمهتمين بذلك الموضوع. ويزداد عدد الراغبين في خوض النضال ضد الإرهاب مهما كان مصدره . ويزداد بسبب ذلك النضال عدد الذين يستعدون للشهادة .ولذلك كانت قيمة الشهادة في الإقدام على الاستشهاد سيرا على طريق الشهداء في أفق القضاء على الإرهاب وعلى الأسباب التي تقف وراء وجوده .
ومن الطبيعي جدا أن نجد في كل مرحلة تاريخية حرص الناس على التمتع بقيمة الشهادة سعيا إلى تحقيق أهداف التغيير إلى الأحسن في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية كما يتصور الناس ذلك التغيير في كل مرحلة على حدة . فمرحلة العبودية قدمت قافلة من الشهداء من اجل تحقيق هدف القضاء على نظام العبودية ،ومرحلة الإقطاع قدمت كذلك قوافل من الشهداء وخلال قرون بأكملها . من أجل القضاء على نظام الإقطاع ووضع حد لوجود عبيد الأرض ، وفي مرحلة الرأسمالية نجد تقديم الكثير من الشهداء الذين لازال عددهم مفتوحا على المستقبل من اجل القضاء على الاستغلال ، والوصول إلى تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية ، وفي ظل نظام ينتفي استغلال الإنسان للإنسان في بنياته المختلفة . وهذا النظام وحسب منطق التاريخ لا يمكن أن يكون إلا اشتراكيا . وقد عرف التاريخ تحوير أهداف الشهادة وجعلها تحصل من اجل نشر دين معين أو فكر معين أو أيديولوجية معينة ، فإن ذلك كله ليس إلا تعبيرا عن الأهداف التي أشرنا إليها . ولذلك فإن للشهادة قيمة تاريخية تقتضيها الضرورة التاريخية نفسها .

ويمكن أن تلجأ تيارات اليمين المتطرف الذي يتمظهر بالتطرف الديني إلى استغلال الرغبة الذاتية في التمتع بقيمة الشهادة فيعملون باستمرار على السيطرة على العقول والوجدان العام الذي يصير معجبا بممارسة اليمين المتطرف . فيترتب عن ذلك السيطرة على وجدان وعقول الأفراد الذين يرغبون في التمتع بقيمة الشهادة، فيوظفونهم في القيام بالعمليات الإرهابية التي يسمونها ظلما عمليات استشهادية لأنها لا تستهدف إلا الفزع والخوف والاضطراب النفسي والاقتصادي والاجتماعي. ونحن، وانطلاقا من حرصنا على عملية التحليل ، فإننا لا نستطيع أن نسميها عمليات استشهادية إلا إذا كانت تستهدف إلحاق الرعب والخوف والاضطراب النفسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بصفوف الأعداء الذين يحملون السلاح أو يمولون حاملي السلاح ضد الاستشهاديين ومن يقف وراءهم كما يحصل يوميا في العراق وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948 وسنة 1967 وما سوى ذلك وفي أي نقطة من العالم لا يمكن اعتباره إلا عملا إرهابيا عن طريق الانتحاريين الذين يتوهمون انهم يستشهدون وان جزاء الاستشهاد عند الله " الجنة ".
ولذلك نرى ضرورة الوعي بالتمييز الدقيق بين العمليات التي تكون استشهادية التي تستهدف درأ الضرر المادي والمعنوي عن الناس وعن الوطن ، وعن الممتلكات، وبين العمليات الإرهابية التي تستهدف هلاك البشر وفقدان التمتع بالحقوق الإنسانية حتى لا يتم الخلط بين ما هو استشهادي وما هو إرهابي وحتى نعطي لكل ذي حق حقه، وحتى يصير الاستشهاد استشهادا والإرهاب إرهابا .
وبناء على التمييز بين الاستشهاد والإرهاب نجد أن الضرورة الموضوعية تقتضي سيادة قيمة الشهادة الباعثة على الإقدام على الاستشهاد. وقيمة الشهادة الباعثة على الإقدام على الاستشهاد ليست إلا الشجاعة الباعثة على الدفاع عن كل المثل العليا الإنسانية التي تحقق كرامة الإنسان. ومن تلك المثل حب الوطن وحب الإنسانية وحب الحياة وحب التمتع بالحقوق الإنسانية وحب النضال من اجل الديموقراطية وحب الحرية وحب العدالة الاجتماعية ،وغير ذلك من المثل التي يسعى الإنسان السليم والبشرية السليمة من الأمراض الأيديولوجية والسياسية والفكرية . ويشرف الإنسان ،أي إنسان أن يتحلى بالشجاعة التي بدونها لا يقدم على مقاومة الممارسات الدنيئة والمنحطة التي تتنافى مع إنسانية الإنسان . ومن ضمن تلك الممارسات الإرهاب الذي يقف وراء حالة الاستشهاد التي تحصل هناك .
أما قيمة الإرهاب التي تقف وراء سيادة الاسترهاب .فإنها ليست إلا القيام بأعمال إرهابية تستهدف مصادرة الحق في الحياة ، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية . وتزرع الرعب في صفوف المواطنين، وتجعلهم يفقدون الأمل في المستقبل، ويقبلون الانصياع لما يريده الإرهابيون ويساعدونهم على تحقيق أهدافهم في الاستبداد بالمجتمع وبمؤسساته المختلفة والعمل على تسخيره لخدمة التوجهات الإرهابية التي يسمونها " الشريعة الإسلامية " وهي في الواقع ليست إلا ردة إلى الوراء وسعيا إلى التخلف على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و السياسية حتى يصير ذلك التخلف وسيلة للوصول إلى فرض إرادة الإرهابيين على جميع الناس في إطار الدولة التي يحكمها الإرهابيون أو في إطار الجماعة التي يقودونها أو في إطار المجتمع الذي يوجهون مسلكيته . ولذلك كانت ولازالت وستبقى قيمة الإرهاب وسيلة لسيادة حالة الاسترهاب بين الناس ليفقد الناس بذلك توازنهم على جميع المستويات المختلفة فيضعفوا بذلك أمام جبروت الإرهاب وتقتصر حركتهم على القيام بالأعمال البسيطة طلبا للعيش وسعيا إلى الحماية من الموت للاستمرار في الحياة ولو بدون كرامة .
فهل يمكن أن نعتبر أن سيادة قيمة الإرهاب ضرورة تاريخية باعثة على سيادة الاسترهاب ؟
إن قيمة الإرهاب ليست إلا نتيجة للتراجع إلى الخلف الذي يحكم الماضي بكل سلبياته في العقول والوجدان. وفي المسلكية اليومية للمجتمع المحكوم من الإرهابيين . وهذا التراجع يحصل بحكم حرص الإرهابيين على السعي إلى ذلك التراجع بدعوى تطبيق " الشريعة الإسلامية " لما لهذا التعبير من اثر سيء على حياة البسطاء و عامتهم . الذين يعتبرون تطبيق الشريعة الإسلامية هو الهدف . وهو الخلاص من كل المآسي التي تصيبهم من الاستغلال المادي والمعنوي للرأسمالية الليبرالية المتوحشة وربيبتها البورجوازية المحلية التابعة .وبسطاء الناس لا يدركون أن الانسياق وراء خطاب الارهابين سيقودهم السقوط في مهوى التبعية نحو إنشاء مجتمع أكثر تخلفا وأكثر تنكيلا بالإنسانية، لأنه يلغي كل قيم التطور والتقدم في مقابل ترسيخ كل قيم التخلف التي عفا عليها الزمن والتي يكسبها الإرهابيون بعدا دينيا ،حتى تكتسب ممارستهم شرعية الوجود وشرعية الاستمرار. لذلك فقيمة الإرهاب الباعثة على الاسترهاب ليست ضرورة تاريخية بقدر ما هي شيء آخر يهدف إلى بعث الاسترهاب بين المستهدفين بالإرهاب الباعث على الاسترهاب ؟
إن العمل على سيادة الإرهاب الباعث على الاسترهاب إذا لم يكن ضرورة تاريخية يقتضيها التحول الذي يعرفه الواقع نحو الأحسن فإنه لا يمكن أن يكون إلا برغبة ذاتية للإرهابيين وللحركات الإرهابية التي تسعى إلى بسط نفوذها على الواقع في مختلف تجلياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية . وتوظف في سبيل ذلك كل مظاهر تخلف اليمين المتطرف ، وأحدث ما توصلت مصانع الرأسمالية من وسائل التدمير والتقتيل والإرهاب المادي والمعنوي والجسدي .فالإرهابيون ينشأون على حب ارتكاب الخروقات الجسيمة في حق الإنسانية باسم "الشريعة الإسلامية "وهم إذا لم يكونوا كذلك لا يشعرون بكونهم ينتمون إلى " الدين الإسلامي " الذي ليس إلا ممارسة عملية الادلجة التي تعرض لها الدين الإسلامي الحنيف على يد الإرهابيين . وبتلك الادلجة وحدها يمكن أن يتحول الإرهابيون المقتنعون بها على أكبر عدو للإنسانية ويمكن أن يحشروا وراءهم معظم الاميين والعاطلين المهمشين وغيرهم ممن لا يقوون فكريا على فهم عملية الأدلجة التي تعرض لها الدين الإسلامي على يد الإرهابيين . والحركات الإرهابية ليست إلا إطارات للتربية على ممارسة الإرهاب الأيديولوجي والسياسي والفكري والنفسي والجسدي . وهذه التربية تستهدف انسلاخ المنتمين إليها من الإرهابيين الذين يسعون إلى فرضه عن طريق ممارسة كافة أشكال الإرهاب على كل المخالفين للواقع الإرهابي المتصور .
ولذلك نرى أن الرغبة الذاتية وحدها هي التي تحكم سيادة الإرهاب الباعثة على الاسترهاب وتلك الرغبة تستغل، وعن قصد مبيت ، سلبيات الواقع الموضوعي حتى تظهر وكأنها تعمل على تغيير الواقع إلى الأحسن بل إن الحركات الإرهابية تسرق خطاب اليسار وتحوره ليصير خطاب الإرهاب الذي ليس إلا خطابا للبورجوازية الصغرى التي توظف بدورها كل أشكال الخطاب التي تأخد منها ما يناسب طبيعتها الانتهازية. إلا انه بالنسبة للحركات الإرهابية فإن الغالب في خطابها هو أدلجة الدين الإسلامي حتى تعطي لنفسها شرعية السيطرة على مصير البشرية والتحكم في ذلك المصير وتوجيهه باسم الله لتصبح الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها الإرهابيون مشروعة باسم الله .
وهل سيادة قيمة الإرهاب المؤدي إلى الاسترهاب ضرورة موضوعية .
إننا أمام واقع موضوعي متحول باستمرار ، وأمام عرقلة تحول الواقع الموضوعي في الاتجاه الصحيح ونظرا لكون الواقع الموضوعي يتحول في الاتجاه إلى الأحسن أو يتوقف عن التحول بفعل العرقلة ليصير جامدا ، أو يتراجع إلى الوراء بفعل تسليط عوامل التخلف من قبل الجهات التي تستفيد منه حتى يصير الواقع قابلا للسيطرة التي تسعى تلك الجهات إلى فرضها . ولذلك لا يمكن أن نقول إن قيمة الإرهاب المؤدي إلى الاسترهاب ضرورة موضوعية لأنها تتناقض مع تلك الضرورة التي لا تفرز في تحولها المستمر إلا ما هو إيجابي على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ما لم تتعرض لعرقلة معينة من قبل جهة معينة تسعى إلى إفساد مجالات الحياة المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية .فإذا تعرضت لذلك الإفساد .فإن تلك الضرورة الموضوعية تتوقف .أو تتراجع إلى الوراء لتقوم تلك الجهات بتمرير مخططاتها وتحقيق أهدافها في إعادة صياغة الواقع بما يتناسب مع منظورها الخاص إلى الواقع حتى لو أدى الأمر إلى نشر الإرهاب .

بين الاستشهاد و الاسترهاب أو علاقة اللاتكافؤ :
وانطلاقا مما رأيناه في الفقرات السابقة فإننا نجد أن الفرق القائم بين الاستشهاد والاسترهاب يرتفع إلى مستوى التناقض على مستوى المفهوم وعلى مستوى النتائج .
فعلى مستوى المفهوم يفترض الاستشهاد وجود الشجاعة والجرأة القبلية على مقاومة كل ما يمكن أن يؤدي إلى إعاقة التطور الطبيعي في الاتجاه الإيجابي للواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي . بالإضافة الاستعداد إلى كل الاحتمالات الممكنة بما فيها التعرض للاستشهاد من قبل الجهة التي تستفيد من عرقلة التطور الموضوعي للواقع الموضوعي كما يفترض الاسترهاب انتشار الخوف والرعب بين الناس مما يجعلهم يقبلون بالخضوع لكل أشكال التردي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي التي تصير في خدمة جهة تعمل على وجود ذلك التردي ، وتسعى إلى استمراره ونشره بين الشرائح الاجتماعية المتضررة حتى تزداد خضوعا . ولذلك فالاسترهاب هو حالة الخوف المستمر والدوؤب من جهة الممارسة للإرهاب، والخضوع لها، و القبول بتنفيذ برامجها حتى و إن كانت تلك البرامج ضد الغالبية العظمى من الكادحين و المقهورين الذين لا يملكون من أمورهم شيئا.
أما على مستوى النتائج فإن حالات الاستشهاد التي تحصل يترتب عنها تغذية إرادة الشعوب في النضال من اجل الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية .و هذه الارادة التي تتقوى بالاستشهاد تقف وراء قيام حركة حزبية، و نقابية، و ثقافية، و تربوية رائدة تتغذى من قيمة الاستشهاد و تسعى سعيا حثيثا إلى القضاء على أسباب التخلف و التردي التي يعرفها الواقع في مستوياته المختلفة و من ضمنها القضاء على الأسباب المنتجة للإرهاب المادي و المعنوي، أما ظواهر الاسترهاب التي يعرفها الواقع فإنها لا تنتج الا القبول بالتخلف الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، على انه قضاء و قدر، و الخضوع للجهة التي تقف وراء ظاهرة الإرهاب المادي و المعنوي، و وراء سيادة التخلف بكل أشكاله المادية و الفكرية و الأيديولوجية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
فهل يقف مفهوم الاستشهاد وراء الرغبة في التمتع بالشهادة ؟
إن حركة التاريخ، و حركة الواقع اللتين تجسدهما صيرورة حركة الشعوب تثبت أن الاستشهاد يقف وراء إشاعة الرغبة في التمتع بالشهادة و على مدى عقود بأكملها، بل على مدى عصور. و لذلك قالوا : "الشهداء لا يموتون"، و افضل ما ورد في هذا الإطار قوله تعالى : " يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا في التوراة و الإنجيل و القرآن". و الاستشهاد باعتباره نتيجة لممارسة النضال من اجل الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية يذكي الحياة النضالية، و يساهم في نمو و تطور و تقوية حركة التحرر الوطني و القومي و العالمي كما قال أحد الشعراء المغاربة :
" إن النضال على قساوة ناره روح الحياة و مشعل التحرير"
و لذلك فالرغبة في التمتع بالشهادة في كل حركة نضالية مخلصة في نضالها من اجل تحقيق طموحات الشعب الذي تنتمي إليه تلك الحركة، تعتبر رغبة موضوعية و ذاتية في نفس الوقت، لأجل الاستمرار في رفض الواقع المتردي، و السعي إلى تغييره نحو الأحسن مهما كانت النتائج التي يؤدي إليها ذلك النضال.
و هل يعني الاسترهاب الخوف من الوقوع تحت طائلة الإرهاب ؟
إن الواقع يفرض أن يكون الأمر كذلك، و هو كذلك فعلا، لأن الإرهاب لا يمكن أن يولد إلا الخوف من الوقوع تحت طائلة الإرهاب، و هو ما يفيد معنى الاسترهاب الذي يدفع إلى الانسحاب إلى الخلف و إلى الانزياح عن الطريق حتى يخلو الجو، و تبقى الساحة الجماهيرية فارغة للإرهابيين يفعلون فيها ما يشاءون دون حسيب أو رقيب : يوجهون ممارسة الجماهير نحو تحقيق أهدافهم المنشودة، و يكفرون باسم الدين الإسلامي كل من خالفهم الرأي، و يتخلصون من كل كافر حسب ما يقررونه، من اجل إزالة العوائق التي تقف دون وصولهم إلى المؤسسات، أو دون تمكنهم من ناصية السلطة، فيفرضون استبدادهم على المجتمع، و يدخلونه في متاهات التخلف التي لا حدود لها على جميع المستويات. و الاسترهاب هو المدخل لكل ذلك، لأن أفراد المجتمع عندما يصابون به يجعلون المجتمع مستباحا للإرهابيين. و لذلك نرى ضرورة الاهتمام بتوعية الجماهير بخطورة سيادة الاسترهاب في المجتمع، أي مجتمع، لأن تلك السيادة لا تعني الانسحاب إلى الخلف أو الانزياح من الطريق كما رأينا. و التوعية لا تعني إلا جعل تلك الجماهير تدرك الأسس العلمية للإرهاب حتى تدرك في نفس الوقت ماذا يجب عمله على جميع المستويات النفسية و الأيديولوجية و الفكرية و التنظيمية و السياسية لمواجهة حالة الاسترهاب التي تشيع الخنوع و الاستسلام في صفوف أفراد الشعب أي شعب.
و ما هو القاسم المشترك بين الاستشهاد و الاسترهاب ؟ و هل يجمع بينهما شيء ما ؟ و ماذا يفرق بينهما ؟
إننا نجد أن مفهوم الاستشهاد و الاسترهاب يتناقضان تناقضا مطلقا، إلا انه بالنسبة لعلاقة كل منهما بالإرهاب نجد أن الاستشهاد يأتي نتيجة مقاومة الإرهاب. كما نجد أن الاسترهاب يحصل بسبب سيادة الإرهاب. فالإرهاب هو المحرك الرئيسي لعملية الاستشهاد و الاسترهاب في نفس الوقت. و إذا كان الاستشهاد تعبيرا عن القوة و التحدي، فإن الاسترهاب تعبير عن الضعف و الخضوع و الاستسلام لمنطق الإرهاب . و لذلك نجد القاسم المشترك بين المفهومين يتجسد في الإرهاب و نتائجه التي تتجسد في الاستشهاد الذي يقود إلى الاسترهاب.
فما مظاهر التناقض بين الاستشهاد و الاسترهاب ؟
و إذا كان ما يجمع بين الاستشهاد و الاسترهاب هو الإرهاب و نتائجه، فإن ما يفرق بينهما يتجسد في :
· كون الاستشهاد قيمة إيجابية نتيجة للإقدام على مقاومة مظاهر التخلف التي تفرض على الناس بوسيلة أو بأخرى.
· كون الاستشهاد نتيجة للاعتزاز بالانتماء القومي و الوطني و الطبقي و الإنساني و العقائدي. مما يعتبر باعثا على التمسك و الاستماتة و الصمود من اجل تجسيد القيم القومية و الوطنية و الطبقية و الإنسانية و العقائدية الدافعة للاستشهاد.
· كون الاسترهاب قيمة سلبية نتيجة لممارسة الإرهاب على المجتمع ككل مما يساعد على قبول تكريس قيم التخلف الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي.
· كون الاسترهاب نتيجة لقبول الإهانة و الذل و الهوان وصولا إلى اليأس من الاطمئنان على مصير حياة الأفراد و المجتمعات، و الذي يترتب عنه الانخراط في تكريس مظاهر التخلف الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و القبول بأدلجة الدين الإسلامي بالخصوص على أنها هي الدين الحقيقي.
و انطلاقا من عوامل التفرقة بين الاستشهاد و الاسترهاب، فإن التناقض القائم بينهما سيبقى قائما إلى ما لا نهاية إلى أن يتم القضاء على الإرهاب الذي يبقى قائما بوجود حالات الاستشهاد و الاسترهاب، و يزول بتوقف تلك الحالات ليسود الحق في الأمان الشخصي والاجتماعي. و يشعر كل إنسان بإنسانيته، و يدرك أن السبيل إلى ذلك هو العمل على استئصال أسباب الإرهاب التي لا تتم إلا بالحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية، لأن غياب ممارسة الحرية، و تكريس الديمقراطية بمعناها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي و تحقيق العدالة الاجتماعية لا يمكن أن يؤدي إلى ظهور الإرهاب بمختلف أشكاله بما في ذلك إرهاب الدولة، و إرهاب المنظمات الإرهابية، و إرهاب الأفراد...الخ.
و تبقى الشهادة و الشهداء قيمة مثالية حاضرة في ذاكرة الشعوب يتم استحضارها من اجل الاستقواء بها، من اجل تأملها، والاستفادة من مثلها لصالح الأجيال الحاضرة و القائمة، من اجل تحقيق كرامة الإنسان، أنى كان هذا الإنسان، و في أي نقطة من العالم، و على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و من اجل أن يتحلى هذا الإنسان بالشجاعة و القوة لحفظ كرامته حتى لا تتعرض للإهدار ، و حتى و لا تستباح من قبل أعداء الإنسانية الذين يقوم وجودهم و تتحقق مصلحتهم في ارتكاب الانتهاكات الجسيمة في حق الإنسانية. فالشهادة وحدها تبقى باعثة على الأمل، و الشهداء وحدهم يبقون أحياء فينا،و ذاكرة الشعوب تبقى حية و قوية بقيمة الشهادة و بتضحيات الشهداء الذين قدموا حياتهم لتبقى الإنسانية ماثلة في ذاكرة و فعل و ممارسة الانسان .
أما الإرهاب و الاسترهاب فيبقى قيمة تهدد أمن الشعوب و تقف وراء إهدار كرامة الإنسان الذي يصير ضعيفا لا يقوى على مواجهة التحديات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و يتحول إلى ضحية لممارسة الانتهاكات الجسيمة التي تجد في الإرهاب و الاسترهاب مجالا للشيوع بين إفراد المجتمعات البشرية، ليبقى الملاذ هو الرجوع إلى الماضي الذي يصير مثالا للحاضر، و مبررا لشرعية ممارسة الانتهاكات الجسيمة التي تصير لها مسحة "دينية إسلامية" تجعلها مثالا للاقتداء و التصور في كل مكان من العالم من اجل إنسان بلا كرامة، و واقع بلا روح إنسانية.

خاتمة :
و الخلاصة التي نصل إليها بعد هذه المعالجة المتأنية و الهادئة أن منطق الشهادة و الاستشهاد يتلاءم مع منطق حركة التاريخ و حركة الواقع في نفس الوقت لأنه التعبير الأسمى عن التطور السليم للواقع و للتاريخ في تجلياته المختلفة كما انه هو التعبير الأسمى عن سلامة النظام التربوي الإنساني. و في نفس الوقت نجد أن منطق الإرهاب و الاسترهاب لا يتلاءم أبدا مع حركة التاريخ، كما لا يتلاءم مع حركة الواقع، لأنه لا يتجاوز أن يكون رغبة ذاتية للأفراد الممارسين للإرهاب و للحركات الإرهابية من اجل عرقلة حركة التاريخ و حركة الواقع في نفس الوقت حتى لا يحصل أي تطور في الاتجاه الصحيح على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و للوصول إلى هذه الخلاصة المركزة بسطنا مفهوم الشهادة، و مفهوم الإرهاب، و هل الشهادة ضرورة تاريخية أم اختيار ذاتي، و الشهادة و تحولات الواقع الموضوعي، و وقفنا على أن الشهادة تركيب يجمع بين تحولات الواقع الموضوعي، و الاختيار الذاتي، و الضرورة التاريخية، وحاولنا مقاربة الجواب على السؤال : هل الإرهاب ضرورة تاريخية أم اختيار ذاتي ؟ و بينا أن الإرهاب لا يتلاءم مع الواقع الموضوعي، و انه انفراد ذاتي لا علاقة له بالواقع الموضوعي، و لا بالضرورة التاريخية، و وضحنا أن قيمة الشهادة تكمن في الإقدام على الاستشهاد، و أن هذه القيمة ضرورة تاريخية تنتج الرغبة الذاتية في التمتع بقيمة الشهادة استجابة لمقاومة الإرهاب و أنها أيضا ضرورة موضوعية. كما بينا أن قيمة الإرهاب تكمن في الدفع إلى سيادة الاسترهاب، و انه ليس ضرورة تاريخية بقدر ما هو رغبة ذاتية كما انه ليس ضرورة موضوعية. و وضحنا علاقة اللاتكافؤ القائمة بين الاستشهاد و الاسترهاب، و سجلنا أن الاستشهاد نتيجة للرغبة في التمتع بقيمة الشهادة و أن الاسترهاب لا يتجاوز مجرد الخوف من الوقوع تحت طائلة الإرهاب. و وقفنا على القاسم المشترك بين الاستشهاد و الاسترهاب كما وقفنا على مظاهر التناقض بينها، و سجلنا أن الشهادة و الشهداء قيمة تبقى حاضرة في ذاكرة الشعوب، و أن الإرهاب و الاسترهاب قيمة تهدد أمن الأفراد و الشعوب.
و غايتنا من هذا التناول هو العمل على الاحتفاء بالشهداء حتى يستمر تأثيرهم في الأجيال المتعاقبة و الوعي بخطورة الإرهاب على مصير الإنسانية و ضرورة العمل على التخلص من الأسباب و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي يستغلها الإرهابيون لإعطاء الشرعية لممارسة الإرهاب المادي و المعنوي على الشعوب إرضاء للجهات المخططة و المستفيدة من الإرهاب، و من الحركات الإرهابية و من أفعال الإرهابيين.
فهل تمتلك البشرية الوعي بخطورة الإرهاب . و هل تقتفي في مواجهته اثر الشهداء ؟
إننا أمام واقع يتحول بسرعة، و تحوله يصطدم بواقع الإرهاب الذي يعم الكرة الأرضية لعرقلة حركة التاريخ، و حركة الواقع للإبقاء على التخلف بكل مظاهره خدمة لمصالح الجهات الممارسة للإرهاب. و ذلك ما يجب رفضه و مقاومته اقتداء بما قام به شهداء الحق و الإنسانية.
ابن جرير 09/06/2004



#محمد_الحنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأوراش الكونفيدرالية و ضرورة تقديم النقد الذاتي إلى الشغيلة ...
- بين إسلام أمريكا و إسلام الطالبان…
- هـل انتهى حق الشعوب في تقرير مصيرها بمجرد خروج الاستعمار ؟
- النضال النقابي بين رهانات الظرفية السياسية وطموحات الشعب الك ...
- دولة المسلمين لا إسلامية الدولة
- الإسلام/ الإرهاب…..أية علاقة؟


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد الحنفي - منطق الشهادة و الاستشهاد أو منطق التميز عن الإرهاب و الاسترهاب