أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد منتصر - التفكير فى الممنوع - قصة المصادرة فى مصر المعاصرة















المزيد.....


التفكير فى الممنوع - قصة المصادرة فى مصر المعاصرة


خالد منتصر

الحوار المتمدن-العدد: 874 - 2004 / 6 / 24 - 06:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


• جوهر المصادرة هو الوصاية يعنى المصادر – بكسر الدال – هو الصح، والمصادر – بفتح الدال – هو الخطأ ، وبذلك تكون المصادره هىالوجه الآخر لعملية التعصب أو التطرف – فالمتعصب أيضا يعانى من نفس مرض اليقين بأنك على خطأ وانه فقط هو الذى يمتلك الصواب وفى رأيى الخاص ان مصادرة الكتب وهى موضوع الساعة وموضوع هذه الصفحة أيضاً ،هو أخف انواع المصادرات واكثرها مباشرة وفجاجه ونرجو الا ينزعج المثقفون من هذا الكلام، فالمقصود أن هناك انواعاً من المصادرات اكثر خطورة واكثر لؤماً تمارس علينا ولكن انها تتم فى خبث فنحن لا نحس بها أو نعيرها اهتماماً .. فمثلا المصادرة التى تمارسها عليناوزارة التربية والتعليم فى مناهجها ،فاللغة العربية ليس بها أبو نواس او شعراء الصعاليك ،والتاريخ ليس به المعتزلة ولا يشتمل على تاريخ الأقباط .. الخ .. ثم ياتى التليفزيون الذى يمسك بعصاه الغليظة ويعلمنا الأدب شوف وما تشوفش .. الضيف ده غير مسموح بظهوره على الشاشة .. الخ … حتى الصحافة لا تستطيع الحصول على معلومات صحيحة لأن السر فى بير ومصادر المعلومات لا تفصح وتتبع سياسة "الكتمان منجى" ، حتى الوثائق التاريخية ممنوع الاطلاع عليها الا بعد خمسين عاما مع ان تسعين فى المائة من هذه الوثائق يرقد فى ادراج المسئولين وفى بيوتهم .. وغيره .. وغيره …
كل هذه المصادرات تندرج تحت بند المسكوت عنه وابقى قابلنى لو عرفت، اما الكتب المصادرة فهى تعبر عن ضيق أفق وغباء شديدين لأننا سنبحث عنها ونتداولها سراً كالحشيش ولذلك فما هو داخل هذه الكتب حنعرفه .. حنعرفه ولذلك سنبدأ فى سرد قصة هذه الكتب المصادرة لأنه من حقنا على الاقل ان نعرف لماذا صودرت هذه الكتب ؟ ،وكيف إتفق الفقهاء مع رموز السلطة فى كثير من الأحيان علينا وعلى عقولنا، الفقهاء بحجة الحرام والحلال ،والسلطة تحت اسم الحفاظ على مصالح الوطن العليا !!
• البداية مع كتاب "الاسلام وأصول الحكم" الصادر فى ابريل سنة 1925 والذى كتبه الشيخ على عبد الرازق قاضى محكمة المنصورة الابتدائية الشرعية حينذاك ، والضجة التى احدثها الكتاب ناتجة عن شيئين مهمين أولاً الموضوع وثانياً الظروف التى صدر فيها الكتاب .. أما الموضوع فسنقتبس ما قاله الشيخ فى إحدى احاديثه والتى نشرتها مجلة السياسة فى عدد أغسطس سنة 1925 وفيه يؤكد "ان فكرة الكتاب الأساسية هى أن الاسلام لم يقرر نطاقاً معيناً للحكومة ولم يعرض على المسلمين نظاما خاصا يجب ان يحكموا بمقتضاه ، بل ترك لنا مطلق الحرية فى أن تنظم الدولة طبقا للأحوال الفكرية والاجتماعية والاقتصادية التى نوجد فيها مع مراعاة تطورنا الاجتماعى ومراعاة مقتضيات الزمن … وإن الخلافة ليست نظاما دينيا والقرآن لم يأمر بها ولم يشر اليها ،ثم ان النبى لم يكن ملكاً ولم يحاول قط ان ينشئ حكومة او دولة فقد كان رسولاً بعثه الله ولم يكن زعيما سياسيا" …
هذا هو ملخص الكتاب وجوهره، ولكن لماذا ثارت كل هذه الضجة حوله ؟، لنلقى نظرة على الظروف التى احاطت بصدوره لمزيد من الفهم وهنا يبرز دور السلطة الممثلة فى الملك فؤاد والذى كان يطمع فى الخلافة التى وعد بها الانجليز بعد ان ألغيت الخلافة التركية على يد اتاتورك سنة 1924 حتى يستطيعوا السيطرة على البلاد الاسلامية ،وسال لعاب فؤاد ودعا لمؤتمر اسلامى عام للخلافة فى مصر وصدرت مجلة تدعو للخلافة وشيدت خلايا شعبية فى الريف المصرى لتنظيم تلك الدعوة ، والملك فؤاد هو نفسه الذى التهم دستور 1923 وحل البرلمان الذى فاز فيه الوفد بالأغلبية ولذلك فقد أصابه شديد الانزعاج حين صدر هذا الكتاب فقد كان يمثل عقبة أمام هذا الطموح وتمرد على هذه الدكتاتورية والعين الحمرا ، والقصص حول مصادرة هذه الكتاب كثيرة ولكن ما يهمنا هنا هو كيف تمت هذه المصادرة وما موقف المثقفين حيالها؟ ،وأخيراً وهو المهم ما موقف الشيخ على عبد الرازق نفسه ؟؟ ..
وكما توقع القاضى الشاب وقتها 37 سنة – قامت الدنيا ولم تقعد وأوحى الملك فؤاد الى هيئة كبار العلماء بالأزهر ان تبحث فى أمر هذا الكتاب وتحاكم صاحبه تأديبيا .. وبسرعة اتخذت الإجراءات وانعقدت الهيئة برئاسة الشيخ محمد أبى الفضل شيخ الجامع الأزهر فى يوم 12 اغسطس سنة 1925 وقدمت للشيخ على عبد الرازق قائمة اتهام طويلة أهم ما فيها انه قال ان الشريعة الاسلامية شريعة روحية لا علاقة لها بأمور الدنيا ،وان حكومة أبى بكر والخلفاء مثلها حكومة النبى كانت حكومة لا دينية !! وخد بالك من استخدام كلمة لا دينية !! هنا بمعنى الإلحاد والكفر طبعا وهو استخدام لئيم وخبيث وسيتكرر كثيرا فيما بعد .. وبعد جلسة واحدة صدر الحكم بإجماع اربعة وعشرين عالم بالإضافة إلى شيخ الأزهر" بإخراج الشيخ على عبد الرازق من زمرة العلماء" ثم انعقد المجلس المخصوص بوزارة الحقانية برئاسة على ماهر باشا وزير الحقانية بالنيابة فى 17 سبتمبر 1925 وقرر تنفيذ حكم هيئة كبار العلماء بفصل الشيخ من وظيفته مع مراعاة عدم حرمانه من حقه فى المكافأة .. !!
وأما عن موقف المثقفين فقد اختلفت المواقف وتباينت الآراء ،ولكن ما يهمنا هنا هو موقف سعد زغلول الذى أصابه ماأصابه من الملك فؤاد وبرغم ذلك دخل الحلبه وأخذ يكيل اللكمات هو الآخر للشيخ عبد الرازق فقد قال "قرأت كثيرا للمستشرقين ولسواهم، فما وجدت ممن طعن فى الاسلام حدة كهده الحدة فى التعبير .. لقد عرفت ان الشيخ على عبد الرزاق جاهل بقواعد دينه وغلا فكيف يدعى أن الاسلام ليس مدنيا" .. وفى النهاية يقول "وما قرار هيئة كبار العلماء الا قرار صحيح لا عيب فيه لأن لهم حقا صريحا بمقتضى القانون او بمقتضى المنطق والعقل ان يخرجوا من يخرج على أنظمتهم من حظيرتهم فذلك أمر لا علاقة له مطلقا بحرية الرأى التى تعنيها السياسية" … وأمام كل هذا الهجوم الكاسح الذى شارك فيه حتى من ظنهم الشيخ على أصحاب مصلحة فى الدفاع عنه .. اضطر الشيخ الى التراجع بعد الإصابة بفيروس التوبة الذى سيعدى المثقفين المصريين كثيرين بعد ذلك فقد رفض الشيخ على عبد الرازق إعادة نشر كتابه حتى وفاته سنة 1966 و يقال إنه واوصى بعدم نشره على الإطلاق بعد ذلك ولعله مما يستلفت النظر انه بعد موت فؤاد أعاده الزهر الى زمرة العلماء بل اكثر من ذلك تقلد الرجل وزارة الأوقاف مرتين الأولى فى وزارة النقراشى والثانية فى وزارة ابراهيم عبد الهادى سنة 1947 . !!
• ولم يكد يمضى عام حتى انفجرت القنبلة الثانية أقصد الكتاب الثانى ولم يكن غبار المعركة الأولى قد هدأ ففى سنة 1926 صدر كتاب "فى الشعر الجاهلى" للدكتور طه حسين المدرس حينذاك بالجامعة المصرية وبعيدا عن طبيعية هذا البحث الأكاديمى الجاف نقول أن القيامة قد قامت على الكتاب ومؤلفة لا بسبب الموضوع بل بسبب المنهج الذى زلزل الثوابت والبديهيات وحاول ان ينفض الكسل العقلى اللذيد عن المجتمع ويفيقه من تخدير الأفكار الراسخة .. ولكن ما هو المنهج الذى ابتعه المؤلف ؟ .. هذا هو ما سيجيب عنه طه حسين فى متن كتابه "أريد أن أصطنع هذا المنهج الفلسفى الذى استحدثه ديكارت البحث عن حقائق الاشياء ، والناس جميعا يعلمون ان القاعدة الأساسية لهذا المنهج هو ان يتجرد الباحث من كل شئ كان يعلمه من قبل ، وان يستقبل موضوع بحثه خالى الذهن مما قبل خلوا تاما … يجب حين نستقبل البحث عن الأدب العربى وتاريخه ان ننسى عواطفنا القومية وكل مشخصاتها وان ننسى عواطفنا الدينية وان ننسى ما يضاد هذه العواطف القومية والدينية ، يجب الا تتقيد بشئ ولا تدعن لشئ الا مناهج البحث العلمى الصحيح"…
منهج الشك يا لطيف اللطف يا رب هذا ما قالته العامة اما ما قالته لجنة كبار رجال الدين التى شكلها وزير المعارف للبحث فى أمر الكتاب فقد كان قولا جامعا مانعا وهو "الشك كفر" واضافت اللجنة إنثى عشر وجها أضاعها المؤلف فى كتابه على قرائه من امر دينهم .. ومن بين هذه الوجه انه اضاع عليهم الوحدة القومية والعاطفة الدينية وكرامة السلف والثقة فى السير والوحدة الاسلامية وأخيرا الأدب العام !!
ولم تكن هذه هى اللجنة الوحيدة فقد شكلت وزارة المعارف لجنة ثالثة أختلفت مع اللجنة الأولى فتم تشكيل لجنة ثالثة وهكذا …
وقد بدات قصة المصادرة فى مجلس النواب على عكس ما يعتقد الكثيرون انها بدأت فى النيابة .. فقد هاج وماج مجلس النواب بأغلبيته الوفدية ووقف من بينهم النائب مصطفى الغاياتى ولب برجم المؤلف الذى على حد قوله ارتكب قبائح متعددة ما بين تكذيب لصحيح التاريخ وتكذيب لنصوص القرآن وذكر بعض الكلمات الشنيعة التى لا تدل الا على زندقه .. وسارت المظاهرات حتى وصلت الى بيت سعد زغلول الذى خب فى المتظاهرين قائلا" هبوا ان رجلا مجنونا يهذى فى الطريق فهل يغير العقلاء منه شيئا .. عن الدين متين وليس الذى شك فيه زعيما ولا إماما حتى نخش من شكه على العامه .. وماذا علينا إذا لم تفهم البقر" … وهكذا أصبح عميدا الأدب العربى مجرد بقره على يد زعيم الأمة !! . وحين احس طه حسن بأنه قد أسئ فهمه أرسل خطابا الى هدير الجامعة بتاريخ 12 مايو 1926 يؤكد فيها إسلامه ويقول فيه "كثر اللغط حول الكتاب الذى أصدرته منذ حين فى الشعر الجاهلى وقيل فيه انى تعمدت إهانة الدين والخروج عليه وإنى اعلم الإلحاد فى الجامعة .. وأنا أؤكد لعزتكم انى لم ارد إهانة الدين ولم اخرج عليه وما كان لى أن أفعل وانا مسلم اؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله اليوم الآخر" ..
ولكن هذا الاعتذار لم يرض الأزهريين والغاضبين فقد كان منظر الدم الذى ينز من الفريسة مغربا على مزيد من الاستمرار فى الطعن والذبح فأرسل طه حسين رسالة اخرى لعلها تضع حلا لهذه المشكلة وكانت موجهة أيضا الى مدير الجامعة قال فيها "حرصا منى على المشكلة التى أثارها الكتاب اعرض عليكم وضع النسخ الباقية منه تحت تصرف الجامعة ترى فيه ما تشاء" .. وطبعا الجامعة ما صدقت فانتهزت الفرصة لتريح دماغها من الصداع وتسلمت عدد 787 نسخة من الكتاب بمقتضى فاتورة بمبلغ مائة جنيه كما اشترت الجامعة أيضا من مكتبة الهلال 34 نسخة بخمسة جنيها وسبعمائة وثمانين مليما وحفظت هذه النسخ فى صندوقين مختومين بالشمع الأحمر ..
ولكن هل انهى الشمع الحمر مصيبة الشعر الجاهلى وهل كان قرص اسبرين مسكن لهذا الصداع الرهيب ؟ … العجيب انه قد حدث العكس وكان هذا الشمع الأحمر قرضا لرفع الضغط وتهييج الغاضبين وبعده بدأت البلاغات تتوالى على النيابة ففى 30 مايو تقدم الشيخ حسنين طالب الزهر ببلاغ لسعادة النائب العمومى يتهم فيها الدكتور طه حسين بالطعن الصريح فى القرآن وبعده وفى 5 يونيه أرسل فضيلة شيخ الجامع الأزهر لسعادة النائب العمومة خطابا ومعه تقرير رفعه علماء الزهر عن كتابه الذى يحتوى على طعن صريح فى القرآن والنبى ونسبه ثم احكم الحبل حول رقبة طه حسين حين تقدم عبد الحميد البنان عضو مجلس النواب ببلاغة للنيابة والتى لم تجد مفرا من التحقيق مع طه حسين والذى برغم حفظ التحقيق معه الا انه اضطر الى تغيير عنوان الكتاب حين اعيد طبعه الى فى الأدب الجاهلى" وحذف بعض العبارات وغير فى بعض الفصول .. وكان بهذا يطوى ثانى صفحات كتاب القمع والقهر وهو الكتاب الوحيد الذى اظن انه لن يصادر !!
• وبعد 33 سنة من مصادرة كتاب طه حسين وفى سنة 1959 حدثت اشهر المصادرات واكثرها غموضا .. إنها مصادرة كتاب "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ .. وهذه الشهرة مستمرة من شهرة صاحبها الحائز على جائزة نوبل سنة 1988 والتى انتقل بها ممن كونه كاتب محلى مصادرة كتبه تحدث صدى داخليا فقط من الممكن التغلب عليه ومداراته الى مرتبة العالمية والتى بها يعتبر المساس بإحدى رواياته حدثا تتناقله وكالات الأنباء ويستنفر مشاعر المثقفين وهيئات حقوق الانسان على مستوى العالم كله وبالطبع ليس هذا انتقاصا من قدر الرواية وأهميتها فهى من ابدع رواياته وهى ايضا من أهم حيثيات حصوله على الجائزة والتى اشير فى نصها الى .. موضوع الرواية غير العادية أولاد حارتنا هو البحث الأزلى لإنسان عن القيم الروحية ، فآدم وحواء وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم من الأنبياء والرسل بالإضافة إلى العالم المحدث يظهرون فى تخف طفيف" ..
اما قصة غموض المصادرة فهى بالفعل تستحق السرد … فالرواية حتى هذه اللحظة ليست مصادرة بقرار رسمى وانما هى تخضع لإتفاق "الجنتلمان" وبرغم تصريح الرئيس مبارك حين سألوه فى هذا الشان أثناء احتفال الدولة بجائزة نوبل انه ليس هناك قرار أو حكم بمصادرة اولاد حارتنا .. برغم هذا التصريح من اعلى سلطة فى البلاد الا ان الرواية ما زالت مصادرة حتى الآن ولا تأخذ اطلاقا شكل الكتاب الا انه من المسموح وهذا هو العجيب والغريب ان تنشر فى شكل "جرنان" كما حدث مع جريدتى الأهالى والمساء إلا ان الأعجب والأغرب انها مصادرة أيضا كمسلسل اذاعى ووبرضه من عارف السر فى هذا التمييز العنصر ما بين الجريدة والإذاعة والكتاب !! …
وقصة المصادرة بدأت بتقرير سرى كتبه الشيخ محمد الغزالى ورفعه الى الرئيس جمال عبد الناصر والذى لا أفهم حتى الآن لماذا قبله وصدقه ؟ .. المهم ان هذا التقرير قد كتب بعد نشر الرواية مسلسله فى جريدة الأهرام عام 1959 بناء على طلب هيكل .. وتتضارب الروايات هل نشرت كاملة ام منقوصه حينذاك وقد حدث بعد ان تزايد الهجوم على الرواية علنا وسرا بالمقالات والتقارير – وقد اعترف الغزالى بأنه كاتب التقرير فى الصفحة الدبية بالأخبار وفى صالون احسان عبد القدوس بدار روز اليوسف سنة 1994 – بعد ان حدثت كل هذه الضجة اتصل السيد حسن صبى الخولى الممثل الشخصى لرئيس الجمهورية بنجيب محفوظ واستأذنه فى عدم نشرها فى كتاب داخل مصر ووافق نجيب محفوظ وكان هذا هو ما وصفناه بإتفاق الجنتلمان الذى اقتصر فقط على حدود مصر فقد طبعها سهيل ادريس صاحب دار الآداب فى طبعة هى التى ترقد على رفوف مكتبات المثقفين العرب .. ثم توالت حملات التكفير وقاد رايتها الشيخ كشك ثم تسلمها عمر عبد الرحمن والذى كان لفتواه بتكفير صاحب الرواية اثر السحر على فتى مراهق يدعى محمد ناجى محمد مصطفى والذى طعن اديبنا الكبير بالسكين فى اكتوبر 1994 بدون ان يقرأ حرفا من هذه الرواية بل طعنه فقط لفتوى عمر عبد الرحمن لجريدة الأنباء الكويتية عقب فوز محفوظ بنوبل وقد دافع الكاتب الكبير عن رواتبه أمام رئيس النيابة عادل فياض اثناء التحقيقات التى أجريت عقب محاولة اغتياله فقال "إن هؤلاء الإرهابيين لا يقرأون القصص بعيون ادبية فرواية أولاد حارتنا لا تتعارض مع الديان أو الذات الإلهية فهى تعرض تصورا للخير والشر ولكن هؤلاء فسروا الرواية حسب هواهم واتخذوا تفسيرهم لها هدفا ضدى" …
ولكن نجيب محفوظ ما زال على موقفه الرافض لنشر الرواية فى كتاب وقد أنقسم المثقفون بدورهم إلى فريقين ما بين مؤيد ومعارض للنشر وخاصة بعد نشرها فى جريدتى المساء والأهالى لدرجة ان فريقا كبيرا منهم قد اصدر بيانا فى نوفمبر 1994 يشجب فيه هذا النشر حفاظا على حقوق نجيب محفوظ القانونية والمادية وما زال هذا الجدل مستمرا حتى الآن …
• وتعود اللغة العربية مرة ثانية لإثارة المشاكل بعد حادثه كتاب طه حسين ولكن المشكلة هذه المرة كانت اكثر خطورة واشد حساسية فالمؤلف قبطى او عل رأى احد أساتذة جامعة اسيوط صليبى مستغرب !! إنه د. لويس عوض الذى قاس المرين بسبب وضعه فى هذا القالب القبطى .. والكتاب هو "مقدمة فى فقه اللغة العربية" والذى صودر سنة 1981 .. والكتاب جهد علمى معقد استغرق ما يقرب من 500 صفحة فى طبعته الحديثة واستخدم فيه لويس عوض علوما حديثة فى الصوتيات وصور الكلمات والاشتقاق … الخ وصل من خلالها كما يقول فى كتابه إلى ان اللغة العربية هى احد فروع الشجرة التى خرجت منها اللغات الهندية الأوروبية .. ولإذا نحن اعتبرنا اللغة العربية نموذجا لبقية اللغات السامية خرجنا بان ما يسمى بمجموعة اللغات السامية هو احد الفروع الرئيسية التى خرجت من هذه الشجرة ثم تفرغت الى فروع ثانوية كانت اللغة العربية احدها" …
وإنتقض الفقهاء وثار الأزهر فهذا معناه ان اللغة العربية كأى لغة اخرى ظاهرة اجتماعية تتطور بتطور المجتمعات وتضمحل وتتجدد وتتلاقح كما يذكر الشاعر حلمى سالم بغيرها من اللغات ولذلك فاللغة العربية مخلوقة وليست قديمة وهنا يتطابق مع أقوال المعتزلة انصار العقل وهذا ينفى عن اللغة العربية قداستها وهى لغة القرآن … إذن النتيجة الحتمية لويس عوض كافر تربيع !!
والكتاب كان قد صدر سنة 180 فى خمسة الاف نسخة بيع منها الف نسخة حتى تاريخ تقديم ادارة البحوث والنشر فى الأزهر بمذكرة منع الكتاب فى 6 سبتمبر 1981 والتى كتبها الشيخ عبد المهيمن محمد الفقى وهو ليس مصادقة انه اليوم التالى لحملة اعتقالات السادات .. وبسبب هذه المذكرة صدر فى 15 ديسمبر 1981 امر ضبط الكتاب والتحفظ عليه تمهيدا لحرقه فى حضور مندوب الأزهر ووزارة الداخلية ومؤلف الكتاب …
ولكن هل كان الفقهاء يتحركون فى ساح المصادرة منفردين ام ان أصابع السياسة كانت تلعب الخفاء ؟؟ والاجابة قدمها لنا الصحفى حازم هاشم فى مقاله بمجلة القاهرة عدد ديسمبر 1992 حين كشف دور د. رشاد رشدى مستشار السادات الثقافى فى هذه المصادرة وكيف انه لعب دورا هاما فى التدابير والتخطيط لها مع ابن اخته احمد بهجت
• وبعد ثمانى سنوات من مصادرة كتاب لويس عوض أتى الدور على المصادرة التى انتهت بالدم .. المصادرة التى بدأت بكتاب وانتهت بمصادرة النبى آدم نفسه .. بقتله أمام مكتبه وهنا كان الرشاش فى مواجهة القلم والقمع فى مقابل الحلم .. إنه د. فرج فوده وكتابه "تكون او لا نكون" والغريب انه عندما دعى فرج فوده الى معرض الكتاب وناقش الرئيس مبارك فى حواره المفتوح كانت الاجنحة داخل المعرض قد تلقت أوامر عليا بمنع بيع هذا الكتاب وهنا يبرز التناقض السلطوى ندعوك على القطار ونحتفى بك فى الغداء ثم نلتهمك سمينا فى العشاء !! والمقال الذى صودر بسببه الكتاب كان بعنوان "الشيخ الأوهر ان يحمد الله" وقد هاجم فيه فرج فوده شيخ الأزهر ردا على هجوم شيخ الأزهر عليه وعلى سعيد العشماوى فى جريدة الأهرام وبالطبع لم يمر هذا المقال مرور الكرام على الأزهريين بل اعلنوا على فرج فوده الحرب المقدسة فقد كتب فى جريدة النور 25/7/1990 اكد مصدر مسئول بإدارة البحوث والتأليف والترجمة بالأزهر تعليقا على مصادرة كتاب فرج فودة "نكون او لا نكون" أن هذا الرجل وأمثاله يجب ان يقدموا للمحاكمة بتهمة تطاولهم على مقدسات المسلمين وتعرضهم لما هو معلوم من الدين بالضرورة" وتصاعد الهجوم إلى أن انتهى بالبيان الشهير لندوة علماء الأزهر برئاسة الدكتور عبد الغفار عزيز عميد كلية الدعوة والذى قرر "أن أفكار فرج فوده خارجه عن الاسلام وانه من أتباع اتجاه لا دينى وشديد العداوة لكل ما هو اسلامى" …
وسنتقتبس جزءا صغيرا من التحقيق الذى اجرته نيابه امن الدولة العليا مع فرج فوده بعد مصادرة هذا الكتاب ..
س : ذكرت فى مقالك ما يقيد للفقهاء ما قولك ؟
ج : ما ذكرته يخص فقيهين الأول هو الشيخ عبد اللطيف حمزه والذى قال إن بعض مفسدات الصوم هو مص بصاق الصديق وأظن ان انتقاد ذلك يستهدف حماية الاسلام والمسلمين من الفتاوى الفاسدة اما الثانى فهو الشيخ البجاوى الذى أخذ يفتى فى قضايا غريبة مثل حكم من كان لقضيبه فرعان وأتى امراة من دبرها وقبلها فى وقت واحد هل يغتسل مرة واحدة ام مرتين؟…
ولكن هذا الدفاع لم يشفع له وكان صوت طلقات الغوغائية اعلى صراخا من منطق العقل …
• ومن سياسة مصادرة الكتاب الواحد إلى المصادرة بالزنبيل وقد حدثت هذه السياسة الزنبيلية فى المصادرة فى منتصف يناير 1992 حينما صادرت غدارة البحوث والتأليف بالزهر ثمانية كتب من معرض القاهرة الدولى الرابع والعشرين للكتاب .. خمسة من هذه الكتب للمستشار سعيد العشماوى وهى الإسلام السياسى والخلافة الاسلامية وأصول الشريعة ومعالم الاسلام والربا والفائدة فى الاسلام والكتب الثلاثة الأخرى هى قنابل ومصاحف لعادل حمودة وخلف الحجاب لسناء المصرى ورواية العراة لإبراهيم عيسى ولم يفك الحظر على هذه الكتب الا بتدخل من الرئيس مبارك شخصيا .. وقد حدثت هذه المصادرة بعد اسبوعين فقط من كارثة اخرى اوقف فيها روائى عن عمله كمأمور ضرائب بناء على تأليفه لرواية والكاتب هو علاء حامد والرواية هى "مسافة فى عقل رجل" وقد حكم بحبس المؤلف والناشر 8 سنوات وبغرامة مالية قدرها 1500 جنيه لكل منهما .. وبعد هذه المدرسة الزنبيلية فى المصادرة انبثقت المدرسة الاقليمية أى ان تصادر كتبا فى محافظة وتحافظ عليها فى المحافظة أخرى مثلما حدث مع كتاب الحجاب لسعيد العشماوى ..
• وها نحن قد وصلنا الى محطة المصادرة ببلاغات شرطة المصنفات الفنية مثلما حدث مع كتاب عبد الله كمال "التحليل النفسى للأنبياء" وهذا هو الخطير فى الموضوع أى انه فى امكان اى ضابط له ميول اخوانية ان يدعبس فى الضمائر ويرسل البلاغ بدلا من ان يتلقاه وبالطبع سيرسل البلاغ بسرعة الصاروخ ويرد عليه بسرعة الضوء وهذا بالفعل ما حدث مع الكتاب حين ارسل البلاغ فى 12 يونيو 1996 ورد مجمع البحوث الاسلامية بتاريخ 16 يونيو بالمذكره التى وقعها مدير البحوث والتأليف والترجمة عبد المعز عبد الحميد الجزار والذى أدان الكتاب لأن المؤلف قد وصف فيه النبياء بالتمرد "وهى صفة لا تليق بمكانتهم السامية" فى رأى الشيخ عبد المعز ..
• وما زال الصراع مستمرا وسياسة المنح والمنع وشعرة معاوية المشدودة بين السلطة والمثقفين موجوده … والسكاكين الفقهية مشرعة على رقاب المبدعين تنتظر فقط ان يسموا عليهم قبل الذبح .. وما على المثقفين الا ان يختار احد طريقين كلاهما مهين اما ان يعود ادراجه ويتوب واما فى القطيع ان يذوب …



#خالد_منتصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا النساء أكثر أهل النار؟
- تكافؤ لاقوامة - هل الزوج العاطل قوام على زوجته التى تعوله ؟!
- هل سيصادر الأزهر كتب البخارى والطبرى؟
- التقدم العلمى هو قراءة الطبيعة قبل قراءة النص
- متى نرى الآنسة رشا رئيسة جمهورية ومدام فاطمة خليفة للمسلمين ...
- المرأة نصف المجتمع أم نصف إنسان ؟
- تدريس الثقافة الجنسية فرض واجب
- هل المرأة ناقصة عقل ودين حقاً ؟
- سوبر ماركت الإعجاز العلمى
- تعدد الزوجات رخصة شرعية أم -طفاسة- ذكورية
- هل العلمانية كلمة قبيحة ؟
- هل الإغتصاب الزوجى حلال ؟
- تأديب الزوجة بالضرب هل هو فريضة إسلامية حقاً؟
- الزواج المبكّر، إغتصاب علني وصريح
- العلمانية هى الحل
- شرف المرأة..وعود الكبريت! نظرة تاريخية وإجتماعية وطبية


المزيد.....




- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد منتصر - التفكير فى الممنوع - قصة المصادرة فى مصر المعاصرة