أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - فرجي ئلباد - نظرية النخبة















المزيد.....



نظرية النخبة


فرجي ئلباد

الحوار المتمدن-العدد: 2878 - 2010 / 1 / 4 - 08:53
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


من أهم موضوعات علم الإجتماع السياسي نظرية النخبة السياسية، التي يذهب أنصارها إلى أنها حقيقة موضوعية، لأن الشواهد التاريخية وواقع المجتمعات السابقة والمعاصـرة، تتميز بوجود أقلية حاكمة، محتكرة لأهم المناصب السيـاسية والإجتماعيـة، وبيدها مقاليد الأمور، وأغلبية محكومة منقادة وليس لها صلة بصنع القرار السياسي بشكل عام.
كما يعتبر كذلك موضوع النخبة السياسية من المواضيع التي أصبحت تحظى باهتمام كبير من طرف الباحثين سواء في مجال السوسيولوجيا أو العلوم السياسية، مع أن هذا الموضوع ظل مسكوتا عنه لمدة من طرف الباحثين السوسيولوجيين الأمريكيين لكونه يتعارض مع المبدأ الذي تقوم عليه المجتمعات الغربية وهو (حكم الشعب من طرف الشعب)، ومسكوتا عنه أيضا من طرف الباحثين السوفيات لأن المجتمعات الإشتراكية في نظرهم، قائمة على ديكتاتورية البروليتاريا وهي الطبقة التي تمثل مصالح أغلبية السكان .
ومع أن عمر تبلور هذه النظرية قد زاد على نصف القرن، إلا أن اللبس والغموض يصاحبها من جوانب كثيرة ومهمة، منها علاقتها مع النظم الشمولية والديمقراطية، آليات اختيار وعمل هذه النخبة، العلاقة ما بين النخبة السياسية والإجتماعية وهكذا.
لقد أسهم كارل ماركس وماكس فيبر في تأسيس علم الإجتماع السياسي من خلال دراستهما لتطور النظريات السياسية وصلة ذلك بالمجتمع إلا أن تطور هذه النظرية قد وجه سهام النقد للنظرية الإشتراكية فضلا عن النظريات الديمقراطية، لأن نظرية النخبة تشكك بالصحة العلمية لكلا النظريتين، وتبني تحليلها للنظام السياسي انطلاقا من حقيقة القلة الحاكمة والأغلبية المحكومة . واستخدام تعبير النخبة أو الصفوة قديم قدم المجتمع البشري نفسه حيث تعود البدايات الحقيقية لمفهوم النخبة إلى أعمال الفيلسوف اليوناني أفلاطون، عندما تكلم عن ضرورة أن يحكم المجتمع جماعة من الأفراد النابهين، كما تعود كذلك إلى المذهب الذي تقوم عليه طائفة البراهمة، وهو مذهب ساد في الهند في فتره مبكرة من تاريخها. فضلا عن ذلك وجدت مذاهب ومعتقدات دينية عديدة عبرت بشكل أو بآخر عن النخبة حيث كان يستخدم قديما لإعلاء شأن الذات الجمعية مثل "شعب الله المختار" وإما للإشارة إلى وضع مميز داخل التركيبة الإجتماعية نفسها كما نرى في قوائم الفرسان وأولياء الله الصالحين وكان لذلك تأثير كبير في النظريات الإجتماعية .
كما تشير دراسات أخرى إلى أن مفهوم النخبة استعمل ابتداء من القرن الثاني عشر، وتحولت حمولته إلى المعاني التالية مع القرن الرابع عشر، حيث أصبح يعني "المنتخب Elu أو المختار Le chouisi والشهير أو المعروف Eminent أو المميـز Le distingue وهي صفة الشيء أو للشخص المميز ضمن مجموعة من الأشياء أو الأشخاص. وتأسيسا على ذلك، يتم أحيانا الحديث عن "نخبة الجيش" و "نخبة المجتمع" ... إلخ. وسواء استعمل بشكل مفرد أو جمع، فهو يعني ما هو ضد الكتلة أو الجماهير. وظهرت مجموعة من الطروحات السياسية والفكرية تعارض بين الجماهير والنخب.
غير أن التصور الإجتماعي والسياسي الحديث للنخبة يرجع إلى جفاع سان سيمون (Saint Simom) عن حكم العلماء ورجال الصناعة، إلا أن النخبة اتخذت معاني ومضامين متنوعة، وبالذات عندما أقر هذا الأخير مسألة الفروق الطبقية وأكد التفاوت بين الفقراء والأغنياء. وقد استخدمت كلمة النخبة (Elite) في القرن السابع عشر كدلالة مغايرة لمعناها الحالي، فقد استخدمت لوصف السلع ذات النوعية الممتازة، وما لبث هذا الإستخدام أن اتسع للإشارة إلى الجماعات الإجتماعية العليا كبعض الوحدات العسكرية، أو المراتب العليا في النبالة .
وقد حلل "هليوليتي" حالة النظام السياسي الفرنسي قبل اندلاع الثورة الفرنسية في عام 1789 من منظور النخبة التي أطلق عليها "الطبقة الحاكمة أو الطبقة الممتازة" التي تتكون من الملك والنبلاء والكهنة. واعتبر أفعال هؤلاء هي المسؤولة أساسا عن نشوب الثورة . وبالرغم من ذلك يعد الإستعمال العملي والمنهجي في إطار السوسيولوجيا أو العلوم السياسية أمرا حديثا نسبيا وبالتحديد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عندما تم استخدامها لوصف السلع ذات النوعية الممتازة. وما لبث هذا الإستخدام أن اتسع للإشارة إلى الجماعات الإجتماعية العليا، كبعـض الوحدات العسكرية أو المراتب العليـا، وطبقا لقاموس اكسفورد فإن أقدم استخدام عرف لكلمة نخبة في اللغة الإنجليزية كان سنة 1823 حينما كانت تنطبق على الجماعات الإجتماعية، بيد أن المصطلح لم يستخدم استخداما واسعا في الكتابات الإجتماعية والسياسية الأوربية بوجه عام إلا في أواخر القرن التاسع عشر، وفي ثلاثينات القرن العشرين في بريطانيا وأمريكا على وجه النصوص حينما انتشر المصطلح وساد استخدامه في النظريات السوسيولوجية للنخبة.
ولكن ما هي النخبة؟ وهل اتفق منظورها على صياغة موحدة لتعريفها؟
وما هي أنواعها؟ وما هي خصائصها؟ وما هي محدداتها؟ وما موقعها في إطار الحراك الإجتماعي؟ وما هي أهم مقاربات التحليل النخبوي؟ وما هي أهم المدارس الأساسية التي تناولت مفهوم النخب؟
كل هذه القضايا والإشكالات سيتم تناولها وفق التصميم التالي:














المحور الأول: النخبة السياسية، طبيعتها وعلاقاتها
أولا- النخبة، تعريفها وطبيعتها
 إشكالية التعريف
 النخب: أنواعها، خصائصها ومحدداتها
ثانيا- النخبة والحراك الإجتماعي
 تصنيف نظريات النخبة
 مفهوم دوران النخب
 النخبة ما بين السياق الإجتماعي والسياسي
ثالثا- مقاربات التحليل النخبوي
 نخب أم نخب
 النخبة الأولبكارشية
 النخبة والتحليل الطبيعي
المحور الثــاني: المدارس الأساسية في مفهوم النخب
أولا- المدرسة الكلاسيكية
ثانيا- المدرسة الحديثة
ثالثا- الإنتقادات والردود








المحور الأول: النخبة السياسية، طبيعتها وعلاقاتها

يبقى مصطلح نخبة من بين المصطلحات التي لم يجد لها المفكرون السياسيون أو الإجتماعيـون مفهوما محددا. وتضم النخبة أو الصفـوة الأقلية من الموهوبين والأثـرياء، وتتشكل من جماعات كونها أفراد متميزون . فالنخب هي تلك الجماعات المتميزة إما في أدائها أو أفكارها أو مستواها الإجتماعي عن باقي فئات المجتمع. ويطرح موضوع النخبة صعوبات مفاهيمية جمة، نظرا لتعدد الرؤى والمقاربات في هذا الشأن، وقد تناوله بالدراسة بعض الفلاسفة منذ آلاف السنين .
وقد اكتسى مصطلح النخبة أهمية بالغة في بداية القرن المنصرم مع ظهور نظريات مرتبطة بهذا الشأن، قادها بعض الباحثين أمثال: باريتو وموسكا.. وقد تباينت الإصطلاحات التي ترمز إلى هذه الفئة ما بين الطليعة، الصفوة، السراة، الملأ..
1- إشكاليــة التعـريــف:
يعتبر رايت ميلز من أوائل الباحثين الذين أثاروا الإنتباه لموضوع النخب، وذلك حتى يتم فهم سياقات التحكم في دواليب المجتمع ، ويبين في كتابه النخبة الحاكمة أن هناك فئة معينة هي التي تمسك بزمام الأمور في مقابل شعب تابع ومقصي من دوائر الإنشغال.
وبالإضافة إلى ميلز، نجد باريتو وموسكا، قد اهتما بالنخبة إشارة إلى فئات تمارس السلطة مباشرة، وتكون في وضع تؤثر فيه بشدة في عملية صنع القرار . يعرف باريتو النخبة بأنها مجموع الناس الذين يظهرون صفات استثنائية ويثبتون تمتعهم بكفاءات عالية في بعض المجالات أو بعض النشاطات ويبقى التعريف التقليدي للنخبة عاما لا يتميز بالتدقيق، والذي يذهب إلى أن النخبة هي تلك المجموعة من الأفراد التي تملك قدرا من التأثير والنفوذ أكثر من الآخرين ويغيب عن هذا التعريف التحديد والوضوح لمفهوم السلطة، بحيث أن السلطة قد تعني في بعض الأحيان قدرة بعض الأشخاص على التأثير في أشخاص آخرين، وأيضا القدرة على التأثير في صنع القرار. وقد أثارت هذه الفكرة المفسرة للتاريخ بأنه مقبرة النخب سخط الماركسيين الذين اعتبروها نظرية نخبوية متعالية .
كما يرى العالم باريتو، أن النخبة هم أولئك الذين يتفوقون في مجالات عملهم في (مباراة الحياة) وحين يجد أن هذا التعريف مستوف يستدرك الأمر وينتقل إلى المجال الأضيق في تعريف النخبة، فيقوم بربط مفهوم النخبة الإجتماعية بقدرة هؤلاء المتفوقين على ممارسة وظائف سياسية أو اجتماعية تخلق منهم طبقة حاكمة ليست بحاجة إلى دعم وتأييد جماهيري لأنها تقتصر في حكمها على مواصفات ذاتية تتمتع بها، وهذا ما يميزها ويؤهلها لاحتكار المناصب.
ويأتي الرائد الثاني موسكا الذي يضيف على تعريف باريتو قائلا: إن من أهم أسباب تميز الطبقة الحاكمة عن الطبقة المحكومة –وهو هنا لا يأخذ بالمدلول الماركسي لمعنى الطبقة- هو قوة تنظيم الأولى أي قوة الطبقة الحاكمة، ووجود دافع وهدف معين تسعى إليه في مواجهة أغلبية غير منظمة، إلا أنه يؤكد على أهمية اعتماد طبقة الحاكمين على موافقة ورضى الجماهير، وهذا الطرح يقرب ما بين نظرية النخبة السياسية والديمقراطية عكس ما انتهى إليه باريتو.
لقد انطلق الرائد الثالث ميشال روبرتو في تعريفه للنخبة السياسية من خلال واقع عمل الأحزاب السياسية، ليكتشف بأن هناك عوامل متباينة تحدد طبيعة عمل التنظيمات بدءا من الحزب وصولا إلى الدولة، فهو يرى أن النشأة الديمقراطية للأخزاب تتحول بمرور الزمن إلى تنظيمات خاضعة إلى حكم قلة من الأفراد، لأن التنظيم يحتاج إلى أقلية منظمة، وهذه الأقلية تستحوذ على السلطة من خلال موقعها في مركز اتخاذ القرار، وهو ما يسمى بالأقلية الذي لم يلتفت إليه ماركس في دراساته السياسية.
أما الرائد الرابع رايت ميلز ومن خلال دراسته لمجتمع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد ربط بين النخبة وقدرتها على التحكم بموقع اتخاذ القرار، فهي نتاج للبناء المؤسساتي للدولة، وقد وجد أن مؤسسات ثلاث هي المتحكمة في أمريكا: وهي العسكرية والسياسية والشركات الكبرى، وهذا معناه أن النخبة تتشكل من أولئك الذين يشغلون مواقع قيادية في هذه المؤسسات.
ويؤكد بوتومور في كتابه: (النخبة والمجتمع) أو ميلز متأثر في تعريفه بضغوط الصراع العالمي التي شغلت أمريكا في عصره، وتصنيفه إنما هو وتبعا لما سبق إشارة إلى تتابع الأحداث.
إن هذا التباين والإختلاف في تعريف النخبة جعل بوتومور غير قادر على حسم الموضوع، أو أن يعطي تعريفا متميزا، لذلك فهو يحاول إعطاء إئتلاف من التعريفات لمن سبقوه وبشكل حذر، حيث يميز بين (النخبة) بشكل عام، والأقلية التي تحكم المجتمع، فيقول (إذا استعملنا الإصطلاح العام (النخبة) لتلك الفئات ذات الوظائف، فإننا عندها نحتاج مصطلحا نطلقه على تلك الأقلية التي تحكم المجتمع، وهي ليست فئة وظائفية بالمعنى الذي تستعمل فيه هذه الكلمة، ولكنها في أية حالة من الأحوال ذات أهمية اجتماعية عظيمة مما يجعلها جديرة بأن يكون لها اسم خاص مميز، سنستعمل هنا مصطلح موسكا (الطبقة السياسية) للإشارة إلى كل تلك الفئات التي تمارس السلطة أو التأثير السياسي والتي تمارس السلطة السياسية أو التأثير السياسي والتي تدخل في صراعات مباشرة في سبيل القيادة السياسية، وسنميز فئة صغرى ضمن الطبقة السياسيـة، وهي النخبة السياسية الشاملة للأفراد الذين يمارسون السلطة السياسية في مجتمع ما في وقت من الأوقات.
وهذا يعني أن بوتومور يرسم هرما نخبويا داخل المجتمع في قمته الممارسون للسلطة السياسية أو من يسميهم بالنخبة السياسية، وفي قاعدته نخبة المجتمع، أي كل الفئات ذات الوظائف المتميزة، وفي وسطه الأقلية المنبثقة من القاعدة أو النخبة الإجتماعية والتي تشترك بالحياة السياسية، ممارسة واهتماما، وتدخل في صراع مباشر للوصول إلى السلطة والإستحواذ عليها، والتي يسميها بالطبقة السياسية، وهذا يعني بشكل أو بآخر أن النخبة السياسية التي تتربع على قمة الهرم تتميز بأنها غير ثابتة في موضوعها، فيمكن أن ينزلوا ليصبحوا من الطبقة السياسية، وحتى من عناصر عاديين في النخبة الإجتماعية.
وهو بهذا التعريف لا يميز بين النخبة السياسية وغيرها بالأفضلية والتفوق، حيث يعتبرهم من في يدهم مقاليد السلطة السياسية، إلا أنه يميز بشكل أو بآخر عقوبة النخبة السياسية بالمفهوم السابق ومن يعتبرهم (طبقة سياسية) فيقصر عقوبة النخبة السياسية بالممارسين الفعليين للسلطة أما الناشطون سياسيا من أحزاب معارضة ونقابات وجمعيات ومثقفون، فهم يدمجون في إطار الطبقة السياسية.
لقد ساهمت وبشكل مباشر كل هذه الدراسات النظرية في تقارب التعريفات الأخرى مع ما جاء به بوتومور فعرفت القواميس الإنجليزية كلمة ( النخبة Elite) بأنها أقوى مجموعة من الناس في المجتمع، ولها مكانتها المتميزة، وذات اعتبار. أما القواميس الفرنسية فعرفت النخبة أنها تضم أشخاصا وجماعات الذين بواسطة القوة التي يمتلكونها أو بواسطة التأثير الذين يمارسونه، يشاركون في صياغة تاريخ جماعة ما، سواء كان ذلك عن طريق اتخاذ القرارات أو الأفكار والإحساسات والمشاعر التي يبدونها أو التي يتخذونها شعارا لهم.
2- النخـب: أنواعهـا، خصائصهـا ومحدداتهـا:
 أنـواع النخبـة: يدل الواقع المجتمعي الإنساني على تميز قلة من الأفراد في مختلف الميادين فنجد أشخاص لهم مميزات وقدرات تختلف عن باقي الأفراد ترفعهم إلى مرتبة خاصة مما يمكنهم من لعب دور فعال داخل المجتمع له تأثير على تجديد أو تكريس قيم المجتمع، فهذه المجموعة من الأفراد أو النخبة قد تكون لها قدرات ذات طبيعة ثقافية أو دينية أو علمية متميزة، فتكون بذلك إما نخبة ثقافية أو نخبة اقتصادية أو نخبة دينية وغيرها.
 خصائص النخبة: ما يميز النخب في هذا الصدد هو مجموعة من الخصائص لكن تبقى أبرز هذه المميزات والخصائص محددة في ثلاث.
1- الإنسجام من حيث السن والتنشئة والمنحدرات
2- الوحـدة: تشكل خاصية أساسية على اعتبار أن النخبة السياسية وبغاية الإستمرارية في الحكم تسعى إلى الحفاظ على مصالحها الإقتصادية في ظل الوحدة
3- القلـة: في هذا الإطار ما يميز النخبة هو عدم الكثرة.
 محددات النخبة: يجمع الباحثون على أن أبرز إشكال يطرح في موضوع النخب السياسية هو ماهية محددات الإنتماء للنخبة، وفي هذا الصدد تم الإجماع على أنها ليست واحدة حيث يبرز في هذا الإطار عامل الوراثة والحظ أو الصدفة بالإضافة إلى النسب إلى جانب عامل الكاريزما من خلال النزوع نحو القيادة ودون إغفال عامل أساسي محدد للنخب السياسية ويتمثل في التعليم.
ثانيا- النخبة والحراك الإجتماعية:
 تصنيف نظريات النخبة:
هناك من قسم نظرية النخب إلى ثلاث نظريات، ولعل أبرز هذه التصنيفات تلك التي جاء بها أوراس ياجي .
 النظـريـة الأولـى: تنبني على السلطة وتبين أن كل المجتمعات تتناحر من أجل الوصول إلى السلطة وهي في شبه صراع دائم من أجل ذلك، والفئة التي تتمكن من الحصول على تلك السلطة هي ما يصطلح عليها بالنخبة ، هذه النظرية تقسم المجتمع إلى فئتين فئة ضعيفة، تكون خاضعة لفئة قليلة هي التي تملك سدة الحكم لتكون خاضعة إما بسبب القمع أو التأثير الممارس عليها من طرف النخبة الحاكمة، وما يميز هذه النظرية هو أن النخبة الحاكمة هنا تتمتع بصفات شتى وتنتج علاقات سلطوية تبقى آثارها ناتجة وإن تغير الأشخاص.
 أما النظرية الثانية: وهي القائمة على أساس أخلاقي قيمي، هنا تركز هذه النظرية على ما تتمتع به هذه النخب من مزايا ذاتية تؤهلها لممارسة الحكم، فهذه النظرية تكرس النظرية الفلسفية الكلاسيكية الأفلاطونية والأرسطية.
وتؤكد هذه النظرية على أن وجود نخبة ما في المجتمع هي ضرورة حتمية تمليها ظروف المجتمع، بالإضافة إلى أن هذه النخبة بفضل ما تمتاز به من ميزات خاصة، تكون جديرة بالوظيفة التي تمارسها. ويمكن القول إن ما يميز هذه النخب كلها وحسب تصور كارل مانهايم هو قدرتها على خلق وتجسيد قيم جديدة تعبر عن المجتمع الجديد وتعمل في نفس الوقت على توجيهه .
وتبقى النظرية الثالثة: وهي النظرية الوظيفية أي كيف يمكن للفاعل الإجتماعي أن يتمكن من لعب دور داخل النخبة، وكيف يستطيع أن ينتمي إليها حتى وإن لم يكن منها، إن الرغبة في الإنتماء إلى نخبة سياسية معينة يعني ضرورة الانتماء إلى الحقل العام الذي توجد فيه النخبة ومعنى ذلك: أنه حتى يمكن لشخص ما الانتماء إلى نخبة فكرية مثلا، يجب أن ينتمي إلى مجال الفكر والثقافة، وهذا ما ينطبق على النخبة السياسية.
 مفهـوم دوران النخـب:
مفهوم دوران النخب كما وظفته نظرية النخب يحيل إلى حراك في بنية هذه الأقلية الإستراتيجية يرتقي بموجبه الأفراد من القاعدة إلى القمة بناء على إيواليات مرتبطة بتحول في أنماط إنتاج النخب وجدورها الإجتماعية، على أن المفهوم مازال غير واضح لأنه مرتبط بالمضمون الإجتماعي للمجموعة المنتقاة، فنفس العبارة تحيل إلى تحول الأفراد ومواقعهم في السلم الإجتماعي والتحولات التي تهم المجتمع ككل.
بخصوص المجتمعات الغربية فقد أكد موسكا أن التغيير الذي يطرأ على بنية المجتمع يؤثر على تداول النخب فظهور قوى إجتماعية جديدة يرافقه عادة تجدد على مستوى النخب السياسية، وقد تنبه ماركس لهذه العلاقة الجدلية، وإعتبر أن قوى الإنتاج ووسائل الإنتاج هي التي تحدد في نهاية المطاف تكون النخبة السياسية، بحيث أن من يمتلك وسائل الإنتاج هو الذي يشكل الطبقة الحاكمة. وقد أكدت (keller) أن أهمية النخبة السياسية تتحدد بنوعيه المشاكل التي تواجه المجتمع وأولويتها والحلول المقترحة لتجاوزها، في حين أبرز ميلز أهميتها وإرتباطها بطبيعة الأهداف المحددة.
كما ميز باحثون آخرون بخصوص هذه المجتمعات بين عاملين يعكسان تفاعل النخبة السياسية مع التحولات الاجتماعية، أولهما مرتبط بالأمد البعيد وهو التصنيع، وقد أظهر (Cuttsman) الفارق بين برلمانيي ووزراء القرن 18 مقارنة مع سابقيهم في بريطانيا حيث انخفضت نسبة النبلاء بالمقارنة مع البورجوازية، نفس الأمر لوحظ في فرنسا وألمانيا ولو بإيقاع أقل، وثاني هذه العوامل هو التحول الهائل الذي طرأ على المجال الاقتصادي مع الثورة التكنولوجية، التي أفضت إلى ظهور التقنوقراط الذين هيمنوا على المجالين الاقتصادي والسياسي .
 النخبة ما بين السياق الإجتماعي والسياسي:
ينظر إلى النخب السياسية على أنها تختلف في طبيعة تأثيرها وفقا لما تتمتع به من قوة ونفوذ، لذلك فإن أقوى هذه النخب وأشدها نفوذا هي تلك النخبة التي نطلق عليها "النخبة المركزية" والتي تتكون من كبار رجال الدولة في أجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتدور في فلك هذه النخبة المركزية نخب سياسية واجتماعية عديدة، ومن النخب السياسية: النخب الحزبية التي تتكون من قادة الأحزاب الرئيسية، والأحزاب التي في طور التشكيل، والنخب السياسية في المدن والقرى المكونة من الزعماء المحليين وأعضاء المجالس المحلية والقادة المحليين.
ولقد طرأت حديثا عدة تغيرات على مفهوم النخبة، فلقد اتسع المفهوم اتساعا كبيرا بحيث لم يعد مقصورا على النخب السياسية فحسب، وإنما أصبح يضم أيضا فئات كثيرة وكبيرة، وجاء ذلك على أيدي السلوكيين وعلى رأسهم روبر دال، حيث قد أفسحت الصياغات النظرية المحدثة مكانا لمفهوم النخب المتعددة وذلك من منطلق الفهم، فينطلق من فهم تعددي للحياة الاجتماعية والذي يفترض أن القوة موزعة على كل الجماعات دون أن تحتكرها جماعة واحدة. واتضح مفهوم النخب المتعددة بشكل جلي في دراسة سوزان كيلر المنشورة عام 1963 والتي افترضت فيها وجود نخب استراتيجية في ميادين الحياة المختلفة، في الإقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع المدني، ولكل واحدة من هذه النخب وظيفة في ميدان وجودها. فلقد أصبح بمقدورنا الآن أن نتحدث عن نخب ثقافية ونخب اجتماعية تعمل في نطاق المجتمع المدني، وفي الميدان الثقافي دون أن تصل إلى سدة الحكم. فالجماعات التي تحمل لواء الثقافة وتدافع عنها، وتلك التي تقود الصياغات الثقافية الحاكمة وكذلك الجماعات الرائدة في مجال حقوق الإنسان وفي مجال الدفاع عن البيئة أو الأسرة... إلخ كل تلك الجماعات تتضافر جهودها مع جهود النخب الإستراتيجية في المجال الإقتصادي والنخب الإستراتيجية في المجال السياسي من أجل أن يعمل المجتمع في نسق فعال. وانطلقت من هنا دراسات النخبة من شرنقة دائرة النفوذ السياسي إلى مجال أوسع، وأرحب تمثل دائرة النفوذ الإجتماعي والثقافي. وأصبح في إمكاننا دراسة النخب في مجالات متعددة في القرية والمدينة والمؤسسة والتنظيم وفي المجال المدني بشكل عام.
ومن هنا نلحظ أن مفهوم النخبة قد يتعدد، الأمر الذي يجعل استخدام مقاربات النخبة لا يقتصر فقط على دراسة النخبة السياسية في قمة الهرم السياسي، وإنما من الممكن استخدام هذه المقاربات في دراسة النخبة في كل مستويات الهرم السياسي والإجتماعي، بدءا من قاعدته إلى قمته. وذلك انطلاقا من أن أي تكوين اجتماعي بشري لا يخلو من نخبة أو صفوة موجودة فيه تمتلك قدرات ومواصفات وإمكانيات خاصة تميزها عن غيرها، ومن ثم يظهر تأثيرها في النطاق الإجتماعي الذي توجد فيه. وقد يكون هذا النطاق قرية: العمدة وأعيان القرية على سبيل المثال، أو قبيلة شيخ القبيلة ورؤوس العائلات، أو في المدينة نفسها.. وهذا التعدد والتنوع للمفهوم نجد له مستويات مختلفة قد تأخذ شكلا أفقيا في تأثيرها وقد تأخذ شكلا رأسيا، أو بمعنى آخر أن هناك نخبا لها تأثيراتها ووصايتها عن الحيز الإجتماعي الذي توجد فيه القرية على سبيل المثال.
ثالثا- مقاربات التحليل النخبوي.
بعد ما حاولنا تبيين مما سبق من لبس في تعريف النخبة السياسية وتداخل المصطلح مع غيره من المصطلحات، سوف نتطرق أهم المقاربات التي حاولت أن تفسر طبيعة هذا المفهوم.
1- نخبــة أم نخــب :
لقد فضل بعض المفكرين الحديث عن نخب وليس نخبة ومنهم كارل مانهايم وريمون آرون وميلز وباريتو، فهؤلاء بالإضافة إلى حديثهم عن النخبة السياسية، يشيرون إلى أخرى كالنخبة العسكرية والنخبة الإدارية ونخبة المثقفين الخ.
وقد أشار باريتو إلى التمييز بين النخبة السياسية والنخبة الاجتماعية عندما ميز بين الصفوة الاجتماعية والصفوة الحاكمة، فعندما نتحدث عن المعنى الواسع للصفوة يمكننا أن نتحدث عن صفوة عسكرية وصفوة دينيـة وصفوة زراعية أو صفوة صناعيـة، لكن هذه الصفوات لا تتحول إلى صفوة سياسية بمعنى الكلمة إلا إذا مارست العمل السياسي أو سعت للتأثير على متخذي القرار السياسي وهكذا أو حتى يصبح الحديث عن نخبة سياسية يفترض كخطوة أولى أن يعترف لقلة ما أنها نخبة داخل القطاع الاجتماعي والذي ينتمي إليه صناعي، عسكري، ديني، إداري، ثم بعد ذلك تسعى هذه النخبة للوصول إلى مواقع السلطة أو التأثير عليها.
ونشير هنا إلى طابع الصراع الذي يحكم النخبة السياسية مع غيرها من النخب الاجتماعية عندما تسعى هذه الأخيرة إلى امتلاك القوة والنفوذ لزعزعة مواقع السلطة السياسية وهذا الصراع قد يأخذ طابعا ديموقراطيا كالتنافس على أصوات الناخبين أو طابعا غير ديمقراطي آتي من خارج قنوات العمل الديموقراطي المعترف بها، صراع العسكريين مع السياسيين أو النخبة الدينية مع النظام العلماني الحاكم ويكون صراعا بين النخب داخل المجتمع المدني.
2- النخبـة الأوليغارشيـة:
يجمع مفكرو النخبة على أنها أقلية، وهناك عدة تعريفات تخلق التباس وتداخل بين مفهوم النخبة ومفهوم الأوليغارشية، أي حكم الأقلية، فالنخبة السياسية أقلية حاكمة ولكن ليس كل أقلية حاكمة نخبة سياسية أو تخضع في تحليلها لنظرية النخبة، فقد تكون هذه الأقلية حكما استبداديا أو قلة عسكرية تسيطر على مقاليد الأمور والديموقراطية بمفهومها المثالي حكم الشعب بالشعب، نظام سياسي يعتمد على آلية توفق بين الجانبين وتأخذ شيء من كل منها وهو حكم النخبة ( الأقلية) التي تحظى برضى وقبول المجتمع، فالنظم السياسية في الأنظمة الديموقراطية في محكومة من طرف أقلية، وهذا ما يِؤكده الواقع ولكنها أقلية تستند على رضى الشعب، وموافقته وتحترم قواعد الممارسة الديمقراطية بمفهومها المعاصر، وعليه يمكن القول أن الديمقراطية هي التي تشكل الضمانة بان من هم في السلطة نخبة المجتمع بالفعل وليست أقلية فحسب، وعليه يمكن أن نقول بأن حكم الأقلية يعتمد على الشرعية ولكن حكم النخبة لا يكون إلا مع وجود المشروعية.
ولا ريب أنه كلما تعزز النظام الديمقراطي كلما كان وصفه للقلة الحاكمة بالنخبة أو للصفوة الإجتماعية أقرب إلى الصحة. وقد كان بوتومور يستخدم مصطلح (مونكا) للطبقة السياسية أي تلك الجماعات التي تكافح من أجل الحصول على القيادة السياسية.
3- النخبـة والتحليـل الطبقـي:
لاشك أن نظرية النخبة تتفق مع التحليل النخبوي الطبقي بالاعتراف أن المجتمع ينقسم إلى حاكمين ومحكومين، لأنهما يضمنا اختلافات في نتائج هذا التقسيم حيث تذهب الأولى إلى القول بالصراع وسقوط طبقة كاملة وحلول أخرى محلها، بينما تقول الثانية بالتعايش وإمكانية الانتقال من فئة إلى أخرى من خلال السلالم الاجتماعية التي ينتجها النظام الديمقراطي، كما يختلفان في أسس بناء الطبقة الحاكمة، فالنظرية الماركسية تتحدث عن طبقة مسيطرة وطبقة خاضعة على أساس السيطرة على وسائل الإنتاج. بينما تتحدث نظرية النخبة على أقلية وأغلبية على أساس الكفاءة والتفوق، وان الصراع بين الفئتين هو صراع ايجابي مادام منحصرا كصراع على السلطة تحت مراقبة الشعب.
لقد ظهرت محاولات التوفيق بين نظرية النخبة والطبقة خاصة مع ميلز، الذي خلص مع تحليله للمجتمعات الحديثة إلى أن القوة في هذه المجتمعات ليست نتاجا للوضع الطبقي بالمفهوم الماركسي، أي قوة الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج، وليست قوة مؤسسة على الخصائص الفردية كما يذهب باريتو وإنما هي مرتبطة بالعاملين معا، الاقتصادية والقدرات الذاتية. أيضا يرى بوتومور أن الجمع بين التقليل النخبوي والتحليل الطبقي في خضم أنماط مختلفة من الأنظمة السياسية لوجود أسس مختلفة من النظام السياسي الواحـد، كما أن هذين المفهومين يساعدان في التمييز بين المجتمعات التي تعرف طبقة حاكمة وصفوات، وبين مجتمعات لا تعرف نخبة حاكمة وإنما صفوات سياسية، ويرى أن مفهوم الطبقة مفيد إذا أخد كنموذج أو مثال [الفيبري].





#فرجي_ئلباد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة ال ... / سعيد العليمى
- نِقَاش وَثِيقة اليَسار الإلِكْتْرُونِي / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - فرجي ئلباد - نظرية النخبة