سناء الخوري
الحوار المتمدن-العدد: 2869 - 2009 / 12 / 26 - 13:33
المحور:
الادب والفن
القصّة الشهيرة التي تحمل بصمات الثورة الصناعيّة، ومعاناة الكادحين، تعود إلى الشاشة بتوقيع المخرج الأميركي روبرت زيميكيس. الفيلم الذي تجتمع فيه عناصر الإبهار، من بطولة جيم كاري، وهو النسخة ١٤٤ من حكاية سكروج، ويحمل الكثير من أجواء النص الأصليّ. كل «أغنية ميلاد» وأنتم بخير!
سناء الخوري
قد يتراءى لجمهور الصالات المعتمة، أن العالم كلّه يحتفل بالميلاد على الطريقة الإنكليزيّة... فشاشات لبنان والعالم، مشغولة بنسخة جديدة منقحة من مغامرات إيبينيزر سكروج، يوقعها المخرج الأميركي روبرت زيميكيس (1956). هذه الطبعة الرقميّة من A Christmas Carol، هي الشريط السينمائي الثالث الذي تنتجه «استوديوهات ديزني» عن رائعة ديكنز. هكذا، تحطّم القصّة الغرائبيّة القصيرة التي كتبها تشارلز ديكنز قبل 166 عاماً، رقماً قياسياً في عدد الأعمال المقتبسة عنها بين مسرح وسينما وتلفزيون وراديو وأوبرا (راجع الإطار)... عمل زيميكيس هو النسخة الرابعة والأربعين بعد المئة من «أغنية الميلاد»، ولعلّه الأكثر
جيم كاريإبهاراً بينها على الأرجح... يقدّم المخرج الأميركي هنا مقترحاً بصرياً مذهلاً لإحدى أشهر كلاسيكيّات الأدب العالمي، مستفيداً من إمكانات السينما الرقميّة والتقنية الثلاثية الأبعاد. صاحب أوسكار أفضل مخرج عن «فورست غامب» (1994، مع توم هانكس)، كتب قصّة الميلاد للشاشة بلغة بصريّة خصبة الخيال، لكنّه بقي وفياً للنص الأصلي، ولأجواء ديكنز الأولى. منذ البداية، نجد أنفسنا في لندن القرن التاسع عشر: العربات، والأزياء، وواجهات المحال التجاريّة، وساعة بيغ بن، وأسقف العاصمة البريطانيّة ومداخنها... كأننا أمام نسخة طبق الأصل من عوالم «أغنية الميلاد» كما كتبها صاحبها، في زمن السينما الرقميّة... في الشريط الثلاثي الأبعاد، تبدأ القصّة تماماً كما رواها ديكنز.
❞عودة بالزمن إلى لندن القرن التاسع عشر بعرباتها وأزيائها وأسقفها ومداخنها...❝إيبينيزر سكروج، رجل الأعمال البخيل، يدفن شريكه مارلي ليلة الميلاد... وبعد سبع سنوات، وسبعة أعياد ميلاد بلياليها، نجده قابعاً في مكتبه، يعدّ قروشه، ويرفض الاحتفال بعيد الميلاد مع ابن أخته، وينكّل بسكرتيره الفقير بوب. في تلك الليلة نفسها، يزوره شبح مارلي الأخضر المكبل بسلاسل دهريّة، في غرفة نومه الباردة. ينذره صديقه بضرورة تغيير سلوكه. ثمّ تتوالى حالات الظهور العجائبي في غرفة سكروج المصعوق: ها هي «روح الميلاد الماضي» تذكره بطفولته الحزينة، تليها «روح الميلاد الحاضر» تنبهه إلى متع يخسرها بسبب مزاجه القاتم، وبعدها «روح الميلاد المقبل» تنبهه من الموت وحيداً... تتيح لنا أشهر قصص الميلاد على الإطلاق، العودة إلى تفاصيل إنسانيّة عميقة، تناقلها أهل لندن عن عهد الملكة فيكتوريا... أمّا الهويّة المشهديّة للشريط، فخلطة غرائبيّة تذكرنا تارةً بطيف والد هاملت، وطوراً بفاوست المرمي في صراع مرعب مع الأرواح. كلّ هذا يقدمه زيمكيس لنا بقالب من الإبهار المطلق... لوهلة، تشعر بأنّ أرواح الميلاد ظهرت أمامك في الصالة... هذه المؤثرات صنعة زيميكس المفضلة. هذا المخرج يهوى قصص التنقل عبر الزمان والمكان، منذ بداياته السينمائية، مع ثلاثيته الشهيرة «العودة إلى المستقبل» (1985 ــــ 1989)... ليست هذه المرّة الأولى التي يدخل فيها صاحب «بولار إكسبرس» (2004) عالم الديجيتال. لكنّ تجربته هنا فريدة إذ تأتي التقنيات في خدمة حكاية غرائبيّة، ويضفي عليها المخرج رونق الأداء التمثيلي المسرحي الحي.
روبرت زيميكيسصحيح أنّ ما نراه صور افتراضيّة، لكنّ أداء جيم كاري لشخصيّة سكروج أداء حقيقي، وكذلك الأمر بالنسبة لغاري أولدمان وكولين فيرث. في استوديو مجهَّز خصيصاً لهذا النوع من التصوير، أدّى الممثلون جميعاً أدوارههم في سياق خال من أي ديكور. آلات كثيرة تحيط بهم، وتنقل كل حركة من حركاتهم، لتحولها في ما بعد إلى صورة رقميّة. أمّا تعابير الوجه، فقد التقطت وحدها، وحفظت منها آلاف الصور الرقميّة... كلّ ما أضيف لاحقاً من مؤثرات، يبدو كأنّه «ماكياج رقمي للأداء الأصلي»، بحسب تعبير المخرج. أمّا الموسيقى التصويريّة، فوقعها آلان سيلفرستي، وسجلها برفقة أوركسترا كاملة من ١٠٣ عازفين في لوس أنجلس.
كلّ هذا الإبهار، لم يطغَ على مضمون القصّة الخام. فكتاب ديكنز شاهد على عصره قبل كلّ شيء، بما حملته ذروة الثورة الصناعيّة من معاناة الطبقة العاملة في العاصمة البريطانيّة. إنّه أيضاً رسالة ببعد إنساني عالمي، لكلّ من أغلق باب قلبه بوجه الفرح.
عن الأحبار اللبنانية
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟