تساؤلات حول آي الكتاب المبين (1)

عرفة خليفة الجبلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 2859 - 2009 / 12 / 15 - 15:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

تساؤلات حول آي الكتاب المبين (1)
يعتقد المسلمون في كل أرجاء المسكونة أن القرآن هو الذكر الحكيم (آل عمران 58)، وهو الكتاب المجيد (ق 1) والنبأ العظيم (النبأ 2)، الْكِتَابِ الْمُبِينِ (يوسف 1)، وهو الحق اليقين (الححر 99)، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت 42)، مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ (المائدة 48).
وفي يقينهم أن القرأن هو معجزة الإسلام الدائمة، وإعجازه في بلاغته وفي بيانه لأنه جاء في بيئة أهلها أهل فصاحة وبيان وشعر وسجع وخطابة. ويقول القرآن عن نفسه: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (المائدة 15)، تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (الحجر 1).
والقرآن أنزل عربيا حتى يظهر إعجازه لقومه: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف 2) وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل 103)، وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا (الرعد 37).
تقول بعض الفرق الإسلامية (الإخبارية وهي فرقة مارقة عن الشيعة الإمامية) أن كلام الله عز وجل أجل وأرفع من أن يناله عقل البشر العاديين ، لأن كلام رب الناس لا تدركه عقول الناس! ومن الإجحاف بساحته جل وعلا أن يدرك مرام كلامه ويفقه مغزاه البشر العادي ، لذا على الفقهاء إيكال فهم ظواهر القرآن إلى من خوطب به وهم الراسخون في العلم أي الرسول وأئمة آل البيت.
والرد على هذه المقولة سهل ويسير من استقراء التاريخ، حيث يمكن للعلماء إدراك وفهم ظواهر القرآن بالأخذ بـها والاعتماد على مؤدياتـها، وهذا محقق على مر الزمن.
ولكن السؤال المنطقي لهذا الطرح هو من يقوم بتفسير مبهم القرآن وباطنه ومن يعرف مجمله ومأوله ومحكمه ومتشابـهه وناسخه ومنسوخه، ومن يمكنه إثبات قول القرآن: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (النحل 89)، وكذلك: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ (الأنعام 38). حتما هناك إجابة منطقية لهذا السؤال نستقرئها أيضا من التاريخ وكتب الحديث وهي أن الرسول وحده هو الذي يستطيع تبيان ذلك بدليل قول القرآن: وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر 7). فهل قالوا لنا كيف صار كلام الرسول أوضح وأفصح من كلام الله عز وجل ؟! وكيف صار الرسول أقدر على البيان من الله ؟ رغم أن المصدر هو المصدر والوحي هو الوحي، ألم يقل القرآن عن الرسول: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (النجم 3-4)!!
أولا: كلمات محذوفة من الأيات
الكلام المبين لا يحتاج إلى تفسير، ولا يستجير بالمفسرين لبيانه، ولكن العدد الضخم لكتب التفسير وتضاربها يوعز بأن هناك مشكلة، وعلينا إظهار المشكلة ثم البحث عن حلول لها.
أنظر عزيزي القارىء إلى هذه الآية: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (النحل 98) فظاهر الآية أن تستعذ بالله بعد قراءة القرأن حيث قال الجويني في البرهان: فأما الفاء فإن مقتضاها التعقيب والتسبيب والترتيب ولذلك تستعمل جزاء تقول إن تأتني فأنا أكرمك وإذا جرى جزاء فهو الذي عنيناه بالتسبيب ثم من ضرورة التسبيب الترتيب والتعقيب. وحتى يتحقق الهدف من الآية قالواإن معنى الآية هو إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله، وقد حذف فعل "أردت" لسبب لا يعلمه إلا الله. ومثلها تماما الآية: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ (المائدة 6) أي إذا أردتم القيام.
إن القراءة المحايدة للآية الأولى تشير إلى القراءة ثم الاستعاذة، وللآية الثانية إلى الصلاة ثم الغسل (الوضوء). أي أن جواب الشرط لاحق زمنيا للشرط وهو عكس المطلوب!!
مثال آخر: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ(القصص 46).
فهذا الكلام ناقص لا يفيد معنىً ولذا قال المفسرون أن بين قوله "ولكن" وقوله "رحمة" فعلاً محذوفاً تقديره "علمناك". فما الذي اضطره إلى حذف هذا الفعل وليس فيما بقي من الكلام دليل عليه.
مثال ثالث: وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا (البقرة 60). أي‏:‏ فضرب فانفجرت. ومثلها: أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا (الأعراف 160) أي‏:‏ فضرب فانبجست. وأيضا: فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (الشعراء 63) أي‏:‏ فضرب فانفلق
مثال رابع: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة 173). أي‏:‏ فمن اضطر فأكل وهو غير باغ. ومثلها في (الأنعام 145). ما الحكمة من حذف كلمات من أيات تشريعية مثل هذه؟ وهل كان قصد الوحي كما استنتجه المفسرون أم كان هناك قصد لم يدركه البشر؟
مثال خامس: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (البقرة 184)، يقصد: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فأفطر فعدة من أيام. ومثلها الآية التالية لها (البقرة 185). أنظر أيضا: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ (البقرة 184). أي‏:‏ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فيفطرون فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ‏.‏ لسوء الحظ فإن هذه كلها أيات خاصة بموضوع واحد والأفعال الساقطة منها هي مفاتيح فهمها.
مثال سادس: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ (المائدة 89)، ظاهر الآية أن الكفارة بالحلف، وقد استطاع السيوطي حلها بالقول: يقصد إذا حلفتم وحنثتم‏.‏ فحذف حنثتم ولابد من إضماره لأن الكفارة بالحنث تجب لا بذكر اسم الله‏.‏ منطوق الآية عكس ما يقول السيوطي. من تصدق أيها القارىء العزيز؟
مثال سابع: إن الأمثلة أكثر من أن يتسع لها مقال، وحتى لا أرهق القارىء الكريم سأكتفي ببعض الأمثلة من سورة البقرة: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ (البقرة 15) أي‏:‏ في عقوبة طغيانهم، وكذلك: وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا (البقرة 41) أي‏:‏ ذا ثمن لأن الثمن لا يشتري وإنما يشتري شئ ذو ثمن‏.‏ وأيضا: وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا (البقرة 48) أي‏:‏ عقاب يوم، ومثلها: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (البقرة 51) أي‏:‏ انقضاء أربعين ليلة‏.‏
ثانيا: كلمات قرآنية تأتي مرة على التذكير وأخرى على التأنيث
بطونه أم بطونها: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا (المؤمنون 21)، وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ َ (النحل 66)
أعجاز النخل تأتي على التذكير أم على التأنيث؟ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (القمر 20)، كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (الحاقة 7)
هل السماء مذكر أم مؤنث: السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (المزمل 18)، إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (الإنفطار 1)
والريح عاصف أم عاصقة؟ جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ (يونس 22)، وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ (الأنبياء 81)
هل الأيام معدودة أم معدودات؟ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً (البقرة 80)، قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ (آل عمران 24).
لا قاعدة ولا معيار، ولا يمكن أن يكون ذلك خطأ من الوحي، لكن لابد أن هناك سببا آخر لهذا التضارب.

والموضوع متبوع

#عرفة_خليفة_الجبلاوي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات