قراءة أولية في مدى دستورية -قانون حظر بناء الصوامع-

محمد نويري

الحوار المتمدن-العدد: 2851 - 2009 / 12 / 7 - 18:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

صوت المواطنون السويسريون على مشروع قانون يمنع بناء الصوامع بنسبة بلغت 57,5 ، و هو ما مفاده ان هذا المشروع قانون سيتخذ صبغة قانونية ، و بالتالي سيدخل حيز التطبيق و يأخذ صفة الإلزام ...

يعتبر الدستور هو المرجع القانوني لأي دولة ، فهو القانون الأسمى ، و من خلاله تجسد الدول القائمة على سيادة القانون و الحرية ، إذ يضمن الحقوق الاساسية للإنسان ...

من الأمور المعمول بها في القانون الدستوري ما هو معروف بقاعدة "هرمية الدستور" أو مبدأ تدرج القوانين ، حيث يتربع الدستور في قمة القوانين المعمول بها داخل الدولة ، و هو ما يفهم بأن أي قانون يخالف القاعدة القانونية الاولى (الدستور) يعتبر قانونا غير دستوريا و مخالفا للشرعية الدستورية ...

أمام هذا الوضع ، فإن السؤال الذي يطرح هو : ما مدى دستورية "قانون حظر بناء الصوامع" الذي صوت عليه الشعب السويسري ؟ أو بمعنى اخر، هل يعد هذا القانون مخالفا للدستور الإتحادي السويسري ، المرجع القانوني الاعلى لهذا الاتحاد ؟ أم أن هذا القانون هو قانون دستوري ، لا يقبل أي شكل من أشكال الطعن في عدم دستوريته ؟

ينص الدستور السويسري لسنة 1999 و المعدل في 17 ماي 2009 ، في الباب الثاني الخاص ب"الحقوق الأساسية و حقوق المواطنة و الأهداف الاجتماعية " ، المادة 15 المتعلقة ب"حرية الضمير و العقيدة" ما يلي :

1- يكفل الدستور حرية الضمير و العقيدة.

2- لكل شخص الحق في اختيار دينه و اعتقاده الفلسفي بحرية أن يجاهر بهما فرديا أو جماعيا.

3- لكل شخص الحق في الانتماء الى جماعة دينية أو الاشتراك فيها أو الاستماع للتعليم الديني.

4- لا يجوز ممارسة أية ضغوط على أي شخص للالتحاق بجماعة دينية أو الانتماء إليها أو ممارسة أية شعائر دينية أو الاستماع للتعليم الديني ."

و حيث إن القانون المتعلق بحظر بناء الصوامع ، و بشكل واضح يعتبر تقييدا لحرية المعتقدات و العبادة . حيث تعد الصومعة كوسيلة لايصال صوت الاذان للناس و دعوتهم للصلاة ، و من خلال منع هذا القانون بناء الصوامع ، فإنه حتما سيؤثر في وصول الاذان الى الناس ، و بالتالي وجود عائق أمام اداء الناس لمعتقداتهم بكل حرية ... و هو ما يعتبر منافيا للمادة المشار اليها و التي تضمن حرية المعتقد ...

هذا من جهة ، و من جهة أخرى ، تنص المادة 8 من الدستور نفسه و الخاصة ب"المساواة" ما يلي :

2- "لا يجوز التمييز بين الناس بسبب الأصل او العرق او الجنس او العمر او اللغة او الوضع الاجتماعي او طريقة الحياة او الاعتقاد الديني او الفلسفي او السياسي و لا بسبب الاعاقة البدنية او العقلية او النفسية "

فمن الملاحظة الاولية لهذا المادة نجدها تنبذ كل شكل من أشكال التمييز بين الناس على أساس مجموعة من الاعتبارات ، و من بينها "الاعتقاد الديني" ... و فيما يتعلق بقانون منع بناء الصوامع ، فيسجل أن هذا القانون شمل أساسا معتقدا دينيا واحدا دون غيره من المعتقدات الدينية الموجودة في المجتمع السويسري ...

و حيث إن هذا القانون يمنع بناء الصوامع و يترك أبراج الكنائس دون أي منع يشوبها ، و هو ما يمكن اعتباره شكلا من أشكال التمييز التي تمنعها هذه المادة من الدستور الاتحادي ...

أمام كل هذا ، يتضح بشكل لا يدع أي مجال للشك أن "قانون حظر بناء الصوامع" هو قانون مخالف للدستور الاتحادي السويسري و ضد الشرعية الدستورية و بالتالي فهو قانون غير دستوري بالمطلق .

هكذا إذا فإن المحكمة الاتحادية السويسرية و التي تعد أعلى سلطة قضائية في الاتحاد السويسري ، تبقى الجهة الوحيدة المخولة قانونا للنظر في "مدى دستورية هذا القانون" ، حيث نجد من بين اختصاصاتها معالجة التظلمات الخاصة بخرق الحقوق التي يكفلها الدستور السويسري ...

و من تم فإنه من حق أي مواطن سويسري مسلم ، شابه ضرر من جراء هذا القانون أن يدفع بعدم دستوريته أمام هذه المحكمة ، و بالتالي امكانية الغائه من الترسانة القانونية للدولة السويسرية .

#محمد_نويري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل