هكذا يُهان -الزعماء العرب- من واشنطن

ناصر السهلي

الحوار المتمدن-العدد: 864 - 2004 / 6 / 14 - 04:03
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

المناسبة: جرجرة إلى قمة الدول الثمانية
المكان: سي أيلاند- جورجيا
المغزى: إهانة علنية!

ليس لي الاعتراض ولا حتى التدخل في قرار "سيادي" لتلك الدول العربية و"الإسلامية" التي لهث زعماؤها بشقيهما "المنتخب" بدون منافس و المعين والمورث إلى مشاركة الرئيس بوش في كرنفاله الانتخابي بإضفاء نوع من الفلكلور الإعلامي والسياسي على "هامش" اجتماع سي أيلاند...

قرر "الزعماء" في قمة تونس بأن مسألة المشاركة في قمة الكبار أو العمالقة الثمانية مسألة سيادية, وبما أن مفهوم السيادة هنا مبهم إلى الحد الذي يصعب فيه التفريق بين الرغبة الذاتية ورغبة الآخر فلا عجب أن يزداد مشهد الإهانة وضوحا, فما بالك لو أن هذا الآخر هو" بوش الرهيب", ولم يتأخر لا علي ولا عبد الله ولا عبد العزيز ولا حامد ولا غازي ولا عيسى...وهي على الأقل الطريقة التي يخاطبهم بها بوش وكولن.. أقول لم يتأخروا عن تلبية حضور المهرجان الكرنفالي الذي يقيمه بوش على شرفه ولأجل محاولات غسل شرفه الملطخ والمسخم في أبو غريب ورفح... على فكرة هذه الكرنفالات سنرى منها الكثير من الآن حتى نوفمبر حيث تلقى حبال النجاة لبوش الذي يصارع كل شيء من أجل إعادة انتخابه..

الكرنفال العجيب تطلب لباسا تنكريا لأجل صورة تذكارية يخدع بها بوش المتورط شعبه الذي يجهل الجغرافيا فما بالك بهؤلاء الذين لا يُعرف عنهم الكثير في الإعلام الأمريكي.. "التنكرية" هنا انسحبت على كل شيء فلأجل استكمال عدة الكرنفال تبخر المسئولين الأمريكيين والفرق العسكرية التي عزفت لشيراك ولبوتين النشيد الوطني لحظة هبوط طائرات الضيفين.. بل طارت السجادة وطار البروتوكول والعرف الدبلوماسي كله... ولم تتوقف المسألة عند هذا الحد فعجيل بدا مجهولا وطائرته التي هبطت بدت كالشبح الهابط من عالم آخر... ولكم أن تتخيلوا كيف أن" العقال الشمري"( أجزم بأن شمر براء من هذا العقال ) قد أهين وطائرة شحن صغيرة بيضاء غير معروفة المعالم تنزل راكبها المسمى رئيس دولة لها تاريخا عريقا أعرق من اختراع الطائرة نفسها... تخيلوا هذا العجيل لو أن عربيا.. أو مواطنا تصرف بطريقة غير لائقة معه ماذا كان سيفعل؟

علي, كان من أكثر الناس مدعاة للشفقة... الخنجر اليمني, وحتى تكتمل الإهانة التنكرية, أهانه بوش حين لمسه بيده سائلا عما إذا كان حقيقيا.. وحين جاءته الإجابة بالإيجاب "ادخل إذن" قالها بوش... الدخول إلى بيت الطاعة بعد أن اختفت العنتريات وبدا المشهد هزليا إلى أبعد الحدود... على كل لا يستطيع أي شخص إيهامي بأنني ضد آل صالح..فأنا قحطاني ابن قحطان قح.. لكنني أشعر بالشفقة على "زعماء" لا يعرفون كيف يصلون إلى ضيوفهم بعد أن تبخر مُضيفهم تماما... أشعر بالشفقة عليهم وسفرائهم يركضون وراء رؤسائهم المتنكرون في مشهد يذكرني بركض المواطن العربي وراء واسطة نقل عام للوصول إلى عمله أو مدرسته أو... المستشفى...

كم أُحب المقارنات وقلب الصور... إنني أحبها لأنها تكشف لي الوجه الحقيقي لبؤس من يحكمون باسمنا... عبد العزيز الفرح جدا بإعادة انتخابه "بنزاهة" لم يستطع هذه المرة أن يرتب شعره المتطاير إلى جهات الأرض الأربعة... عندما جاءه شيراك زائرا قلب العاصمة رأسا على عقب من المطار حتى القصر وكأن الفاتح نابليون بونابرت خرج من قبره فأستقبله عبد العزيز أيما استقبال... سجاد أحمر وورد وفرق الحرس الوطني وبشر(من التلميذ الابتدائي حتى عامل المصنع) تصفق وترفع العلم الفرنسي على جوانب الطرقات... كرنفال حقيقي... ونحن العرب ما أشطرنا في تطبيق الأوامر بحذافيرها.. خصوصا إذا ما ارتبط الأمر بمن هو غير عربي...
لا أريد التحدث كثيرا عن كرازاي الذي لا يستطيع التجول حتى في كابول... فهو على أقلها مكشوف... لكن أمر المنامة يختلف والله.. إنها لا تحب هذه الميوعة والإهانة فالضيف الذي لا يستقبله المضيف لا بد أنه لن يكن احتراما لمن دعاه... أم تراني مخطئا ولا أعرف بروتوكولات الشيم العربية الأصيلة..؟
تخيلوا مثلا أن بوش قرر... ودون دعوة, كما فعل في بغداد, زيارة بلد عربي... يا حرام.. عندها على المواطن الذي سيتحول إلى ورشة عمل لطلاء جدران حتى الهواء لتبدو الأمة على مستوى التحدي.. أيما تحدي!

إنها هذه النماذج الكرنفالية التي يُراد لها أن تحكمنا في عصر " الشرق الأوسط الكبير" ليتوسع الكرنفال ليصل حدود السخرية من قيمتنا بالسخرية على علينا جميعا نحن العرب عبر وكلاء يدعون تمثيلهم لنا بهذه الدونية المُحتقرة... , إذا كان البعض سيزعل منا باعتبار عجيل رئيسه وإن كان مُعينا بوساطة ولي العهد السعودي عند السيد بريمر باعتبارنا نتدخل في شؤون الديمقراطية... فليزعلوا وليبحثوا لهم عن حذاء أمريكي ليضربوا رأسهم به... إذ لم يعد من الممكن السكوت على هذه الحماقات وهذه السخافات ولا الزعيق الثوري الكاذب الذي ظل طيلة فترة الانتفاضة يُطالب بقطعة أرض لإعلان الحرب دعما لهذه الانتفاضة.. وإذا ما استرسلنا بما تفعله هذه النماذج المُهانة المُطالبة بالإصلاح فإننا بلا شك مهما التفتنا يمنة أو يسرى سنكتشف مدى زيفها.. ففي الوقت الذي تقبل هي على نفسها هذه الإهانات فإن كل مواطن رضع حليب أمه مهدد من رؤساء الفلكلور الأمريكي تحت عباءة تهريج "محاربة الإرهاب".. فأي إصلاح وأية ديمقراطية وأية وطنية وسيادة هذه التي يمتلكها حكام يُجرون من أُذنهم لدخول بيت الطاعة الأمريكي...
هل سمعتم عن قصة 3,5 مليون دولار؟
سأخبركم عنها في المرة القادمة لتعرفوا كم الزعيم العربي "شهم"!

#ناصر_السهلي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات