|
ليست حكاية
ناجي رحيم
الحوار المتمدن-العدد: 864 - 2004 / 6 / 14 - 04:02
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة قد يبدو الأمر غريبا ، مفرطا في غرابته ، ربما . قد يـُظنُّ ، أني أستعـطف انتباها ما ، حيال فعل لايمكن للحظة أن يقع ، أنا الآخر لم يكن يخطر في بالي ، أبدا ، أني سأكون شاهدا على غرابة مجسّدة .
مجاميع نمل لا أعرف نوعها بالضبط ، بأحجام كبيرة وحركات لا تستـقرّ، كما أنها لا تـأخذ اتجاها محدّدا، لا تدبّ ، بل تـقـفز ببراعة غير عادية ـ بقياساتي المتواضعة للاّعادي من الأشياء ـ تحفر أخاديد في الأرض بولع واحتراف هـندســيّ ، تزيل ذرّات التراب، تصقل جوانب الأخـدود والممرّات ، هذه بيوت .. لاعلاقة لها بجحور النمل التي أسمع عنها . . . هي لا تتصادم مع بعضها رغم الأعداد والأحجام الكبيرة .
الشوارع حين تزدحم، تـكـتـظّ بالعابرين, غابات من السيقان والرؤوس، كلّ يبحث عن وجهته عبر الزحام والملل، تـتهالك السـيقان البشرية وسط الجموع ، الأنظار معـلـّقـة على متن غايات تركض مسرعة، تتصادم الأكتاف والأيادي تـتـنافر، يعلو الصخب والصفير ..
أيـقـنت أن هذا النمل يقفز، لايدبّ ، شره كذلك، لا يعرف الضجر، يقـتات فضلات المحيط دون كـلل ، ودون كـلل تـتـسع الـفضلات .. الروائح تـثار حين تـثار ، للزحام رائحة ، للأ جساد المخـنوقة في جـحور الأرض ، رائـحة التـذكـّر ... تـسائـلـت والـدهـشـة تـنـبض قـبالـتي : أيـّـة قـوانـين تـسـيّـر هذه الـكائـنات ؟ أيـّة قـوى تـمـدّ الـسـيقان بالمـسـير؟ يـتـحـدّد اخـتـيار ما ، وإذا بفتات المحـيط يـنقـل إلى بـيوت عامرة بالـخـزين، عبر إشارات لا تـتبعثر أو تـحـرّف ...
الـهـواء طرف في كلّ مـهزلة ، تـدبّ فـجأة على أطـراف الأصابع، تـتـطاول ، تـحاول أن تـمـسك بـطـائر النـجاة المـعـلّـق فوق الرأس ، تـعـبّ الـهواء عـبّا ، يـراودك إحساس مـبـهم أنـك تـعـوم في فراغ مـزدحم ، لـحـظات زرقاء ، طـويـلة ، تـضـحك في سـرّك ، إذ تـتذكّـر، أن الـهواء لا يـمسـك ، فـأذن هذه الـبضاعة ، لـيـس من المـمكن وضـعها في صـناديق خـشـبية ، هي الأخـرى ...
حـجر ســدّ مـنـفـذ باب الـبـيت ، الـنـمل الـعامل يـنوء ، يـحاول زحـزحـة الحـجر المـتغـابي ..
تـأتي اللـعنـة أحـيانا ، كـحـبيـبة هـدّها الـشـوق، تـنـقـضّ ، لـتـبقى دهـرا ما ، تـنـبـت خلالـه بـراعـم الـيأس ، الـطـائـرات الـحربـية الـمـغـيرة على جـحـور التـسـاؤل الـمريـر... الأخرى تـنـقـضّ كـالمـخاوف في ليـل أحـمر، تـتـطـلّع الأبـصار إليها رازحـة بيـن دكّـتـين ، عـربـدة الـزوابـع الـخاطـفـة وهي تـحـصد الـوجـل الـمـفـخـّـخ في الـروح ، والأرض الـهـشّـة الـمـوحـلة وهي تـحـفر للـموت مـأوى ..
قـلـت لأرفـع الـعـناء عن بـيـت الـنـمل ، أمـسـكـت الـحـجر الـمـتغابي ورمـيـته بـعـيدا..
الـعـيون الـبـشرية تـتـسع حـدقاتـها والـشـفاه المـتراخـية تـنـثّ صـفـيرا أهـوج ولـعـثـمات ، تـتـشـبّـث الـعـيون على خـاصـرة الـخـطر الـماثـل قـبالـة الـروح الـمـتأرجـحة .. قـطارات تـعـجّ بـآلاف الـعـيون والـشـفاه ، آلاف الـرؤوس والـسيـقان في زاويـة ما من هذه الـجـثـّة الـدائـرة ... لاتـعـرف شـيـئا عن هذا الذي يـجـري ، تـحـت الأنـقاض ، في الجـحور، في قصـور الآلهـة ... ، في الـبيوت أو على الـجسور. . . بـرك الـفـضلات تـتـسع .. في المـساءات الـكـلـيلة تـلمـلم الـخفافـيش أطـراف سـباتها وتـحـدّق في وجـه اللـيل القادم ، سـريعا تـعربـد في الأجـواء خـفافـيش مـعـدنـية تـشرب الأنـفاس الـمتـسارعة ولا تـُرى ... الـدّم ، هذا الـسائل الـلـزج ، أيـبحـث عن " لـماذا " حـيـنما يـهـدر... لابـدّ أنـه طـالـك ... فارتويت أيـّها الـنمـل ، هل كـان بـلاء ذاك أم غـذاء ؟ أيـّها الـنمل ، أودّ لـو أرى خبـيء بـيـتك مـصـقول المـمرات . .
تـباغـتـني وتـصـدمنـي الـشوارع بالـنـفور، المـلامح الـمغـلقة للـوجوه ، صـفّـارة الـسيـقان وهي تـطـلق كـآبـة المـسـير، تـلك الـعـلب المـعـدنـية ذات الـعجـلات والإجهاز المـتوثـّب في لحـظات خـاطـفة ، وأنت أيـّتها الـنمـلة أيّـتها الصـديـقة ، ما رأيك لو ، لو أقـصّ عـليـك مالا تعرفين عن هذا الـمحـيط الذي تـقـتاتـين على فـضـلاته دون أن تـعلـمـين نـوعـها ، أدري صـديـقـتي ، أنـكم وكـأيّ مـجـتمـع من حـيـوات الأرض ، لـكم طـقوسـكم وطـرق مـعـيشـتكم ، لـكم ماتـحـبون من أنـواع الـطـعام ، أدري ، لكن وأنا أراكم في جـوارنا حـيث حـللـنا ، تـتغـذون على مـخـلفاتـنا ، أتـسائل ، هل تـعرفـون نـوعـها؟ كلا ، لا أسـتفـزّك ، كما لا أريد أن أعـدّد أصـناف الـفضـلات . . وما أكـثرها ! ربـّما تـألمـتم وأنتـم تـتـمثلون ما لا يصلح للغذاء ، تـتأقـلمون ؟ ، أجل ، أجـل المز ابل حـيث الإنسان ، أعـلم ، تـتراكـم وتـتـعـفّن، تـتحـوّل إلى سـموم قـا تـلة ، تـجري ، تـجري في عروقـكم الـصـغيرة ، تـعاد علـيكم ماذا ، تـعاد ؟ ، لكن هـنالك فضـلات لابـدّ منـها . . لا أعـنيـها ، بل أعـني تـلك التـلال الـمتـراكـمة ، حـطام من كلّ شـيء ، أوسـاخ ، قـل إذا شـئـت، فـضـلات بـعـض عـقولـكم ، لا أفـهم ، سـأقـول لك ماذا يـحـدث في الـحروب ؟ ولـست بـصـدد ما يحدث فـيها من مـآس أنت تـعرفـها ... لـكن لماذا ، لماذا تـحـدث ، ألـيـست حـماقـة مـدمـّرة ؟ والـحـماقة وسـخ في ذهـن مـأفـون ، الـحـطام هـناك وسـخ آخر وماذا أقـول وأنت تـسـمّيها فـضـلات الـمحـيط ، و رغـم الـتهـويل في هذا الـمعـنى .. فـأنا أراها تـسـمية صـحيـحة ، ماذا؟ ، لـحـظة ، لـحـظة ، متى ، متى سـمعـتـني أردّد هذه الـتسـمية ؟ كـنـت تـردّدها مع نـفسك ، وكـيـف عـرفـت بذلك ؟ تـأمّـلتـك .. مذ جـلـست هنا .. بـعد رفـعك الحـجر الذي سـدّ مـنفـذنا إلى المـحـيط ، وكـنت أنـت وضـعـته على الـباب حـين اصطدمت به دون أن تـدري ، بـصراحـة في البـداية داخـلني الـشـكّ أنك تـروم قـتل اخوتي خـنقا ..، لكن وبعد لحـظات رأيـتك تـرفعه وتـرميه بعيدا ، فـفهـمت أنـك لم تـضعـه وإلا ما كـنت رفـعته ، اطـمـأنـيت إليك ... بعد رؤيـتي نـواياك الطـيّبة ، ثمّ تـأمّلـتـك مـلـيّا بـعد أن جـلـست والـحيـرة باديـة على وجـهك المـتـعب ... تـسائـلت ، تـرى بـماذا يـفـكّـر، وأسـتـطـعت بـوسائـل نـعـرفـها نـحن وبـعـض أقـربائـنا من الـحـشرات الأخـرى .. أن أتـقـرّى مـشاعـرك وأفـكارك منـذ بـدأت تـقارنـنا ومجـتـمـعكـم الـمـعـقّـد ... مـاذا ، ما هـذا ... أفي حـلـم أنـا ؟ ما هذا الـذي أسـمـع ، أحـلم دون شـك ... كـلا ..، كـلا ، لـسـت تـحـلـم ، أنـت قـبالـة بـيت الـنمـل وأنا نـملـة أخـا طـبـك ...
#ناجي_رحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دفتر الفراغ
-
قصيدتان
-
عــربــان
-
هي الذبـيحة ُ... وهذه حشرجاتْ
-
أوقفوا النزيف
-
الوقت
المزيد.....
-
عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني
...
-
شعراء أرادوا أن يغيروا العالم
-
صحوة أم صدمة ثقافية؟.. -طوفان الأقصى- وتحولات الفكر الغربي
-
وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
-
الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
-
الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا
...
-
البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج
...
-
شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية
...
-
-الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
-
عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|