أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - ضياء ليلوة - ردة فعل حماسية وجدانية لأحداث كارثية!















المزيد.....

ردة فعل حماسية وجدانية لأحداث كارثية!


ضياء ليلوة

الحوار المتمدن-العدد: 2842 - 2009 / 11 / 28 - 14:41
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


بتقدم البعد القبلي والديني و القومي المهيمن على جميع مفاصل الدولة العراقية، تسقط مبادى الدولة المدنية الحديثة و تتراجع فكرة الحياة العصرية لصالح حقبة الانسان البدائي. فتصدرت كل ميادين الحياة نزوات الشخوص بعمقها اللصوصي امام تراجع مبدأ العدالة لدولة المؤسسات. فمن الطبيعي ان يستباح الانسان العراقي لآخر يوم من عمره، و هو يتسائل عن مضمون دولة الحرية والمساواة والإخاء والعدالة.

سبع اعوام مضت ولم نشهد فيها المنجزات التي تتفاعل ايجابيا مع قييم الحاضر و تتعاطى مع استحقاقات العصر. لم نشهد سوى تحقيق دولة كالزريبة، تتصارع من اجلها عوائل لا تختلف ابدا من حيث التخلف و الجريمة. فسوقت لنا مآثرها الشخصية و العشائرية و الحزبية كتعبير فني سخيف عن مفهوم الدولة السافلة. تـنضوي تحتها كل علامات الانحطاط و السقوط نحو الهاوية. وكنتيجة حتمية، نشهد تراجع مدهش لقييم المجتمع و لمنظومته الاخلاقية. فيسقط الانسان مع فكرة الوطن و المواطنة بسقوط نخبه السياسية المتكونة من تناقض ديني و قومي و قبلي. فينعكس هذا السقوط و الانحطاط في الفكر والدين والأخلاق والفنون.

كل هذا الدمار يحدث بأسم الشعب العراقي، وبارادته العليا، يهدر الانسان و كل مقدرات اجياله و تسحق القييم النبيلة لمفهوم الدولة الصالحة تحت قبة اسوء برلمان يرزخ تحت فساد سياسي إداري مستفحل.

بأسم الشعب العراقي، تبنى مفاصل اقبح دولة لصوصية تؤمن بالفساد و الجريمة المنظمة و العنصرية و التخلف. وامام كل هذا، تأخذنا الحماسة بالتصفيق. ولا ادري مالذي جنته الجماهير من كل هذا الضجيج. ان الميزة الحماسية الوجدانية و بالكيفية التي يمتاز بها الفرد العراقي احدى اهم عوامل الدمار البشري و البيئي في العراق. ومن حيث آنيتها و سرعتها الضوئية، وسرعة اضمحلالها كالبرق و الممتدة طوليا مع طبيعة هذا الدمار المارثوني العنيف، فهي لعمري واحدة من اقبح الرداءة التي انتجتها هويتنا الذليلة المنهوبة المنتهكة.

كثيرة هي الدلالات التي تؤكد هذا الرأي. فمنذ بزوخ شعارات التغيير في العراق ، و على المدى الزمني و الجغرافي، ومنذ تدحرُج مؤشرات التقييم صوب ولادة الدولة السافلة حسب تعبير الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، نجد بعد كل جريمة تصيب هيكلنا المتكاسل تكرار ذات العبارات و مفردات الشجب و الادانة و التنديد. و كأنها تحتفظ بقوامها و شحيح مفرداتها على هبة الاستعداد للطعنة القادمة.

لقد كفت قوانا المنخورة لحد اللعنة و ابتعدت آلاف الاميال الضوئية عن قيمة الفعل الاصيل. المدهش ان قوانا اكتفت بثقافة الاجترار وشاعت لنفسها وظيفة متناهية بالسخافة وهي وظيفة ردة الفعل الحماسية الوجدانية التي تخضع لقانون المعنوي و ليس المادي. هل يختفي التناص في ردود افعالنا الوجدانية ازاء الجرائم المتكررة بنفس الفصول و الادوات و النتائج خلال فترة قصيرة؟ لو حدثت هذه الجرائم في مجتمعات اخرى لاقامت الدنيا شر قيامة و لزلزلت الارض التي تقف عليها جميع المنظمات الدولية وخاصة القانونية منها في حالة تغاضيها عن الجريمة. الفرق بيننا و بين هذه المجتمعات هو اننا نكتفي فقط بوظيفة ردة الفعل الوجدانية (المعنوية)، و نخاذل بعضنا الاخر. اما شعوب العالم لا يرضيها الا تحقيق العدالة كتتويج للعمل المشترك الدؤوب المتفاني المسؤول. والجميع يعلم ان الشعوب بأسرها من دون تمايز، تتشارك و تتقاسم بذات فرص النجاة.

رغم تكرار المآسي ذاتها نجد تكرار صوت الادانة الخامل و باشكاله المخزية التي تملأ كل ابجديات الشجب و الاستنكار على مستواه الجماهيري و النخبوي ازاء اي جريمة متوقعة و منتظرة يقبع خلفها السياسي. هذا الشجب و الاستنكار يمثلا ضمنيا احدى البنى الاساسية الداعمة لاستمرار الدولة السافلة و صمودها. ناهيك عن ما تحمله هذا الحالات البائسة (الشجب و الاستنكار فقط) من آثار مادية و معنوية ملموسة على صعيد المجتمع و الدولة من جهة، و على كافة ميادين الحياة و اطرها، من جهة اخرى.

لم تكن مهمة صعبة على كاهل السياسي العراقي المتيقن بكفاءته المعهودة في ممارسة التزييف و التزوير و السرقة و القتل، ان يضطلع بمهمة تفكيك مكامن ردات الفعل الحماسية هذه و كشف طلاسمها. ان السياسي العراقي يعلم جيدا ان للشجب و الاستنكار المستنفر آنيا نفس الصفة الجينية الخاملة و التي تعود لنفس الجذر الثقافي الذي يغذي العامل الحماسي في المجتمع. وفي احسن احوالها، لا تدوم هذه الحماسة اكثر من اسبوع و بعدها تتلاشى. لذا ، استمر السياسي العراقي بالمضي قدما نحو تحقيق الدولة السافلة و بكل مفاصلها الحجرية الصلبة التي لا يتمناها الفرد العراقي الا في سلوكه الجياش الحماسي المعبر وبشكل مدهش عن ضحالة وجوده الانساني ورداءته و الذي يوازي ضحالة ورداءة قناعاته الدينية و القبلية و القومية.

لقد رافقنا كما هو العالم بأسره و على مدى زمن طويل و بكل مرارة حالات الاستنفار الآنية و التي تكتفي دوما بالشجب و الاستنكار المعنوي ازاء هذا الدمار المارثوني البشري و البيئي، و بحالات التعاطف المعلنة بمشاعر الحب و المودة مع ضحايا فردية تستثنى بأمتياز من قيمة الدمار الاجمالي العام.

ان هذه الحالات البائسة لم تنصف ضحية، و لم توقف آليات الدمار الوطنية المستمرة يوميا، و لم تنقذ البيئة و تحيل صفتها الخضراء الخصبة على مدى آلاف السنين لجفاف وتصحر كاحل في غضون سنوات، لم تحد من استمرار حالات التعسف التي يواجهها المجتمع بأسره، لم تولد مجتمعا انسانيا زاهيا مفعما بالحيوية و الحركة، لم تبني وطنا عصريا يستدعي الفخر و الاعتزاز، لم توقف شراهة اللصوص من سرقة البلد بأسم الشعب، لم تساوي بدم الضحايا، لم تدفع بمؤسسات الدولة للنهوض، لم تعزز فينا الا حالات اليأس و تكرار الفشل. والاهم، هي انها لم تثني همة السياسي العراقي التي لا تحمل نوايا الانسان العصري المتحضر الا امام عدسات الكاميرا الوطنية و الدولية، محاولا اخفاء قباحه بواطنه و ما تمتاز به من سلوك متعصب لذاك الانسان البدائي المنحدر من عصر الظلمات.

ان للشجب و الاستنكار المتواضعة الدور الاساسي والمشجع لاعضاء البرلمان في تمرير قرار يمنح لهم امتيازات تتعالى على مظالم المواطن العراقي المقهور. ومنها الرواتب الخرافية و آخرها جوازات دبلوماسية لهم و لكافة افراد عوائلهم. قرار من هذا النوع لم نشهد له مثيل في كل برلمانات العالم، بل لم يجرؤ اعتى دكتاتور على استصداره.

ان حالات الشجب و الاستنكار المتكرر بحماسيتها و ولعها المجنون بوظيفة معنوية متواضعة كانت سببا رئيسيا لتزايد الجريمة المدونة في قوائم لا تخلد طويلا في الذاكرة العراقية. هذه الذاكرة اللعينة التي باتت تخضع لكل قوانين التجديد حيث سرعان ما تمحي مآسي الامس ومآثمه و تحج في نهاية كل يوم لتولد لفجرها الآثم الجديد.

يا شركائي في الآسى و في كل مكان، ان حالات الشجب و الاستنكار المعنوية هذه شجعت ادوات الجريمة لتتوالد و تتطور و تتفنن ببراعة في اداءها و تنطلق لتنفيذ اجرامها بكل ثبات واقتدار وعزم. لذا اعتادت ايادي القتل ان تعود لواليها واثقة الخطى ساكنة مطمئنة منتظرة العطاءات و الصلاوات و لتدون بعدها و باقلامها في محضر الجريمة عن احتمالات غبية لفاعل مجهول. وما تبقى من الجهد، يترك للايام التي بدورها كفيلة لان ترمي صفحات الجريمة في غياهب النسيان.

ان من اعطى للاصبع اشارة القتل ليستهدف كل من يحاول كشف الاعيبها الدنيئة وسرقاتها البشعة لكل مقدرات البلد هي ذات القيادات التي اعادت لنا وجه الماضي الاليم و بأسوء من ذي قبل و اقبح اضعاف المرات؟ هذه القيادات المنهمكة بتعزيز ائتلافاتهم المجرمة على حساب الجماجم و تدهور البلد وما انجر عن ذلك من تردي الأوضاع السياسية، وتقهقر الحياة الاجتماعية والثقافية و تداعياته الرجعية ضد الارض و الانسان.

مع كل اشارة للموت و اغتيال للكلمة كنت اترقب ذلك الزلزال الذي سيهز العالم بأقدام اربعة ملايين عراقي تجوب العالم و خاصة محافلها الدولية، ولكن في كل مرة تخيم علي غيوم الخيبة و الخذلان. عماد العبادي و قبله سلسلة من الضحايا ، وهو يتقافز بعزيمة المنتصر بين مخالب الوحوش، كمن سبقوه، كان اشجع من اربعة ملايين عراقي يمتعضون و يململون و يزهدون كل الزهد عن العمل و الحركة و ارتضوا لا نفسهم وظيفة مجبولة بالكرم و العطاء الا وهي الشجب و التنديد و الاستنكار فقط !

سبعة اعوام من التنديد و الاستنكار و الشجب و العراق و اهله يتقدون بنيران الجحيم الذي يسمونه وطن، و السياسي العراقي يحقب متاعه الان وبحوزته مليارات الدولارات و جواز سفر دبلوماسي وبضع اطلاقات متبقية لكاتم صوت، يرثها للآتي بعده.



#ضياء_ليلوة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دماء الحروب العراقية! و دماء الحروب الفنلندية! (2)
- دماء الحروب العراقية! و دماء الحروب الفنلندية!
- الالوسي و صرخة وافلسطيناه !!!!


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - ضياء ليلوة - ردة فعل حماسية وجدانية لأحداث كارثية!