أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حدجامي عادل - التديُّن و التخلُّق















المزيد.....

التديُّن و التخلُّق


حدجامي عادل

الحوار المتمدن-العدد: 2838 - 2009 / 11 / 23 - 10:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من بين الأشياء التي تثار في نفسي كلما طالعنا الإعلام بعملية إرهابية ، مسألة علاقة الدين بالأخلاق. و الحق أن هذا الأمر، في عمومه، كان يشغل خلدي منذ مدة، إذ لم أكن أستسيغ الترادف المطلق الذي تقيمه ثقافتنا بين التدين و التخلق؛ غير أن تدبري في بعض الجرائم الإرهابية و حيثياتها مؤخرا وضحت عندي ما كان ملتبسا من قبل، وهو أن الاخلاق لا ترتبط بالدين ضرورة ، و إلا فلن يكون من المعقول أن يأتي أناس قد بلغوا من التدين، و بالتالي التخلق بحسب مسلمات ثقافتنا، قسطا يجعلهم يزهدون في عالمنا و "يحتقرون" كل ما تعلق من متاع، "انقطاعا" إلى الله و حبه، و يأتون في نفس الوقت أعمالا هي غاية في الشر و الإجرام. و لا أعتقد أن عاقلا يجاحد في وجود شر أقصى من القتل و سفك الدماء البريئة.

لإن معنى هذا الأمر، إذا ما تماشينا مع المسلمات المذكورة لثقافتنا، هو أن هؤلاء، إما أنهم لميسوا متدينين، و هذا ما يناقضه الواقع، فمنهم دعاة و "علماء" دين و زهاد؛ و إما أن العلاقة المباشرة التي تقيمها ثقافتنا ما بين الدين و الأخلاق غير سليمة و أن كون المرء متدينا لايعني كونه متخلقا، بل ربما العكس. و الحق أني إلى الفكرة الثانية أميل.
أعلم أن فكرة كهاته تثير الغضب و الكراهية ، في ثقافة كثقافتنا و في مجتمع كمجتمعنا دأب على إدراك الدين باعتباره المصدر الأوحد للأخلاق، بل إني أعلم أن فكرة كهاته ستدفع البعض إلى الإعراض عن تجشم عناء إكمال قراءة هذه الورقة، مكتفيا باتهام صاحبها و ذلك أيسر؛ غير أنني أدعو من يسلكون من الطرق أيسرها، و يسارعون إلى التصنيف، إراحة لمسلماتهه و أعينهم، أن يتجشموا هذا العناء و أن يغالبوا هذا الميل المغري إلى أن أنتهي من عرض حججي.

من الأمور المعلومة أن درجات التخلق و الإيمان عند المتدين هي التقوى، الذي هو أساس التفرقة و الممايزة بين الناس. و التقوى لغة من التقوي بالله أولا، و من الإتقاء ثانيا، و أن تتقي معناه أن تقي نفسك من بطش الله و أن تلتمس القرب من رحابه و التمتع برضاه. و هكذا فأساس الفعل الأخلاقي و غايته في الدين هي وجه الله و اتقاؤه. غير أن هذا الأمر معناه أنني لا اتي الفعل الأخلاقي أو أتـرك الفعل الشريرلأن الأول خير في "ذاته" و الثاني شرير في "ذاته"، بل إنني لا آتي الأول و أترك الثاني إلا "اتقاءا" لشر هو غضب السماء أواستجلابا لخير هو رضا الله عني. و هو ما يعني أن الدينامية الأخلاقية من هذا المنظور محكومة بثنائية "الخوف" من ناحية، و الطمع من ناحية أخرى، و ليس اقتناعا بالفعل في حد ذاته. فأن يتخلق المؤمن هنا و أن يتقي معناه أن يقي نفسه من ضرر مادي لا يشك في أنه سيأتي لا ريب فيه، هو الحرق و التقتيل و الرجم و تقطيع الأوصال و ما إلى ذلك من ما هو في الوعيد الرباني. و أن يتخلق المؤمن هنا، فهذا لا علاقة له بمدى اقتناعه "بخيرية" الفعل في ذاته، بل طمعا في منفعة مادية محسوسة، لايشك المؤمن في أنها آتية لاريب فيها، مكافأة له تقواه من جنان نظرة و فواكه و نساء و لحوم طير و ولدان...و هي خيرات و لذائذ حسية أهم و ألذ، و لا شك، مما نعرفه نحن، في عالمنا المتواضع هذا.

إن المتدين عندما يتخلق، لايسلك ذلك، تبعا لما تقدم، إلا لأنه مريح ماديا و ممتع حسيا، و ليس بخيرية الفعل في ذاته، و لعمري إنه نوع من التخلق أبعد ما يكون عن الخلق الإنساني الحر و أقرب ما يكون إلى الخلق المشروط. و لست أعتقد أن أحدا بمقدوره أن ينفي هذا التصور "التجاري" للأخلاق، فالمأثورات الدينية تحفل بالأدبيات التي تؤكد أن العبادة تكون "خوفا و طمعا" كما في الحديث، و أن المؤمن الحق من "يقترض" و "يقرض" "قرضا" رابحا، فيبيع خيرات الدنيا "البسيطة" من أجل خيرات "أهم" و "أدسم".

ولست في حاجة أيضا إلى التأكيد على أننا نقصد بالمتدين، الرجل الملتزم "حرفيا" بأحكام الشريعة، كما كل الإرهابيين ملتزمين بأحكام الشريعة و العبادة، و لا أقصد بالمتدينين بعض بالمتصوفة والسالكين الذين هم عصبة قليلة لايقاس عليها، بل عصبة منبوذة و محاربة من لدن الفقهاء خصوصا.
تختلف الأخلاق العلمانية جوهريا عن هذا التصور "القرض" للأخلاق، فإن كان أساس الفعل الأخلاقي الديني قائما على "التقوى"، فإن أساس الفعل الأخلاقي العقلي قائم على الواجب، و معنى هذا الأمر أن الفعل الأخلاقي لا يؤتى إلا لذاته، و بدون أي ربط له بمترتباته البعدية (النفع او الضرر للشخص القائم به). فالفعل الأخلاقي الحق، من الناحية العقلية هو الحر في ذاته غير المشروط بأي اعتبار خارجي. و لسنا نجد لتبيان هذا الأمر أوضح أو أبلغ من الأخلاق الكانطية التي عملت على تلخيص و ترتيب المبادئ التي تبني عليها الأخلاق الحديثة، و هي الأخلاق التي تتميز، كما هو معلوم بكونها قطعية مع المرجعيات الكنسية، و اجتهدت في متح أسسها من العقل ذاته.
لا يسمح المقام هنا بعرض معمارية الأخلاق الكانطية في جملتها، و لو أن استيعابها يستدعي ذلك، غيرأننا نقتطف بعض الشذرات للتوضيح.
تتأسس الأخلاق الكانطية على اعتبار أن مجال التشريع الخلقي هو العقل الخالص المتحرر من أي إملاء خارجي. ذلك أن خضوع السلوك للإملاء عند كانط معناه انتفاء "الإرادة الصالحة" التي هي أساس الفعل الأخلاقي. و الإرادة الصالحة هي سعي الفرد الواعي العاقل إلى فعل الواجب بالنظر إلى الواجب ذاته و ليس بالنظر إلى العواقب أو المنافع التي ستترتب عنه، و هكذا فالفرد لايعمل إلا بغاية أن يكون عمله قانونا كليا للطبيعة، و لا يعمل إلا بقصد الإنسانية جمعاء باعتبارها الغاية الأخيرة للفعل الأخلاقي.
يجمل كانط كل هذه الأمور في قوله "اعمل كما لو كنت مشرعا للقانون". و معنى هذا الأمر أن الفعل الأخلاقي العقلي حر و لايكتسب معناه الأخلاقي إلا من حريته هذه، و أن كل فعل نتج عن إلزام خارجي، بل و فعل داخل في حسابات المنفعة و اللذة الشخصيين هو فعل غير حر، بل هو فعل غير أخلاقي، مهما ظهر بأنه خير في ظاهره، ذلك أنه لايحتكم إلى منطق الأخلاق، بل إلى منطق الربح و الخسارة، و هو المنطق الذي تتساوى فيه الفضيلة و الرذيلة عند كانط.

إن ما أرغب في تأكيده من خلال ما تقدم، هو أن الربط المباشر بين التخلق و التدين ربط ساذج و غير دقيق، فقد يأتي المتدين باسم الدين أفعالا تكون غاية في الشر و اللاتخلق، ، دون أن يجد أي حرج أو تناقض، و ذلك فقط لأن منطق أخلاق "القرض" و "التجارة"، الذي هو قوام أخلاق التدين يعميه عن ذلك، و هكذا فهوعندما يمتنع عن بعض الأشياء التي تبدو غير أخلاقية فهو لا يفعل ذلك إلا خوفا. و ما إن يجد مبررا يرفع عنه هذا الخوف حتى يحث الخطى مباشرة إلى ذلك الفعل، دون أدنى ترو أو تفكير في مدى خيرية ذلك الفعل في ذاته ؛ و هكذا فهو لايتحرج في أن يسرق و يقطع الطريق باسم الفيء و الغنيمة، حتى و لو اتفقت كل الثقافات و العقول على أن قطع الطريق جريمة، بل إنه لا يتحرج في أن يذبح و يقتل الناس، إن كان ذلك هو الشرط، من منظوره، لاجتياز الفاصل الذي يمنعه عن جنانه، بمياهها و فواكهها و كرومها و نسائها اللواتي "إن أبانت إحداهن كعبها لأهل الدنيا، لخروا إلى الأرض من ضوع مسكها....." و ليذهب العقل و "الإرادة الصالحة" و الخير و أرواح الناس و دماؤهم، في سبيل هذه الحوريات و مسكهن إلى الجحيم......



#حدجامي_عادل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حدجامي عادل - التديُّن و التخلُّق