أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد منقذ عبد المعين الملوحي - مقالة عتاب المعري














المزيد.....

مقالة عتاب المعري


محمد منقذ عبد المعين الملوحي

الحوار المتمدن-العدد: 2833 - 2009 / 11 / 18 - 11:05
المحور: الادب والفن
    


مقال الأسبوع
عتاب المعري
أعدت قراءة ديوان المعري (لزوم ما لا يلزم)
وتوقفت عند أبيات دفعتني قسوتها إلى عتاب أبي العلاء
عبد المعين
يا أبا العلاء: كيف استطعت أن تتمنى هذه الأمنية القاسية حين قلت:
وليت وليداً مات ساعة وضعه
ولم يرتضع من أمه النفساء

(اللزوميات 1: 47)
يا أبا العلاء: كيف استطعت أن ترى في موت الأطفال نجاة للأطفال حين قلت:
كأن وليداً مات قبل سقوطه
على الأرض ناج من حبالته طفرا( )

(اللزوميات: 285)
يا أبا العلاء: كيف طلبت منا أن نهنىء أهل ميت ترك أطفاله أيتاماً وزوجته أيما بدل أن نعزيهم، وأن نعزي والدين عروسين بولادة طفلهما الصغير البكر بدل تهنئتهما حين قلت:
لو يعقلون لهنّوا أهل ميتهم
ولم تقم لوليد فيهم البشرُ

(اللزوميات 1: 255)
يا أبا العلاء: كيف أنكرت على أم بشر فرحها بولادة بشر بعد أن انتظرته سنين حين قلت:
وهذا الدهر بشّر بالمنايا
فلمْ فرحتْ ببشرٍ أمُّ بشر؟

(اللزوميات 1: 324)
يا أبا العلاء: كيف أطاعك قلبك حين تمنيت أن يشق بطن امرأة حامل لتتخلص من جنينها القابع في بطنها منذ شهور حين قلت:
ولدْتِ يا أم طفلاً شب في عنتِ
فليت كشحك عن ذاك الجنين بقرْ( )

(اللزوميات 1: 351)
يا أبا العلاء! فهمنا سخطك على الحياة وعلى الناس ودعوتك إلى القضاء على النسل لأنك تعتقد أن الدنيا داء شقاء أولاً، ولأنك تعتقد أن الناس أدنياء لا سبيل إلى إصلاحهم ثانياً.
أنا أفهم هذا الرأي، وإن كنت لا أقرك عليه، وأنا أفهم أنك وصلت إليه بعدما عانيت أنت من شقاء وبلاء وبعدما خبرت الناس خبرة عميقة أليمة وصفتها وصفاً عجيباً حين قلت:
فلو خبرتهمُ الجوزاء خُبري
لما طلعت مخافةَ أن تُكادا

(سقط الزند)
ولكني لم أفهم ولن أفهم أن تتمنى ـ وأنت الإنسان أن يموت الطفل أمام عيني أمه النفساء التي تلمس في غبطة ثديها الحافل باللبن قبل أن يرضع هذا الثدي الكريم.
ولكني لم أفهم ولن أفهم أن تطلب منا ـ وأنت الإنسان ـ بقر بطن المرأة الحامل لكي يسقط جنينها قبل ولادته.
كل هذه الأمنيات ـ يا أبا العلاء ـ كنت فيه قاسياً قسوة بالغة. وما عهدتك كذلك.
يا أبا العلاء:
أنا أعرف أنك لم تتزوج، ولم تعرف مذاق المرأة اللذيذ، وأنا أعرف، بالتالي، إنك لم يولد لك مولود، ولم تقبل خده الناعم، وأنا أعرف أنك لم تر أماً ترضع طفلها في نشوة وحنان، ولم تر طفلاً يعبث بثدي أمه ويعضه وهو يرضع ويضحك، أعرف أنك لم تذق هذا كله، ولم تر هذا كله ولكن ذلك لا يعفيك من اتهامك بالقسوة حين تريد أن يموت الطفل وحين تريد أن يبقر بطن الحامل، وحين تريد ألا تفرح أم بشر بولادة بشر، وهي التي رأت الحياة في ضحكته ولمست السعادة في بسمته.
يا أبا العلاء!
أسرفت في كره الحياة فقلنا: معذور، وأسرفت في القسوة على الناس فقلنا: مجرب خبير، ولكنا ننكر كل الإنكار أن يصل إسرافك إلى الأطفال الرضع، والنساء الحوامل والأمهات في النفاس.
مهلاً يا أبا العلاء:
أتسمح لي أن أقرأ لك هذه الكلمات التي تقدم لنا صوراً ثلاثاً: صورة أب أمام ابنته، وصورة والدين ينتظران ولادة مولودهما البكر، ثم صورة طفل يرضع:
«أنا أعرف أباً قاسي القلب، شديد الحزم، ومع ذلك فهو يركع كل يوم تحت قدمي ابنته، ويقبل يديها ورجليها، ولا ينقطع عن الإعجاب بها والثناء عليها... وإذا نامت في الليل ظل ساهراً عليها يقبلها، وهي نائمة ويدعو الله صادقاً أن يحفظها ويرعاها».
إن الزوجين يتحدان اتحاداً روحياً، كل شيء بينهما مشترك ولا يكتم أحدهما عن صاحبه شيئاً من أمره، وهاهما هذان في انتظار مولود... إن أصعب الساعات عندئذ تكون أحفلها بالسعادة.
هنا يجتمع الحب والشجاعة في ساعة الولادة، والأبوان ينزعان في سرور لقمتهما من فمهما ليزقا بها مناقير العصافير الصغار.
وكيف لا يزداد الزوجان بعد أن يصبحا أبوين التحاماً والتصاقاً... إن الأطفال هم سعادة السماء حين تهبط على الأرض...
انظري، هذا طفل مورد الخدين يرضع ثديك.
ولد مورد الوجنتين، أشقر الشعر ولد من لحم ودم، مبغوم النداء، يناغي ويبتسم... يداه سمينتان، ورجلاه عبلتان وأظفاره صغيرة نظيفة دقيقة، حتى تكاد تكون مضحكة، وعيناه صغيرتان، ولكنهما تفهمان، إنه يرضع ويخربش ثديك ثم لا يلبث أن يعبث به، والأب يقترب... والطفل يترك الثدي... وينقلب على ظهره، ويرد رأسه إلى وراء، ويرى أباه ويبتسم له. الله يعرف قدر هذا الفرح، ثم ها هوذا يلتقم ثدي أمه ويعود إلى الرضاع.
وتمضي شهور، وإذا هو ذو أسنان. وها هوذا يعض ثدي أمه، وأمه تصرخ وتستجير، وعيناه أصبحتا جنيتين ماكرتين: «أرأيت يا أماه؟ ها أناذا أعضك( )».
يا أبا العلاء!
لقد كنت نموذجاً من نماذج كارهي الحياة، وقد قرأت عليك كلمة نموذج من نماذج محبي الحياة، أرجو ألا تزعجك.
هؤلاء الذين يحبون الحياة والناس ـ وأرجو أن أكون منهم ـ يعترفون بما في الحياة من شقاء، ولكنهم لا يفرون منها، ويعرفون ما في الإنسان من نقص ولكنهم لا يفعلون ما فعلت ولا يدعون إلى ما دعوت.
يدعون إلى تحسين الحياة لا إلى تصفيتها كما دعوت.
يدعون إلى إصلاح الناس لا إلى إبادتهم كما دعوت.
فالموقف الإيجابي يبقى خيراً من الموقف السلبي، والنضال في سبيل الحياة أولى من الدعوة إلى الموت...
والسلام عليك يا أبا العلاء! وأرجو عفوك إن كنت قسوت عليك...
حمص 10/06/1990
حمص ـ العدد 1882 ـ التاريخ 27/07/1990



#محمد_منقذ_عبد_المعين_الملوحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد منقذ عبد المعين الملوحي - مقالة عتاب المعري