أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عصام مخول - حين يصبح اللا حل هو الحل !















المزيد.....



حين يصبح اللا حل هو الحل !


عصام مخول

الحوار المتمدن-العدد: 2823 - 2009 / 11 / 8 - 10:13
المحور: القضية الفلسطينية
    


دولتان – الحل والمعترضون عليه!


في جميع مراحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المعقد، كان برنامج الحل الذي طرحه الشيوعيون للقضية القومية دائما حلا جدليا مركبا ، فالأوضاع المركبة تتطلب أجوبة مركبة. ويقوم الحل الذي ارتبط تاريخيا باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي على ثلاثة عناصر أساسية:

1- الحل السياسي القائم على اتفاق سلام في مركزه تطبيق حق تقرير المصير لكلا الشعبين من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بجانب إسرائيل . إن تفاصيل هذا الحل محددة بدقة وواضحة وغير قابلة للتأويل : إنهاء الاحتلال والانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الرابع من حزيران 1967 لتصبح حدود السلام المعترف بها، وتجسيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في دولته المستقلة وذات السيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وعاصمتها القدس الشرقية، وإزالة جميع المستوطنات التي أقيمت في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967.

2- الاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وحل قضية اللاجئين حلا عادلا وفق قرارات الأمم المتحدة ، باعتبار أن الحل العادل لقضية اللاجئين ، لا يشكل تهديدا على المجتمع الإسرائيلي ، ولا "خطرا وجوديا وديموغرافيا" على الشعب في إسرائيل ، كما تصوره المؤسسة الإسرائيلية وإنما يشكل على العكس، تبديدا للمخاطر وضمانا لحل سياسي عادل وثابت وسلام شامل مستقر ، يضمن الأمن المتبادل للشعبين.

3- الاعتراف بالجماهير العربية في إسرائيل كأقلية قومية لها الحق بالمساواة الكاملة في الحقوق المدنية والقومية ، تشكل في الوقت ذاته ، جزءا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني وجزءا من المجتمع الإسرائيلي ، ليس لأحد أن يطعن في شرعية مواطنتها ، أو أن ينتقص من شرعية دورها في النضال جنبا إلى جنب، مع قوى التغيير الديمقراطي العميق في داخل المجتمع الإسرائيلي.

إن حدود الرابع من حزيران 1967 ، ليست جوهر الصراع ، ولكنها تشكل فرصة الحل، وتتطلب مصلحة الشعبين عدم هدرها . فبعد مرور أكثر من أربعين عاما على احتلال المناطق الفلسطينية عام 1967 بات إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ، غير منقوصة السيادة ، في حدود الرابع من حزيران 1967 وعلى أسس البرنامج التاريخي للحزب الشيوعي في تكاملها، رأس الزاوية في أي حل حقيقي ، إذا أريد له أن يكون حلا عادلا ودائما وشاملا.



عرض تاريخي:
الحزب الشيوعي في البلاد ، الذي بلور مواقفه الاولى في النصف الاول من سنوات العشرين من القرن العشرين ، كان الجسم السياسي الوحيد في التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين، ("الييشوف") ، الذي رفض الانتداب البريطاني وطالب باستقلال فلسطين. ودعم الحزب الشيوعي الحركة القومية العربية الفلسطينية ، ما دامت تناضل ضد الحكم البريطاني . وعمل الحزب على تحقيق التعاون الطبقي والنقابي والسياسي بين العمال اليهود والعمال العرب، ودعم الفلاحين العرب، وخاض المعركة الى جانبهم ، ضد طردهم من الاراضي التي ابتاعتها الحركة الصهيونية من الاقطاعيين العرب، وتصدى الشيوعيون لسياسة المؤسسة الصهيونية القائمة على مبدأي "احتلال العمل" و"احتلال الأرض"، وقاوموا هذه السياسة منذ إعلانها. وطالب الشيوعيون بضمان الحقوق المدنية للمواطنين اليهود ، الذين شكلوا أقلية بين سكان البلاد، في الدولة المستقلة التي ستقوم في فلسطين بعد إلغاء الانتداب البريطاني الامبريالي . وبسبب مواقف الحزب الشيوعي الواضحة والحادة في مناهضة الامبريالية فقد تعرض الحزب ورفاقه للملاحقة على أيدي البريطانيين وعلى أيدي قيادة "اليشوف" الصهيونية، سواء بسواء.

في مؤتمريه التاسع (1945) والعاشر (1946) حلّل الحزب الشيوعي الفلسطيني الانعكاسات الاقتصادية – الاجتماعية والسياسية، بالغة التأثير للحرب العالمية الثانية والنتائج التي ترتبت عليها في فلسطين ذاتها. وعلى أساس هذا التحليل أدخل الحزب الشيوعي مركبا إضافيا في تحليله للوضع الناشئ، اعترف من خلاله بتبلور شعب يهودي في فلسطين إلى جانب الشعب العربي الفلسطيني.

وجاء في المادة التي أعدها للمؤتمر العاشر، عضو سكرتارية الحزب في حينه ماير فلنر :
"يعيش في البلاد تجمعان قوميان. وكل برنامج لحل قضية هذه البلاد ، عليه أن يأخذ في الحسبان هذا الواقع المستجد ، وأن يضمن للشعبين الحقوق والإمكانات المتساوية للتطور القومي الحر " .
وبالرغم من الاعتراف بوجود شعبين (تجمعين قوميين) ، استمر الحزب الشيوعي في المطالبة بحق تقرير المصير لفلسطين ، كوحدة إقليمية واحدة ، واستمر في معارضة تقرير المصير المنفصل للعرب واليهود ، كل على حدة.
وعلى الرغم من أن الحزب الشيوعي فضل الحل في إطار دولة واحدة مستقلة ثنائية القومية في فلسطين، تحافظ على المساواة الكاملة في الحقوق لجميع سكانها ، إلا أن ممثلي الحزب أمام لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول فلسطين، (شموئيل ميكونيس، وولف إيرليخ وماير فلنر ) ، لم يرفضوا نهائيا إمكانات الحل الفيدرالي ، القائم على التوافق بين الشعبين وعلى المساواة في الحقوق وعلى الاستقلال الكامل.
ورافق تبلور موقف الحزب في المسألة القومية في بداية الأربعينات من القرن العشرين، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، نقاش داخلي حاد بين اليهود والعرب في البلاد، طال الشيوعيين أنفسهم. وعلى خلفية هذا النقاش تأسست عصبة التحرر الوطني في فلسطين والتي تنظّم في إطارها الشيوعيون العرب بين عامي 1943- 1948.

في الفترة بين عام 1945- 1948 قامت عصبة التحرر الوطني بإصدار ثلاثة وثائق مركزية عكست نقاط الالتقاء ونقاط الخلاف بين الحزب الشيوعي الفلسطيني (القائم بشكل أساسي على العضوية اليهودي) وعصبة التحرر الوطني. في المذكرة التي وجهتها عصبة التحرر الوطني في تشرين أول 1945 إلى حكومة حزب العمال البريطاني المنتخبة حديثا، عرضت العصبة "حل العقدة الفلسطينية " على أساس إقامة دولة ديمقراطية مستقلة لجميع سكان فلسطين. وجاء في الوثيقة:
" إننا في معالجتنا للقضية نحمل ، فيما نضع من مشاريع، مسؤولية كبرى إذ نختط سياسة تؤمن الحقوق الوطنية للشعب العربي في فلسطين، وفي الوقت نفسه تؤمن الحقوق المدنية والحريات الديمقراطية للسكان اليهود في فلسطين، هذه الحقوق وتلك الحريات التي لا تتعارض أبدا مع أماني الشعب العربي القومية. وإننا بذلك نعترف بحق السكان اليهود في أن يصلوا إلى كل حق وطني شرعي عادل وصل إليه اليهود في أي بلد ديمقراطي آخر."

وعادت عصبة التحرر الوطني وأكدت موقفا شبيها، في المذكرة التي رفعتها إلى الأمم المتحدة عقب زيارة لجنة التحقيق الدولية وجاء فيها:" تكرر العصبة موقفها من أن الحل الأمثل في ضوء الواقع الملموس ، هو في قيام دولة ديمقراطية لجميع سكان فلسطين ، عربا ويهود."

وأصدرت العصبة مذكرتها الثالثة في حيفا في أيلول 1948، والتي صاغها القائد البارز في العصبة توفيق طوبي وجاء فيها: " لقد أصبح الطريق الصحيح في سبيل النضال من أجل الاستقلال والحرية ، هو الاعتراف بحق كلتا القوميتين ، العربية واليهودية، في تقرير مصيرهما إلى درجة الانفصال وتأليف الدولة المستقلة، أما مصلحة هاتين القوميتين في الوحدة الاختيارية ، فهذا ما لا شك فيه".

التقت تحليلات عصبة التحرر الوطني في أغلب الأحيان، مع تحليلات الحزب الشيوعي الفلسطيني في نقاط الانطلاق الأساسية التالية: المطالبة باستقلال البلاد وطرد القوات البريطانية. والمطالبة بإقامة دولة ديمقراطية لجميع سكانها دون تمييز. ومقاومة المشاريع البريطانية لتقسيم فلسطين . إلا أن عصبة التحرر الوطني استمرت في رفض تحليل الحزب الشيوعي الفلسطيني منذ أيلول 1945 ، بشأن تبلور المجتمع اليهودي في فلسطين كتجمع قومي له حقوقه ، وامتنعت عن الحديث عن شعبين في فلسطين حتى أيلول من العام 1948.
ومهما كان التفاوت في الموقف من هذه المسألة، فإن التطور التاريخي قد تجاوز هذا النقاش، ابتداء من قبول قرار التقسيم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نوفمبر – تشرين الثاني 1947 والذي قامت دولة إسرائيل على أساسه، والذي يشكل المستند الدولي الشرعي لقيام الدولة العربية الفلسطينية المستقلة. وبالرغم من أهمية هذا الاختلاف في الموقف ، في السياق التاريخي الذي دار فيه ، إلا أن أي محلل جدي لا يبني موقفه اليوم من حل الدولتين ، على عدم الاعتراف بتشكّل شعب يهودي في إسرائيل ، بعد ستة عقود على قيام إسرائيل.

لم يكن تمسك التنظيمين الشيوعيين في فلسطين : الحزب الشيوعي الفلسطيني (الذي تركز فيه الشيوعيون اليهود) ، وعصبة التحرر الوطني التي تركز فيها الشيوعيون العرب في الفترة المذكورة، باستقلال فلسطين ، ورفض تقسيمها ، أمرا ثانويا . فماذا كانت المبررات الإستراتيجية لذلك ؟

لقد رأى كل من الحزب والعصبة، ضرورة ملحة في بلورة تضامن العمال والجماهير الشعبية العربية واليهودية في المعركة ضد الحكم البريطاني، ومن أجل استقلال البلاد، ومن أجل نظام حكم ديمقراطي تقدمي.
وقاوم كل من التنظيمين الشيوعيين ، المخططات الامبريالية البريطانية لتقسيم البلاد. ورأى الشيوعيون العرب واليهود في مخططات التقسيم البريطانية (خطة بيل 1937) ، محاولة استعمارية بريطانية لمنع اتخاذ قرار بشأن إنهاء الانتداب البريطاني، وضمان استمرار سيطرتها على البلاد كسلطة فوقية تتحكم بوحدتين إقليميتين قوميتين عربية ويهودية في فلسطين . وكانت القضية الأكثر إلحاحا من وجهة نظر الشيوعيين هي نقل قضية فلسطين إلى الأمم المتحدة بهدف استصدار قرار يضع حدا للانتداب البريطاني بشكل نهائي وينهي التواجد الاستعماري فيها.
وبعد أن أنهت لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة أعمالها، بات واضحا أن نقل قضية فلسطين إلى الأمم المتحدة، كما طالب الشيوعيون، هو الذي مكّن من حسم مصير الحكم الكولونيالي البريطاني ووضع نهاية له.

وإذا كان الحزب الشيوعي الفلسطيني قد تبنى فورا قرار التقسيم الذي أصدرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في 29 نوفمبر 1947 ، بشأن إقامة دولتين مستقلتين في فلسطين الانتدابية، دولة عربية ودولة يهودية تقيمان علاقات تعاون اقتصادي بينهما ، فإن عصبة التحرر الوطني اتخذت قرارها بالموافقة على قرار التقسيم في شباط 1948 ، بعد ثلاثة أشهر على صدوره عن الجمعية العمومية.



قرار التقسيم و"الدولة اليهودية" !
لقد أقر مشروع التقسيم في نوفمبر 1947 ، أن يعيش في حدود "الدولة اليهودية" ( المعدة لممارسة الشعب اليهودي في فلسطين حقه في تقرير المصير) ، يهود وعرب، وأن تصل نسبة العرب فيها إلى 45% من مجمل سكانها. ولتغيير هذا المركّب في المشروع ، مارست المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة على مدار السنين، سياسة التهجير والتطهير العرقي ، من دير ياسين ، واللد والرملة، إلى عيلبون ومجد الكروم وأخواتها ، بهدف التخلص من أكبر عدد من العرب الذين يعيشون في إسرائيل والسيطرة على أكثر ما يطال عدوانهم من الأرض العربية. واتخذت حكومات إسرائيل إجراءات تعسفية للقضاء على البنية التحتية الاقتصادية ، والمدنية والإنسانية للعرب ( مصادرة الأراضي)، وتقييد حرية الحركة وحرية التنظيم (الحكم العسكري 1948 – 1966), والملاحقات السياسية وكم الأفواه. ليس في إطار تنفيذ قرار التقسيم ، وإنما في إطار تفريغه من مضمونه الحقيقي والقضاء على الشق المتعلق بالحقوق القومية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.

وتأتي محاولات حكام إسرائيل اليوم " من حزب العمل وحتى اليمين الأكثر تطرفا، لتضفي على مفهوم "دولة يهودية" (المتضمن في قرار التقسيم ) ، مفهوما عرقيا ، وليس سياسيا، يتسع للتعامل مع المواطنين العرب
في إسرائيل ، على أنهم "خطر ديموغرافي" و"خطر استراتيجي " على إسرائيل ، للترويج لمدارس الترانسفير الفاشية .
لقد قامت دولة إسرائيل تاريخيا ومفهوما، كدولة مع أكثرية يهودية، وأقلية قومية عربية كبيرة مصرة على التأثير واستعمال وزنها الكمي، والنوعي جنبا إلى جنب مع قوى التغيير الديمقراطي العميق بين الأكثرية اليهودية ، ليست أقلية طارئة ، بل أهل هذا الوطن الذي ليس لهم وطن سواه. هكذا قامت إسرائيل ولم تكن في يوم من الأيام على غير ذلك. إن أي تعريف لإسرائيل لا يعبر عن هذا الواقع يبقى منقوصا وغير مقبول.
إن فهم الشيوعيين اليهود والعرب في البلاد لمفهوم "دولتان لشعبين" " الذي نص عليه قرار التقسيم، يعني الاعتراف بحق تقرير المصير لكلا الشعبين ، وكل المحاولات التي تقوم بها الحكومات الإسرائيلية المتتالية لتوسيع مضمون هذا الاصطلاح ، لا تتعدى كونها محاولات لزرع حقل من الألغام السياسية المدمرة ، لسد الطريق أمام أي حراك سياسي .

إن تعقّب المواقف التي اتخذها الحزب الشيوعي منذ صدور قرار التقسيم (تشرين ثان 1947) وإعادة وحدة الشيوعيين اليهود والعرب في إطار الحزب الشيوعي الإسرائيلي (أكتوبر- تشرين أول 1948)، بعد قيام دولة إسرائيل ومنع قيام الدولة الفلسطينية، يؤكد أن الحزب كان مثابرا منذ اللحظة الأولى وبشكل مبدئي ، على المطالبة بتحقيق حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني وممارسة استقلاله القومي ، في إطار الموقف المؤيد للحل القائم على حق الشعبين العربي، واليهودي- المتبلور في فلسطين ، في تقرير المصير ، والاستقلال القومي .
ومن المفارقات أن نكبة الشعب الفلسطيني وإصرار المؤسسة الإسرائيلية على التآمر المتواصل لمنع قيام الدولة الفلسطينية ، يزعزع الأسس التي تقيم اسرائيل شرعيتها عليها. وأصبح واضحا أن شرعية إسرائيل لا تتم ولا تكتمل، بمعزل عن ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه القومية وفي طليعتها حقه في تقرير المصير.
لقد حدد الحزب الشيوعي تاريخيا ، ومنذ البرنامج الذي تبناه في مؤتمره الثاني عشر (1952) موقفه واضحا :

"إن الاعتراف بحق الشعوب في تقرير المصير حتى الانفصال – هو الأساس الوحيد لحل القضية القومية والعلاقات بين الشعوب. ومن هنا – تأييدنا لحق تقرير المصير للشعب العربي في البلاد، ولإقامة الدولة العربية المستقلة وعودة اللاجئين العرب إلى وطنهم."
وعلى الرغم من أنه لا تزال هناك دوائر سياسية متنفذة في الحكم في إسرائيل اليوم ، تتنكر لمجرد وجود الشعب الفلسطيني، وتعارض قيام دولة فلسطينية مستقلة من جهة ، ولا تزال هناك قوى أصولية عربية ، تتنكر لوجود شعب يهودي في إسرائيل ولوجود إسرائيل، إلا أنه يمكن القول بنظرة شاملة ، أن مبدأ حل الدولتين – إسرائيل وفلسطين ، تعيشان بسلام ، جنبا إلى جنب، هو الذي يحظى بقبول الأكثرية في كلا الشعبين وفي الحلبة الدولية.

* * *

(2-2)
من المعني بإعلان موت " حل الدولتين "التأييد الواسع لمبدأ حل الدولتين، لا يعني توقف النقاش من حوله. وهذه الحقيقة تتطلب من الحزب الشيوعي الاسرائيلي أن يواصل نقاشه مع مختلف المدارس السياسية التي تروّج لرفض حل الدولتين. خاصة وأن مفهوم " دولتان- إسرائيل وفلسطين"، بات عرضة للتشويه، والاستكتاب، والمراوغة بشكل منهجي، من اتجاهين مختلفين:
في الجانب الواحد يقف ممثلو المؤسسة السياسية والامنية والاكاديمية في اسرائيل ، الذين قرروا "تبني" الحل السياسي الذي بات يحظى بإجماع دولي ، بهدف إفراغه من مضمونه التاريخي والقضاء عليه. وتستند هذه المؤسسة على مصطلح "دولة يهودية"، الذي نص عليه قرار التقسيم، بهدف زرعه لغما سياسيا عنصريا في طريق أي حل. وبمفهوم المؤسسة الاسرائيلية ، يأتي التركيز على "الدولة اليهودية" وسيلة لتفجير الحل على أساس الدولتين - فلسطين الى جانب اسرائيل ، وليس للقبول بدولتين مسقلتين ذات سيادة.
من أجل ذلك، يطالبون بضمان " يهودية الدولة "، من خلال التنكر لحقوق المواطنين العرب ولشرعية مواطنتهم، وهم بذلك يفضحون الطابع العنصري لمضمون تمسكهم بمطلبهم هذا، وما يشتق منه ، من تعريف الجماهير العربية في إسرائيل على أنها "خطر ديمغرافي"، وما يلازم ذلك من دعوات التهجير ومصادرة مواطنة المواطنين العرب في اسرائيل ومخططات الترانسفير الفاشية . تحت غطاء كثيف من دخان مفهوم "الدولة اليهودية" ، مررت المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة في السنوات الاخيرة سلسلة من القوانين العنصرية التي تضرب عرض الحائط بشرعية المواطنة الكاملة والمتساوية للمواطنين العرب في إسرائيل ، وفي صلبها تعديل قانون المواطنة الذي يمنع الحق الانساني في توحيد عائلات مواطنين عرب ولمّ شملها.
وفي الجانب الاخر تنطلق الهجمة على حل الدولتين، إسرائيل وفلسطين، من بعض الاوساط الفلسطينية التي توحي بأنها تتخلى عن حل الدولتين، من منطلقات راديكالية، بينما هي في الواقع تتخلى عن النضال العنيد الذي يخوضه الشعب الفلسطيني لانهاء الاحتلال، وإزالة المستوطنات ، وإحقاق الحقوق القومية المشروعة للشعب الفلسطيني ، وفي طليعتها حقه في تقرير المصير. وبدلا من مطلب إقامة الدولة الفلسطنينية المستقلة ، تطرح هذه الاوساط بديل الحل في إطار دولة واحدة . إن هذه الاوساط ، اختارت أن توجه هجومها على حل الدولتين بالذات ، بادعاء أن السبب في تعثر الحل، نابع عن طبيعة هذا الحل ، وليس عن محاولة المؤسسة الاسرائيلية والقوى التي تدعمها ، تشويه حل الدولتين ، وتفريغه من محتواه ، وتزوير مضامينه والتآمر لمنع تنفيذه عبر عشرات السنين.
وتشهد السنوات الاخيرة تصعيدا منهجيا في مهاجمة مواقف الحزب الشيوعي في مسألة الحل السياسي، بادعاء أن هذه المواقف أصبحت مواقف قديمة تجاوزها الزمن ، وتجاوزتها التطورات على الارض، والواقع الجديد ، الناشئ الذي انتجه الاحتلال المتواصل منذ العام 1967 ومشروعه الاستيطاني المنفلت .

وتشترك في هذه الهجمة بعض مراكز الابحاث في البلاد، ومعاهد أبحاث أمريكية ، ومؤتمرات تجمع مثقفين فلسطينيين وإسرائيليين، وأكاديميين عرب في الجامعات الاسرائيلية، إضافة الى عدد من المنظمات غير الحكومية، التي تتنافس فيما بينها على قصب السبق في اعلان موت حل الدولتين.، وعلى أي من بين هذه المؤسسات سيظهر اكثر إلحاحا , و أكثر إصرارا على الترويج للفكرة القائلة بأن الحل السياسي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، على أساس مبدأ " دولتين ، إسرائيل وفلسطين ، ليس ذا صلة أكثر، وأن المعركة لانهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية قد فقدت ضرورتها.
ان هذه المجموعات تبني على أن إقناع الرأي العام والجمهور الواسع تحت إلحاح هذه المنافسة، بأن حل الدولتين قد استنفذ فرصته ، وفقد حظوظه، كفيل بأن يجعل من خيار "حل الدولة الواحدة ، ثنائية القومية" ، الطرح الوحيد القائم ، ليس على أنه الحل ، وإنما على أنه اللا- حل. إن أولئك الذين يرفضون الحل على أساس دولتين، لا يطرحون مخططا للوصول الى دولة واحدة ثنائية القومية ، وإنما يكتفون بموقف الرفض ، والاعتماد على أن الزمن كفيل بأن يفعل فعله. وأصحاب هذا الموقف لا يقترحون النضال من أجل تحقيق الدولة الواحدة، وإنما يكتفون بإعلان "النضال" ضد حل الدولتين.
واعتبر د.أمنون راز – كركوتسكين المحاضر في قسم التاريخ اليهودي في جامعة بن غوريون في النقب، والمرتبط بحزب التجمع الوطني الديمقراطي ، في مداخلة قدمها في يوم دراسي نظمه "مركز مدى الكرمل" في حيفا في تموز المنصرم: " ان َفكرة الدولتينَ هي وسيلة هدفها جلب الضرر وإنزال الضربات بالشعب الفلسطيني. من دون هذه الفكرة (حل الدولتين – ع .م) لم تكن مجزرة غزة لتحدث. .. ولذلك يجب محاربة الحل على أساس دولتين" . ثم ما يلبث كركوتسكين أن يعرب عن اندهاشه مستنكرا: " كيف كان لهذه الفكرة الغريبة ، فكرة الدولتين ، أن تظهر فورا بعد الاحتلال عام 1967".! (اسبوعية المدينة ،17.7.2009).

ليست فكرة الدولتين هي الغريبة، وإنما الغريب هو حقيقة أن المحاضر في قسم التاريخ ، قد فاته أن فكرة الحل على أساس دولتين تبلورت كبرنامج للحل في قرار التقسيم الذي أقرته الامم المتحدة في 29 نوفمبر 1947. وفاته أن المجلس الوطني الفلسطيني تبنى في دورته في العام 1988 حل الدولتين ، ومنذ ذلك الحين ، استمرت منظمة التحرير الفلسطينية بالمطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في المناطق المحتلة عام 1967.

إن القمع الدموي المتواصل، وتصعيد الاضطهاد البشع الذي يمارسه الاحتلال الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني ، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم بحق البشرية التي ارتكبت في الحرب على غزة في العام 2008 ، لم تكن محاولة لتطبيق فكرة الحل على أساس دولتين،كما يوحي كلام د. راز، وإنما كانت محاولة دموية ، لإجهاض هذا الحل ، وتحطيم طموح الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال، الذي تتوحد من حوله الاكثرية الساحقة في حركة التحرر القومي الفلسطينية.
إن المحاولات التي تقوم بها المؤسسة الرسمية في اسرائيل والولايات المتحدة لنشر الوهم الرسمي، بقبولها فكرة الحل على أساس دولتين، من أجل العمل في الواقع لتثبيت الاحتلال ومواصلته، ليست مبررا لخلط الاوراق على الساحة الفلسطينية وعلى ساحة قوى السلام. إن هذه المحاولات لم تخف على الحزب الشيوعي الاسرائيلي ولم تفته. وفي مؤتمره ال-24 (2002) ، هاجم الحزب بشدة خطاب الرئيس بوش الذي أعلن فيه ، ما تم اعتباره ، على أنه تأييد الرئيس الامريكي لاقامة دولة فلسطينية، وجاء في مواد المؤتمر :
"إن خطاب الرئيس بوش (25 حزيران 2002) أثبت بشكل قاطع ، أن التصريحات التي أطلقها بشأن تأييده قيام دولة فلسطينية ، ليست سوى ستار من دخان لإخفاء تأييد الولايات المتحدة الشامل لشارون وسياسته. إن الرئيس بوش ، أضاف الحزب، " وفّر الغطاء الكامل لاستمرار الاحتلال ومواصلة الحرب الدموية التي يديرها الجيش الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وقيادته. فيما جاءت التصريحات التي أطلقها بوش بشأن دعم إقامة الدولة الفلسطينية ، لتخدم هدف الادارة الامريكية في محاولتها بناء ائتلافها الذي تحتاج إليه لتنفيذ عدوانها ضد العراق."!



صناعة الاحباط واليأس منذ حزيران 1967، لم يتوقف الحزب الشيوعي الاسرائيلي عن التصدي لسياسة الاحتلال والحروب والقمع الوحشي, الذي مارسته الحكومات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني . وحذر الحزب الشيوعي الاسرائيلي على طول الطريق، من أن الاحتلال المتواصل ، والعدوان الدموي على غزة ولبنان، والتنكر للحقوق القومية للشعب الفلسطيني، وتوسيع المستوطنات، وتهويد القدس الشرقية، وسلب الاراضي ، وسيل التشريع العنصري المنفلت في الكنيست، وتهديد شرعية مواطنة المواطنين العرب ، وازدياد مظاهر التدهور الفاشي في اسرائيل عامة ، من شأنها جميعا أن تولد داخل الشعبين مشاعر اليأس من إمكانية الحل السياسي . وتزيد من مشاعر الاحباط ، الازمة الداخلية، والشرخ العميق الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وما يرافقه من أزمة عميقة في العالم العربي ( "محور المعتدلين" مقابل "محور الشر"، و"محور السنّة ، مقابل "محور الشيعة".) وتسهم سياسة الهيمنة الامريكية في تعميق مشاعر اليأس من خلال الحماية التاريخية التي توفرها لسياسة الرفض الاسرائيلية، جاعلة من الجهود الدولية لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني ، جهودا عاقرة.
صحيح أن هذه الظروف ، لا تساعد على إدارة النضال لإنهاء الاحتلال ، لا نضال الشعب الفلسطيني ، ولا نضال أنصار السلام في إسرائيل وفي العالم. ولكن التخلي عن النضال لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ، لا يعني فقط التخلي عن المساهمة في المعركة ضد الاحتلال ، وإنما يشكل هدية لا تقدر بثمن لسياسة الرفض الاسرائيلية وللقائمين عليها ، ولأولئك الذين يوفرون الدعم لها.
إن التسرع في الإعلان عن "نهاية مفعول" حل الدولتين، وتحويل هذا الاعلان الى فرضية مشبوهة، على الجميع أن يتساوق معها ، وأن يبدأ منها، ما هو في الحقيقة إلا تخلّ عن نضال الشعب الفلسطيني وتركه فريسة لاستفحال الاحتلال، الذي يواصل انتهاك حقوق الانسان الاساسية ، ويفرض على الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة حياة من الفقر والقهر والمهانة والضائقة الخانقة. إن الاستنتاج الذي يجري الترويج له في غمرة من اليأس ، بأن حل الدولتين ، قد أخلى مكانه وزال من الوجود ، هو في ظاهره فقط ، استنتاج راديكالي . بينما يقود في الواقع، إلى نشر اليأس والترويج للاحباط. من دون أن يكلف أصحابه عناء البحث عن أي مخرج سياسي في غمرة التطورات الخطيرة والعمليات التاريخية القاسية التي تجري على الارض.

إن تصعيد العدوان الاسرائيلي الدموي على الشعب الفلسطيني ، منذ أكتوبر 2000 ، لم يحدث لأن حل الدولتين لم يعد حلا واقعيا وذا صلة. العكس هو الصحيح . إن هذا التصعيد حدث بالضبط لان حل الدولتين أصبح الحل الواقعي والممكن الوحيد، الذي يحظى بإجماع عالمي، ويحظى بقبول غالبية المواطنين في اسرائيل وأكثرية الشعب الفلسطيني. ان التصعيد العسكري والسياسي ومحاولة إرهاب الشعب الفلسطيني ، هي الوسيلة الوحشية التي يستخدمها الاحتلال ، في محاولته منع الحل الممكن الوحيد، وسد الطريق أمام حل الدولتين، الذي استقطب التأييد الواسع ، بفضل التضحيات البطولية الجسيمة التي قدمها الشعب الفلسطيني عبر كفاحه الطويل ، وبالدعم المتواصل الذي قدمته قوى السلام في اسرائيل وفي العالم.



"راديكاليون " – يدعون الى التخلي عن المعركة لانهاء الاحتلال!إن الدعوات التي تطالب بالاقرار بعدم جدوى التمسك بحل الدولتين ، تعبر عن اليأس الذي وصل إليه أصحابها من المعركة المعقدة والشائكة لانهاء الاحتلال، وتفكيك المستوطنات ، وتجسيد الحقوق القومية للشعب الفلسطيني ، وفي طليعتها حقه في إقامة دولته المستقلة وذات السيادة. ان هذه الاوساط قررت التخلي عن حل الدولتين في حدود الرابع من حزيران 1967، بحجة أن الحل لم يجر تطبيقه بعد عشرات السنين من النضال ، معتبرين أن التخلي عن هذا الحل يأتي "عقابا" لاسرائيل على سياسة الرفض المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية التي تنتهجها، والتي ترفض حتى مبادرة السلام العربية.

وبدلا من من النضال من أجل أن تتراجع إسرائيل عن سياسة الرفض العدوانية التي تتبعها ، يقرر أصحاب هذه الدعوات التراجع عن النضال العادل الذي يخوضه الشعب الفلسطيني لانهاء الاحتلال وإقامة دولته المستقلة. وتقوم بعض مراكز الابحاث في البلاد وفي الولايات المتحدة ، ومؤتمرات تجمع مثقفين فلسطينيين وإسرائيليين ، وبعض الاكاديميين العرب في الجامعات الاسرائيلية بالالحاح في وعظهم على الشعب الفلسطيني بأن يتنازل عن نضاله ضد الاحتلال والاستيطان ، وإقامة دولته المستقلة ، ويقترحون عليه بدلا من ذلك ، العيش في ، "دولة واحدة ثنائية القومية" . إن المعنى الحقيقي لهذا الاقتراح ، في توازن القوى والواقع القائم ، هو تسليم الشعب الفلسطيني بالاستمرار في العيش تحت الاحتلال الاسرائيلي الكولونيالي الجديد.

إن المنطق الداخلي للحقيقة التاريخية ، بأن دولة إسرائيل قائمة منذ أكثر من ستة عقود ، بينما الدولة الفلسطينية لم تقم أبدا, يجعل من الدعوة "للحل في إطار دولة واحدة"، دعوة موجهة الى الشعب الفلسطينبي فقط دون غيره، وليس للطرفين ، للاستسلام والتنازل عن حقوقه القومية ، والكف عن النضال من أجل ممارسة حقه في تقرير المصير. وتخليد الجرم التاريخي الذي كان من نصيبه، بانتظار الفرج.

وبدلا من الدعوة الى تصعيد النضال على الساحة الفلسطينية ، وعلى الساحتين الاسرائيلية والعالمية ضد سياسة الرفض الاسرائيلية ، وضد الغطاء التقليدي الذي توفره الولايات المتحدة الامريكية ، والدول الغربية التي تدور في فلكها لهذا الرفض ، وبدلا من إلقاء المسؤولية كاملة على الاحتلال ، وما تراكمه السياسة الاسرائيلية من عقبات أمام الحل السياسي ، يختار أصحاب هذا النهج فريسة أسهل، بإعلان موت حل الدولتين ، (بحجة أنه غير قابل للتطبيق). إن أخطر ما في قبول هذا التوجه أنه ، من حيث يدري أصحابه أم لا، فإنه يغسل أيدي الاحتلال الاسرائيلي من دم الحل السياسي ، ويبرئ ساحة السياسة الإسرائيلية التي تهربت تاريخيا وبشكل منهجي من أية فرصة سياسية ، وذلك في وقت تشتد عزلة السياسة الاسرائيلية وتتعرض اسرائيل الى نقد غير مسبوق في الرأي العام العالمي.



ماذا مع "أخلاقية" الخيار الذي أودى إلى النكبة؟!إن النقاش حول حل الدولتين ومناقشة أبعاده التاريخية والعملية ، هو نقاش شرعي بشكل مطلق. ومن هذا المنطلق من حق البروفيسور نديم روحانا ، مدير "مركز مدى الكرمل" ، أن يهاجم "أخلاقية" قرار التقسيم الذي اتخذته الامم المتحدة في نوفمبر 1947.(وقائع يوم دراسي لمدى الكرمل نشرتها اسبوعية المدينة ( 17.7.2009 ) ولكن إذا كان روحانا يقرر بأن قرار التقسيم ليس أخلاقيا بالمطلق، عليه أن يجيب على السؤال: هل الخيار الاخر الذي كان مطروحا والذي أودى بالشعب الفلسطيني الى نكبته، (والذي يأخذ روحانا علينا أننا لم نقبل به) ، هو الخيار الاخلاقي؟ وعليه أن يجيب على سؤال آخر:
في العام 1947- 1948 كان هناك مشروع لم يتحقق ، لاقامة دولة فلسطينية مستقلة (بموازاة إقامة إسرائيل) . ألم يكن الاجدر بالبروفيسور روحانا أن يطعن في أخلاقية اولئك الذين ساهموا في منع إقامة الدولة الفلسطينية وتآمروا على إقامتها ، وبضمنهم – حكام بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية الذين أيدوا إقامة "نظام الوصاية"، بديلا عن حل الدولتين و إقامة الدولة الفلسطينية ؟ ألم يكن الاجدر أن يطعن في أخلاقية حكام إسرائيل والملك عبدالله ملك الاردن، الذين نفذوا صفقة مبيتة لحرمان الشعب العربي الفلسطيني من تأسيس دولته المستقلة التي نص عليها قرار التقسيم "غير الاخلاقي" ؟. وكيف يمكن تفويت الفرصة للطعن في أخلاقية أولئك الذين دفعوا بالشعب الفلسطيني الى الرحيل واللجوء خارج وطنه ، من خلال المجازر التي ارتكبتها المؤسسة الصهيونية من جهة، ومن خلال أولئك الذين دعوه الى الرحيل مؤقتا، ريثما يحررون له الوطن ، من الجهة الاخرى ؟!
إن من يطعن في أخلاقية قرار التقسيم الذي لم يطبق الجزء الفلسطيني منه ، وهو طعن مشروع ، مطالب بأن يثبت بأن الخيار البديل الذي يدافع عنه، والذي تحقق تاريخيا على الارض ، قد أودى الى حل أكثر أخلاقية.
إن المفاضلة الاخلاقية لم تكن بعد صدور قرار التقسيم ، بين دولة واحدة ديمقراطية ، أو ثنائية القومية في فلسطين ، (كما طرح الحزب الشيوعي الفلسطيني وعصبة التحرر الوطني ) وبين قرار التقسيم ، وانما بين قرار التقسيم وبين الخيار الذي أودى الى نكبة الشعب الفلسطيني. ولو تمت إقامة الدولة الفلسطينية وفق قرار التقسيم ألم يكن ذلك أكثر أخلاقية بما لا يقاس ، من نكبة الشعب الفلسطيني والحروب العدوانية الاجرامية التي تلتها؟


المطلوب إثباته: " أن استقلال الشعب الفلسطيني خيار سيء"!!
يقدم البروفيسور إفرايم عنبار ، مدير "مركز بيغن-سادات" للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان، إجابة حاسمة على السؤال المحوري في هذه الدراسة : من هم أصحاب المصلحة ، موضوعيا، في الاعلان عن موت حل الدولتين ؟ ولماذا برزت في السنوات الاخيرة المحاولات للعودة بالنقاش الى الوراء، الى المربع الاول والى مراحل ونقاشات تجاوزها التاريخ ، ودفع الشعب الفلسطيني مستحقاتها الباهظة في نضاله الطويل وتضحياته الجسيمة.
يقرر البروفيسور عنبار في دراسته :" صعود حل الدولتين وسقوطه"، أن حل الدولتين قد تجاوزه الزمن ، بل يستعمل إصطلاح " أكل عليه الدهر وشرب ". ويقترح عنبار استبدال هذا الحل ، بتوجه اقليمي جديد تتبناه ديبلوماسية إسرائيلية – فلسطينية ، يتم في إطارها ربط المناطق الفلسطينية ثانية، (أو إعادة هذه المناطق ) (القوسين في الاصل – ع.م) الى مصر والاردن . ويدعو عنبار الى التخلي عن فكرة حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وتركيز الجهود بدلا من ذلك على إدارة الصراع . وهو يكشف في دراسته الى أين تهب الريح، يقول :

" في أعقاب العملية الاسرائيلية ضد حماس في غزة ، تدافع قادة الدول الغربية بشكل أعمى ، لإعادة التأكيد على التزامهم بحل الدولتين. وفي هذه الاثناء ثبت أن فكرة الاستقلال الفلسطيني ، هي فكرة سيئة". ويضيف: " لقد وجدنا أنفسنا أمام كيانين فلسطينيين متناحرين، على حدود اسرائيل ، وكلا الكيانين بعيد جدا عن أن يكون شريكا معتمدا لاسرائيل. ومن هنا فإن حل الدولتين لن يكون حلا واقعيا ذا صلة للمرحلة المرئية القادمة". ويخلص عنبار الى القول : سوف تمر عشرات كثيرة من السنين قبل أن ينضج الفلسطينيون ويشكلوا شريكا لاسرائيل، إذا كان ذلك واردا أصلا.
(Ephraim Inbar, The Rise and Demise of the Two- State Paradigm, Begin-Sadat Center Security and Policy Studies No. 79, January 27, 2008.)

إن منطق عنبار، هو المنطق السائد في المؤسسة السياسية ، والامنية ، والاستراتيجية المسيطرة في اسرائيل. وينصب اهتمام هذا المنطق في سد الطريق أمام أي تقدم سياسي حقيقي ، وفي تجنيد المبررات لوقف الضغوطات من أجل دفع مبادرات سياسية في المنطقة. إن التسرع في إعلان موت حل الدولتين ، يصب مباشرة في خدمة استراتيجية الرفض الاسرائيلية. كما أن الدعوة الى التخلي عن النضال لاقامة الدولة الفلسطينية ، في إطار حل الدولتين ، لا تخدم موضوعيا، مصلحة أي من الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي، ولا تصب في خدمة نضال قوى السلام العادل في المنطقة وفي العالم . إن الترويج للتخلي عن حل الدولتين ، يخدم مباشرة مصالح أولئك الذين يعتقدون أن المطروح على جدول الاعمال ، ليس حل الصراع ، وإنما مجرد إدارته.


الاقلية القومية العربية في إسرائيل ليست عائقا أمام
حل الدولتين، بل عنصرا أساسيا فاعلا لتحقيقه .يركز المعترضون على حل الدولتين، اسرائيل وفلسطين ، على الادعاء بأن هذا الحل يبقي على الاقلية القومية العربية في اسرائيل ، خارج حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ، الذي تشكل جزءا لا يتجزأ منه. ويضيف القائلون بهذا الموقف أن حل الدولتين ، يتخلى عن العرب الفلسطينيين ،مواطني اسرائيل، ويتركهم ، كالايتام على مائدة اللئام ، يواجهون مصيرهم ، في ظل تهديدات الترانسفير والانفلات العنصري المتصاعد في اسرائيل.

إن الحزب الشيوعي الاسرائيلي ، لا يأخذ بهذا المنطق، ويعتبر أن مكانة الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل، وإن كانت جزءا من الهم الفلسطيني ، غير أنها ليست جزءا من المفاوضات السياسية لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني . إن مكانة الاقلية القومية العربية في اسرائيل، يجري حسمها في سياق المعركة على طابع المجتمع الاسرائيلي وعلى وجهه ووجهته. وهي المعركة التي يخوضها المواطنون العرب في اسرائيل ، جنبا الى جنب مع القوى الديمقراطية اليهودية. ان المعركة على الديمقراطية الحقيقية في اسرائيل ، هي مصلحة حقيقية للشعب الفلسطيني كله في معركته لتحقيق استقلاله. ويشدد الحزب الشيوعي على ضرورة خوض المعركتين على تحرر الشعب الفلسطيني واستقلاله من جهة، وعلى المساواة في الحقوق القومية والمدنية للاقلية القومية العربية في اسرائيل من الجهة الاخرى ، كل على الساحة السياسية الصحيحة الخاصة بها ، من دون أن تثقل المعركة الواحدة على الاخرى ، أو ترتهنها.
إن المواطنة التي تحظى بها الاقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل ، ليست نقطة ضعفها، وانما هي مصدر قوتها ، ومصدر الفرصة أمامها من أجل استعمال وزنها للتأثير على الساحة الإسرائيلية ، والمساهمة في دفعها نحو سياسة سلام عادل وثابت من جهة ، ومساواة في الحقوق القومية والمدنية، الفردية والجمعية، لابناء الاقلية القومية العربية في اسرائيل من الجهة الاخرى.

إن للجماهير العربية في إسرائيل مصلحة حياتية في تحقيق الحل السياسي العادل. فإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ، بجانب اسرائيل ، تخلق ظروفا مواتية أكثر، لخوض النضال من أجل الديمقراطية الحقيقية في المجتمع الاسرائيلي، وضد عسكرته .



ليست التمنيات بديلا نافعا عن السياسةفي هذا العرض التاريخي، تم ترسيم مراحل انتقال الحزب الشيوعي الفلسطيني ، وعصبة التحرر الوطني الفلسطينية من "حل الدولة الديمقراطية الواحدة" لجميع سكانها ، الى حل "الدولة الواحدة ، ثنائية القومية" في فلسطين ، وفي وقت لاحق ، قبول حل الدولتين الذي يتضمنه قرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة في نوفمبر 1947.

وتكشف مراجعة أدبيات الحزب الشيوعي ووثائقه لاحقا، أن الحزب واصل متابعة المستجدات السياسية الحاصلة، وطور تفاصيل برناجه لحل الصراع القومي ، بناء على ذلك ، ووفر الاجوبة للتطورات الناشئة في كل المراحل . ففي أعقاب عدوان حزيران 1967 ، طرح الحزب الشيوعي مطلب الانسحاب الفوري من المناطق التي جرى احتلالها في الحرب. وبعد صدور قرار مجلس الامن الدولي 242، طالب برنامج الجزب بتنفيذه الفوري. وفي مؤتمره السابع عشر(1972) ، تبنى الحزب الشيوعي برنامجا سياسيا يحدد للمرة الاولى حدود الرابع من حزيران حدودا للحل السلمي ، ويطالب باحترام حقوق جميع شعوب المنطقة ودولها، بما فيها الشعب الفلسطيني والشعب في اسرائيل. وفي مؤتمره الثامن عشر (1976) ، فصّل الحزب الشيوعي الاسرائيلي مفهومه لمسألة "حقوق الشعوب " بتحديد مطلبه باحترام حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة بجانب اسرائيل. وأما في مؤتمره التاسع عشر (1981) ، أضاف الحزب الشيوعي الى برنامجه ، مطلب الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة .

إن الحل السياسي القائم على السلام بين اسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة ، التي تقوم الى جانبها ، (انظر القسم الاول من الدراسة –"الاتحاد 25.10.2009) ، لا يلغي إمكانية أن يقرر الشعبان مستقبلا ، وبإرادتهما الحرة إعلان اندماجهما في وحدة إقتصادية أو سياسية ، اشتراكية مثلا. إلا أن أية محاولة للقفز فوق مرحلة تحرر الشعب الفلسطيني واستقلاله في دولته ، في اطار حل الدولتين، والانتقال مباشرة الى هذه الامكانية المستقبلية ، ينقل النقاش من سياق السياسة ، الى سياق التمنيات والاوهام الخادعة ، بدلا من دفع حل واقعي للصراع الدامي وانعكاساته الخطيرة على الشعبين.
إن المماطلة والتسويف في إقامة الدوله الفلسطينية المستقلة في حدود الرابع من حزيران 1967 وتطبيق برنامج السلام العادل ، يعني بالنسبة للشعب الفلسطيني ، استمرار حياة المعاناة اليومية ، وانتهاك الحقوق القومية والانسانية، تحت الاحتلال الاسرائيلي . وهو يعني بالنسبة للشعب في اسرائيل في الوقت نفسه مزيدا من العسكرة، وثمنا اجتماعيا واقتصاديا باهظا تدفعه الفئات الشعبية الواسعة ، من خلال تحطيم دولة الرفاه وتصاعد التشنج القومي والعنصرية وخطر الفاشية.
إن امتداد المعركة لتحقيق حل الدولتين ، كل هذه السنوات الطويلة يولد بلا شك، مظاهر التعب والاحباط والهروب من الواقع في العديد من الحالات. ولكن يجب أن نعي ، أن هذه هي المعركة الحقيقية المطروحة للحسم، والتي تتطلب تركيز اهتمامنا ، وعنادنا ، والتحلي بالنفس الطويل ، ورص الوحدة الكفاحية والنضال المشترك لليهود والعرب ، المناهضين للاحتلال وأنصار السلام العادل.



نشر الجزء الاول في ملحق الإتحاد 25 تشرين الاول 2009





#عصام_مخول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الان جاء دورعادل مناع : التسطيح الاكاديمي والافتراء الفظ على ...
- لمن هذه الحرب في القوقاز؟؟
- ليست حماس هي مشكلة اسرائيل... انما الحقوق القومية المشروعة ل ...
- انفلات التشريع العنصري في اسرائيل والافلات من الفرص السياسية ...
- ليس الملف (النووي الايراني) .. وانما الملف النووي!
- تطبيع اسرائيل هو الشرط المسبق للتطبيع معها! (حالة العلاقات ا ...
- توأمان سياميان ومأزق مشترك!
- -مفاوضات الحرب- واختراق المفاهيم!
- انابوليس- والانقلاب على المفاهيم!
- مفهومنا لمناهضة الصهيونية- ليس مقصورا على تحرير الشعب الفلسط ...
- حدّدنا خيارنا ان نخرج من المؤتمر ال - 25 بحزب شيوعي قوي واكث ...
- معركتنا الطبقية من أجل مجتمع بشري خال من الاستغلال، لا تعارض ...
- مشروعنا السياسي والاجتماع والفكري في بعده الطبقي والاممي وال ...
- يوم الارض كان يوما لعزل سياسة تهويد الارض العربية والتمييز ا ...
- الموقف يتطلب أن يفهم حكام إسرائيل أن المبادرة السعودية أو ال ...
- المؤسسة الاسرائيلية - مأزومة وفاسدة ومتورطة، اخلاقيا وسياسيا ...
- دور نسائي متميز في داخل حزبن - في يوم المرأة... تحية حمراء!
- موقف عدواني فظ زئيف.. زئيف والذئب -شيف-!
- أداء الحزب الشيوعي ومواقفه في المسألة القومية عصيّة على التش ...
- نحن ندعو الى التحزب للثقافة القومية الوطنية مواقف الحزب الشي ...


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب بنيويورك
- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عصام مخول - حين يصبح اللا حل هو الحل !