أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نسرين طرابلسي - أنا أقبَلُكَ كما أنتَ، فهل تقبَلُنِي كما أنا؟؟














المزيد.....

أنا أقبَلُكَ كما أنتَ، فهل تقبَلُنِي كما أنا؟؟


نسرين طرابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 2822 - 2009 / 11 / 7 - 08:18
المحور: حقوق الانسان
    


لم يكن التسامح يوما فطرة الإنسان رغم أنه من أنبل الرايات التي حملتها الأديان السماوية والثورات الإنسانية. لأنه مفهوم يتطلب وعياً عميقاً بحقيقة الذات، وطبائع البشر. وهو مؤشر حضاري، قياساً عليه نكتشف أن عالمنا برمّتِهِ عالمٌ متأخر.
سأختصر لكم معنى التسامح كما حدده المؤتمر العام لليونيسكو في دورته الثامنة والعشرين بتاريخ 26 نوفمبر 1995:
"إن التسامح يعني الوئام في سياق الاختلاف وهو واجب سياسي وقانوني أيضا، يسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب. وهو ممارسة ينبغي أن يأخذ بها الأفراد والجماعات والدول. إنه مسؤولية تشكل عماد حقوق الإنسان. وعليه فالمرء حرٌ في التمسك بمعتقداته وعليه أن يتقبل تمسك الآخرين بمعتقداتهم".
التسامح لا يشبه أبدا المفاهيم التي تسيّر العلاقات بين الناس في أغلب الأحيان. فهو ليس مجاملةً لطيفة تنقضي بانقضاء اللقاء، ولا نفاقاً آنياً تقتضيه مصلحةٌ متبادلة، ولا هزة رأس توهم الآخر بأنك معه بينما يسرح خيالك بعيدا عنه، ولا مسايرة للتيار تنأى بك عن وطيسِ نقاشٍ وتحميك من سهامِ الصراحة المطلقة التي قد تنغرس في صلب درعِ معتقدات الطرفين.
التسامحُ نافذة مفتوحة لكلِّ النسائم، تهبّ باتجاهين. وبابٌ مشرعٌ يحميهِ حارسٌ وحيد، لا يتأبط سوى سلاحٍ واحد هو الاحترام. ولا أعني بالتسامح أبدا مغفرة الأخطاء التي يرتكبها في حقنا الآخرون. ولا أعني به أيضا السكوت عن جراح الكلام لتنزف باستمرار دون أن تكون نتيجتها موت الجسد بل موت الروح. فانتشال نصلِ الأسى من الجرح مؤلمُ أكثر من لحظة الطعن، وبعد حكةِ البراء وزمنِ الاندمال تبقى ندبةٌ أبدية. فهل من رامٍ طائشٍ يفكر بكل ذلك قبل أن يطلق السهم؟
التسامح معنى فضفاض يتطلب بالضرورة طرفين لعلاقة سامية. بل ويتشعب ليشمل كل الأقطاب المحيطة بالمرء. الأمر أشبه بأن تكون مصبّاً يتسع لكل السواقي الصغيرة التي تعبر بك. فيختلط الماء بالماء ويخفف العذبُ ملوحةَ الأجاج. ولإتاحة الفرصة لهذا الانسياب والتمازج لا بد أولا من إزالة كل الحواجز الوهمية العالية التي تقف حائلا بيننا وبين الآخرين. ولا بد من التخفيف من أكداس المتاريس التي نحتمي وراءها خوفا من أولئك الذين لا يشبهوننا، أو يشبهوننا بدرجات متفاوتة.
لا أدعي أبداً أنني وصلت إلى مطلق المفهوم السامي للتسامح. بل قضيت عمري كقنفذ صغير، يتكور نافراً أشواكه في وجوه الغرباء وأسباب الخطر. وأجدني اليوم نادمة على كل مرة لم أتحل فيها بالجرأة الكافية لأمد يدي وأتلمس الجمال الخفي لأشخاص حفلت بهم حياتي بينما كنت منسحبة داخل قوقعتي ورأسي مرتاح... فهل عشت بسلام؟
العمر علّمني أن من كانوا يشكلون لي رعباً كنت بالنسبة لهم كابوساً. وكان يتبدى لهم خوفي رغم كل الأقنعة الباسمة المنشّاة، لتعلو بيننا أسوار شائكة حالت دون عبور مريح إلى الضفة الأخرى. وأثبتت التجربة أن الابتعاد مريح وناجع ويوفر علينا الوقوع في حقول الاختلاف الملغومة، لكن النضح ممزوج بمرارة الندم على ما فات، وللزمن لمسات سحرية تمسح ببياض النسيان كل السيئات وأسمائِها وتحفر بإزميلٍ وجوها فقط على جدران الذاكرة.
ستكون بدايةً جيدةً أن نتقبل الغير بلا اندفاع، لنتجنب التصادم. فنرسم الحدود بالطباشير، ونحاول القفز فوقها كالأطفال. سنجد أن ذلك ممتع وأشبه بلعبةِ مشاركةٍ جماعية. وعندما نتبادل النصيحة، فلنغلفها بورق ملون ونتبادلها شاكرين، كالحلوى، عوضاً عن أن ندسَّها كحبة دواء مرة وجافّة وابتلاعها عسيرٌ مهما بلغت فوائده.
ليكن أهمّ بند في أي صكٍ إنساني: أنا أقبلكَ كما أنتَ، فهل تقبلني كما أنا؟
عندها ستطير أسراب من الحمائم بيننا وينبت لنا عند اللقاء ريش مكان الذراعين وتتفتح أبواب السماء... وربما يهدأ غليانُ الأرض.




#نسرين_طرابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- الأمم المتحدة تعلق على استهداف قوات كييف لمنشآت مدنية على ال ...
- الأونروا: ادعاءات إسرائيل بوجود مناطق آمنة بغزة كاذبة ومضللة ...
- -الأونروا-: ادعاءات إسرائيل بوجود مناطق آمنة في غزة -كاذبة و ...
- مشاهد من مداهمة الشرطة التونسية مقر عمادة المحامين واعتقال ا ...
- -طعنها بآلة حادة ونحرها-.. داخلية السعودية تعلن إعدام الأسعد ...
- صحة غزة: استشهاد 493 كادرا صحيا واعتقال 310 آخرين واستهداف 1 ...
- إيران مستعدة لتقديم خدمات الإغاثة لأسر ضحايا الفيضانات في أف ...
- -اليونيسف-: لا مكان آمن ليذهب إليه 600 ألف طفل في رفح
- أغنية الثعبان يستعملها ترمب لـ-ذمّ- المهاجرين
- مسؤولون إسرائيليون: مفاوضات إعادة الأسرى لم تتوقف


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نسرين طرابلسي - أنا أقبَلُكَ كما أنتَ، فهل تقبَلُنِي كما أنا؟؟