إلى شمسي الدافئة : هيام

مهدي رفيق

الحوار المتمدن-العدد: 2820 - 2009 / 11 / 5 - 11:44
المحور: الادب والفن
    

شجون مغربيه
الشجن رقم 2
إلى شمسي الدافئة : هيام

"لقد علمتني الحياة أن انتظر، أن أعي لعبة الزمن بدون أن أتنازل عن عمق ما استحصدته : قل كلمتك قبل أن تموت فإنها ستعرف حتما طريقها، لا يهم ما ستؤول إليه، الأهم هو أن تشغل عاطفة آو نزوة غافيه." محمد شكري * الخبز الحافي*.
كلنا نموت بيسر ،
دون أن نبدل جهداً لتحقيق دلك !
لكننا لا نحيا حقاً ،إدا لم نبدل المستحيل. - غادة السمان-

حبيبتي
أنا وأنت كالشمس والقمر نتعاقب في حراسة حلمنا الأحمر، نحرص على نموه كما تحرص عذراء غجرية على مولودها الأول !
استوعب الآن كيف يجدر بي أن اهتم كثيرا بعظمة الأشياء التي تحيط بنا، تتفتق في أعماقنا لتفصح عن بهجة الحياة الأسمى التي توحدنا، فنندهش من قوة الترقب!
ما أروع لحظة الميلاد
وما أروع لحظت الميلاد وما أقسى لحظات الانتظار!
أنت وأنا، التقينا عند هنيهة من الزمن منحتها لنا الحياة في غفلة عن تفاهات ومهانات الحياة اليومية، فلم نخشى لحظة مداهمة هذه السعادة الممزوجة بنوع من الفرح الحزين.
اليوم كل واحد منا يبدأ صفحة جديدة في حياته رغما عنه، إذ عادة مالا يستشيرنا الحب في نوباته الجنونية، يأتي إلينا مندفعا ليجعل من قلوبنا الصغيرة، أعشاشا لتفريخ طيور المستقبل.
غريب أن أجد نفسي أتلهف لاستقبال حبنا في كل صباح وفي كل مساء، ودموع الفرح ممزوجة بحيرة الأطفال في عيني ...ما أصعب أن يعيش المرء بعيدا عن امتداده الأخر،عن الوجه الأخر لروحه،ما أصعب أن لا يتمكن الورد من معانقة وجه الشمس بعد فصل شتاء سخي.
أنا لا أود أن امتلك أي شيء، اكره التملك، لكن الأمر في حالتي الإنسانية والوجدانية هاته، يتعلق بنوع من الغربة الروحية والنفسية والعاطفية، أحسن بجزء من كياني يغادرني، يعيش بعيدا عني هناك في منفاي الاضطراري !!
نفرح يا حبيبتي ونحن نودع يوما، وكأننا نحترق من اجل استقبال فجرنا الآتي، نفرح يا حبيبتي حتى لا نحزن، فلا مجال للحزن كلما كانت الرغبة في معانقة الحياة بالمعنى الحقيقي للكلمة يرافقها الإصرار بل دعيني أقول العناد باعتباره قهر القهر !!
يا حبيبتي أنا هنا بعيدا عنك أقاوم الحزن، لكن حرقة الالتياع لم تنضب . أحيانا أجد نفسي أفكر فيك كل الوقت، وهذا الشعوربقدر ما ينعشني يكاد يرديني شهيدا !!
هل يروقك أن اسقط شهيدا في ساحة الحب؟ لماذا لا تكون هذه التجربة ابسط من هذا؟ هل لي يد في ذلك؟ أم أنني مضطر مرة أخرى لمواجهة نفسي؟ آلاف الصور ترتطم في ذاكرتي، وآلاف الأسئلة تشغلني وتسكنني وليس حتى من إشارة تفيد تلطفا للقلوب وتعيد لنفسي روحها المفقودة !!
هناك بعيدا من عبق أشجار الأرز والزيتون جاءني الفرح، كان حلمي دائما أن اقبل حبيبتي وارتوي من رحيق شفتيها النديتين ونحن في ساحة المعركة نتقاتل من اجل وجه الشمس !! تحققت أمنيتي، لكن الفرح جاءني بغتته، تهمسين لي كعادتك وحنانك يلفني، عليك أن تكون متفائلا يا حبيبي، لكن زنزانتي القديمة علمتني في إحدى ليالي الشتاء أن احتاط من الفرح لان بهجته قاسية وخيانته قاسية !!
أمام هذا الوهج الروحي، ازداد اقتناعا بأنه لايمكن أن تقوم قائمة لحياة إنسانية حرة، متوازنة وحقيقية، الا باصرار كل الأحرار على مواجهة النذالة التي تملأ بخبثها ووقحاتها هذا الوجود الإنساني؟؟ فادا كان هناك من شيء قد تبقى من هذه الحضارة التي عفا عليها الزمن فهو الحب بمعناه الإنساني العميق، وليس الشعر كما زعم "تينسي ويليامز".
فالأحرار وحدهم يا حبيبتي من يجدر بهم اخذ نصيبهم من الحب في سعيهم الحثيث لتشييد بهجة الحياة الأسمى، فالحضارة قد تصنع عبيدا لكن الحضارة لا يصنعها الا الأحرار!!
وحتى و إن كانت أومن بأن الحب ينتمي في ألاصل إلى فصيلة الكائنات العاشبة بحكم ترعرعه وسط الطيور والحمام وانتمائه لكمونة الحرية، فإنه في مثل وضعنا الإنساني الرازح تحت نير الحقد والكراهية والرأسمال، لا يمكن لهذا الكائن الهش أن يعيش في سلام الا إذا تعلم اصول المقاومة أي الا إذا رفض الانتماء لفصيلة الكائنات اللاحمة؟!! أشفق عليك كثيرا يا صغيرتي إذ كيف لك أن تتصوري الحمام يقتات على فراخه الصغار !!
ففي مثل هذه الفترة العصيبة التي يجتازها الوجود البشري، لا يمكن للإنسان أن يعيش دون حب، فالحب هنا يتجسد كسلوك وكوعي إنساني حر بضرورة الاستماتة في وجه الحقد البشري، الذي ينشره مجتمع منقسم على ذاته. مجتمع قائم على أساس العنف و الاهانة، إن الحب ليس مجردا أو بعيدا عن القيم الإنسانية كما يريد أن يقنعنا أنصار حرية التجارة حتى في العواطف البشرية الأكثر نقاءا وسموا، إنه تجسيد مادي لهذه القيم في أبهى تجلياتها.
كل شيء يبتدئ بالحب.
وكل شيء ينتهي بالحقد.
لذا تجدين الفدائي يفضل متر مربع من الموت، على أن يقضي حياته في قصر مشيد باسمنت الخيانة، ولذا لايمكن للعاشق أن تسحره الوردة المعروضة لدى بائع الورود، فلونها لا يثيره الا وهي مزهوة بجمالها في حقل الحرية!!
قد ينهزم حبنا أحيانا أمام قسوة هذه الشروط الانسانيه الفظيعة، لكن ماذا عن انتمائنا إليه ؟ فيما يخصني لن اسمح بان يهزم، ولا يجب أن يهزم، لان هذا الانتماء ليس لحظة عابرة، وليس مجرد اختيار، انه تجسيد صارخ لالتزامنا الوجودي والأخلاقي والروحي بهذه التجربة. انه حقيقة ملموسة، وكلما استوعبنا هذه الحقيقة تأتى لنا العيش في انسجام رائع وجميل مع النفس، رغم قسوة الغياب، ورغم أهمية الحضور الجسدي في الممارسات العشقية، وهو الأمر غير المتأتى في حالتنا ... لكن هل نحن بعيدون عن بعضنا البعض ؟ كل ما ينقصنا هو أني لست بجانبك ولست بجانبي، كثير من الناس يعيشون جنبا إلى جنب، صباح مساء، دون أن يرى بعضهم بعضا، ليس لأنهم فقدوا حاسة البصر بل لأنهم غرباء عن بعضهم دون أن يدركوا ذلك، هل نحن غرباء عن بعضنا؟ بكل هذا الحجم الهائل من الكثافة العاطفية تشبتت بطلة رواية الحب في زمن الشظايا بحبها لرفيقها المعتقل بعد مدة طويلة من الحرمان والبعد والغياب،هده الكلمات القوية والعدبة في نفس الوقت، أجدها أكبر حافز بالنسبة لي من أجل مقاومة رغبة ألاستغراق في هدا الموت المتألق،لانك ببساطة مصدر فرح وتوهج في حياتي.
آه يا حبيبتي، عانقني ودعينا نردد مع محمود درويش ما دونه في يوميات حزنه العادي:" العشاق لم يتلقوا في الحرية والتقوا في الأسر، وفلسطين تنام على ضفاف الأنهار البعيدة لا تستحم بالماء ولكنها تستحم بالدم القادم،.
هل تكون ولادة جديدة؟ هكذا يجب أن تكون لابد من ولادة. هل يصقلنا الموت؟ هكذا يجب أن يكون لابد من أن يصقلنا الفرح. ستبدأ المقاومة، ستبدأ المقاومة. انتهى كل شيء وتبدأ المقاومة و‘ذا جاءك الفرح مرة أخرى فلا تذكر خيانته السابقة.
ادخل الفرح، وانفجر !!
لقد دخلته يا حبيبتي خائفا من شجاعتي، فمن علمني هذه الشجاعة؟ لكني لا زلت انتظر إشارة الانفجار!! فمادا عن فرحك أنت!!
في هذه اللحظة الساعة تشير إلى الساعة 15h30 بالتوقيت العالمي، يوقفنا شرطي المرور ونحن عند مدخل شاطئ السعدية الجميل بشرق المغرب، يحدق فينا بعينين جاحظتين وهو يطلب وثائق السيارة من اجل المراقبة.
تصفحها بشكل دقيق ودخل معنا في حديث مقتضب وعلى إثرها سمح لنا بمواصلة الطريق وهو يتمنى لنا قضاء امسية جميلة بجانب البحر.
اعلم آن ليس كل أفراد الشرطة حقراء وجلادين...لكن حياتنا ستكون أجمل بدون أجهزة للشرطة والجيش والمخابرات؟! فوجودها مرتبط باستمرار نهش الانسان للحم أخيه الإنسان ؟!
حياتنا ستكون أجمل عندما تتحول مخافر الشرطة الى معاهد لتعليم الموسيقى والمسرح والرقص لأطفال المدينة؟
لقد وصلنا الآن إلى الشاطئ كل شيء في البحر يسحرني، رماله، أمواجه التي تولد من اللانهاية ، بواخره الصغيرة القادمة من بعيد، وسلات السمك الذي يصطاد ه صغار الصيادين...
لقد حان الوقت لكي أضع حدا لهدر الحواس، وانصرف لأتمم هذا البوح الطفولي مع الأمواج، فوحدها يمكن أن تحتضن هذا الجنون وتباركه؟؟
فكري في ذلك يا حبيبتي وأنت تضميني إليك، وتعانقني، فانا في أمس الحاجة إلى ذلك، وتدكري ونحن نحتفل بعيد ميلادك بأنا حقول الحب لا تستوطنها المشاعر المفخخة...


أحبــــــــ هــيـــــــام ــــــــــــك
الجوهرة الزرقاء : شاطئ السعدية في 22 أكتوبر 2009.

مهدي رفيق

#مهدي_رفيق (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات