طالب مرزة الخزاعي
الحوار المتمدن-العدد: 2819 - 2009 / 11 / 4 - 10:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دار العدالة في الكوفة
قبل ايام عدت من جمهورية مصر العربية حيث كنت في رحلة سياحية الى هذا البلد واثناء زيارتي الى احد دور الكتب المنتشرة في القاهرة فقد وقعت يدي على كتاب بهذا العنوان .
واني اذ استأذن السفير اللبناني المثقف عاشق التاريخ والفلسفة - مؤلف الكتاب – (خالد زيادة ) في استعارة عنوان كتابه هذا ( الخسيس والنفيس ) ، فسفير لبنان في مصر خالد زيادة يهرب من هموم الدبلوماسية الى فضاء الفكر الرحب وكتابه ( الخسيس والنفيس) محاولة لاعادة النظر في مسائل السلطة والمجتمع في المدنية الإسلامية القديمة التي على حد تعبيره ما زالت ظلالها تتردد في حاضرنا.
ووجدت ان – الخسيس والنفيس- أنماط في مجتمعنا الحاضر ، يتدثر الاول –الخسيس- بمعاطف ناعمة وقفازات حريرية ويتطلب اكتشافه وقتا وصبرا وجهدا ، وعلى الثاني – النفيس- غبار يحتاج لإزالته ليظهر ( معدنه) ... والخسيس ذكي يتظاهر بالغباء ،والنفيس ذكي مغمور الذكاء ، والخسيس صوته اعلى من ماذنه ،والنفيس ..صرخته (ما لها شفاه) .
الخسيس في هذا الزمان يظهر لنا الطهر وهو عاهر ، والشرف وهو فاسق والامانة وهو لص ،له من حلاوة اللسان الكثير، مجامل منافق ولكل إنسان عنده ثمن ، يخسر بإرادته في الجولة الأولى ليكسب في الجولة الأخيرة .
- النفيس- يعمل بامانه لا يتشدق بها وبجدية لا يهم الاعلان عنها ، قليل التعامل مع رؤساءه ولا يعرف عيد ميلاد احد منهم ، ليست المواربة كلمة في قاموسه ولا المواءمة ( احد مصطلحات السياسة العصرية) ، ولهذا تقفز فوقه الترقيات والعلاوات والمكافآت وفي بلادنا المتحضرة يُلتفت لهذا النموذج بعين التقدير .
الخسيس قزم يطلع على أكتاف الغير ليبدو عملاقا وينسى – غالبا- ان الناس رأوه وهو يتسلق على الكتف وحين يصل لشرفة التطلعات يتنكر للكتف التي صعدها وربما (يركلها) بقدمه ، هذا النوع من الناس منتشر في الأوساط السياسية وفي جزر النخب والمثقفين ، هذا النوع من الناس فطمته امه بلبن العقوق وتربى في مزرعة الجحود والخنازير ، واحيانا يصاب بانفلونزا الكراسي ومن اعراضها التعالي والعجرفة ولا شفاء منها الا بالإقالة أو الاستقالة ....سيان.
النفيس هادئ الطبع قليل الكلام ، بل مقصر في التعبير عن نفسه ، عاشق لتراب الارض رغم انه لا يمتلك شبرا واحدا ، يخاف على البلد خوفه على اولاده.
- الخسيس- ( سمسار ) هجرة غير مشروعة واحيانا ( موظف اموال طماع ) واحيانا تاجر تاشيرات مزورة ، واحيانا (تاجر إكسسوارات ) تحت السلم ، واحيانا ( صيدلي) ادوية منتهية الصلاحية ، واحيانا (طبيب ) تخدير مهمل ، او (دكتور) ترى انه فيه الكفاية ويرى الورم غير الحميد مجرد بواسير ، واحياناً ( مهندس) يوافق على بناء ايل الى السقوط، واحيانا (نصاب) يستغل جهل الناس ليوقعوا ويبصموا على شيكات بياض، واحيانا اخرى ( محامي ) يبيع موكله لخصمه باجر ، واحيانا ( يتنقل ) بين الاحزاب بخفة ومهارة ، واحيانا ( دون جوان) يضحك على النساء ويستولي على مصاغهن وحسابهن في البنوك ، واحيانا ( مافيا) اراضي بقوة السلاح او النفوذ ، واحيانا ( مستغل ) لثغرات القوانين .
- النفيس – ازمته في غياب (ادوات) عصرية ، فهو لا يجيد فن المراوغة ويعتمد على الله بغير تكاسل او تواكل ، يصلي ولا يخدع ، قريب من الخالق اكثر بكثير من قربه للمخلوقات ، حظه احيانا هباب لكنه يبتسم ، ينتشر هذا النوع من الناس في الجامعات ومراكز البحث واجهزة الدولة ، هؤلاء لا تعرفهم عدسات التلفزيون ، واذا كان الواحد منهم كفئا وصارت له سمعته حاصرته رياح الحقد ..!
- الخسيس – لا يطيق ان تراه ( يحبو) في فجر حياته خصوصا اذا كان متواضع النشاة ، لا يطيق ان تقدم له معروفا او احسانا ما تحت مسمى ، لانه من الطبيعي ان تتقي شر من احسنت اليه ، وعند الاقتراب من عتبات المسؤولين لا يطيق ان يراك تتقدم عليه ويتفنن في ( التملق) عند الكبير لايقاعك في حفرة ... وابعادك .
- النفيس – ما اندره في المجتمع مع انه به وبغيره تترقى الامم ، فهو ليس متعبا ولا باحثا عن مكاسب رخيصة وليس دمويا ولا معقدا، يقول نعم حيث يجب ان تقال ويقول لا في توقيتها الصحيح، لا يزايد بالمواقف ولا يفقد بوصلة احساسه ، ينطبق عليه وصف طه حسين ( المعذبون في الارض) ، لا يسعى لمحمصة السياسة ولا يتكالب ليظهر في الصورة ، ومستعد للحساب الارضي والسمائي ، لا يلوث الفرات ولا يلوث سمعة الاخرين .
- قال الخسيس للنفيس : هذا هو ( الحلال) جعلك جائعا فوق صخرة الحياة .!!
وقال النفيس للخسيس : هذا هو ( الحرام ) جعلك متورطا على شفا الهاوية .!!!
رد الخسيس للنفيس : لغو واخلاقيات وفقر..
رد النفيس : فقر لا تترصده اجهزة الدولة الرقابية .!!!
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟