أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - مبثم الجنابي - مركزية الدولة (العراقية) وفلسفة البديل الوطني















المزيد.....

مركزية الدولة (العراقية) وفلسفة البديل الوطني


مبثم الجنابي

الحوار المتمدن-العدد: 2819 - 2009 / 11 / 3 - 12:28
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



لكل مرحلة تاريخية أولياتها، كما أن لكل حالة سياسية مهماتها الكبرى. وحالما يجري تطبيق هذه الرؤية المنهجية العامة على خصوصية المرحلة التاريخية التي يمر بها العراق حاليا وحالته السياسية المميزة، فان الأولويات الكبرى تنحصر بقضية مركزية الدولة والهوية الوطنية. وهي المقدمة التي تحدد بدورها ضرورة تدقيق المهمات السياسية الكبرى من اجل دفع العراق صوب استكمال كيانه السياسي الجغرافي، والوطني الاجتماعي، والتاريخي الثقافي. فهو الثالوث الذي تتوقف على كيفية ترتيبه وتطويره آفاق ومستويات وخطوات تقدمه.
فعندما ننظر إلى تجربة ست سنوات بعد الاحتلال وبداية "مرحلة السيادة" بعد خروج القوات الأمريكية من المدن، فان الحالة الأكثر بروزا في عرقلة تكامله الذاتي تقوم في ضعف مركزية الدولة وضعف الهوية الوطنية عند قواه السياسية ومكوناته القومية والثقافية.
فقد كشف التحول العاصف بعد إسقاط الدكتاتورية الصدامية والتوتاليتارية البعثية بأيدي قوى خارجية عن ضعف قواه السياسية "الداخلية" و"الخارجية"، واغتراب اغلب مكوناته، وتحطم البنية التحتية للدولة والمجتمع والثقافة، وانهيار القيم. ووجدت هذه الحالة تعبيرها السريع في اشد الأشكال لا عقلانية وتخلفا في ميدان الصراع من اجل السلطة كما كان ذلك جليا (وما زال يفعل بصورة واعية وغير واعية) في المواجهات الدموية واستفحال مختلف أشكال ومستويات الصراع القومي والعرقي والديني والطائفي والجهوي والفئوي. مع ما ترتب عليه من ضمور الأبعاد الضرورية لفكرة الدولة والهوية الوطنية. بمعنى غياب آو ضعف منظومة الوحدة الضرورية بين الكيان السياسي الجغرافي والوطني الاجتماعي والتاريخي الثقافي للعراق في البرامج والبدائل المعلنة للأحزاب والقوى السياسية.
بعبارة أخرى، إن ست سنوات من الصراع الدموي العنيف أفلحت في ظل احتلال يتميز بقدر كبير من النفعية والمكر السياسي أيضا، من إفراز الحقيقة القائلة، بان اغلب دوافع الصراع كانت تتمحور حول السلطة وليس الدولة، أي غياب أو اضمحلال فكرة الدولة. وهو العطش الكبير الذي عانى ويعاني منه العراق. وليس مصادفة أن يحصل المالكي في الانتخابات المحلية الأخيرة على فوز ساحق. فقد كان شعاره السياسي يحتوي على فكرة الدولة بشكل عام والشرعية بشكل خاص. بمعنى استجابته وتمثله للمزاج الاجتماعي والوعي السياسي. والاهم من ذلك إدراكه الواعي لطبيعة المرحلة التاريخية التي يمر بها العراق والمهمات السياسية الكبرى التي يواجهها.
قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن إدراك منظومي عميق ومتكامل في الوعي السياسي العراقي الحالي لأهمية وقيمة مركزية الدولة والهوية الوطنية بالنسبة للأمن والاستقرار والتطور الديناميكي، إلا أنها أصبحت جلية على الأقل في مستوى الحدس الوطني والاجتماعي. وهو حدس تراكم في مجرى الصراع الدموي وغير العقلاني لسنوات ما بعد الاحتلال. ومن خلال بدأت تتضح ملامح الخلل الكبير في بنية الدولة العراقية الحديثة.
فقد كان تاريخ الدولة العراقية الحديثة جزء من زمن السلطة. الأمر الذي تسبب في نهاية المطاف في صعود الراديكالية السياسية وهيمنتها على الوعي الاجتماعي والممارسة السياسية. ولم يكن ذلك معزولا من الناحية التاريخية عن طبيعة التجزئة الداخلية المتراكمة في بنية الوجود الاجتماعي والنفسي وهيمنة البنية التقليدية (العشائرية)، بوصفها الوجه الآخر لانعدام التاريخ السياسي الطويل في ظل السيطرة العثمانية. وحالما ظهرت في العصر الحديث إمكانية الظهور الجديد للعراق القديم، فان صعود "ملك مستورد" كان التعبير الأكثر دقة عن انعدام "مرجعية عراقية" نابعة من تحسس وإدراك كينونته الذاتية.
لقد حاولت الملكية الجديدة حل إشكالية الدولة والهوية العراقية لكنها فشلت واندثرت بعد انقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958. وعوضا عن ملكية عرجاء جرى إنتاج جمهورية كسيحة فتحت الأبواب العريضة أمام صعود ومغامرات الراديكالية السياسية، التي تجسدت لاحقا في سلسلة انقلابات تتوجت باستحكام الدكتاتورية البعثية – الصدامية. ولم تكن هذه الأخيرة في الواقع سوى المسخ الجديد الذي جسد بصورة نموذجية تقاليد "لقرون المظلمة" في "عقود مظلمة". بمعنى عجزها عن بناء فكرة الدولة الشرعية الحديثة والهوية الوطنية المحكومة بقوة القانون والدستور. وبالمقابل "نجاحها" في بناء مركزية السلطة.
لقد أدى هذا الاستبدال المشوه للعلاقة بين الدولة والسلطة إلى استمرار الضعف الذاتي الدائم للنخبة السياسية. الأمر الذي ما كان بإمكانه أن ينتج غير نفسية وذهنية السلطة وأولويتها على فكرة الدولة. وكما أدى ذلك في ما مضى إلى تحول فكرة السلطة وأولويتها في الخطاب والممارسة (الحزبية) إلى مرجعية خفية وراء سلوك المغامرة السياسية قبل الرابع عشر من تموز عام 1958 وبعده، أي إلى مأساة وانحطاط العراق الحديث والمعاصر، فانه يمكن أن يؤدي إلى استعادة نفس التجربة الفارغة، أي إلى اجترار زمن الانحطاط.
لقد كشفت التجربة السياسية الكبرى للعراق على امتداد خمسة عقود متتالية من هيمنة الفكر والممارسة السياسية الراديكالية عن طبيعة الخلل بين فكرة الدولة والسلطة والأمة. فقد حولت الفكرة والممارسة الراديكالية الوطن والدولة والمجتمع والإنسان إلى أشياء تابعة للسلطة. من هنا صعود الأطراف والأقلية والهامشية كما كان ذلك جليا في الصدامية، باعتبارها النموذج "التام" لهذا النمط الراديكالي السلطوي. وليس مصادفة أن تبرز فكرة السلطة وجوهريتها بحدة مبالغ حد المرض العضال بعد سقوط الدكتاتورية الصدامية عند الأطراف والهامشية (مختلف "جمهوريات الإسلام" الطائفية السياسية و"فيدراليات" العرقية الكردية. وإذا كانت الأولى قد تعرضت إلى هزيمة ساحقة، فان بقاء الأخيرة على حلبة الصراع يجعل منها حجرة العثرة الأخيرة الواقفة أمام مهمة استكمال ثالوث الجغرافيا السياسية والاجتماع الوطني والتاريخ الثقافي الموحد للعراق.
فقد جسدت وتكاملت القومية الكردية في ظل خلل شبه تام في بنية الدولة (ما بعد انقلاب الرابع عشر من تموز)، وانتعشت واستفحلت فيها نفسية وذهنية العرقية المريضة بعد سقوط الصدامية وتحول العراق إلى منطقة احتلال لقوى "حليفة" وصانعة للدمية السياسية الإقطاعية الكردية. وليس مصادفة أن تكون القوى الحزبية الكردية فاعلة بحماس منقطع النظير من اجل إثارة الصراع الطائفي (في خطابها دوما عبارة الأكراد والسنة والشيعة، مع انعدام شبه تام لفكرة العراق والعراقية)، والدفاع المستميت عن "فيدرالية" بلا فيدراليات!، و"إقليم" بلا أقاليم! وتجذير لفكرة وممارسة المحاصصة في كل مكان وشيء ومقولة وسلوك، والعمل من اجل إضعاف المركز لصالح الأطراف، والاعتماد على قوى خارجية غير عراقية في الدعم والمؤازرة، والتطبيل لازدواجية "كردستان" والعراق، ومحاولات إضفاء الشرعية على ظواهر العصابة والميليشيات، وجعل نموذج الإقطاعية السياسية والتجبر والاستبداد ومصادرة الثروة نموذجا "للديمقراطية" في المنطقة (الكردستانية؟). واستطاعت في غفلة من الزمن أن تنثر ذلك في مواد "الدستور الدائم". بحيث جرى تصوير العراق تجمعا لأعراق فاقدا لهويته الذاتية. وهي حالة غريبة في تاريخ الدول والأمم عندما تفرض فيه أقلية هامشية تصوراتها على الأمة الصانعة لتاريخ هائل ودولة كبرى وثقافة كونية. كما أنها حالة تستمر بنفس شذوذ الخروج على منطق الدولة والتاريخ والأمة عندما تسعى أقلية هامشية على فرض تصوراتها على المركز.
بعبارة أخرى إننا نقف أمام محاولة استعادة نفس التجربة الفارغة، أي أمام نفس القوى الهامشية والاطرافية التي عاشت وتعيش بمعايير جوهرية السلطة على الدولة، والعائلة على الجماعة، والقبيلة على المجتمع، والعصابة على المؤسسة.
من هنا أهمية وجوهرية مركزية الدولة والهوية الوطنية في ظروف العراق الحالية. فهو الشرط الضروري من اجل إعادة بناء التاريخ الذاتي وليس اجترار الزمن الفارغ. كما انه الأسلوب الوحيد القادر على تذليل تعارض الدولة والسلطة من خلال وضعهما ضمن سياق فكرة سليمة ومتكاملة عن منظومة الجغرافيا السياسية والإجماع الوطني والثقافة التاريخية للعراق بوصفه كلا واحدا.
فالتاريخ لا يعرف قانونا صارما ولكنه قادر على البرهنة الدائمة على أن الخروج على الحكمة السياسية يؤدي بالضرورة إلى الجحيم. وليس هناك من جحيم بالمعنى التاريخي والسياسي والأخلاقي أقسى من جحيم الانحطاط والتفكك الوطني مع ما يترتب عليه من حتمية مختلف أشكال الصراع والحروب غير العقلانية. وهي نتيجة يؤدي إليها بالضرورة كل الأشكال والمستويات المتنوعة والمختلفة للبنية التقليدية مثل الطائفية السياسية والقومية العرقية والجهوية والفئوية وما شابه ذلك. وذلك لعجزهم الذاتي عن صنع الثبات والديمومة على أسس عقلانية عاملة بمعايير المستقبل.
إن العمل بمعايير المستقبل في المرحلة التاريخية التي يمر بها العراق تفترض صياغة مشروع جديد يذلل خلل ما بعد الصدامية في بنية الدولة والنظام السياسي. والصيغة العامة له تفترض القضاء على "ديمقراطية" المحاصصة "التوافقية"، بوصفها الوجه المحسن للطائفية والعرقية السياسية. من هنا أهمية وقيمة المشروع الحقيقي البديل المبني على أسس مركزية الدولة وفلسفة الهوية الوطنية العراقية.
إن تنفيذ هذا المشروع يستلزم بدوره تجسيد المهمات الكبرى التالية:
1. إعادة كتابة الدستور بطريقة قانونية جديدة تأخذ بنظر الاعتبار التجربة السياسية للعراق الحديث وما بعد الصدامية. بحيث تكون كتابته ومناقشته من اختصاص النخب العلمية والفكرية أولا والحزبية السياسية ثانيا. ثم إقراره عبر البرلمان المنتخب فقط.
2. إعادة النظر بطيعة النظام السياسي وتحويله من البرلماني إلى الرئاسي. على أن يكون انتخاب الرئيس بشكل مباشر من قبل المجتمع لدورتين فقط غير قابلة للتمديد.
3. بناء علاقة ديناميكية وشرعية بين مركزية الدولة وسلطتها التنفيذية من جهة، وبينهما وبين سلطة المحافظات من جهة أخرى. مع ما يترتب عليه من إلغاء للفيدرالية (لاسيما وانه لا وجود فعلي لها إلا بالاسم) ثم إلغاء تدريجي لفكرة الحكم الذاتي ومختلف أشكال البنية التقليدية المتناقضة مع فكرة الدول الحديثة ومشروع المواطنة التامة والحقوق الدستورية المتكافئة.
4. الاهتمام الخاص بالتربية والتعليم من خلال وضع برامج علمية بعيدة المدى مهمتها تأهيل الفرد والمجتمع والدولة للانتقال الشامل صوب اقتصاد العلم والتكنولوجيا الحديثة ومجتمع المعلومات.
5. الاهتمام الأولي والأكبر بالزراعة من خلال وضع وتحقيق برامج متكاملة لتغيير البنية التحتية للريف والفلاحين باتجاه نقلهما إلى مصاف الزراعة الصناعية الحديثة.
***



#مبثم_الجنابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغلاة الشيعة ونموذجية الصورة العلوية – البحث عن المعنى المت ...


المزيد.....




- لماذا أصبح وصول المساعدات إلى شمال غزة صعباً؟
- بولندا تعلن بدء عملية تستهدف شبكة تجسس روسية
- مقتل -36 عسكريا سوريا- بغارة جوية إسرائيلية في حلب
- لليوم الثاني على التوالي... الجيش الأميركي يدمر مسيرات حوثية ...
- أميركا تمنح ولاية ماريلاند 60 مليون دولار لإعادة بناء جسر با ...
- ?? مباشر: رئيس الأركان الأمريكي يؤكد أن إسرائيل لم تحصل على ...
- فيتو روسي يوقف مراقبة عقوبات كوريا الشمالية ويغضب جارتها الج ...
- بينهم عناصر من حزب الله.. المرصد: عشرات القتلى بـ -غارة إسرا ...
- الرئيس الفرنسي يطالب مجموعة العشرين بالتوافق قبل دعوة بوتين ...
- سوريا: مقتل مدنيين وعسكريين في غارات إسرائيلية على حلب


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - مبثم الجنابي - مركزية الدولة (العراقية) وفلسفة البديل الوطني