|
كي لا يفتخر أحد
زهيرالأسعد
الحوار المتمدن-العدد: 2812 - 2009 / 10 / 27 - 22:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كي لا يفتخر أحد (دعوة للتواضع) قلما تجد صورة حقيقية للتواضع اذا ما نظرت الى كافة شرائح المجتمع العربي الأسلامي، ولكن بداية لكي لا يُفهم أن نقدنا موجه نحو حرية التعبير،والتي تستخدم احيانا لدرجةٍ تُسفه مقومات إمتلاكها، أو اننا ننتقص من المقدّرات المعلوماتية للفرد العربي المسلم والتي يمكن انها قد جاءت نتيجة لاسباب عدة ، أهمها التعليم الذي لم يعد حكرا على المقتدرين ماديا،او بسب ثورة المعلومات و الاتصالات، خصوصا الانترنت،والتي كلها مُجملة ، شقت حجاب الجهل، سواء ذاك الذي كان قائما بشكل طبيعي او تم اقامته لأسباب سياسية ، نقول أن أقوى الأسباب لإنتفاء التواضع كجزء من خصائص الشخصية للفرد العربي المسلم ، لا بد أن يكون تربويا . فالتواضع كمدلول و حسب ما نود له أن يُدرك ، ليس فقط المسلك الفردي من حيث المأكل ، المشرب ، والمسكّن أو معاملة الأخر بإحترام وإنسانية - برغم ان هذه الاخيرة، غالباً ما تجدها غطاءً لما لا يتجاوزتصنيفه نفاقا و رياءً اجتماعيين- بل انه إضافة لكل ذلك ،الامتلاك الحقيقي لقدرة فعلية على استيعاب الآخر، و الصدق المهذب الادوات في نقد الذات و الآخر دون تحيز أو تميز ، فتكون النتائج عقلانية الجذور ، يتطور معها اسلوب تفكير الفرد ، مندفعاً نحو فهم افضل لواقعه الحقيقي و حاجاته ومسؤولياته. قبيل قرابة ثلاثة عقود ، جاء في خطاب للعاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال ما مفاده ،أنه ليس بمقدور المجتمع أن ينمو او أن يتطور إلا حينما يصنع إنسانا مؤمنا بواجبه ، واعيا لمسؤولياته ، مستعداً للخدمة العامة ، ومزينٌ بروح المواطنة و الأنضباط ،ثم أردفها في ذات الخطاب ، على ان الإصلاح يبدأ بالنفس وان للمؤسسات دورا في إعداد الأفراد وحثهم للواجب . سنبتعد هنا عن الدخول في دهليز ماهية المواطنة ، فنحن نرى أن روحها قد وئدت والسبب؟ نعم.. لا تتفاجأ، التربية الاجتماعية الاسلامية . ما يهمنا اكثر هو الفرد- الأنسان ، في مجتمع لن يكتب له التقدم والنمو إلا اذا كان إنسانا أولاً وأخيراً ، لذا نتساءل ، كيف سيصل الفرد العربي المسلم لتفعيل كينونته الأنسانية !، في حين تتملكه واحدة من المفارقات العجيبة في اسس تربيته العقائدية ،ألا وهي تلك التي تحثه على معاملة الحيوان برفق وعدم اثقاله بالأحمال ، وبذات الوقت تدعوه لأستهانة وتحقير الفرد- الأنسان الذي لا يؤمن بالفكر الأسلامي كعقيدة ، ثم أيمكن له ان يؤمن بواجبه وان يكون مستعداً لخدمة الجميع ، دون ان يتحلى بالتواضع المتجذر في تربة تربوية وتشريعية عناصرها المساواة والعدالة والتثمين الحقيقي للبعد الانساني ؟. لربما سيبدو للبعض- بالأخص أولئك المروجين بأن الواجب الأسمى للفرد المسلم هو أن يُفني أو يَفنى دفاعاً عن العقيدة - اننا نتحامل جزافاً على التربية الإجتماعية للفرد المسلم ، لذا لا بد ان نُذكر بالآتي، ألا تكون تربية الفرد على الايمان ً بهكذا واجب اصلاً ،عوضاً عن حثه لتطوير ذاته والآخر بأساليب سلمية و حضارية ، منافيا لكل قواعد الأنسانية و المنطق و العقلانية !، ولكي لا نترك لهؤلاء فسحة الأتيان بتبريراتهم المتلونة دوما حسب معطيات الزمان و المكان ، ندعوهم لقراءة ما قاله يسوع الناصري لتلاميذه حول عواقب من لم تكن اساسات بيته الصخر ، وليبحثوا في هذا التساؤل: ألربما كان اصطباغ الفكر العربي الإسلامي في اسلوب بناءه الفكري بالهشاشة لكون مؤسسه نشأ في بيئة لم تدرك اصول البناء ، واهمية مراعاة هذه القاعدة في شتى مجالات الحياة بما فيها بناء الايدلوجيات ، فمجتمعه لم يعرف آنذاك وعلى افضل الاحوال سوى السقائف ، ولذلك تجده -اي الفكر الاسلامي- يتقهقر امام عوامل التطور الفكري للأنسان والنقد الحقيقي . لكن لنعد للجزء الثاني من الأشكالية التي تحدث عنها الملك الراحل ، وهي ان الأصلاح يجب ان يبدأ بالنفس . نحن نرى ان اهم أدوات الأصلاح تتمثل في النقد الذاتي الصادق ، الذي لا يجب ان يُمنع لأي سبب ، لأنه لا يعتمد على الأحاسيس التي كثيراً ما تخدع العقل ، فقواعده البحث في السبب و النتيجة. اما حول إشارته للمؤسسات ودورها ، فنحن نعتقد ان لكلها دوراً مهما ، وخصوصا المؤسسة التربوية ونواتها العائلة. واذ لا نتردد في القول ، أنه ليس بمقدور الفرد أن يصبح إنسانا أصلاً ، اذا لم يتحلى بالتواضع المبني على قبول الآخر كأنسان أولاً وأخيراً، وبعيدا عن الفروقات التي غرسها الفكر الديني في حالة الفرد العربي ، نشير أن تركيزنا هنا على حالة الفرد العربي المسلم ، يتأتى من ارتباطنا المصيري به ، ولأدراكنا أن للمجتمع العربي خصوصية إجتماعية ، قبلية السمات ، كان أولى لفكره الإنساني أن يُتخلص منها ، تباعا لتطور حاجاته و مسؤولياته ، بيد أن الفكر الاسلامي عَزّز هذه السمات و أبقى عليها ، فغدت تلازم بنيته. أضعف الدلائل على هذه الخصوصية ، تجدها في الفوارق الواضحة بينه - اي المجتمع العربي الاسلامي- وبقية المجتمعات الاسلامية الغيرعربية ، فهي وبرغم إتباعها للفكر الاسلامي كدين ، لم تنسلخ كلياً عن بعض ثوابتها التربوية الاجتماعية المُتوارثة ، مما يوحي للناظر فيها احياناً أنه يقف امام صورة مغايره للفكر الاسلامي ذاته. أحد الحقائق التي نقرأ منها هذا التصور ، ألا وهو غياب التواضع من خصائص شخصية الفرد العربي المسلم ، هي ان الفرد في المجتمع العربي الاسلامي يُنشأ تربويا على الايمان بأنه جزءٌ من امة هي خير ما أُخرج للناس . هذه القاعدة التربوية والتي هي اصلا جزء من تربية الفرد العربي قبل الاسلام، كونها وليدة للفكر القبلي آنذاك، ولكن لانها أخذت في الفكر الاسلامي طابعا عقائدياً ، اضحت لازمة تربوية ، وبشكل لا مباشر اساسا لأنعكاس سرابي لا يمثل الحقيقة ، ناهيك اننا لا نرى ثمارا لانتهاجها سوى انها تورث " الشوزفرينيا " ،والاخطر من الاصابة بحالة كهذه هو ان يصاحبها الانكار ورفض العلاج. برغم ان هناك ما يمكن إعتباره ذو طوابع عقلانية ، في ما يحويه الفكر الاسلامي من قواعد تربوية ، شريطة ان يُنظر اليها من زاوية المجتمع العربي القبلي . الا انه وبمجرد تغير هذه الزاوية بنظرة انسانية - وحسب مفهومها الحديث كما يُعرفها البروفسور"A.C.GRAYLING" في كتابه الموسوم (نداً بكل الآلة) ، على انها النظرة المُحتكمة لأفضل مستوى في فهم طبيعة الانسان وظروفه ، في عالم واقعي وحقيقي ، وبغض النظر عن نظامه الاخلاقي- ستجد ان هذه القواعد التربوية ، وخصوصا تلك الانفة الذكر ، تناقض كل الحقائق الواقعية لحال المجتمعات الاسلامية وفي مقدمتها العربية منها. ولمن يشك في اننا نخطئ اذا ما قلنا ان الغالبية العظمى من افراد المجتمع العربي الاسلامي يعانون من ما يضارع تاثير المرآة السحرية ، فما عليه سوى ان ياخذ صوررتين كوداك فورية – كونها غير قابلة للتزييف- واحدة لواقع المجتمع العربي الاسلامي ، واخرى لواقع المجتمعات التي نفذت من اقطاب السموات بسلطان خلقه فكر إنساني لأفراد لم يغرس في عقولهم هذا المفهوم .
#زهيرالأسعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سحقاً لهم
-
دول المعابد
المزيد.....
-
“طلع البدر علينا” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20
...
-
إعلام: المرشد الأعلى الإيراني يصدر التعليمات بالاستعداد لمها
...
-
غارة إسرائيلية على مقر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية في خربة
...
-
مصر.. رد رسمي على التهديد بإخلاء دير سانت كاترين التاريخي في
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الاس
...
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي: الكيان
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان: مجاهدونا استهدفوا تجمعا لقوات ا
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: أنتم
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: لا م
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي: -الاسرائيليون- يتصور
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|