جادالله صفا
الحوار المتمدن-العدد: 2810 - 2009 / 10 / 25 - 23:36
المحور:
القضية الفلسطينية
دعوة ابو مازن لاجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بالرابع والعشرين من كانون الثاني لعام 2010، قبل تجاوز الساحة الفلسطينية لحالة الانقسام التي تمر بها، تترك مخاطر جمة وقوية على مستقبل ومصير القضية الفلسطينية، فالعقبات التي تعترض انجاز توافق ووفاق فلسطيني والتي ما زالت قائمة، بحاجة الى تجاوزها والتغلب عليها وتذليلها، فهذه الخطوة بدون شك تأتي لتزيد وتكرس حالة الانقسام، ولتضع مزيدا من العقبات ليصبح الانقسام امرا واقعا يصعب تجاوزه مستقبلا، هذه الدعوة بالواقع، لا تاتي لاستحقاق فلسطيني بقدر ما هي استحقاق لاتفاق اوسلو، ولا لفراغ دستوري، لاننا ما زلنا بمرحلة تحرر وطني ونفتقد الى الدولة ذات السيادة، والواقع الفلسطيني هو تثبيت سلطة حكم ذاتي كما ينص عليه اتفاق اوسلو، فالوحدة الفلسطينية والاتفاق الفلسطيني، اضافة الى اعادة الاعتبار الى منظمة التحرير الفلسطينية واعادة بنائها وتفعيل مؤسساتها واعادة اللحمة للشعب الفلسطيني والتاكيد على وحدة شعبنا ووحدة الارض الفلسطينية هي من الاوليات والاستحقاقات الفلسطينية التي يجب انجازها، فلا يجب ان تخدعنا التصاريح والقرارات الغير المسؤولة التي تعمق من حالة الانقسام والانشقاق الفلسطيني، فالسياسة العوجاء هي التي اوصلت الحالة الفلسطينية الى ما وصلت اليه.
الدعوة الى انتخابات لسلطة فلسطينية تاتي لتؤكد وتكرس الغاءا للحقوق الفلسطينية وعلى راسها حق الشعب الفلسطيني بالوحدة على اعتباره شعبا واحدا بالضفة وغزة ومناطق ال 48 ولبنان والاردن وسوريا والشتات، هذه الدعوة التي لن يلبيها ويمارسها الا نسبة قليلة من شعبنا قد لا تتجاوز نسبة ال 20% ، لتعيد انتخاب ابو مازن رئيسا جديدا، ضاربا بذلك كل القيم الوطنية التي تعيد للانسان الفلسطيني كرامته وعزته، كذلك لتؤكد هذه الدعوة ان الجانب الفلسطيني المقيد باتفاقيات الذل والعار يعمل على ان تكون هذه الاتفاقيات مقبولة ولها امتداداتها على الارض بين شعبنا بكل اماكن تواجده.
الموافقة على هذه الدعوة من قبل الاطراف والقوى التي ترفض اوسلو واتفاقيات الذل والعار ستترك سلبيات على ادائها ومواقفها، مقاومة هذه الدعوة التي تكرس الانقسام والانشقاق الفلسطيني هي مهمة اساسية لافشالها، والقوى الفلسطينية واعني بها قوى اليسار الفلسطيني التي تشارك بمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية الملغي ميثاقها الوطني منذ عام 1996، الذي كان هذا الالغاء شرطا للسماح لانتخاب مجلس تشريعي، عليها ان تعمل على تعرية القيادة المفرطة بالحقوق الفلسطينية، والتي تتفرد بقرارات تزيد من حالة الانقسام الفلسطيني، فاذا كانت قضيتنا امام خيارين، خيار التمسك بسلطة الحكم الذاتي او خيار حل السلطة، فاعتقد ان هذا الامر يجب تركه لمن كانوا سببا بذلك، لان التجربة اثبتت انهم لن يتراجعوا عن مسلكيتهم، وان تبحث قوى اليسار عن خيارات اخرى، لايجاد بدائل لهذه القيادة، وهذا سيكون طبعا له ثمنا، وعلى القوى التي تريد هذا الخيار ان تدرك جيدا الثمن الذي ستقدمه مقابل ذلك.
على القوى الرافضة والمعارضة لاتفاق اوسلو السيء الصيت والذكر، ان تعرف جيدا موقف الجماهير الفلسطينية بكل اماكن تواجدها اتجاه اوسلو وما جلبه من ويلات على شعبنا، وان تنخرط مع هذه الجماهير التي باغلبيتها الكبيرة ترفض اوسلو بكل تفاصيله، فالجماهير الفلسطينية تنظر الى اليسار بانه جزءا من هذه القيادة التي جلبت الويلات على شعبنا، وترى بان اليسارعاجزا عن التغيير، ولهذا السبب واسباب اخرى ترى باليسار الفلسطيني جزءا من هذه القيادة المفرطة والمساومة، فاقتراب اليسار من مروجي اوسلو واستمرار اللقاء معهم على قاعدة تحالف – صراع – تحالف، تؤكد ان الجماهير لا تفهم هذا المصطلح، كيف يكون هناك تحالف مع من فرط بالحقوق الفلسطينية؟ ومن الغى البنود الاساسية للميثاق الوطني الفلسطيني؟ كيف يكون هناك تحالف مع من وقع على وثيقة جنيف للتنازل عن حق اللاجئين؟ كيف يكون هناك تحالف مع من يوافق على خارطة الطريق التي تجمع عليها قوى اليسار انها سيئة ولا تلبي الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية؟ كيف يكون هناك تحالف مع من يعمل على تبرئة الكيان الصهيوني من جرائمه ضد الشعب الفلسطيني اثناء عدوانه على غزة؟ لماذا مطلوب الحوار مع المفرطين والمساومين على حقوق شعبنا؟ الم تخطو هذه القيادة خطوات كثير وقطعت مسافة طويلة باتجاه التفريط بالحقوق الفلسطينية؟ فهل التبريرات التي يطلقها اليسار الفلسطيني مقنعه للجماهير الفلسطينية والشعب الفلسطيني؟ بكل تاكيد ان اليسار الفلسطيني بعيدا عن الجماهير وبينهما مسافة بعيدة، فهو لا يسمعها ولا يعرف موقفها، الجماهير الفلسطينية تبحث عن قيادة تعيد لها كرامة الانتماء، وتعيد لها القيم الانسانية بعد ان حطمها اوسلو وموقعيه ومروجيه، الجماهير الفلسطينية تبحث عن بديل لهذه القيادة، وقد كانت انتخابات عام 2006 اكبر دليل، هذه الانتخابات التي حصلت على مناطق جغرافية محددة شارك بها جزءا من شعبنا الفلسطيني، فهذا كان درسا فمن المفترض ان اليسار الفلسطيني استوعبه جيدا.
يريد اليوم ابو مازن ان ياخذ شرعية من نسبة لا تزيد على 20% من شعبنا الفلسطيني، ليقول لمن يعارضه: شئتم ام ابيتم فانا رئيسكم، فهو يدرك وشعبنا يدرك وكل العالم يدرك ان هذه الشرعية التي يحصل عليها ابو مازن على الضفة الغربية لا تعطيه شرعية على باقي شعبنا، وان مساومته ستبقى على هذه البقعة الجغرافية، وان انتخابه هناك بمشاركة نسبة قليلة من شعبنا، تعني هدرا لحقوق شعبنا، فما تبقى من شعبنا بحاجة الى اعادة تنظيم واعادة بناء لمؤسساته، وهنا على اليسار الفلسطيني والمعارضين لهذه السياسة ان يدركوا جيدا ان هناك 80% من شعبنا لا يمثله ابو مازن، فاذا المعارضين لا يدركوا ذلك، فالكيان الصهيوني والغرب يدرك ذلك جيدا، فالقوى المعارضة ومنها اليسار امام خيارين لا ثالث لهما، اما ان يبقى مع ال 20% التي يمثلها ابو مازن او يتوجه الى النسبة الثانية من شعبنا، واذا طالب اليسار الفلسطيني وجمع قواه لمقاطعة الانتخابات والتحريض والتمرد على هكذا انتخابات، اعتقد انها قد تعيد لهم جزءا من ثقة الجماهير، لان الجماهير الفلسطينية بحاجة الى القوى الثورية التي كانت صلبة بالمراحل الصعبة التي مرت بها الثورة الفلسطينية على طول مسيرتها، وماذا سيخسر اليسار لو اختار خطا مغايرا لخيار ابو مازن من اجراء الانتخابات، وقد تكون هذه الخطوة مساهمة نسبية باعادة جزءا من شعبيته التي فقدها.
اليسار الفلسطيني والقوى الاخرى المعارضه لنهج اوسلو ولسياسة القيادة الفلسطينية، عليها ان تدرك ان المرحلة الحالية لا تسمح للتحالف، وان الصراع مع هذا النهج يجب ان يكون هو السائد، من اجل الدفاع عن الحقوق والثوابت الفلسطينية، فالتناقض مع الكيان الصهيوني اساسي لا خلاف عليه، ولكن الاستمرار بسياسة التفريط هي اخطر من ذلك بظل استمرار قيادة ارتبطت مع الاحتلال، والتقت مصالحها مع الاحتلال، وتؤكد الايام ان هذه القيادة لن تعود الى الوراء اطلاقا، وها هو دايتون ما زال موجودا يبنى جيشا لملاحقة كل الشرفاء والوطنين ليكونوا من ادوات الاحتلال القمعية، وها هو الاستيطان المتواصل التي ترفض سلطة اوسلو ازالته وانما تطالب بتجميد الاستيطان، وها هي القدس التي تنتهك حرمتها كل لحظة والسلطة تتمسك بالقدس الشريف ( الحرم الشريف) وتنسى ما تبقى من احياء القدس التي تنتهك يوميا وتهدم بيوت المواطنين وتطرد العائلات من الاحياء التي تؤكد على عروبة القدس واسلاميتها، فاي المسارات التي سيسلكها اليسار خلال الاشهر الثلاثة القادمة؟ فاذا اختار مسلك الحوار مع نهج اوسلو وسلطتها، بكل تاكيد ستكون خسارته كبيرة، واذا اختار المشاركة بالانتخابات ايضا ستكون خسارته اكبر، اما اذا اختار التحريض وطالب الجماهير الفلسطينية بالمقاطعة حتى تسمح الظروف باعادة الاعتبار لوحد شعبنا الفلسطيني ومطالبتهم بالتمرد حتى زوال الاحتلال اعتقد انها ستعيد لهم جزءا من الثقة الجماهيرية، فاليسار اليوم بين هذه الخيارات، وعليه ان يختار بينها.
جادالله صفا – البرازيل
25/10/2009
#جادالله_صفا (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟