|
الإفطار العلني في رمضان....أو ديكتاتورية الأقلية الصائمة
قاسم السكوري
الحوار المتمدن-العدد: 2802 - 2009 / 10 / 17 - 22:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كثير من الأديان ترتكز على فكرة تفوق أتباعها عن أتباع باقي الديانات الأخرى، ومن جراء هذا الاعتقاد العنصري ترسخ لدى الكثير من الناس أنهم المحضوضون من بين كل البشر، و أن القوى الغيبية التي يؤمنون بها هي التي مكنتهم من هذه الحظوة ،ومن تم صار لهم أنقى عرق وأرفع نسب وأكرم سيرة عبر العصور، ولا يترددون في إعلان أنفسهم رعاة للفضيلة والحكمة والأخلاق النبيلة النابعة من الغريزة البشرية الأولى التي وضعها الله في البشر حتى قبل أن يهبطوا إلى الأرض.هكذا لا يكتفي أتباع الكثير من الأديان بالانتصار المطلق لمعتقدهم الديني وبطرد باقي الديانات من حلبة السباق نحو الفوز بالرضا والفردوس الإلهي، بل يزدرون ويحتقرون نظرائهم من البشر وكثيرا ما يساوون بينهم وبين الحشرات والحيوانات لإنكار آدميتهم ومن تم تبرير مخططاتهم العدائية والتصفوية ضدهم. هذه هي الحقيقة المرة الجاثمة في الصدور و التي تعرقل وعي الناس وترسخ العنف باعتباره أقدم قانون اجتماعي في التاريخ،لقد ضل اليهود لآلاف السنين على قناعتهم بأنهم شعب الله المختار ورغم مآت السنين من الضياع والشتات بقي المعتقد هو نفسه يسري من جيل إلى جيل، أما الإسلام الحفيد الشرعي لليهودية فقد أعلن المسلمين خير أمة أخرجت للناس وأن اللغة العربية القرشية هي لغة القرآن وستكون لغة التخاطب يوم القيامة مما يعني أن الله نفسه وليس الأرض وحدها"بيتكلم عربي". من هذا المنطلق، سنفهم بسهولة لماذا يصر المسلمون على فرض الإسلام فرضا،وعلى منع المولودين لأسر مسلمة من حق اختيار دين آخر، و سنفهم أكثر لماذا يلجأ المسلمون إلى تجريم الإفطار العلني في رمضان. يصر المسلمون على فرض الإسلام على غيرهم بكل الوسائل، بما فيها القتل لاعتقادهم أنه الدين الحق، وأن خلاص البشرية هو في اعتناقه، وأنهم عندما يفرضونه عليهم فإنهم يسدون لهم خدمة لا تقدر بثمن لأنهم ينقدونهم من أنفسهم تماما كما يمكن أن نفرض على المريض تناول الدواء المر لإنقاذه من الهلاك.من هنا تصبح الحرية مؤذية للناس وأن الواجب (الأخلاقي) يفرض منع الضرر عنهم بكل الوسائل بما فيها الإكراه البدني. أمام هكذا وضع لا يبقى لدينا أي شك بان القوة والعنف هما المتحكمان في السلوك الإسلامي اتجاه المختلفين عقديا ،وأن الطريق الوحيد المتبقي أمامنا في ضل افتقادنا للقوة الرادعة هوا لتحايل بمكر على هذه العقلية الجامدة وسياستها برفق وليونة حتى تقتنع بأنه من الجائز عدم الاستقصاء دائما عن بعض الممارسات التي تبدو ظاهريا منافية لبعض المعتقدات الدينية، كما هو الشأن بالنسبة للإفطار العلني في رمضان،.إنها مهمة شاقة لكن غير مستحيلة،فكما نجح المروضون في قيادة السباع بخيط مربوط إلى أعناقها يمكن أن ننجح نحن أيضا في يوم ما في الحد من الاندفاع العدواني للمؤمنين ضد ممارسة بعض الحقوق الفردية. لنأخذ مسألة منع الإفطار العلني كمظهر من مظاهر الاستبداد الديني، حيث لا يترك أي هامش ولو ضيق لحرية الأفراد في الأكل علنا، سواء كان أكلا مشبوها أو غير مشبوه، و حيث يجبر الناس على التظاهر بالصيام ويمنعون حتى من حق الجهر قولا بأنهم يطفئون جوعهم وعطشهم، وإذا فعلوا فإن سلامتهم البدنية وحريتهم وحتى حياتهم تصبح عرضة للخطر.وللخطر هنا مصدرين: الحاكم ممثلا في أدرع سلطته الممتدة إلى أدق تفاصيل المعيش اليومي للمواطنين، ومجتمع المسلمين المتربصين بالأعداء الوهميين ماداموا عاجزين عن مقارعة الأعداء الحقيقيين. لقد نجحت الأنظمة في تحويل حياة الناس إلى سلسلة متصلة من البؤس والشقاء، فتحولوا هم أيضا إلى حراس يقظين يقفون جماعة في وجه بعضهم البعض لدرء كل خطر قد يتهدد الأساس الأيديولوجي لوجود المستبدين.هكذا وفي مشهد محزن يتحول الضحية إلى بطل يذود عن جلاديه وهي طريقة سهلة ليحس بأهميته ويتخلص من الإحساس بالدونية التي يفرضها وضعه في أدنى المراتب الاجتماعية. بعد هذا المدخل دعونا نهدم إحدى الأطروحات الأساسية التي تقول بأنه في بعض الأمور العقدية يجب أن نقبل بمنطق انضباط الأقلية للأغلبية، وهوا لحالة في رمضان حيث أغلبية الناس يصومون ويفرض على الأقلية المطالبة بحق الإفطار العلني أن تستتر وان تمارس حقها في الإفطار لكن بعيدا عن أعين المؤمنين حتى لا يتأذى شعورهم فتشتعل الفتنة بين أعضاء المجتمع الواحد. الاكتشاف الذي لا أطيق التأخر في إعلانه على الملأ يقول أن الذين ينامون ليلا بنية الصيام ويصبحون صائمين ويستمرون على صيامهم إلى أن يحين موعد كسر الصيام ليسو في الحقيقة سوى فئة ضئيلة بعيدة جدا عن تشكيل فريق أغلبي داخل المجتمع،هذه الحقيقة لا علاقة لها بأي احتمال حول اكتساح العقائد الملحدة أو الكافرة للمجتمع المسلم ولا بانخفاض جذوة الإيمان لدى الشعب المسلم،ولكنها حقيقة بسيطة متأتية من رصد بعض المعطيات التي لا نلتفت إليها بتاتا مع إجراء بعض العمليات الحسابية السهلة لنتوصل أخيرا إلى الاكتشاف الذي يخرس الأفواه المتشدقة بالمغالطات. سنطرح أسئلتنا على الشكل التالي: 1-كم عدد الأطفال القاصرين عن فهم الدين ومقاصد العبادات والعاجزين بيولوجيا عن تحمل الجوع والعطش لمدة طويلة؟لنعتمد سن 15سنة كمرجع و سنكتشف بسهولة أنهم بالملايين،ففي بلد كالمغرب هذه الفئة تمثل ما ينيف عن 10ملايين ونصف من العدد الإجمالي للسكان الذي يناهز 33مليون ونصف المليون حسب تقديرات سنة 2006 مما يمثل نسبة 32%. 2-كم عدد السكان الشيوخ العاجزين فعليا عن تحمل مشقة الصيام و الذين يتهددهم الخطر جراء الإمساك عن الأكل والشرب بسبب ضعف المناعة لديهم وبسبب الحاجة إلى التزود بالطاقة بشكل مستمر؟هؤلاء يبلغ عددهم بالمغرب ما يزيد قليلا عن نصف مليون(أكثر من 75 سنة). 3-من الناحية المبدئية فإن كل النساء (باستثناء بعض الحالات النادرة) ابتدءا من سن البلوغ البيولوجي وحتى سن انعدام الخصوبة الذي يحل عموما في سن 45 سنة ينزلن دم الحيض بالضرورة خلال مدة تتراوح بين 3أيام وأسبوع من كل شهر مما يعني عمليا أن النساء من هذه الفئة مرشحات دائما ليكن غير صائمات بترخيص إلهي. 4-كم عدد النساء اللواتي يتصادف حملهن مع شهر رمضان والملزمات بالإفطار لتفادي الوهن والضعف الناجم عن الصيام، فضلا عن التقلبات الهرمونية التي ترافق حملهن وتعرضهن لنوبات التقيؤ اللاإرادي على مدار اليوم؟. 5-كم عدد النساء اللائي يضعن مولودا إبان شهر الصيام وتلزمهم تغذية غنية ومتوازنة لاستدرار الحليب غزيرا من أثدائهم لإرضاع مواليدهن؟. 6-كم عدد المرضى الذين يفترشون أسرة المستشفيات ويلجون يوميا وعلى مدار الساعة إلى أقسام المستعجلات لتلقي الإسعافات و إجراء الفحوصات والخضوع للعمليات الجراحية ويتلقون التعليمات الطبية بتناول الأدوية والخضوع للحميات؟هذا دون الحديث عن المرضي المعوزين الذين لا يدخلون في الدفاتر الإحصائية لوزارات الصحة ولا يخضعون لأي نوع من أنواع الرعاية الصحية؛يفترشون الحصير منهكين بالمرض في انتظار قابض الأرواح. 7-كم عدد المصابين بالأمراض العابرة أو المزمنة الذين يحضر عليهم الصيام لتفادي المضاعفات غير المرغوب فيها كمرض السكري المعالج بالأنسولين و الإسهال الحاد وقرحة المعدة والإثنى عشر وتشمع الكبد و أمراض القلب والشرايين في الحالات غير المتوازنة و الهزال والحالات السرطانية وأمراض المكروبات كالسل و الملا ريا ونظيف مرضى الصرع إلى هذه اللائحة الطويلة والعريضة.ولمعرفة حجم تمكن بعض الأمراض وانتشارها ببعض المجتمعات يكفي أن نعلم أن بعض بلدان الخليج تبلغ بها نسبة الإصابة بالسكري 30% و أن بلد كالمغرب يسجل 30 ألف إصابة سرطانية سنويا و أن السيدا تهدد بعض بلدان إفريقيا بالانقراض. 8-كم عدد المرضى عقليا و نفسيا سواء الموجودين قيد العناية الطبية و العائلية أو المنفلتين من أي نوع من أنواع الرقابة والهائمين على وجوههم بأرض الله الواسعة و ما أكثرهم بيننا بمدننا وقرانا؟. 9-كم عدد المعاقين بدنيا وذهنيا الفاقدين للقدرة على الحركة أوعلى نسج التصورات الثقافية والعقدية؟. 10-كم عدد الواقعين تحت الحكم الإلهي"وإن كنتم...على سفر.." أي البالغين الذين يتنقلون يوميا عبر الطرقات وفي جميع الاتجاهات ،الوطنية و الدولية،على مدار الساعة واليوم والشهر والسنة المستعملين لمختلف وسائل النقل المعروفة "من الحمارة إلى الطيارة"؟. 11-كم عدد الجنود المرابطين على الحدود مع البلدان غير الصديقة،وما أكثر العداءات بين الدول الإسلامية، والذين يفرض عليهم واجب الدفاع عن الوطن أن يكونوا على أهبة الاستعداد لرد العدوان متى وقع؟. 12-كم عدد العمال الذين يزاولون أعمالا ومهنا قاسية لقاء كسب أقوات عائلاتهم في ظروف يستحيل معها الصوم كعمال المناجم و البحارة ورعاة الإبل و المعز المتنقلين بين الو هاد والشعاب بالصحاري المقفرة ،حيث الحرارة تبلغ درجات قياسية لا يرجى حتى تصورها من طرف دعاة الظلام الذين يسكنون الفلل الباذخة المحاطة بالحدائق والأحواض المائية والمجهزة بالمكيفات الهوائية شأنها شأن سياراتهم واستديوهات بت سمومهم إلى العالمين؟. يجب أن نلاحظ أننا مازلنا نتقصى عن الفئات المسلمة التي يحق لها شرعا للأسباب التي ذكرناها آنفا و التي لا جناح عليها إن أفطرت رمضان، و الحال حسب علمي المتواضع أن هذا الحق غير مقيد بالعلنية ولا بالسرية وبالتالي فإن الحق يعلى ولا يعلى عليه، ومن تم فإن المظاهر التي تصاحب شهر الصيام كإغلاق محلات بيع المواد الغذائية وإقفال المقاهي والمطاعم وحضر الأكل العلني كلها إجراءات غير معقولة وغير شرعية لأن الأصل هو عدم محاكمة النوايا وعدم رمي الناس بالضن و لا أعتقد بوجود أي حق مفوض لأي كان بأن يسأل الناس عن سبب إفطارهم ومن تم يمكن تفسير سلوك الإفطار العلني لصالح المفطر دائما على اعتبار أنه مضطر وليس مخير. وما دام الشيء بالشيء يذكر ولتحقيق المجتمع المفطر ألأغلبي نظيف بين ثنايا الفآت السالفة الذكر جميع الملحدين و المنافقين والشباب المراهق المتنطع والسياح الأجانب والأقليات الدينية لنخلص بسهولة إلى غياب أي مبرر للمنع. أخيرا نلفت الانتباه إلى أننا لم نروم الدفاع عن حقوق الإنسان كما هي مسطرة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبباقي العهود والمواثيق الدولية،ولم نسعى لطرح العلمانية والديمقراطية بديلا لأنظمة القهر والاستبداد والأوتوقراطية،لقد توخينا كشف النفاق المجتمعي المحبط لأي انفتاح أو تقدم نحو تجاوز القيود العتيقة التي تؤبد الاستغلال والاستبداد وتشد المجتمعات الإسلامية إلى الوراء بعيدا عن ركب التقدم.
#قاسم_السكوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسطورة رسالة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى نهر النيل هبة م
...
-
المسلمون يغتصبون العلمانية ويشربون دم بكارتها
-
حركة وكالين رمضان المغربية....او الشباب الذي رضع لبن اللبوئا
...
-
التدين يلغي العقول و يخدر الأجساد
-
الديانات....مرض الإنسانية المزمن
المزيد.....
-
“ماما جابت بيبي”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القمر الصنا
...
-
الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان يعلن تنفيذ 25 عمل
...
-
“طلع البدر علينا” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20
...
-
إعلام: المرشد الأعلى الإيراني يصدر التعليمات بالاستعداد لمها
...
-
غارة إسرائيلية على مقر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية في خربة
...
-
مصر.. رد رسمي على التهديد بإخلاء دير سانت كاترين التاريخي في
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الاس
...
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي: الكيان
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان: مجاهدونا استهدفوا تجمعا لقوات ا
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: أنتم
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|