أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سلمانة الديم - الخلل















المزيد.....

الخلل


سلمانة الديم

الحوار المتمدن-العدد: 2799 - 2009 / 10 / 14 - 13:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بالطبع هناك خلل! منذ خلعت الحجاب وهم يخالونني اتفسخ وانسلخ شيئا فشيئا عن الدين ولا يعلمون أنني بت أتعمق فيه أكثر من كل الزمانات التي عشتها محتجبة تحت غطاء ابيض وعباءة سوداء. ليس لدي اعتراض على الدين، هو منظومة من القوانين والقواعد التي ترسم نهجا حياتيا وروحانيا للمعتنقين، مما يؤهلهم الى عيش حياة افضل، مليئة بالسلام الروحي والوئام مع الآخرين. الدين – فرضا – رابط يربطنا بأنفسنا قبل أن يحدد موقعنا في محيطنا، يربطنا بمفاهيمنا السرية الموغلة بأعماقنا مثل سبب وجودنا وهدفنا في الحياة ومن الحياة. هو – وخصوصا الدين الإسلامي – خريطة واسعة، متعددة الاختيارات لعلاقتنا بخالقنا، بوصلة للصالح والطالح من النوايا التي تتوارد في صدورنا، و مؤشر يدلنا على طبيعة كل الأفكار التي تتوالد في رؤوسنا، كيف نفهمها ولماذا نطبقها.

مفهوم الدين عندي واضح وسوي ومعتدل ومقبول، سواء وجد الله أم لم يوجد، أنا إنسانة بحاجة الى قوّة عليا لا آدمية تقودني من خلال مسوغات للحياة التي وجدت نفسي أحياها، تمنحي نورا وبصيرة لمنظوري الفردي للأشياء والظواهر التي تتكوّن وتظهر من حولي دون أن يكون لي أي علاقة او تحكم بها. وتدفعني تلك القوة الروحانية الخالصة لتطبيق كل التشريعات والواجبات المفروضة علي بعد الدراسة والتمحيص والمداولة. يجب أن أجد تفسيرا منطقيا يرضيني لأساسيات العبادة لكي أمارسها، وإلا وجدت نفسي في دوّامة مفرغة من خواء منطقي الى خواء عقائدي.

ما لا وضوح فيه الى الآن هو كيف تحولت هذه المفاهيم الراسخة بعظمة الدين و قوته وأهميته وجدواه في حياتنا قبل مماتنا، تلك المفاهيم التي رضعناها مع الحليب مبادئ واضحة لا جدال فيها، وجدنا عليها آبائها وأجدادنا. تعلمناها في مقاعدنا الملونة برياض الأطفال، حفظناها في الآيات القرآنية القصيرة، ثم استوعبناها ارشادات ونصائح ربانية على مقاعدنا الخشبية من الإبتدائية مرورا بالإعدادية. ثم حللناها وفككناها في الثانوية، وأخيرا فلسفناها في حواراتنا ونقاشاتنا الجامعة. كيف خابت كل تلك التدريبات المكثفة على تطبيق صحيح وسوي ومنطقي للدين وانقلبت الى كراكيب زائفة!

مثال الحالة الأولى .. ما الذي يدفعها الى ارتداء الحجاب طالما أنها تعلم في قرارة نفسها ان هدفها الحقيقي من وراءه هو مضاعفة فرصتها في الزواج طبقا لقواعد تفضيلية فرضتها عليها العادات والتقاليد ونظرة المجتمع للفتاة المستورة؟ كيف تحوّل الحجاب في عقلها من فكرة الفرض الأساسية في دينها والتي تترتب عليه (الحجاب) منظومة شاسعة من التصرفات والآداب والتطبيقات، الى مجرد خطوة تقربها شبرا من العرس والعريس؟

مثال الحالة الثانية .. ما الذي يدفعها الى الحجاب طالما انها لازالت تحب معاشرة الرجال، في جوّالها عشرات الأسماء رهنا لإشارة من حاجاتها الجسدية الفطرية الخالصة؟ لماذا ترتدي الحجاب وهي تعلم مسبقا أنها لن تتوقف عن ارتياد الحفلات المقامة خارج المجتمع المحيط، وهي تعلم أنها ستخلعه ما أن تجد نفسها بعيدة عن الأعين المعنية؟ ما الذي يدفعها الى ارتداء الحجاب طالما أنها تعلم جيدا أنها ستتفنن في طرق وأساليب إبطاله من خلال ارتداء الملابس التي تنافيه، وتعارض مبادئه الأولية؟

وهو .. ما الذي يدفعه الى الاغتياظ والغضب والثورة على رسومات الغرب المسيئة للرسول طالما أنه من هؤلاء الذين يقتنصون أي فرصة للاستهزاء بالمتدينين الملتحين من مواطنيه؟ وما الدافع وراء دفاعه المستميت عن الإسلام في المحافل الأجنبية "الخاصة جدا"، بينما هو يشاركهم في جلسة لمعاقرة الشراب، وطالما أنه "يعترف" علنا أنه لا يصلي لإن ليس لديه الوقت الكافي، ولا يصوم بسبب عدم مقدرته على ترك التدخين، ويخون زوجته مع خليلات من النساء لإن حب النساء في دمه!

بالطبع هناك خلل، لإن اللحية التي فطر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم كفرد متفرد، وأحبها لإنها تمثل ذوقه الخاص ومنظوره الشخصي للرجولة أصبحت تمثل عندنا واحد من أهم عناصر التقييم الأخلاقية للرجل الواقف أمامنا؟ ليس هناك في القرآن والسنة ما يؤشر على أهمية اللحية وتأثيرها المباشر على خبايا الإنسان ونواياه! ولكنها لازالت عند بعض الشعوب المسلمة التي تقودها أنظمة متطرفة سببا وافيا لجلد حالقها وتعزيره في الشوارع امام جمهور من المتفرجين، الذين أحيوها على ذقونهم خوفا من العقاب فقط لا غير!

هناك خلل لإن الصلاة والتي تمثل أس العلاقة الحميمة السرية الروحية المنفردة الخالصة مع الخالق تفرض بالضرب والعقاب بعد سن التاسعة للطفل الذي لم تقنعه بعد مقاعد الدراسة ولا حصص الدين ولا نصائح الوالدان بأهميتها لنضوجه الديني، فلم يجد داخله الى وقته ذاك حاجة نفسية لها؟ وكأن الوصية النبوية التربوية تقول "إذا لم يجد الولد ميلا نفسيا للصلاة في قلبه، افرضوها عليه بالضرب والعقاب". أي حب روحاني هذا الذي سينشأ بين الطفل وربه عندما تفرض عليه آيات ذلك الحب بالضرب والعقاب؟ ألا تناقض الوسيلة المفروضة الفحوى الأساسية من الفريضة؟

لماذا كل هذا الحرص على إشهار الصلاة؟ بل واستحبابها جماعة في صفوف مستقيمة متراصة في المساجد وهي واحدة من أهم العبادات التي تعني بالعلاقة المجردة من كل زيف بين العبد وربه فقط؟ فرضت النية والخشوع والخضوع شروطا أساسية لاستقامة الصلاة وصلاحها، وهي شروط صامته خالصة سرية دفينة في عمق كيان الإنسان ومشاعره؟ بينما فعل الصلاة المجرد والمتمثل بالحركات الجسمانية من وقوف وركوع وسجود وتشهد هو في النهاية ما يهم وما يحاسب عليه المسلم عند المسلين إن حضر صلاة المغرب في الجامع ام لم يحظر! الغريب أن أغلب العائلات المتدينة تشترط على خطّاب بناتها أن يكونوا ملتزمين بالخمس في المسجد بغض النظر عن إذا كانت الصلاة بحد ذاتها صالحة ام لا! هل فعلا يؤديها مرتاد المسجد خمسا بالنية التي ترضي والد العروس، وهل يخشع بها بالدرجة المطلوبة؟ هل يقف منتصبا ويتدبر آيات الذكر الحكيم أم انه يفكر ماذا سيأكل في وجبة الغداء القادمة؟ وهو يغمض عينه ويحرك شفتيه بعد التكبير، هل هو فعلا يقرأ القرآن او انه يتمتم ما اتفق، ليوهم نفسه والمجتمع الذي يعلي شأن مرتاد المساجد ويضاعف احترامه، بأنه فعلا يصلي جماعة؟

لم تضربني أمي يوما بسبب عدم تأديتي للصلاة ولكنها أتبعت اسلوب إلحاح مضني في أواخر سنين طفولتي مما دفعني الى احتراف طقوس نفاق غريبة تبدأ من رش الماء على رأسي، لبس ثوب الصلاة والوقوف انتصابا تائها على السجادة، احرّك فمي بخربشات نطقية لا تعني أي شيء، اركع واسجد ثم اتشهد واسلّم كذبا وهراء. وعندما اخلع الثوب أجد ابتسامة رضا على وجه أمي وثناءا دافقا وتشجيع! كثيرا ما تساءلت وقتها " لماذا تفرح أمي وهي تعلم في قرارة نفسها أنني قمت كارهة لا راغبة فقط لأتخلص من نوبة إلحاح طويلة؟" كنت حينها في الحادية عشرة .. واستمريت على هذا المنوال، ما بين حركات عبادة خاوية، او اختفاء لدقيقتين في غرفة معزولة بهدف "الصلاة" الى أن جاء الوقت الذي نضجت فيه، وقررت بيني وبين نفسي أنني سأصلي لإنني ببساطة "أريد وأرغب" في التواصل مع الخالق. بدأت بالصلاة الحقيقية عندما كانت أمي قد توقفت عن الإلحاح، لإنني كنت قد اعتدت أن أسجد وأركع أمام عينيها .. مثلما دوما رادات. في النهاية لم يعرف مخلوق الفرق بين تلك الصلاة ولا هذي.

هناك خلل .. لإن الدروس التي نتلقاها ونحن صغار تغفل أن تعملنا اولا فحوى النفس البشرية داخلنا. تلك النفس التواقة للتجريب، المفطورة على الصواب بقدر فطرتها على الخطأ. المسيّرة على ممارسة الحياة على سجيتها. تتغافل إخبارنا أن للتجارب الأولى نكهة لذيذة حتى وإن كانت خاطئة وخطيرة. يصورون لنا أن هناك طريقين، طريق الخير تلفه هالة من نور، وطريق السوء أسود ومظلم. وعندما نجد أنفسنا في تقاطع الاختيار، في مواجهة اليمين او اليسار، نصدم لإن الطريقين في البداية يحملون نفس المواصفات، كلاهما جميل ومضيء وملون ومزركش! فنجادل الكذبة الأولى وننهزم عند معضلة الألوان الأساسية. الخير دائما ابيض والشر دائما اسود، ولا طرف يُجر، او ذكر يذكر حول كل الرماديات البشرية والنفسية التي تملئ فجوة الوسط، فنتوه في تلك الفجوة غير مستعدين ولا متأهبين منطقيا لقيادة أنفسنا للزاوية التي تحتوي على المبادئ الأولية للفطرة السوية.

أقول لأبنائي أن يجربوا كل شيء في الحياة مرة واحدة ، يسألني أكبرهم بعينين براقتين: "كل شيء؟". أدرك الخازوق فأرد: كل شيء لا تستطيع نفسك مقاومته حتى بعد البحث والتحري عنه، ومعرفة مضاره ومساوئه، إن كنت لازلت ترغبه .. جربه. يسألني أوسطهم: حتى المخدرات؟ استجمع شجاعتي وأرد: حتى المخدرات طالما أنك مقتنع أن وجودك في الحياة سيكون ناقصا بدون تلك التجربة بالذات! يستفسر الأصغر: وإن أدمنّا؟ أقول له: " سيكون قدرك انك دوما ستختار الدروب الخاطئة حتى وأنت تعلم مسبقا أنك ستتضرر. وقس ذلك على الباقي من حياتك .. يا لها من حياة تعيسة"
كبر أولادي الثلاثة .. وجربوا كل شيء لمرة واحدة في حياتهم، واختاروا عن قناعة لا يزعزعها مارد ولا شيطان أن يكونوا أصحاء أسوياء طبقا لقوانينهم الإنسانية الخالصة.

الخلل .. يكمن في حرمة التجريب، محظوراتنا مذكورة سلفا بكتاب مقدس لا نقاش ولا جدال فيه، وكل من يعاكس التعليمات ويخوض غمار التجربة يوصم بصفات لا يحبذها المجتمع ولا يسمح بها قانون الانتماء. فلا نجد بدّا إلا أن نجرب ما تميله علينا نفوسنا، ولا نجد مخرجا سوى الكذب لنخفي آثار خروجنا عن القطيع، ولا مهربا سوى النفاق لنواري "سوءاتنا" التي هي جزء لا يتجرأ من كوننا بشر.

لكننا في النهاية إن جربنا وخرجنا بعقل التجربة الى دنيا التطبيق، عشنا أبد الدهر محملين بثقة عمياء لوجودنا، كل منّا يحمل رسالته التي لا تلمسها مخالب الكذب ولا النفاق.




#سلمانة_الديم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سلمانة الديم - الخلل