|
الصغار يصبحون صغارا أكثر
أديب المقدسي - واشنطن
الحوار المتمدن-العدد: 2795 - 2009 / 10 / 10 - 20:16
المحور:
الادب والفن
الصغار يصبحون صغارا أكثـــــر عندما يتطاولون على العمالقة
*حين يتطاول أحد ما ويعتقد انه بالعربدة والمدافشة سوف يأخذ الريادة ، ليس بعد محمود ، بل أيضا في عهد محمود ، فإن هذا مرض مأساوي ليس له دواء .*
بقلم : أديب المقدسي*
منذ هوى البدر من سمائنا الشعرية الفلسطينية والعربية عموما ، محمود درويش ، هناك ظاهرة نبيلة في حياتنا العربية، فمحمود حاضر ، بقوة ، في فلسطين ، وفي لبنان ، وفي دول المغرب العربي ، وفي الجزيرة العربية . هناك ندوات ونشاطات محترمة حول شعر محمود درويش، والنقلة النوعية التي قام بها في الشعر العربي .. مضمونا وموسيقى. هناك الآن من يقولون ، ان الموسيقى في شعر محمود درويش تبدو قوية كأنما هي عزف موسيقي ، والأهم ان محمود آخى ومزج بين الموسيقى الشعرية الكلاسيكية وبين موسيقى الحداثة بكل ما فيها من تنوع وتجدد. محمود درويش ليس شاعرا آخر كبيرا . انه ، ونقول هذا بعد موته، ولكن بدون ارتباط بموته ، انه أعظم الشعراء العرب في القرن العشرين ولعله سيأخذ مكانا محترما بارزا عندما يدور الكلام عن كل مسيرة الشعر العربي ، منذ أمرئ القيس الى أيامنا. الفلسطينيون وكل العرب أحبوا الشاعر محمود درويش حبا عميقا ، وفي كل مكان من الأرض العربية كان احتضان محمود حارا، كاننا بالناس عندما يحبون محمود ، يحبون شعبنا وتاريخنا وتراثنا وفولكلورنا ، يحبونه كإبن لكل عائلة، كمغن دمج بين الكلاسيكي والمعاصر ، بين القديم والمتوارث وبين الشعبي . محمود بشاعريته العظيمة لم يوحد العرب جميعا فقط ، يل وحد كل روافد الثقافة الشعرية العربية عبر العصور. ونعتقد بيقين وثقة ، ان مكانة محمود درويش لن تنطفئ ، بل لن تخفت مع الوقت ، بل ستتعمق كجزء من حسنا الثقافي ، جزء من وعينا القومي ، جزء من كل القيم العظيمة للأمة العربية عبر تاريخها الطويل. احد المثقفين الاوروبيين المتخصصين في الثقافة العربية القديمة ، قال في محمود ما هو جوهري، بل الجوهري: " محمود درويش هو استمرار قوي وتطوير عميق للثقافة الشعرية العربية " . هناك اهمية ان من قال هذا الكلام هو مستشرق أندلسي متخصص بالشعر العربي الأندلسي . بدل ان نقف بمهابة وخشوع امام تراث محمود درويش ، فاننا نلاحظ بعض صغار النفوس والعقول يتنبأون ان هذا الاهتمام بمحمود سوف يخفت عندما تنتهي الطقوس الجنائزية. وأكثر من ذلك ، هناك من يقف قبالة المرآة ويتأمل نفسه ، وينتفخ من الغرور ، ويقول لنفسه انه في الحقيقة أكبر من محمود درويش وأعظم تجربة من محمود درويش.ولا يقف عند هذا الوهم ، بل يتطاول علنا على محمود درويش ويقرر انه أكثر تجديدا وحداثة من محمود درويش ، وهناك من يعتقد ان الساحة خلت له . لا بأس ان يكون شخص ما ، أي شخص مهووسا عاشقا لذاته ، فهذا مرض معروف عبر التاريخ ، ولكن حين يتطاول أحد ما ويعتقد انه بالعربدة والمدافشة سوف يأخذ الريادة ، ليس بعد محمود ، بل أيضا في عهد محمود ، فإن هذا مرض مأساوي ليس له دواء . ولكن من عدم المسؤولية ان يسكت النقاد البارزون على هذه الادعاءات التافهة ، المريضة ، المنفوخة ، المثيرة للحزن في آخر الأمر . وأقول شيئا آخر ، ولا اريد ان أطيل ، ان الحب الجماهيري الجارف والساطع لمحمود درويش ، شاعرا وابداعا ، هو مد جارف ، هو نهر عظيم ، يتقدم الى الأمام ، هو اكتشاف الشعب لذاته الشاعرة ، عندما يكتشف شعر محمود درويش ويسمعه بفرح ويحفظه ، على كل مستويات شعبنا وأمتنا . نقول الآن ما ترددنا ان نقوله في حياة محمود درويش، ان شاعرية محمود درويش المتدفقة ، المازجة بين الكلاسيكي والحديث ، المازجة بين تراثنا القومي الشعري وكنوز الشعر العالمي ، هي الضمير الثقافي ، الهوية الحضارية لشعبنا وامتنا . والصغار يصبحون صغارا أكثر عندما يتطاولن على العمالقة !
*كاتب هذه الخاطرة المشرقة ، اكاديمي عربي يعيش في الولايات المتحدة
#أديب_المقدسي_-_واشنطن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
-
وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي
...
-
-كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟
...
-
ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق
...
-
رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة
...
-
الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
-
صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
-
بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء
...
-
-كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ
...
-
حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب
...
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|