أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن السوداني - نزار عبد الستار رائحة السينما والميثاق التخيلي الضمني















المزيد.....

نزار عبد الستار رائحة السينما والميثاق التخيلي الضمني


سوسن السوداني

الحوار المتمدن-العدد: 2793 - 2009 / 10 / 8 - 23:39
المحور: الادب والفن
    



ينتمي القاص والروائي نزار عبد الستار إلى جيل التسعينيات من قصاصي العراق، ولكنه انتمى من الناحية الفنية إلى مجموعة من القصاصين الذين حاولوا استثمار كشوفات السرد الحديث واهتموا " بالمثيولوجيا الرافدينية لتوصيف الواقع وقراءته، حيث تعتمد توظيف الأسطورة، والموروث بأشكاله في النص القصصي والروائي، وهي موجة عرفت عراقيا على أنها موجة متمردة تخرج عن السياق المتعارف عليه في الأدب العراقي، ويقود خطاها القاصون: محمد خضير، ومحمود جنداري" ولطفية الدليمي، ومحسن الخفاجي، وبذلك فقد "أعطى القاص لقصصه رائحة أسطورية؛ وكأنها آتية من خلف قرون عديدة، لم تعتمد الحوار المباشر بين شخوص القصص بل اعتمدت السردية كحل امثل لإسقاط الإرث التاريخي على واقع معاصر يتزيا بأزياء كثيرة ومختلفة".
صدرت مجموعة (رائحة السينما) عن دار أزمنة في عمان/ الأردن، وضمت سبع قصص هي: (أبونا، رائحة السينما، صندوق الأماني، بيت الخالات، تماثيل، شمورامات وقبل ان يذهب إلى مصيره). يحتاج القارئ وهو يتلقى قصص نزار عبد الستار إلى ما يسميه امبرتو ايكو في (6 نزهات في غابة السرد) "ميثاق تخيلي ضمني مع المؤلف"، وهو ما كان كوليرج يسميه (تعطيل الإحساس بالارتياب)، وبذلك يتقبل القارئ ما يحكيه نزار عبد الستار باعتباره "قصة خيالية دون ان يعني ذلك أنها مجرد كذب، وان المؤلف يوهمنا فقط"، ولا يخالف قوانين العقل والمنطق، فتكون وقائع القصة عندها مقبولة، وبذلك تكون مجموعة نزار عبد الستار (رائحة السينما) قد جاءت بمغايرة واضحة، فكان القاص يوظف فنطازيا الواقعة التي تختلط بالواقعة الحياتية اليومية في تواشج لا يجب ان يحاول القارئ فك اشتباكه، لان ذلك سيؤدي إلى هدم كل البناء القصصي، فالواقع المعيش الذي يجده نزار عبد الستار مادته الأثيرة، بل والوحيدة، لا يتناوله بفجاجته التي يبدو عليها، إنما يقوم بتلميحات يتوجب القارئ ان يبني عليها كل استنتاجاته اللاحقة والضرورية لفك مغاليق القصة، لذلك تبدو قراءة واحدة لقصة نزار عبد الستار غير كافية مطلقا وعليه يجب قراءة قصته مرتين للبحث عن اللقى التي يلقي بها القاص قبل الوقائع التالية، لقى تحتاج اركولوجيا حقيقية، تبحث في لغته التي على ماديات واسعة من التنوع، فهي مفهومة حينا، .. وحينا مركبة وغامضة .. إلا أنها في كل حالاتها قادرة على الادهاش .. من خلال المزج بين الشعرية، والفكاهة، والألم، والسخرية السوداء في خليط يتفرد به نزار عبد الستار، انه مثلا في قصة (صندوق الأماني)، نموذجنا هنا، يقوم أولا بتذكير القارئ بالحروب السابقة، فلا يكلف القاص نفسه سوى ان ينتدب بطلا لتلك القصة، بطلا نموذجيا، نعتبره أهم الخصائص الفنية في قص نزار عبد الستار، وهي الشخصية المهمشة، المسحوقة، ولكن (المتميزة) في الوقت نفسه، بطلا أكلت منه الحرب إحدى ساقيه، ثم يتركه القاص وهو يتحدث استجابة لمواقف يصممها الكاتب بطريقة نموذجية ليحكي لنا عن الحروب وفعلها، يترك القاص بطله يحكي لنا بأفعاله كل الأفكار التي يريد ان يوصلها إلى المتلقي، وتلك واحدة من أهم صفات القاص الجيد الذي لا يتحدث بلسان أبطاله، ولا يقوّله ما يريد قوله، بل يترك ردود أفعالهم تكشف عما يريد هو، ان يقول، ولد بطل قصة (صندوق الأمنيات) عام (1960) ، فيكون مشتركا في الحرب العراقية الإيرانية حتما، فمن خلال أفعال السرد "وضعا الصندوق على منضدة واطئة من بقايا أثاث غرفة الاستقبال"، فإنما هو يلمح إلى فعل الأبطال بأنهم اضطروا إلى بيع أثاثهم غرفة الاستقبال التي لم تعد سوى (بقايا) أثاث، ولم يقل انه من مدينة الموصل إلا انه ببعض العلامات الدالة عليها يقول ذلك: ضرار القدو وحمد صالح واشور بانيبال... ورأس شارع الدواسة..
كان بطله نموذجا مشاكسا وجد في هذا الصندوق أملا في عودة كل خسائره الحياتية ، "فعندما بدأت البيوت تعرض أثاثها على الأرصفة كان ..... كان يخرج بجهاز التسجيل ليعود بعمامة ابن الأثير..... استبدل البيت بكماليات فقدت أهميتها" فهو إذن يمثل مجمعا للخيبات الحياتية ففي اللحظة التي نجح فيها بتفعيل الصندوق لتحقيق الرغبات اكتشف ان تلك الأمنيات المتحققة هي أمنيات زائلة تختفي في اليوم التالي ... فقد ألقى لقارئه إشارة لهذا الاختفاء قبل نهاية القصة حينما لاحظت الزوجة ان البيت، في المساء "ازدحم بالصراصير، وظهرت الفئران بأعداد خيالية"، وغيمة سوداء أغرقت البيت، وطبعا لم يكن ممكنا ان يحتوي صندوق صغير (أعدادا خيالية) من أشياء كهذه، فبالتأكيد هي أمنيات مجنونة وخائبة كان يحققها المهووس بالأشياء التي لا تنفع... وان اختفاءها كان يعطي إشارة، قبل نهاية القصة، الى ان حياة الامنيات المتحققة ستكون قصيرة.
لقد كان نزار عبد الستار ينظر الى ان العملية عملية (خلق) تماثل حكاية خلق العالم بسبعة ايام حينما "تلبد الحوش بغيمة صناعية سوداء اغرقت البيت بالمطر وذابت مع بواكير النهار"وذلك في اليوم السابع من الحكاية.
ان الفانطازيا التي تؤطر القصة لم تمنع القاص من يذكر نفسه والقراء بان الامنيات لها حدود معقولة، فهي تختفي في صباح اليوم التالي، وبما ان زوجته قد تمادت في امنياتها التي لم تكن تتعدى استعادة اثاث البيت الذي اضطرهم الحصار الى بيعه، الا انها تمادت في امنية واحدة خطيرة حين طلبت منه ان يعيد رجله التي قطعتها الحرب، الا انه يلمح اليها "بصوت حزين: تمتعي برؤيتنا ونحن معك، لاننا سنتلاشى ... انا والطباخ والتلفزيون وكل شيء مع صباح اليوم التالي"، انها براينا قصة نموذج لما تكون عليه الواقعية الحقة!.
ان قصص نزار عبد الستار تظهر صورة الآدمي العراقي بأبشع تمثيلاتها الما في زمن الحروب الطاحنة والحصار الذي كشف من خلال التجارب السردية هذه التمثيلات عبر تاريخية تركت بصمتها الموحشة وبالتالي ابقت المثقف يئن تحت مطرقة الوجع والخوف الى زمن الخلاص من طغيان الدكتاتورية الفردية الى زمن الانفتاح
في قصص نزار عبد الستار ثمة صياغات سردية تتمحور في تشكيل تآلف جميل بين المكان من ناحية ورسم الشخصية المحورية في القصص السبع من مجموعته رائحة السينما.
الدخول الى عالم القصص هنا يضعنا أمام بوابات مدينة الموصل ليمنحنا الألم كمعادل موضوعي للشخصية العراقية عبر زمن الحرب والحصار والالم الديمومة السردية التي اظفاها الكاتب لشخصياته تمنح النصوص ديمومة أي انها لبست ثوب الجمال السردي وبالتالي فتحت ابواب الدلالات التي لم تفتح مغاليقها بشكل مباشر مخافة ان يوجه انظار السلطة الى رموزه السردية المسحوقة كما في شخصياته جنكيز خان بواب السينما فلا يقتصر حضور المكان ضمن الزمن الحالي بل تعداه ليكون مجمع ازمنة ينطوي عليها مكان السرد، لتغور في ازمنة سحيقة، حينما يسهب السارد العارف بكل شيء في الاحداث التي تتشكل منها بنية القصص تبدو مدينته الموصل ماثلة مكانا وانتماءً ثقافيا فكان ابطاله من هامش الواقع حيث: العمال والكسبة والطبقات المسحوقة التي تئن من طغيان الوجع اليومي بانتظار انفراج الازمات والتي تتحكم فيها ايدي القدر في تلك المرحلة من تاريخ المدينة....
حيث يكون (جند عمال المطاعم على الشريط الشرقي لشارع الدواسة، بدءاً من مطعم فلافل بدر وحتى لحم بعجين المدينة، واستخدم بائعي الباقلاء كنقاط مراقبة بدءاً من عمارة القدس وحتى سينما سميراميس ... الخ) ففي قصصه يجعلنا نشعر باجواء مدينة الموصل: طرقاتها،جمالياتها، ناسها ، اماكنها... عبرالالتصاق بخارطة الامكنة في جزئياتها التي تنطوي عليها القصص بشيء من الحنو الاسر.
في قصة ابونا وهي حكاية المفتاح والعودة لتاريخ الغبش الجميل عبر استذكار الام واولادها وحلمها الذي لايفرق مخيلتها لانها سليلة عائلة عريقة غيرت مجرى الامور في مدينة الموصل حتى على مستوى الاكلات الشعبية والتي تدل هنا على روعة ذلك التاريخ وجماله عبر الانتقال الى التذكر الفلاش باك والعودة الى ايام كانت اكثر اشراقا وجمالا
نرى الغرائبية في القص حينما يتحول مفتاح الى كل شيء في حياة اسرة فقدت ربها؛ فكان السارد يرى امه تنجز بالمفتاح كل الوظائف المطبخية؛ فهي تقلب به الرز بعد ان ينشف... وتكسر به الثلج..... وتدق به المسامير النافرة من ثقوبها...... وصارت تنتشل به الباذنجان والبطاطا من المقلاة..... وتطحن به الهيل والسمق... وغير ذلك.... تبدا الحكاية وتنتهي والاولاد يستذكرون والدهم الذي يتذبذب بين ان يكون رجلا خارقا كان قد جمع جلائل الاعمال وبين ان لا يكون كذلك وتنتهي القصة وهم ينتظرون صورة والدهم وهي تبتسم ثم لتتكلم اخيرابعد اكثر من عقد من السنوات
يبدو نزار عبد الستار في قصصه ماخوذا بالاحداث اكثر مما هو ماخوذ بدواخل الشخصيات، فهو يفارق الكثيرين لانه يجد نفسع معنيا بتفصيلات حياة شخوصه المكتضة بالاحداث ، تفصيلات قد تبدو تافهة من وجهة نظر البعض؛ الا انها في حقيقتها مهمة في تاثيث المشهد واستكمال بنية الشخصية في القصة ، فقد استعادت القصص هنا ما يسميه القاص محمد خضير (البساطة الواحدية) للحكاية من خلال تقنية عالية تنتمي دون شك للكتابة القصصية الحديثة، مع بقاء تلك الحكاية كمبرر سردي تقوم عليه القصة القصيرة.
.



#سوسن_السوداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الى درويشي
- سلام الخطيئه
- معلبة في رصيف الروح ذكرياتك
- قبلة الكينونه
- صوتك
- مختبر تحولات الانسان الى حمار
- ثقافة الرعيان والمعدان
- دور المبدع والمثقف العراقي في بناء العراق الجديد
- دروب ضيقة
- ديمقراطية ممزوجة بالقنادر


المزيد.....




- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن السوداني - نزار عبد الستار رائحة السينما والميثاق التخيلي الضمني