أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن منصور الصباغ - قصة قصيرة















المزيد.....

قصة قصيرة


حسن منصور الصباغ

الحوار المتمدن-العدد: 2791 - 2009 / 10 / 6 - 00:36
المحور: الادب والفن
    


(( سبعة أيام قبل إطلاق سراحه !!!))


الإهداء ...

إلى بوادر الثورة التي تتحرك، لكنها ،لا تفعل فعلها . لقد تأخرت كثيرا ، وانتظرت كثيرا .وستقومُ يوما ما . لكنها ستقوم متأخرة جدا !!!.

اليوم الأول :-

كان شيئا غريبا يحدث ولا شك . فمنذ ثلاثة قرون . وأنا اقبع في هذه الغرفة الرطبة ، انهض الآن مبكرا هذا اليوم . وأشعر بالحياة فجأة من جديد ...

لقد أعددت إفطاري بنفسي ، وغسلت الصحون ، ثم شعرت برغبة سعيدة بتوضيب أوراقي الكثيرة ، مزَّقت منها الكثير وأبقيتُ على بعض التخطيطات والكتابات الناضجة . لقد أفرزتُ بضعة أوراقٍ من مجموعة كبيرة هي خلاصة ما حدث لي هنا . خلال ثلاثة قرون .

ثم حلقت ذقني الخشن . ورحت اقرأ في كتابٍ جديد . لم اشعر بالحياة مطلقا كما اشعر بها الآن . حتى السماء التي كانت تتسلل من النافذة الوحيدة كانت على غير ما عهدتها .. باسمة ومتفائلة ..

كان شيئا غريبا يحدث .. فأصوات الأحذية الثقيلة تروح وتغدو باضطراب مفرح في الممرات الطويلة . اسمع صوتها وأتساءل ! ماذا يحدث ؟؟.

لم استطع التركيز على الحروف المسطَّرة في الكتاب . لم افهم كلمة واحدة مما قرأت .. لكني مع ذلك كنت سعيدا .

تمعنت في جميع زوايا الغرفة .. السقف .. الجدران .. الأرضية.. كان كل شيء يبوح بالفرج القريب

لماذا أشعر بذلك ؟ والثلاثة قرون قد تصبح عشرة ؟ كان شيئا غريبا يحدث !!!.

بعد ذلك ... وفي غمرة السحر الذي أعيشه منذ صباح اليوم ازداد وقع الأحذية الثقيلة في الممرات قرباً ، وسرعان ما توقف عند باب زنزانتي . كانوا يتجمهرون خلف الباب لأمرٍ غريب . وبحكم خبرتي الصوتية التي اكتسبتها من ثلاث قرون استطعت تقدير أمر مهم وعجيب .

إن ثلاثين مسلحا يقفون الآن خلف الباب !!! كان شيئا غريبا يحدث .

وكانت سعادتي تتصاعد . رغم كل ذلك فأنا أعيش هذا اليوم في ألفةٍ مع كل موجودات الغرفة . وكنت اشعر بالأمان تماما معها .

وكالهدير الضاج . تسلل إلى الغرفة ، ثلاثين مسلحا . ملثمين بالسواد تماما . بدلات سود .. أنطقه سوداء .. خوذ سوداء .. وبنادق سود .

كان قائد المجموعة السوداء . يحمل ورقة ، سرعان ما نشرها أمام وجهه الذي لا أتبين منه سوى عيون حمراء محتقنة .

ومضى يقرأ بصوت قوي :-

(( باسم الشعب تقرر إطلاق سراح المتهم ((س)) لكفايتنا به ، وتأكُّدنا التام من عدم قدرته على الخوض في حقول الألغام .

على الجهات المختصة تنفيذ هذا القرار بعد سبعة أيام من صدوره ...

كنت ما زلت مستلقيا على الكرسي ، وأنا اسمع ذلك . وقد شعرت بالكهولة حقا .. وبالرغبة في الاسترخاء . ارتجفت أوصالي جميعا . ولم تكن دموعي في تلك اللحظة ، دموع عيناي . بل كان جسدي كله يبكي ..ويرتجف .

ثلاثة قرون أمضيتها هنا بعذاب لا ينقطع . ثلاثة قرون من الدناءة والمذلة وفقدان الفضيلة . كنت ابكي بصمت عميق ، تبللت ملابسي بالدمع ، وكذا دفتري هذا الذي يرقد في حضني .

لقد أصبحتُ قطرة كبيرة من الدمع . دموع ثلاثة قرون !!! لا ..لا...أيام معدودات وينتهي كل شيء ، ويعود هذا الانحناء القبيح إلى استقامته .

فقط سبعة أيام ، وينمحي الشيب من رأسي ، وتعود الدماء إلى خلاياها الحقيقية .

ثلاثة قرون من الموت ... وسبعة أيام من الانتظار إنها المعادلة القاسية ياسياده الكاردينال !!!... كان جسدي يرتعش بشدة .. وفي الساعات الثلاث التي مضت بعد ذلك . سقطتُ في غيبوبة هادئة .

اليوم الثاني :-

لم يكن هذا اليوم يوما ثانيا ، كان امتدادا للبارحة ، إنهما يوم واحد . وحتى الآن لم أتحرك من الكرسي ، ولم تكن لي رغبة في ذلك . كنت أود لو بقيت هكذا ، استقرُّ فوق هذا الحطام الخشبي .. انتظر وانتظر .. احلم واحلم .. حتى تنتهي الستُّ أيام المتبقية .

منذ البارحة وأنا اجلس هكذا ، الدفتر يغفو في حضني . ويداي مستسلمتان للاسترخاء التام .

أما قدماي فلم أكن اشعر بهما تماما .ولم تكن بي رغبة في تحريكهما . أو امتحان قدرتهما فأنا لا احتاج الآن سوى أن احلم بما يأتي من الأيام ... فقط احلم .

التفتُّ في زوايا الغرفة ، فانا انظر في نفس هذه الزوايا منذ ثلاثة قرون . ولم الحظ التغيرات التي حدثت في الجدران والسقف خلالها . لكني ألاحظ الآن جيدا . تآكل الجدران .. وقتامتها كأني ادخل الغرفة للمرة الأولى .

إني ارغب بالبكاء . فمنذ سمعت خبر إطلاق سراحي ، ولم يزل جسدي يرتجف بعنف ، إلا قدماي . فقد كانتا ساكنتين . وغبتُ ثانية في غيبوبةٍ طويلة ...

اليوم الثالث :-

آه لو تستمر هذه الغيبوبة أربعة أيام أخرى . لاستيقظ بعدها وأجد نفسي حرا من جديد .. لقد بدأت اشعر بثقل الأيام القادمة .. أربعة نهارات .. وأربع ليال . إنها طويلة للغاية .. إنها ثلاثة قرون أخرى يا كاردينال .

كنت اشعر بوجع خفيف في رقبتي ، فإنها تستند منذ ثلاثة أيام فوق كتفي . كنت اشعر بالخدر يسري في جميع أنحاء جسدي وبألم باهت في قدماي .

(( آه يا قدماي .. لماذا أنت ساكنة هكذا بلا حراك ؟ لقد سرت بك ثلاثة شهور ، مطاردا تحملتِ جسدي هذا ، قبل إلقاء القبض علي ، وبك اخترقت غابات شديدة الخطورة ، وسهول تسكنها الذئاب

كنت يا قدماي . رفيقة دربي القاسي .. وكنت أمينة جدا معي )) إنها الآن تتمدد بلا حراك .. أمامي ، كنت اشعر بها خالية من الدم . ويبدو أنها قد رحلت في غيبوبة طويلة . ولن يطاوعها النهوض ثانية ، إلاّ بعد نفاذ الأيام الباقية .

( كم أنت مخلصة يا قدماي ؟؟)

حاولت تحريكها بهدوء ، أو سحبها قليلا وتغيير مكانها . لكني لم أجد فيها جوابا . كانت ساكنة مثل الموت .. حاولت مرة أخرى وأخرى ، لكني لم افلح كذلك .. يبدو أنها بدأت تخونني ..

شعرت بالألم من جديد ، والخدر يسري من وسطي إلى جميع أنحاء جسدي .. كنت اعلم إن هذا الألم يسبق الغيبوبة المنتظرة .

اليوم الرابع .. الواحدة والنصف مساءا .

اشعر بدوار شديد أو برغبة في التقيؤ . لقد بدأت الغيبوبة اللعينة تضايقني ، وتمنعني عن الحلم . لقد صارت أطول مما أريد لها .. اللعنة ، وهذه الآلام التي تكبر يوميا . وتنتشر في جسدي كله .. إنها تشعرني بالموت .. وليس الحرية ..

اليوم وبعد غيبوبتي الأخيرة ، التي لم تفارقني إلا في المساء المتأخر . أحسست بالآلام جديدة أكثر وجعا . كنت اشعر بالخدر يأتي إليَّ من الأرض تحتي ، يستلُّ إلى قدماي ومن ثم إلى جسدي كله . لقد صرت مرتبطا بالأرض وببلاط الغرفة . حتى الكرسي يلتصق بالأرض ولا ينوي الحراك ..

جسدي كله لا يطاوعني ، سوى يدي التي اكتب فيها والتي بدأت تؤلمني أيضا .

إني أتحول إلى صخرة جامدة لا حول لها ولا قوة .

حاولت الاستسلام للنوم . لكن الآلام المبرحة منعتني من ذلك . إني أتألم ولا استطيع الحراك .. يا كاردينال!!! .

اليوم الخامس

بدأ عشب خفيف ينمو تحتي ،عشب طفوليّ اخضر ، إني ارقبه منذ البارحة . ينمو سريعا ، يتسلل بين أصابع أقدامي انه يشكل دائرة حولي . تحيط بالكرسي وبجسدي الساكن . كانت متعة النظر إلى نمو العشب ، وكيف انه يشق طريقه في ثنايا أصابعي ، وبين قدماي ، تجعلني اسرق الوقت لكي انهي اليومين المتبقيين . ويبدو إن العناية الإلهية أرسلت هذا العشب لكي يستفزني ويملأ وقتي .

كان العشب ينمو بسرعة ، لأني لم اعد أرى من قدماي سوى هذه الكتلة الخضراء . كنت اشعر بأني أغوص في بحر من العشب لا ادري أين يؤدي بي . ورغم الألم الذي بدأ يشغل أماكن جديدة في جسدي . إلا أني كنت سعيدا بهذا العشب الذي يلتف حولي ...حتى القلم الذي يستقر بين أصابعي ، لم تعد يداي تستطيعان مسكه بسهولة ..

بعد لحظات . كانت قدماي تغوص عن آخرها في العشب المزدحم . لقد أمضيت النهار وبعض المساء بالترقب . كان مشهدا رهيبا جعلني انسى إن ثلاثة قرون أمضيتها هنا . ستنتهي بعد يومان . ولولا هذا الألم اللعين الذي بدأ يزداد فيَّ . لبقيت أتمعن في هذه الأعجوبة اللطيفة .. حتى يأتي الجند من جديد . ليطلقوا سراحي .. موشحين بالسواد .....كان العشب قد وصل الآن إلى ركبتاي . وكان الألم يزداد حدة ،كنت اشعر بأن الغيبوبة ستطول هذه المرة . وقد تستمر أكثر مما أريد لها . فيفوتني المشهد الأخير من الثلاثة قرون . كنت أقاوم غيبوبتي التي بدأت تتملكني بسهولة ... واكتب. كنت أقاومها واعتصر نفسي .. بلا جدوى.

كانت الغيبوبة تنمو .. والعشب ينمو ويتسلل بين أجزاء جديدة من جسدي وبين ملابسي .

انه يصل الآن إلى بطني ..يكبر ويكبر بسرعة شديدة .

وكنت في ذلك أغيب من جديد في غيبوبة طويلة .. طويلة ...طويلة للغاية .

اليوم السابع

من جديد اكتظت الممرات بالأصوات . ولم تكن هذه الأصوات .... إنها أصوات جديدة . ليست أصوات أحذية ثقيلة لجنود يلبسون السواد . إنها أصوات لأقدام كثيرة ومتنوعة لقد كان الصراخ والتهليل يملأ المكان . كان شيئا غريبا يحدث .

الأصوات تقترب من الزنزانة ، حيث يرقد (( س)) هناك منذ ثلاثة قرون .

إنهم يطرقون الباب بعنف ، يركلوه بالأقدام . وبالأيادي . لقد بدأ الباب يتهشم أمام ضربات الآلاف من الغرباء الذين يصرخون بكلمات قديمة .. ومألوفة .

وكانت الهلاهل تتصاعد في كل أرجاء المكان . والباب يتهشم إنهم الآن يدخلون ألوفا ألوفا في هذه الزنزانة الصغيرة . يرتدون الملابس البيضاء . بعضهم يحمل المعاول . وآخرون يحملون .. فؤوسا . كان شيئا غريبا يحدث .. مثل ثورة جديدة ومنتظرة .

لقد سكن الصراخ الآن ، والصمت يطبق على الجميع داخل الغرفة .

إنهم ينظرون إلى الزاوية . تحت النافذة الوحيدة ، حيث يجلس ((س)) غارقا في العشب الأخضر . الذي لم يزل ينمو . مغطيا رأسه المسند إلى كتفه .. لقد تسلَّل العشب في عينيه وبين شعيرات رأسه . وفي أذنيه وفمه . لقد صار (( س)) كتلة خضراء من العشب .. لا ترى منها سوى دفتر يوميات الصغير هذا ، يستقر على الأرض ، بجانب القلم وبعيدا عن دائرة العشب .

لقد صار العشب قبرا لهذا الجسد المنهك من هول ثلاثة قرون . كانت الألوف من البشر ، الذين دخلوا هنا ينظرون إلى الزاوية.... لم تعد تسمع منهم همسا أو صوتا . سوى صوت دموعهم وهي تسقط بلا موسيقى ، فوق ارضي الزنزانة .

إنهم يبكون ثلاثة قرون من الصمت .

حسن منصور الصباغ



#حسن_منصور_الصباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن منصور الصباغ - قصة قصيرة