أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب إبراهيم - الفتات إلى عباس عباس أبوحسين














المزيد.....

الفتات إلى عباس عباس أبوحسين


طالب إبراهيم
(Taleb Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 2784 - 2009 / 9 / 29 - 04:18
المحور: الادب والفن
    


جلس على كرسيّه المصنوع من خشب "السّحاحير"، ولف رجلاً فوق رجل، شبّك ذراعيه حول صدره، وأغمض عينيه ليتلّقى شعاعاً رقيقاً، تسرّب عبر النّافذة العالية في " الكردور" الطّويل، ثم شرد!!
قرصته نسمة باردة.. اختبأ في كرسيّه.. حاول أن يقاوم.. أن يعيد الحالة لكنه أخفق..
نهض.. وبخطاً بطيئةٍ سار ليعود إلى مهجعه .
على حافة النّافذة وقف عصفور مشاغب، مسح منقاره بحديدها، وراح يرفرف..
وقف ليراقبه، لكن المشاغب عندما رآه، سخر من هيكله، وطار..
دخل إلى المهجع ، فتتّ رغيف خبز ونثره على حافة النّافذة المفتوحة، ثم عاد إلى المهجع .
أغلق الباب الحديدي المصمت خلفه، وراقب النافذة من " الشّرّاقة"*.
اقترب عصفور بحذر ، وسرق نثره خبز وطار بها، ثم عاد بعد قليل، وسرق نثرة أخرى وقبل أن يطفئ صديقه المذياع، كانت باقة عصافير تثرثر هناك، وتسرق الفُتات، وتسِّرح ريشها بمناقيرها، وهو خلف الشّراقة يراقبها بشرود.
قلبه كان خفيفاً، يرفرف كورقة عنب بريّة...!!
صباح اليوم التّالي، وبعد فتح أبواب المهاجع بقليل فتح نفس النّافذة، وبسط على حافّتها فتات خبز جديد، وجلس قُبالتها ينتظر صغاره وينفخ في كفّيه ويفركهما ويفرك ركبتيه وينقل بصره بين باب الجناح وأبواب المهاجع وشرفة النّافذة المفتوحة.
خرج صديقه غاضباً من لسعات البرد المفاجئة...
النّافذة مفتوحة وهو يبرد قُبالتها..!! فماذا يحدث؟!
لكنه لم يسأل.. أغلق باب المهجع وعاد ليختبئ في فراشه.
عند الظهر عرف أن العصافير كسبتْ صديقاً جديداً قد يخسره هو بسببها..!!
قرقعت السّطول على باب الجناح معلنةً وقت الغداء..
راح يبحث في المهاجع عند أصدقائه عن خبز فائض عن الحاجة، ليطعم العصافير، ليزرعه على حافة النّافذة، ويجلس، يمرّر وقته الجاف بعبق حركاتها ورطوبة ثرثراتها وحذرها المثير...
كان يدمن نشرات الأخبار ويستغرق في التحاليل ويجد دائماً من يصغي إليه إذا كانت قهوته ساخنة حتى ولو كانت باردة!!
وتسرّب الضّجر إلى أيّامه قطرةً قطرةً .
وفي ليلة أمضاها وهو يبحث عن خبر في محطة ما..يشغله.. يوصله إلى حافة النوم .. أخفق.. فأهدى المذياع في تلك الليلة إلى صديق كان يحلم بمذياع قائلاً:
-هيك أحسن...
رغم معارضة صديقه ورفضه قبول الهديّة.
بعد أيّام تأكد الجميع أنّه لم يعد راغباً بسماع المذياع..
استغرقته العصافير.. شغلته..
سمع عصفوراً يصرخ أمام باب الجناح.. ظنّه تائهاً أوجائعاً..
فتتّ قطعة خبزٍ ونثرها هناك.. هرب العصفور فتركه وعاد إلى كرسيه لكنه لم يستطع منع عينيه من مراقبة الصغير التّائه..
في صباح آخر، نثر رغيفاً في النافذة، ورغيفاً أمام باب الجناح، ومضى نهار كامل لم يقترب فيه عصفورٌ من هناك.
أثناء التفقد المسائي، طلب الشرطي أن نكنس فتات الخبز المنثور قبل أن يغلق أبواب المهاجع علينا..
اشتغل العتب ليلاً قبل أن ننام بسبب فتح النافذة صباحاً..
خجل، خاصة حين قال صديقه:
ـ كُرمى لفٌتات العصافير.. أخذت برداً..
يستطيع نثر الفتات، ويغلق النافذة، فيخلص من عتاب أصدقائه، لكنه لا يستطيع أن يراها وهو جالس لذلك كان يفتحها..
وعلى الرغم من ذلك فقد وعدهم أن يغلقها.
وقبل أن يناموا، كانوا منكسري الخاطر للحل الذي اقترحه..
تلك الليلة لم ينم.. اقترب من الشراقة ووقف خلفها يرسم بعينيه نافذة أخرى يعرِّش عليها اللبلاب.. وتمتلئ بأعشاش العصافير.. نافذة يزورها فتات شمس دافئة في النهار ونجومٌ لا تعرف القلق في الليل...
اغتسل بهدوء.. بلا صوت.. ليذيب ملوحة وجهه الفاترة...
ولمَّا استلقى في فراشه، كان متأكداً، أن العصافير هي الكائنات الوحيدة التي تدخل إلى هذا المكان بدون أن تلوث إبهامها بالحبر، أو ظهورها بالسِّياط...
في اليوم التالي، نثر فتاته على باب الجناح، ووقف على كرسيّه أمام النافذة، وكلما اقترب عصفور منها، كان يؤشر له بيديه ويردد: الخبز عَ الباب.. عَ الباب الخبز..
آخر النهار.. اجتمعت جوقة عصافير تنقر الفتات من هناك تتهامس سّرا.. تتلفت على تمثال من لحم وقطن يتحرك ببطء فوق كرسيه الخشبيّ ويحتذي "شحاطة" مطاطية مرقعة بالقماش.. يراقبها بصمت.. يفتّت الخبز وينثره ولا يرد على الشرطي عندما يطلب منه أن يكنسها...
بعد العشاء كان توّاقاً ليتحدث لهم...
كيف اقترب عصفور منه!! كيف وقف على ركبته تحت مرمى عينيه ويديه!! تَنَقْوَز، مسح منقاره، ثم طار.
كانت عيناه، تتفتحان.. ويداه تشاركان.. وهو يحاول إعادة رسم اللوحة.. وكان يقسم بين مفاصل الكلام..
ويكرر:
ـ لماذا فعل العصفور ذلك؟!
... ماذا أراد أن يقول؟!
وكلهم كانوا يعرفون.
في يوم آخر.. بعد منتصف الليل بقليل.. انفجرت ضجةٌ هائلة..
فصمتت المهاجع.. صمتت تحت وقع الأحذية الثقيلة والأصوات الآمرة ..
"ضبّ غراضك.. ضبّ غراضك"!!
أنزل حقيبته القماشية التي صنعها بنفسه.
وتحت حث مفردات الاستعجال.. رمى أشياءه داخلها.. دسَّ قطعة خبز في جيب منامته.. ثم حمل حقيبته بيدين مرتجفتين..
ولما طُلب منهم الخروج رتلاً واحداً، خرج..
أدخل يده في جيبه، وفتّت قطعة الخبز.. فقد كان يفكر أن ينثرها أمام باب الجناح دون أن يخرج عن الرتل ودون أن يراه الشرطي.. لكن العيون كانت كثيرة والأحذية متراصة...
في السيارة الحديدية التي كانت تنقلهم، كانوا مقيدين ساكتين ، وكان يحترق ببطء!!
ببطء كان يحترق!!
ـ فمن سيفتتّ الخبز؟!
من سيطعم الصغار؟
ـ وإلى أين نمضي ثانية... إلى أين؟!!!







#طالب_إبراهيم (هاشتاغ)       Taleb_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتخفّي إلى أحمد الغريب..!
- عودة التفاصيل - اعتقال من مطار دمشق ثم محكمة أمن الدولة - إل ...
- التهمة المعلّبة -من مذكرات معتقل سياسي علويّ-
- المعارضة القصيرة والباب العالي
- البعد الطائفي للنظام السوري والتسوية


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب إبراهيم - الفتات إلى عباس عباس أبوحسين