أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الفرجاني - شهادات -لاشيء- 2















المزيد.....

شهادات -لاشيء- 2


محمد الفرجاني

الحوار المتمدن-العدد: 2783 - 2009 / 9 / 28 - 22:59
المحور: الادب والفن
    


لم نكن طبعا نتخيل الحرب كما كان يظنّها الكبار الذين ما كانوا بدورهم يتصوّرونها كما هي على خرائط الجنرالات الذين ما كانوا بدورهم يرونها كما هي في الواقع على خط الاشتباك الذي كانوا يعرفون عنه النزر القليل التقريبي حسب معلومات خاطئة قديمة وصلت حسب معطيات مغلوطة محرفّة من تحديد تقريبي للاهداف المجهولة من البدء... ثم، وبعد سنين، فهمتُ ان الكبار ما فهموا شيئا مما حصل، هكذا، ما فهموا وانتهى! اكثر من ذلك، ما فهموا ان ما حصل ليس الا بداية، فاجئهم الواقع، هذا كل ما في الامر، كل ما في امرهم... ولا نحن فهمنا ولا الجنرالات طبعا... لما سمعنا انّ الحرب قامت "هناك" في فلسطين كان لنا وقتها تصوّرنا لـ"هناك"، ثم لفلسطين ولاسرائيل ولكلمة حرب... كانت كلمة حرب تقترن في مخيلاتنا الصغيرة، لصبية من المدنيين في شورت وصندال، بنشيد حماسي يغنّيه صفّ كورال من رجال في بذل سوداء وكرافاتات سوداء وقمصان بيض، في تلفزة بدون الوان ككل تلفزات ذلك العصر، وتدخل من حين لآخر في الجوقة مغنية مزوّقة، مزوّقة جدا حتى على المناسبات الموغلة في قلة الذوق، مزوّقة كمهرّج سيرك، وتعتصر نفسها وتعتصر وتتقلص قسمات وجهها... هذه هي الحرب وقتها لاطفال في السادسة او السابعة من العمر، ولا شيء آخر تقريبا.. بعد سنين طويلة سأعرف ان قسمات الوجه المتغيرة المعتصرة عند المرأة، لما تتبعثر مساحيقها وتختلط، تظهر في وقائع اخرى، مناسبات احلى في الحياة، ايام السلم، والفرق في التلقائية والانطلاق الطبيعي لحركة الوجه، خلاف قسمات الوجه التمثيلية وقت الحرب الانشودية في استوديو كرتوني الديكور امام عدسة كاميرا واحدة من زاوية تصوير واحدة لا حياة فيها، انشودة ميتة تمجّد علمنا المفدّى وتسكت عادة عن امواتنا المساكين... لذلك يعجبني الوجه الاول المعتصر من فرط الحياة والفعل مع فوضى جميلة للمساحيق، واستنكر الثاني وهو تمثيل من محترفي التمثيل في جنازة المساكين... المساكين دون غيرهم، اذ يُثبتُ المكرفون بعد الحرب امام نفس الاشخاص، وجولة اخرى، ومساحيق اخرى فاعتصار آخر مقابل كاشيه آخر... الحرب شيء من الخشوع ايضا، يبثه الكبار بإجلال هذا المشروع الذي اسمه حرب، ما كنا ضد الحرب وقتها، ابدا، كنا ضد الحرب التي نخسرها بسبب مؤامرة اخرى، حسب ما كان يقوله بعض الكبار، وكنا مع الحرب التي ننتصر فيها بقطع النظر عن السبب والملابسات، والافضل بسرعة وانتصار ساحق، ضربة وانتهى! ولا يهمّ اننا ما كنا نعرف عن تقنيات الضربة الواحدة شيئا، هذا ان كنا نعرف شيئا. كنا من انصار الضربة الواحدة وانتهى!، ولسبب كنا نجهله، كنا نحن من ينهزم بضربة واحدة وانتهى، كنا ننتهي فعلا، بضربة واحدة! كل مرّة! وما انجدنا الكبار بتفسير آخر غير اننا فجأة، هكذا، ابتعدنا عن ديننا الخ.. "يلعن ديننا!" على الاقل من اجل هذا.. من اين طلع وقتها ديننا؟ الرادارات والخرائط تحوّلت الى حروف ورقاع وطقوس! ابتعدنا مع انّه لا اذكر اننا رحلنا اوغيّرنا بيتنا ذلك وقتها في تونس، نفس الشارع وبيوت الجيران والمدرسة ومحطة الحافلة الوحيدة ودكاكين الخضّار والجزّار و"الكوشة" /الوحيدة/ والحجّام/كان له منافس/ والبقية كلها موجودة في مكانها، ومع ذلك يظنّ الكبار اننا ابتعدنا... ما كنا مسالمين مع ذلك، ابدا، رغم منظرنا البريء في ملابسنا المدنية الصبيانية الخدّاعة.. ما نذكره وقتها، لما كنّا ملاعين من المدنيين في شورت وصندال هو عجز الكبار عن العيش دون اجلال هذا او ذاك، لا عيش دون بطولات واساطير! دون كهرباء وطرقات ممكن، دون موسيقى وسهرات ممكن حتى مطلع الفجر، دون مرافق ومواصلات مريحة ممكن، دون بصاق مركّز في وجه بوليس ممكن، كان الكبار يخافون البوليس اكثر من كل شيء، واكثر من الله طبعا الذي كان بعضهم يلعنه علنا، كانوا يخافون البوليس اكثر مما كنا نحن نخافه... كانوا يعيشون بلا اي شيء، ممكن، اما بدون اساطير فلا، خط احمر!... تعودنا ان نحطاط من البوليس وان نحمد الله في حضور الكبار فقط، وان نغسل ايدينا قبل الاكل في حضور الكبار فقط، وان نلتزم بكل شيء في حضورهم فقط... والكثير من الاحاديث حولنا وقتها... لا غير... "الهناك" البعيد، المكان، كنّا ايضا نتصوّره بطريقتنا المحدودة وقتها، نتخيله في شكل طائرة اوباخرة ما رأيناها عن قرب، الاولى تخترق السماء مرة في الاسبوع على الاكثر وقتها، وكانت دائما حدثا يرفع اعيننا الى السماء ويدفع ببعض التعليقات والتحيات او حتى السباب التي تصل كل مرة من الفم الى السماء، والباخرة كنا نراها من بعيد ونحن على الشاطئ مع الاهل بالصيف، "الهناك" كان ايضا في التلفزة، وهي الارجح والاقرب والاسهل اذ كنا نراها من الصالة بالبيت... واقرب "الهناك" كان طبعا يقترن بالحافلة رقم 3 التي كنّا نراها كل يوم تخترق الساحة الكبرى، هي اكثر جولانا من الطائرة، مع انها اكبر في اعيننا وجسمها الضخم كان يعطل حركة بقية السيارات، السماء ارحب من شوراع حينا وقتها وهذا صحيح... بالمقابل الحافلة اقرب الى الواقع كوسيلة نقل الى "هناك" يعني الى فلسطين... فلسطين كانت في مخيلتنا شيئا يشبه حلوى غريبة الاشكال نجهل طعمها، ولباسا يقدّسه الكبار، لسبب كنا نجهله نحن الصغار، شيئا بعيدا ومقدّسا ويزيد الكبار في غموضه بجهلهم الاشياء او بعلمهم الذي كانوا يقدمونه في شكل بيداغوجي يستعصي على عقولنا الصغيرة وقتها، وبالطريقة المفخّمة لتفسير الواقع، اذ كانوا "يفسّرون" كل شيء بقوى خارقة للعادة وبغيبيات لا يراها غيرهم طبعا او اسوأ: بالمؤامرة التي ما كنّا نفهم منها شيئا وما كشفوها لنا يوما، ولو بعض جزئياتها، هكذا حتى نتدرب على الاقل على العالم السري وهم من كان يمسك بكل خيوطه، لو صدق شيب تجارب بعضهم... ومع ذلك كنا نصدّقهم، نصدقهم هكذا، اذ هم من كان يشتري لنا الحلويات واللعب، والتلفزة والشاطئ والملابس الجديدة، اما عن مصاريف البيت فما كنا نهتمّ وقتها بتفاهات من هذا النوع، كانوا في حربهم مع سياسات جديدة عليهم فيها كلمات جديدة عليهم، لا يجيد نطقها الصحيح، فضلا عن نسبة النهب فيها، الا واحد من عشرة من الكبار، منها مثلا كلمة التعاضد وكانت جبا في صوتماتها وقتها لاغلب الكبار... ثم كنا نحبّهم بطريقتنا لانهم كانوا اول الوجوه الاليفة، على الاقل وقتها، ولانه لا بد من كره البعض، ولو قليلا، وحب البعض، ولو قليلا، فكنا نحبّهم هم... من المعادلات التي لا مفرّ منها، خلاف معادلة المعرفة والجهل، اذ كانت تكفي المطالعة لكسر المعادلة فينقص الجهل مع كل كتاب، ان كان كتابا طبعا.. والكبار هم من كان يشتري لنا الكتب... كانت اسرائيل، وخلفها لسبب كنا نجهله اليهود، كلمة من الافضل ان لا تتفوه بها، بقدر الامكان، من الكلمات التي كانت تجلب السخط من مصدر مجهول، كنا نسخط على المصدر المجهول اكثر، فالافضل ان تُترك هذه الكلمة وتُقاطع... كلمة من نوع الكلمات التي يقفز فوقها الكبار مثل كلمة حبّ مثلا، او جنس... كلمة اسرائيل اقل طبعا في حدّتها من بعض الكلمات التي تعني بعض الاجزاء الخفية من الجسد، والتي كانت والحق يقال وقتها تثير فضولنا اكثر من مصير فلسطين، وكنّا على صراحة مع انفسنا، وهذه تحسب لنا، فكنّا، في غياب الكبار طبعا، نبحث في ما تحت ملابس النساء اكثر مما نتحدث عن فلسطين وقضيتها، ما وراء ثوب نسائي كان وقتها اغلى عندنا من الشرق الاوسط كله، اكثرنا تشبثا بمسالة فلسطين كان يبيع دون لحظة تردد واحدة الشرق كله مقابل لحظة هبوب ريح وارتفاع ثوب... ابسط من ذلك، كنا نفكّر في المحرّمات، الجنس وما حوله، دون وعي انها في حقيقة الامر ابسط الامور، ستكون من ابسط الامور بعد سنين... للبعض طبعا... مسألة وقت لا غير، وكنّا نجهل فيما نجهل وقتها مفهوم الزمن، ونجهله الى الآن طبعا، ولكن وقتها، خلاف الآن، كانت لنا اعذارنا، كنا صغارا... والاعذار شيء لازم لما تقيّم ايامك وتسجّل سيرتك، اما ان تنسى سيرتك وتدفنها الى الابد او تجهّز ما يكفي من الاعذار وتبدأ السرد، ولا حل آخر، الا ان تحرّف سيرتك وتكذب طبعا، وهي الاكثر انتشارا واستعمالا... كنّا وقتها في السادسة او السابعة من العمر... كلمة اليهود طبعا شتيمة مبتذلة خلاف كلمة اسرائيل التي كانت "حرشة" يعني يتفاداها الكبار... من كانت تنشد الاناشيد وقتها ما فهمت هي ايضا شيئا مما حصل وتحصّلت على الكاشيه مقابل انشودة مهرّج السيرك وانتهت بذلك حربها هي مع من استأجرها، ولها ان تمسح مساحيقها بنفسها بعد ذلك، خلاف المساحيق التي تمسحها الوسادة في غفلة من ربّة الوسادة... عام 67، عام الاشياء المبهمة لنا وقتها، وكنّا، قدوة بالكبار، نعلّق الامل على القادة، الامل على من امامه المكروفون! المكروفون اول المقدّسات التي لا هزل معها ولا جزئيات ولا مجازفات وكلام، لا تكون المكروفونات مثبتة هكذا امام من هب ودب من الشعب الجاهل وقتها، لو صدق القادة، ولو تمّ تعداد المكروفونات بامانة وقتها لكانت عشرة فقط /المشتغلة فعلا، المعطبة تنتظر النجدة من المتآمرين علينا/ عشرة مكروفونات على عدة ملايين من البشر! ومن امامه مكروفون يمكن ان يقول في كل لحظة ما يلزم لننتصر، تدخل الكلمة المكروفون من جهة، من جهة القائد، لتخرج من الجهة المقابلة، جهة الشعب، نصرا في شكل علم يخفق وصورة ربّ المكروفون، صورة فيها الكثير/ما يلزم/ من الروتوش طبعا... وما رأينا من هذا شيئا بعد الخطب، ربما لاننا لم ننتظر الفترة اللازمة، او لاننا كالعادة وككل الاشقياء والفوضويين لم ننتظر كما ينبغي، الفترة اللازمة... كنا نؤمن بالمكروفون ونجهل البقية، وكنا نجهل فيما نجهل ما معنى ننتصر وما معنى نحن...، كلمة ننتصر فيها كل شيء: من العراك الى الكرة الى الاناشيد الى حالات الصرع التي يسمّونها "تخميرة"، وكلمة "نحن" التي تعني الجميع طبعا وهي الاصعب والاغمض، اغمض حتى من التخميرة ومحادثة بعض المراسلين من العالم الآخر.. كل شيئ الا "نحن" هذه! عام 67 عام مبهم فعلا... عام مبهم علينا، كنّا صغارا على الواقع، هذا كل ما في الامر... وعام مبهم على الكبار ايضا، اذ كبر الواقع عليهم فجأة، هذا كل ما في الامر ايضا... في امرهم...



#محمد_الفرجاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهادات -لاشيء-
- سقاية الحجيج الاعظم
- بصفة قارئ


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الفرجاني - شهادات -لاشيء- 2