أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاكر شبلي - المقامة العمياء














المزيد.....

المقامة العمياء


محمود شاكر شبلي

الحوار المتمدن-العدد: 2780 - 2009 / 9 / 25 - 17:51
المحور: الادب والفن
    


حدثنا محمد العطوان قال ..

في أحد الأيام السود التي شهدها العراق . وما أنتشر من أخباره العجاب في الأفاق ..
حدث أن قتل لي شقيق ثان , بيد الأخوان , ممن يدّعون الجهاد , لتحرير البلاد , من شر العباد..
وفي مجلس العزاء , زارنا الأعزاء , من الغرباء والأقرباء ممن يجيدون اللطم والبكاء ..
وكان صديقنا( ناطق بن أمّونه ) كعادته , فارسا تمتلئ بالسهام كنانته ..
و حمل مهمة الحديث بالمجلس على عاتقه.. مستعينا بما حباه الله من قدرة في التعبير والإلقاء , بعد دعاء بائعة الليف العمياء ..
و أصبح وكأنه من أصحاب الدار , وصار يتدخل في الأمور ويتداول الأخبار , ولا تخفى عليه الدقائق والأسرار..
وفي المساء و بعد انصراف الناس , يحدّثنا ببراعة الخطيب ذي المراس..
و يحدد لنا ألأخيار والأشرار, ممن يجب علينا الاقتراب منهم , وممن علينا الابتعاد عنهم ..
خوفا على الباقين منّا من القتل بيد الإرهاب , الذي أخذ يستهدفنا في الذهاب والإياب..
وبعد انتهاء الأيام الثلاته المعتادة لمجلس العزاء .. أخذنا نجتمع كل خميس على العشاء ..
وبعد الطعام , نتداول الكلام , عن أخبار الأنام .. في حاضر الأوان, و سالف الأزمان ..
لأخذ العظات والعبر , وإفادة من يعتبر ..
وكان( ناطق بن أمونه ) من أبلغ الحاضرين تعبيرا , وأشدّهم وقعا و تأثيرا ..
وفي احد أيام الخميس تلك, سألني أحد الحضور , عن ما حدث لي مع ( ناطق بن أمونه) من مقالب وأمور , وكيف سلبني كيس القماش المر زوم , وأعطاه لأبن المختار المرحوم ...
وحينما هممت أن أبدأ رواية ما حدث , قاطعني ( أبن أمونه) وتحدّث ..
وقال .. إنكم رأيتم الأفعال الكريمة , ولمستم الأخلاق العظيمة .. للحاج صالح , وأخيه الحاج فالح... ولكنكم لم تسمعوا بأخبار أبوهما (الحاج أسمر) وكيف عمى , ثم كيف أبصر..
فأجبنا وهل له كما لهما أفعال عظام , تستحق البحث و الاهتمام ..
قال سأقص عليكم واحدة من أفعاله , ولكم الحكم على أعماله ..
قال .. اصطحبني أبي , حينما كنت صبي , لزيارة (الحاج أسمر) قبل أن يودع الدنيا الفانية , ويستقبل الأخرى الباقية ..
وعند العودة من الزيارة , قلت لوالدي .. لقد سمعت من أحد أقراني أن (الحاج أسمر) , قد كان أعمى ثم أبصر .. فكيف حدث ذلك ..
أجاب ابي ..
سأقص عليك القصة من أولها ..قا ل..
كان( الحاج أسمر) رجلا طيبا يحب الخير وله في ذلك قصص مشهودة , ومواقف محمودة ..
وكان يحب زوجته الجميلة حبا جما , ويداريها وكأنها كانت له زوجة وأمّا ..
وفي أحد الأيام أصابها مرض في الجلد , فامتلأ وجهها بالبقع , وتغطت يديها بالرقع.. وفقدت رونقها و جمالها , وضاع حسنها وكمالها..
وبذل (الحاج أسمر) جهده لعلاجها , وشفائها , ولكن لم يصلح العطار ما أفسد الدهر ..
وترك ذلك المرض في نفسها آثارا شديدة , وجروحا عديدة ..
و أخذت تندب حظها ليلا ونهارا , وتذرف الدمع أنهارا..
ثم بدأت تسأله بان ينفصل عنها , ويتزوج بأجمل منها ..
لأنها وجهها صار قبيح , وشكلها غير مريح ..
وحاول( الحاج أسمر) أن يعيدها إلى رشدها , ويبين أنه لم يحبها لجلدها ..
وإنما أحبها لجمال روحها ورقّة شخصها وحسن أخلاقها , وهي الآن أم لأولاده وبناته ,
وشريكة له في حياته ..
ولكنها لم تنقطع يوما عن النحيب و البكاء , وما انفكت أبدا عن اللوم والرثاء ..
وانحرفت حياتهم عن نعيم الهناء كليا, واتجهت نحو جحيم الشقاء مليا ..
وحل الجفاء والصد , بديلا , عن السعادة والود..
فأعمل (الحاج أسمر) الفكر , لتلافي هذا الأمر..
وإيجاد حل و مخرج , لهذا الوضع المحرج ..
فما كان منه ألاّ أن أدّعى أنّ عينيه قد أصابهما الضرر, وضعف فيهما البصر ..
و بعده بفترة , أدّعى العمى , فوصل عندها إلى ما رمى ..
فقد انشغلت الزوجة بما أصابه من عارض , وأهملت ما أصابها من عوارض ..
و سكّن ذلك من لوعتها , لاهتمامها بلوعته , وخفف من مصيبتها , لعظم مصيبته ..
كما انّ ما حدث له , يمنع رؤية ما حدث لها ..
فتركت نحيبها , وقبلت نصيبها ..
وأهملت محنتها , ووقفت معه في محنته..
وكان يسألها بين الحين والحين , ماتفعل لو عاد له نور العين ؟ ..
فكانت تجيبه في الحال , هو الطلاق لامحال ..
فأستمر بتمثيل العمى سنين طوال , حبا لها ,
حتى مرضت فجأة وجاء حتما أجلها ..
فذهب السبب , وبطل العجب , ذهب العمى , وعاد البصر ..
وهنا سكت ( ابن امونه ).... والتفت إلينا ....فوجدنا صامتين و فاغرين أفواهنا وكأن الطير على رؤوسنا فسأل ... مارأيكم , وما تقولون ؟
فأجبت قبل الجميع ..
التضحية أساس الحب , والحب بدون تضحية كالوردة بلا عبير..
فقال آخر..
أقول كما قال سيدنا المسيح سلام الله عليه..
طوبى للمتواضعين في الدنيا , هم أصحاب المنابر في الآخرة ..
وتنحنح والدنا فالتفتنا جميعا نحوه .. فقال..
أذا أرتفع البحر , ارتفعت جميع المراكب التي تبحر فيه ..
والأب هو البحر وولداه سفينتان عظيمتان تمخران عبابه .
ثم ّهزّ رأسه بإعجاب وأضاف ..
وربّ سكوت أبلغ من الكلام ..
فسكتنا جميعا .. والسلام .





#محمود_شاكر_شبلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقامة القماشية
- المستكشف( فاليه ) يقع في غرام ( معاني ) البغدادية
- الوسطية ضرورة العصر
- نخلة لها تاريخ تربط بين جامعة أريزونا وكلية زراعة أبوغريب في ...
- قائد النعماني ..
- المقامة الحزينة


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاكر شبلي - المقامة العمياء