أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حامد مرساوي - قشرة البرتقال/2-الخرجة- مع سعاد















المزيد.....

قشرة البرتقال/2-الخرجة- مع سعاد


حامد مرساوي

الحوار المتمدن-العدد: 2775 - 2009 / 9 / 20 - 02:29
المحور: سيرة ذاتية
    


كان الصفاء الذهني يبلغ مداه عند صفحة الماء التي تسكن تموجاتها. فتستقر ملامح وجه سعاد. لم يكن للخيال من بد سوى الانتقال إلى متوالية كيميائية. تتدرج من الملامح الفيزيولوجية إلى رائحة الجسد الطفولي. فمن العجيب أن يكاد الإنسان يتحسس أنفه للتيقن من قرب الحبيب وخلود ذكراه في الوجدان. لحظة فريدة أن يصبح الأنف محطة لإثبات سمو الوجدان. وهو درج يتجه بدوره نحو لحظة انتشاء الذاكرة في مجملها بما يحلو لكل عاشق أن يتمناه من استطالة لحظة القرب من الحبيب. فتكون الرحلة الغرامية التي جرت فعلا مناسبة لإعادة إنتاج خيالي مستمر للحظة "خرجة" ثنائية أو "خلوة" سريعة بأبواب مغلقة من أجل لا شيء سوى إطالة النظر في الوجه الطفولي المبتسم تارة وتارة الخائف المتوجس الهارب نحو الباب لتسريع الإفلات من "الحصلة". كانت سرقة لحظات الخلوة قد تكررت. وهي ما ولـّد الاعتزاز بتبادل مشاعر الحب في تلك السنين المبكرة من العمر. لقد تكورت في الدماغ فكرة بلا أدنى مشوش جنسي محتمل، علاقة حب عذري من الطراز الصلب الذي خلده بُناته النموذجيون بالقصائد الشعرية وبالخرافات والأساطير الغرامية التي اقتربت من الطهر الصوفي ومن الحب الإلهي.
فكانت "الخرجة" ككل ممشى متعتر الخطوات لعشاق يسرقون اللحظة. لا يكادون يفلتون من حرجهم النفسي ومن الإحساس بالذنب تجاه أوامر الوالدين بالابتعاد عن الرذيلة، إذ يكلف التمييز بين الحب العذري وبين التسكع والانغماس في تضييع الوقت مع مشتهيات النفس البخسة القيم، يكلف جهدا مستمرا ومتواترا للإقناع الذاتي بعدالة "القضية". ثم تتوالى معارك مواجهة الإحراجات. للإفلات من الأصدقاء قصد ترتيب الأجندة الفردية المستترة لتتبع الحبيبة دون علم أحد. ثم الانتقال إلى إشراك ثلة من أصفى الأصفياء. ثم الانتقال إلى تحسس النظرات المتزامنة المتلصصة وكذا ظلال المعاني التي تفسر رغبات الدخول والخروج من المنزل، تعلة للاقتراب من الحبيب أكبر عدد ممكن من الفرص.
كانت التكتيكات كلها تصب في تجميع الحصيلة الكفيلة بتقوية مشاعر الحب لدى النفس ولدى سعاد. ويمكن القول إن التراكم البدائي المفصول عن كتب الفلسفة بمراحلها التنويرية المختلفة، يأتي من هذه الحاجة الماسة لمواجهة المتناقضات لبلوغ هدف واحد، توفير الظروف المناسبة لتكبر فراشة الحب، ذات الأجنحة الشديدة الهشاشة.
مقابل لخبطة الحب نفسه وتلابيبه التي تكاد تتمزق من ذاتها. يجثم المجتمع بكلكله على الذات المحبة التي لم تنتقل بعد للانعتاق الفردي المادي والمعنوي. فالصرف الاقتصادي للأبوين يقتضي إنجاز الواجب المفروض على الأبناء حسب نوع الاستثمار المتكل عليه. والأمر يتعلق دائما بالمحصول الدراسي للمحب التلميذ. لذلك، كانت النتائج الدراسية هي الدرع الذي يحتمي به الأبن المحب ليخفف من غلواء التسلط العائلي. الحب اتخذه الكبار من كل أنواع الأجيال سببا للتدهور الدراسي، بسبب ما يقتضيه من استهلاك للوقت من طرف المحب لتلبية رغبات الوله الغرامي اليومي بل وفي كل لحظة. فالحب من الانشغالات المؤججة للطاقة الجسدية في الاتجاه العذري، لكنه مدمر للقدرة على التركيز. كانت إذن معركة مع الذات لربح رهان المعادلة: تقوية مستمرة للروابط الغرامية بكل خيوطها الممكنة. وحرب ضد الدروس لتركيعها يوم الامتحان ولحظات الفروض الكتابية والشفوية. فلربما كان القهر العائلي بصدد الحب قوة دافعة لربح رهان الدراسة. لأن اختلال التوازن بين الإثنين يولـّد نظرات شزراء ملئها الاحتقار ونفض يد الكبار من مؤهلات المحب. فحتى تقطع الطريق أمام كل نظرة موغلة في التسلط، كانت النتيجة الدراسية بمثابة "خمسة والخميس" تحفظ المحب من الكلام المجاني الماس بقدسية الحب.
كانت "الخرجة" ذات يوم قائظ. في منتصف النهار بعد الغذاء. في وزان الخالية. إلا من التلاميذ الذين يترددون ما بين الزنقة والمدرسة. ففي بداية السبعينات كان الشهران الأخيران من الموسم الدراسي أحلى فترات الموسم الدراسي. لأنها فترة الحرية. فلا الأسرة قادرة على التحكم في حركة دخول وخروج الأبناء والبنات من المنازل. ولا المدارس دقيقة المراقبة على الحضور والغياب في الحصص الدراسية لتلك الفترة. إذ غالبا ما تصبح تلك الفترة هلامية. بسبب تفاوت الأساتذة في بلوغ نسب البرامج الدراسية المقررة. ثم غالبا ما تصبح حصص المواد الثانوية ثقوب تمكن من الإفلات من الحضور. بل تكون موضوع تواطؤ جماعي بأسباب متنوعة، من المكوث في المنزل إلى التشكل في الجماعة قصر البحث عن التوت الناضج في طريق العدير أو الرياض قرب "ماكينة الزيت". نغني جماعة عبد الحليم أو أم كلثوم كما نتعلم التباري في سرد النكت وكذا التنكيت بصدد الأساتذة. كما تكون المجموعة المنسجمة المشاغبة قد التأمت بصدد توزيع الأدوار بين لحظات السخرية على الذات أو الجري نحو أشجار التوت أو الاستراحة على منحدر مخضر بجانب الطريق. كانت علامات النضج المبكرة من خلال هذا التمرن على التدبير المبكر للفترات الزمنية الحرة. كانت "الخرجة" الطويلة الحالمة مع سعاد في هذه الفترة الجميلة من الموسم السنوي الدراسي.
أما المجتمع العائلي فله تناقضاته، لا تملك الذات المحبة سوى متابعتها بصمت. فالأزمة التي جعلت الوالد شخصا عاطلا عن العمل وقد كان مقاولا صاحب دورة استثمارية في غابات إيزارن، لترويج منتوجات غابات الريف ونقلها كمواد للطاقة الحرارية وللتصنيع. فال"عود" و"الفرشي" و"الفاخر" (الفحم)، محمولات مشحونة من غابات طريق شفشاون إلى النقط السكنية في الغرب المجاور: سوق الأربعاء، بلقصيري، سيدي سليمان، سيدي قاسم....ثم فجأة جيب "الوليس" والشاحنة "طامس ترادير" لم يعد منها شئ. لم يفهم الفتى المحب ما هو نوع "تلافة" الذي ضرب شغل الأب ولم يدر في المنزل قط ولا مرة سبب الأزمة. بسبب وفاة الصغيرتين مبكرا في بداية ستين، بديعة ونزهة، كانت بكائيات الوالدة قد طالت. أما وقد اقتعد الوالد في المنزل، فقد حلت الأخت المطلقة بدورها في المنزل، على طريقة الأفلام المقتبسة من روايات نجيب محفوظ (البنت الكبيرة التي تتحول إلى خياطة لتستكمل للأسرة مداخيلها المالية).
أما "الخرجة" فلم يدر المحبّيْن كيف انتقلا من درب إلى درب إلى ما يطلق عليها ساحة عمومية إلى الشارع. من العبيد ساحة عباد إلى المغانة إلى للازواوة إلى العدير إلى ديور المخازنية إلى مقابر النصارى إلى طريق الشاون إلى ما وراء الحبس ومساحات اخضرار. أما العودة فكانت من حيث الزمن النفسي، بل "الخرجة" كلها بمثابة لمح البصر.





#حامد_مرساوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قشرة البرتقال/ 1- السفر الحزين


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حامد مرساوي - قشرة البرتقال/2-الخرجة- مع سعاد