أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - فيوليت داغر - لايكفي الصلاة من أجل القدس















المزيد.....

لايكفي الصلاة من أجل القدس


فيوليت داغر

الحوار المتمدن-العدد: 2766 - 2009 / 9 / 11 - 23:41
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


قادتني مهمات تقصي حقائق عدة مرات باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة للإطلاع والتواصل والتضامن مع شعب تقطعت أوصال موطنه بين أجزاء كانت تسمى قبل ستين عاماً فلسطين التاريخية. بدأت رحلاتي بغزة ثم بالضفة الغربية والقدس انتهاءا بأراضي 48. وفي كل مرة كان تسارع الوقائع التي يفرضها الاحتلال على الأرض والانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الفلسطينيون المتمسكون بأرضهم وحقهم في العيش بكرامة في وطنهم تصفع المراقب بوحشيتها وما تسببه من أذى حتى للناظر، فكيف بالأحرى للضحية؟
لم يكن من بد هذه المرة من الدخول عبر مطار بن غوريون الذي كنت اتجنبه كلما استطعت لذلك سبيلاً. فهناك نوع من السياح غير مرحب بهم ويسعى غاصب الأرض لطردهم وحظر دخولهم منذ البداية وغالباً بعد اخضاعهم للتحقيق المطول والمهين و"تفييشهم". خاصة إن كانوا من مواليد بلد عربي أو يظهر على جوازهم ختم يدلل على زيارتهم أو سكنهم في بعض البلدان من مثل سوريا ولبنان والعراق وليبيا واليمن والسودان وأيران وأفغانستان وباكستان وحتى قطاع غزة الذي أضيف مؤخراً، كونها تعد من قبل الكيان العبري "بلدان معادية". هذا التعامل يسري حتى على مواطني بلدان أخرى إن ثبتت مناصرتهم لحقوق الإنسان الفلسطيني ولقضية هذا الشعب. لكن أيضاً من جانب شرطة حدود البلدان العربية وبذريعة مناهضة التطبيع مع "اسرائيل، يتعرض مواطنوها للمساءلة وربما لأكثر من ذلك لو ثبتت زيارتهم لهذا البلد ووجد ختمها على جواز سفرهم.
في السيارة التي قبلت ان تقلني من المطار للقدس الشرقية حيث المبيت، كان سائق التاكسي الذي يتكلم العربية بصعوبة (كونه يهودي من مواليد تونس) يحرص ان يفهمني أنه يفعل ذلك استثناءا كي لا يتركني في الليل على قارعة الطريق للبحث عمن يكمل بي المشوار. فسيارات القدس الغربية لا تدخل عموماً للقدس الشرقية والعكس صحيح. المسافة لم تكن قصيرة، فشغلت نفسي بمراقبة الشوارع التي تقطعها السيارة المسرعة ومن وما فيها من مارة وابنية. هذه المرة كانت تبدو لي وجوه سكان المدينة كالحة وأكثر تجهماً مما لاحظته في السابق، وما يمكن ان يتوقعه غريب قادم اليها. خطى الناس بدت كذلك متسارعة في الشوارع لبلوغ منازلهم قبل هبوط الليل، فهم يعطون الانطباع وكأنهم ليسوا بمأمن فيها. لم يكن استغرابي بأقل عند رؤية الفارق الكبير بين جزئي القدس الغربية والشرقية. لا بل بدا لي هذا التناقض صارخاً بين ما يترآى لناظره مدينة جميلة تنعم بنصيب وافر من العناية والثروة، وجزء آخر مهمل ومهمش مشابه للأحياء الفقيرة والمعزولة في ضواحي المدن العامرة. كيف لا وسكان القدس العرب الذين يشكلون 34 % من المجموع، ويعيش حوالي الثلثين منهم تحت خط الفقر، لا تجد بلدية القدس من ضرورة لأكثر من صرف ما بين 5 إلى 10% من ميزانيتها على أحيائهم وتركهم يفتقرون لخدمات عديدة ولبنى تحتية أساسية.
هذه المدينة، مهبط الرسالات السماوية والتي تعد من أقدم المدن في العالم، يجري انتزاعها على مسمع ومشهد من العالم من سكانها الأصليين، بمصادرة أراضيها وهدم ووضع اليد على بيوتها وأحيائها بكل الأشكال المتاحة من قبل شذاذ آفاق قدموا من أرجاء العالم. في حين ما زال يعتبرها أهلها "العاصمة الموعودة" للدولة الفلسطينية المقبلة رغم تأكيدات نتن ياهو أن القدس ستكون بكاملها عاصمة أبدية لدولة الاحتلال. فمنذ اتخاذ القرار 303 في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1949 منحت أم المدائن وضعاً دولياً خاصاً، مع التأكيد على حماية الأماكن المقدسة فيها وعلى احترام الخصوصيات الدينية والثقافية والاجتماعية لجميع سكانها. لكن دولة الاحتلال وضعته على الرف ولم تحترم يوماً ما ورد فيه. فالدولة العبرية، التي أعلنت ضم القدس الشرقية سنة 1980 بعد أن كانت قد احتلتها في 1967، ما زالت ترفض الاعتراف ب19 قراراً دولياً يعتبر القدس أرضاً محتلة. واليوم مع قدوم حكومة أكثر يمينية وتطرفاً مما في السابق، فالمتطورات كثيرة ومتسارعة بحيث لن يبقى بعد عقد من الزمن سوى 12% من عدد المقدسيين الحالي. أي ربع مليون، مقابل رفع عدد اليهود فيها ليصل لمليون نسمة. أما الهيئة المشرفة والمكونة اليوم من الدول الخمسة الأعضاء بمجلس الأمن والتي أنيط بها تطبيق القرار، فقد باتت معطلة منذ 1994 وسريان اتفاقية أوسلو. "اسرائيل" لم تسمح للأمم المتحدة بممارسة أية سلطة ادارية على القدس، كما ومنعت اي نشاط للسلطة الفلسطينية. الشئ الذي اضر بمصداقية الأمم المتحدة بعيون كل شعوب العالم وليس فقط العربية.
لن يتسع المجال هنا للتحدث عن اجراءات التهويد الجارية على قدم وساق، بل سأكتفي بذكر بعض ما رأيت وما سجلته ذاكرتي. كانت عائلة الكرد، التي قمت بزيارتها في الخيمة التي أقامتها على مقربة من منزلها الذي طردت منه والتي تحولت ل"خيمة الصمود" في حي الشيخ جراح شمال القدس، واحدة من عائلات كثيرة تسام كل أشكال الهوان وانتهاك الحقوق ولا تجد مغيثاً يضمن لها غدها. وحيث لم يكتف الاحتلال بطردها من منزلها واسكان آخرين فيه، فقد عمد لارسال جرافات لهدم الخيمة بعد يومين من زيارتنا لها. وحيث نصبت الخيمة على أرض لفلسطيني قدمها مؤقتا لتلك العائلة ليقيها المهانة والتشرد بانتظار حل أفضل، عاد أصحابها والمساندون لهم ليقيموها من جديد، رغم أن الحياة فيها صعبة جدا. هدف الهدم كسر روح المقاومة عند الفلسطينيين. كذلك نصب الخيام له أيضا، فوق الحاجة لها، رمزيته ومدلولاته في التعبير عن رفض سياسة تهجير السكان والتمسك بالحق والأرض، ولو كان ثمن ذلك الشقاء، خصوصاً مع برد قارس وشتاء لا يرحم أو صيف حار.
آخرون قابلناهم في القدس القديمة كانوا شديدي القلق من التهديدات التي يتعرضون لها ويخشون أن يستيقظوا في اليوم التالي ليجدوا أنفسهم مجردين من مسكنهم وممتلكاتهم بحجة أن ما بنوه غير مرخص به. خلال التجوال في القدس القديمة كان لي أن أرى التشققات في حيطان بعض المحال التي تتسبب بها الحفريات الإسرائيلية تحت الأرض، كما أن أسمع ضجيجها لحد ما رغم صخب المارة في الشوارع الضيقة. أما خارج السور فكان العمل على قدم وساق حتى في يوم عطلة رسمية لتشييد مترو انفاق من المقرر البدء بتشغيل جزء منه في 2010. يمتد هذا النفق بطول حوالي 15 كلم ويبتلع أجزاءا هامة من أراضي القدس الشرقية، بهدف ربط المستعمرات في الجزء الشرقي من القدس بطرفها الغربي. وحيث أن ذلك منافي للقانون الدولي، فقد رفعت دعاوى من طرف ناشطين حقوقيين وجماعات داعمة للقضية الفلسطينية ضد الشركات الأجنبية التي قبلت التعاقد مع الحكومة الإسرائيلية لمقاضاتها، بما انتهى لانسحاب البعض والتخلي عن اكمال العقود.
أما فيما يخص استهداف العمل الخيري والإنساني، والذي وثقت جزءا منه في تقرير صدر بداية 2007 حيث قد استهدف ما يقرب من مائة مؤسسة في الضفة الغربية في قرار دفعة واحدة، كان لي هذه المرة أن أقوم بزيارة للشيخ رائد صلاح في مدينة أم الفحم في أراضي 48. كان الشيخ صلاح قد تعرض لأكثر من اعتقال، حيث جرى أغلاق مؤسسات للحركة الإسلامية الفلسطينية منذ 1996. وقبل سنة تقريباً أغلقت "مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية" حيث صودرت خرائط ومخطوطات وعشرات آلاف الوثائق التاريخية التي تعود لقرنين من الزمن والتي لا تقدر بثمن، كما لحوالي 1.5 مليون شاقل، بما فيها نحو 800 حصالة جمعها الأطفال من مصروفهم اليومي، إضافة لحصالات البيارق وحواسيب وأجهزة تصوير وسيارات وغيره. فالهدف هو الضغط المستمر للاجبار على تغيير السياسات وإبراز هامشية المجتمع الفلسطيني، تجنباً للاعتقال ولإقفال المزيد من المؤسسات، كما لإشغال القائمين على هذه المؤسسات في الدفاع عن أنفسهم لتستفرد في الوقت عينه سلطات الاحتلال بالمسجد الاقصى وبالمقدسات الإسلامية وبالمعالم التاريخية وبكل ما تحتضنه هذه الأرض المباركة.
وحيث لا مجال للإطالة، أختم بأنه في وضع كهذا هناك مسؤولية تاريخية، ليس فقط على الحكومات العربية التي أصبحت مراقباً أصماً أبكماً لما يحدث، أو على المسئولين الفلسطينيين، وإنما على كل إنسان لا يحرك ساكناً ولا يقدم دعماً مادياً أو معنوياً للضحايا وهو يرى ويسمع ما يجري لأهل القدس وفلسطين، في مواجهة عمليات استيطان وتهويد وانتهاك حقوق على كل الصعد، مدعومة بمليارات الدولارات وأكثر التيارات اليهودية ظلامية وتطرفاً.
رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان



#فيوليت_داغر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجتمع متحرر من تديين السياسة وتسييس الدين
- غربان تنعق في سماء لبنان
- أخلاقنا وأخلاقهم
- يجب فرض تعريف دولي لا يعتبر المقاومة ارهابا


المزيد.....




- مسجد باريس الكبير يدعو مسلمي فرنسا لـ-إحاطة أسرة التعليم بدع ...
- جيف ياس مانح أمريكي يضع ثروته في خدمة ترامب ونتانياهو
- وثيقة لحزب الليكود حول إنجازات حماس
- رئيس الموساد: هناك فرصة لصفقة تبادل وعلينا إبداء مرونة أكبر ...
- لقطات جوية توثق ازدحام ميناء بالتيمور الأمريكي بالسفن بعد إغ ...
- فلسطينيو لبنان.. مخاوف من قصف المخيمات
- أردوغان: الضغط على إسرائيل لوقف حرب غزة
- محلات الشوكولاتة في بلجيكا تعرض تشكيلات احتفالية فاخرة لعيد ...
- زاخاروفا تسخر من تعليق كيربي المسيء بشأن الهجوم الإرهابي على ...
- عبد الملك الحوثي يحذر الولايات المتحدة وبريطانيا من التورط ف ...


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - فيوليت داغر - لايكفي الصلاة من أجل القدس