أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - مصطفى عنترة - اليسار المغربي في رحلة جديدة للبحث عن لم شتاته وتقوية موقعه داخل الساحة الوطنية















المزيد.....


اليسار المغربي في رحلة جديدة للبحث عن لم شتاته وتقوية موقعه داخل الساحة الوطنية


مصطفى عنترة

الحوار المتمدن-العدد: 840 - 2004 / 5 / 21 - 19:07
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


هل تنجح الفصائل السياسية الخمسة المكونة لتجمع اليسار الديمقراطي في التأسيس لمرجعية فكرية وسياسية مشتركة والبحث عن تحقيق ما عجزت عن تحقيقه الإطارات السابقة؟ وهل يشكل هذا التحالف قوة فعلية من شأنها نقل اليسار غير الحكومي من حالة الضعف إلى القوة ورد الاعتبار أخلاقيا وسياسيا إلى اليسار من خلال احتواء المطالب الديمقراطية والتأثير في القرار السياسي؟ وما هي الآليات التي سيعتمدها لتدبير خلافاته واختلافاته بشكل عقلاني وديمقراطي يجعله قادرا على رفع تحديات المرحلة؟ وهل مستقبل هذا التجمع مشرق بالفعل ويحمل بين طيّاته حلولاً جذرية لمشكلات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية.. الخ ؟ أم إن هذا المستقبل لا يعدنا إلاّ بالأوهام والكلام الذي يتلاشي ويضيع إدراج الرياح إثر مغادرته الشفتين؟

تجري الاستعدادات على قدم وساق، هذه الأيام، من طرف خمسة تنظيمات سياسية (وهي حزب المؤتمر الوطني الاتحادي، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، حركة النهج الديمقراطي، حزب السيار الاشتراكي الموحد وجمعية الوفاء للديمقراطية) من أجل الإعلان عن تأسيس تحالف سياسي يحمل اسم "تجمع اليسار الديمقراطي".
وقد قطع هذا المسلسل عدة محطات، كان أبرزها صدور مشروع ميثاق تأسيس تجمع اليسار الديمقراطي(أنظر نص الوثيقة) بين التنظيمات السياسية الخمسة المشار إليها أعلاه، وهو المشروع الذي حدد الاختيارات الكبرى وكذا المنطلقات التي يرتكز عليها هذا التحالف فضلا عن برنامج العمل ومهام المرحلة المتعاقد حولها، كما سطر عقد لقاءات جهوية على صعيد بعض المواقع داخل المملكة قصد بلورة التنسيق وتأهيل هذا الإطار للمحطة القادمة تهييئا للمهرجان التأسيسي الذي من المقرر أن يعقد في 6 يونيو القادم قصد الإعلان رسميا عن ميلاد هذا التجمع. وقبل التعرض لهذه الأسئلة بالتأمل والتمحيص في محاولة لملامسة الإجابات عنها والنفاذ إلى جوهرها، لابد من الوقوف على الدلالات السياسية والرمزية لهذا التجمع.

الدلالات
لعل قراءة مشروع الميثاق التأسيسي لهذا التحالف تبرز الأهمية الكبيرة لمثل هذا التجمع اليساري لاعتبارات متعددة:
أولها أن هذه المبادرة تتوخى توحيد جهود بعض القوى اليسارية وبالتالي المساهمة في تجميع أوصال الكيان اليساري بدل تركه على حالة من التمزق التي وسمت اليسار المغربي عامة والحقل السياسي على وجه الخصوص،
ثانيها محاولة نقل اليسار من حالة الضعف إلى القوة في وقت تحتاج فيه الساحة الوطنية بالفعل إلى تكتل سياسي قوي قادر على احتواء المطالب الشعبية الديمقراطية وقيادة نضال الجماهير المغربية والمساهمة في خلق شروط الانتقال الديمقراطي،
ثالثها محاولة ملء الفراغ السياسي القاتل الذي أصبحت تشكو منه الساحة السياسية بعد مشاركة أطراف داخل اليسار (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب التقدم والاشتراكية والحزب الاشتراكي الديمقراطي) في الحكومة، حيث ساهم ذلك في ابتعاد هذه الأطراف عن نبض الشارع وبروز القوى الاسلامية السياسية التي اكتسحت بعض المواقع التقليدية التي كانت تحسب لفائدة اليسار كالجامعة وغيرها،
رابعها إعطاء المصداقية لقوى اليسار بعد الاندماج اللامشروط للتنظيمات الثلاثة المذكورة في اللعبة السياسية، إذ لم تضع هذه التنظيمات حدودا لمشاركتها السياسية داخل التجربة الحكومية، بمعنى أكثر وضوحا فإن وجوها داخل صفوف اليسار "تمخزنت" إلى درجة أصبحت معها لا تخفي دفاعها عن المخزن كلما دعتها الحاجة إلى ذلك.
خامسها المساهمة في تجديد الخطاب والممارسة السياسية ورد الاعتبار إلى مجموعة من القيم التي ارتبطت تاريخيا باليسار مع العمل على بلورة مشروع مجتمعي قادر على تأمين مرحلة الانتقال الديمقراطي.
وكان التفكير في خلق إطار سياسي مشترك قد احتل مكانة متقدمة ضمن الاهتمامات المركزية لعموم التيارات الماركسية اللينينية في أواخر سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، إذ كتب الكثير حول هذا الموضوع ودخلت هذه الأفكار إلى مختبر الواقع في النصف الأول من القرن الماضي وبشكل متقدم في السنوات الأخيرة ببوزنيقة، غير أنها توجت برفض حركة النهج الديمقراطي لخبايا التجميع آنذاك، متهمة بعض الوجوه اليسارية المعروفة بتنسيقها مع المخزن، مما جعل تلك المبادرة الوحدوية لا تترجم على أرض الواقع. ولم تر هذه الوحدة النور إلا في السنتين الأخيرتين ( أي قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة)، حيث توج مسلسل الحوار بين منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، الحركة من أجل الديمقراطية، المستقلون الديمقراطيون والفعاليات اليسارية المستقلة بميلاد حزب اليسار الاشتراكي الموحد. وها هي اليوم فصائل يسارية ذات منحى ماركسي لينيني وأخرى يسارية اتحادية ذات منحى اشتراكي ديمقراطي تدخل مرحلة البحث عن خلق إطار تنسيقي تحت اسم تجمع اليسار الديمقراطي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هل تنجح هذه الفصائل السياسية في تحقيق ما عجزت عن تحقيقه فصائل أخرى سبقتها إلى مثل هذه المبادرة ؟

التباينات
مما لا شك فيه أن ثمة تباينات أولية تظهر لكل متتبع لهذه المبادرة التجميعية، هذه التباينات التي ربما تحولت إلى متاريس قد تعترض مستقبلا طريق التنظيمات السياسية الخمسة وتحول دونها وتحقيق أهداف برنامجها العملي.
لقد عكست الأرضية التي حصل توافق مبدئي بين التنظيمات اليسارية الخمسة على أن تشكل القاعدة التي يجب أن ينهض عليها ميثاق تأسيس تجمع اليسار الديموقراطي إخفاء التباينات الواضحة بين هذه التنظيمات، لكن وضع آلية ديموقراطية لتدبير هذه الاختلافات والتباينات بشكل عقلاني قد يلعب لصالح هذا التجمع، على أن تتم الاستفادة في وضعها من أخطاء تحالفات سياسية فشلت في تجاربها السابقة في تدبير اختلافاتها بالشكل الذي يحافظ عليها مجتمعة ويدفع باتجاه استمرارها، وأول هذه القضايا الخلافية مسألة الصحراء المغربية (القضية الوطنية) التي يبدو أن مهندسي هذا الميثاق سعوا إلى عدم إحراج رفاق عبد الله الحريف الأماميين (نسبة إلى منظمة "إلى الأمام") الذين لازالوا متشبثين بموقف تقرير المصير.. أيضا مسألة سبتة ومليلية، المدينتين المغربيتين، اللتين لا زالتا تقبعان في براثن الاحتلال الإسباني مع العلم بأن قضية الوحدة الترابية تعد مسألة جوهرية في العمل السياسي بالمغرب، كذلك لم تتم الإشارة إلى المشاركة الانتخابية، فواضعو هذا الميثاق اكتفوا بالتركيز ضمن مهام المرحلة فقط على مواجهة كل أشكال تزوير إرادة الشعب المغربي والتلاعب بأصواته، وهذا الأمر هو الآخر من شأن إقراره إحراج حركة النهج الديمقراطي وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي بالرغم من أن موقف رفاق أحمد بنجلون من الانتخابات الأخيرة اتسم بنوع من الغموض بخصوص الانتخابات، عوض موقف المقاطعة الذي دأب الحزب على تبنيه تقليديا. وهناك نقط أخرى لا تقل أهمية عما تمت الإشارة إليه وتتمثل في عدم الحديث عن طبيعة وشكل الملكية الذين وجب النضال من أجل تكريسها على أرض الواقع.
وتعرف المسألة النقابية أيضا تباينات واضحة داخل مكونات هذا التجمع، فاليسار الاشتراكي الموحد لازال لم يحسم في هذا الأمر بالرغم من ميول أغلبية إطاراته إلى الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وعدم الوضوح هذا اتسمت به قبله منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي سبق وأن هوجمت من قبل الزعيم الكونفدرالي نوبير الأموي نهاية عام 1997 بسبب عدم مساندتها للكدش في الانتخابات المتعلقة بالمأجورين وبعدها محاولة تبني نقابة الكونفدرالية العامة للشغالين بالمغرب بقيادة السملالي. وكانت العلاقة بين الاثنين قد عرفت توترا بسبب الرد العنيف لرفاق محمد بنسعيد آنذاك قبل أن تعود هذه العلاقة إلى الانفراج من جديد، ويؤدي اليوم رفاق بنسعيد في إطار اليسار الاشتراكي الموحد ضريبة عدم الدخول إلى الكتلة الديمقراطية بسبب موقفهم من الصراع الذي عرفته الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بين أنصار الأموي وأنصاراليازغي الذين انتهوا إلى تأسيس الفيدرالية الديمقراطية للشغل.
وتجدر الإشارة في هذا الباب إلى أن محمد اليازغي، الكاتب الأول للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وقف ضد عضوية حزب اليسار الاشتراكي الموحد داخل الكتلة، حيث طُلب من هذا الحزب تقديم التماس في الموضوع!!؟
العمل داخل الإطارات المدنية الجماهيرية هو الآخر من شأنه أن يعرقل أهداف هذا التجمع اليساري، وقد شكل المؤتمر الأخير للجمعية المغربية لحقوق الإنسان مثالا لهذه العرقلة بعد انسحاب الحقوقيين المحسوبين على اليسار الاشتراكي الموحد بسبب عدم التفاهم حول مسألة التمثيلية، وهذا الأمر جعل الصراع يحتدم ظاهريا حول دسترة الأمازيغية.
ومعلوم أن مواقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من الأمازيغية غير واضحة، فقد سبق لرئيسها السابق عبد الرحمان بنعمرو أن عارض طلب إدراج الأمازيغية ضمن توصيات الفيدرالية الذي تقدم به أعضاء ينتمون إلى الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي في لقاء نظم في السنوات الأخيرة بالدار البيضاء تحت إشراف الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، مما جعله يصطدم بمعارضة شديدة من قبل نشطاء في الحركة الأمازيغية، وغياب الوضوح هذا يمكن أن ينطبق على باقي التنظيمات الحقوقية (المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، العصبة المغربية لحقوق الإنسان..)، إذ يكفي الوقوف عند الفراغ الحاصل حول هذا الموضوع في طروحاتهم وأدبياتهم الحقوقية للتأكيد على أن الحركة الحقوقية مدعوة إلى مراجعة أوراقها بخصوص هذه المسألة الهامة.
الحسابات
ثمة حسابات داخلية لكل مكون ضمن هذا التجمع اليساري، فاليسار الاشتراكي الموحد يسعى من وراء هذه المبادرة إلى تقوية موقعه داخل الساحة السياسية من خلال قيادة نضالات هذا التحالف في أفق أن تطأ قدماه الكتلة الديمقراطية اعتبارا لرمزيتها السياسية والتاريخية، وهي نفس النظرة التي كانت لدى منظمة العمل الديمقراطي الشعبي أي وضع رجل داخل الكتلة والأخرى داخل تنظيمات اليسار الجديد، ولم لا التفاوض بها مستقبلا مع المخزن من أجل الحصول إلى مكاسب متقدمة خاصة وأن للعديد من كوادرها علاقات متميزة مع أطراف داخل النظام السياسي.. لكن واقع اليسار الاشتراكي الموحد اليوم ليس على ما يرام، ذلك أن الفصائل الثلاثة ( المستقلون الديمقراطيون، الفعاليات اليسارية المستقلة والحركة من أجل الديمقراطية الجناح المحسوب على عمرالزايدي) لم يضف اندماجها إلى رفاق إبراهيم ياسين أي جديد يذكر سياسيا، إذ إن الانتخابات الأخيرة أطفأت شمعة هذا الحزب (اليسار الاشتراكي الموحد)، ولم تترك لديه إلا ثلاث شموع/ مقاعد، في حين أن منظمة العمل سبق أن حصلت على أربعة مقاعد في الانتخابات التشريعية عام 1997. كما أن اليسار الاشتراكي الموحد لم يتحول إلى تيار جماهيري جارف، فهو لازال سجين صراعاته السياسية والتنظيمية الداخلية، بل أكثر من ذلك أنه عجز عن فرز قيادة موحدة ومنسجمة، والنتيجة أنه يتوفر اليوم على أمانة عامة تتشكل من أربعة وجوه، انسحب منها أحمد حرزني وظل يقودها بنسعيد أيت إيدر، لكن بدون سلطات تذكر!! أما صوته الإعلامي فلازال قاصرا عن النفاذ والتأثير في الساحة، ذلك أن التخبط في المواقف والرؤى يبقى سيد الموقف، وغير بعيد عن هذا الموضوع، أقدم مؤخرا المصطفى مفتاح، أحد أعضاء المكتب السياسي للحزب ـ حسب مصادر مطلعة ـ على منع نشر استجواب صحفي مع محمد تيريدة (أحد الوجوه المؤسسة لليسار الجديد) يندرج ضمن سلسلة حوارات حول أحداث 23 مارس، ظهر منها إلى حدود الساعة استجواب يتيم لمحمد السهاري، أحد الأسماء التاريخية البارزة داخل حقل اليسار الجديد، وذلك لأسباب مرتبطة بحسابات ضيقة.. وهذا الوضع هو ما جعل العديد من الأصوات تتعالى مطالبة بعدم حل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي قانونيا
أما المؤتمر الوطني الاتحادي، فيسعى من وراء هذا التجمع إلى الخروج من العزلة التي يعيشها خاصة بعد نتيجة الانتخابات التشريعية الأخيرة، محاولا دفع باقي مكونات هذا التجمع إلى مساندة مركزيته النقابية (الكدش) التي عرفت تراجعا ملحوظا داخل بعض القطاعات كالتعليم علما بأن القاعدة الأساسية لهذا الحزب تتشكل من عناصر نقابية، مما يفيد بأن تقوية هذا الحزب رهينة بقوة النقابة.. نفس الأمر بالنسبة إلى رفاق الأمس في الوفاء للديمقراطية، ذلك أن هذا التحالف يمكن أن يخرجهم من العزلة التي أريد لهم أن يقبعوا فيها بعد أن رفض تسليمهم الترخيص القانوني للعمل داخل المؤسسات بشكل شرعي، فالأساسي لدى رفاق محمد الساسي هو تحسين موقعهم بالشكل الذي يجعلهم في مستوى مجابهة أصدقاء محمد اليازغي مع العلم بأن تفكيرهم وتصوراتهم لازالت اتحادية!!
أما حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي (صاحب فكرة تحالف الجبهة)، فالأكيد أن مواقفه السابقة، خصوصا منها تلك المتعلقة بالمسلسل الانتخابي، لم تزده إلا عزلة في عزلة خاصة بعد اكتساح الجامعة من طرف التيارات الأصولية (العدل والإحسان على وجه الخصوص).والوثيقة التي نشرتها إحدى الاسبوعيات البيضاوية مؤخرا تؤكد المأزق الذي يوجد فيه هذا الحزب.. وأخيرا حركة النهج الديمقراطي التي خاضت نضالا طويلا من أجل الحصول على الشرعية القانونية، آخر فصوله الوقفة الاحتجاجية المنظمة أمام مبنى وزارة العدل، ومن شأن هذا التجمع أن يشكل بالنسبة إليها متنفسا يخلصها من الحصار السياسي المضروب عليها بسبب تهربها من أداء ضريبة الشرعية القانونية المتمثلة في تعبيرها بوضوح عن موقفها في ما يخص ثوابت الأمة علما بأن رفاق الحريف لازالوا يغردون خارج السرب بخصوص قضية الصحراء والملكية.
ومن هذا المنطلق يتضح وجود ثلاث رؤى داخل التجمع اليساري الديمقراطي: رؤية إصلاحية تؤمن بالعمل داخل المؤسسات الدستورية، وتتبنى استراتيجية نضالية ديمقراطية، خطواتها، محسوبة وهدفها الأساسي الدمقرطة أي دمقرطة الدولة والمجتمع.
رؤية إصلاحية متقدمة، لازال أصحابها راديكاليون في ما يتعلق بالقضايا المجتمعية الكبرى، ويميلون إلى تبني أشكال نضالية متقدمة لفرض مطالبهم. وأخيرا رؤية، لازالت لم تقتنع بعد بالتحول السياسي الهام الذي عرفته البلاد إزاء العقد الأخير من القرن الماضي وتتحفظ في تزكية ومباركة الوضع القائم.
أكيد أن لقاء يونيو القادم سيشكل محطة نوعية في تاريخ هذا التحالف اليساري، إذ سيفتح آفاق جديدة للنضال الديمقراطي علما بأن هذا التحالف أضحى في الوقت الراهن ضرورة تستدعيها المتغيرات السياسية المتسارعة والتي وضعت اليسار عموما بشقيه الرسمي الحكومي وغير الرسمي في موقع هامشي ساحة الفعل السياسي، ولعل أحداث الجمعة الدامي 16 ماي 2003خير شاهد على الوضع القزمي الذي يوجد عليه اليوم. فهل تنجح المكونات الخمسة لهذا التحالف في استيعاب معاني هذا الزلزال الذي نعيشه هذه الأيام ذكراه الأولى في اتجاه القيام بنوع من "البرسترويكا " على الطريقة المغربية على مستوى الأفكار والتصورات وكذا آليات العمل والسلوكات الممارسة الكفيلة بتجديد الممارسة السياسية بالمغرب.


مشروع ميثاق تأسيس "تجمع اليسار الديموقراطي"

انطلاقا من اختيارنا الإشتراكي الحامل لقيم المساواة والعدل ومحاربة الاستغلال والهادف إلى تأمين شروط المشاركة الشعبية والإفادة العادلة من ثمرات التطور، وتشخيص هذا الإختيار عبر برامج سياسية تهدف إلى تغيير ديموقراطي للبنيات السائدة، وتدبير اقتصادي واجتماعي يتجاوز أنماط التدبير السائدة منذ عقود، دون إغفال الحاجة إلى الإنخراط في نفس الوقت في المجهود العالمي لتجديد الفكر الإشتراكي وإغنائه ومطابقته لتحولات الواقع ومتطلبات التنمية.
انطلاقا من الإقتناع التام بالمعايير الكونية للديموقراطية وتوفير شروط انتقال ديمقراطي حقيقي وتدشين مرحلة جديدة تقوم على احترام مبادئ السيادة الشعبية وصون الحريات وتوفير شروط التداول المبني على صناديق الإقتراع واحترام الإرادة الشعبية المنبثقة عنها، مما يحتم مراجعة شاملة للدستور في اتجاه تأسيس نظام ديموقراطي برلماني عصري.
وإدراكا لما تشكله منظومة الفساد السياسي والإداري والإقتصادي والقضائي المرتبط بنظام الإمتيازات من تحد للحق والقانون ومن عقبة أساسية في طريق الديموقراطية، وتدمير للطاقات البشرية والطبيعية لبلادنا، وتخريب للقيم النبيلة لشعبنا، واجهاض محتم لأي مجهود تنموي حقيقي.
ووعيا بالمخاطر التي تقود إليها سياسات التهميش وسد الأفق أمام جماهير الشباب والنساء سواء في العالم القروي أو في المدن، والتخلي الرسمي من قبل الدولة عن إلتزاماتها وواجباتها بحق الجماهير الشعبية في ضمان الشروط الدنيا للحياة والكرامة، وتضخيم أدوار أجهزة الإكراه والتضييق على أدوات وأشكال التعبير العمومي السلمي وتعميق الظلم الإجتماعي والفوارق الطبقية والجهوية وتعميم الفقر والتشرد وسيادة روح اللامسؤولية.
وارتكازا على حق الدفاع عن الشخصية الوطنية المغربية بمعطياتها الترابية والتاريخية والجغرافية والثقافية المتعددة في منابعها الإسلامية والعربية والأمازيغية والحاضنة لتفاعل وتلاقح عناصرها ديموقراطيا، مع تفتحها على عناصر التطور والتقدم اللذين يعرفهما المجتمع الإنساني.
واعتبارا لما أفرزه التطور الحالي للعولمة الرأسمالية المتوحشة تحت هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية من نتائج مدمرة للإنسان والطبيعة وللتنوع الثقافي والحضاري، ونزعات حربية عدوانية واستعمارية واعتداء على حقوق الشعوب والدوس على القوانين والهيآت الأممية.
وإدراكا للأزمة التي يعاني منها الحقل السياسي الوطني والتي تتجلى في ضعف تأطير الجماهير الشعبية من طرف القوى الديموقراطية وتشتتها وتخلي بعضها عن كثير من مضامين النضال الديموقراطي واندماج أغلب النخب في ترابط مصلحي مع البينات المخزنية، وشيوع الممارسات الإنتهازية المتحللة من أي التزام مبدئي والمكتفية بتبرير الأوضاع القائمة، وتخلي بعض القوى الديموقراطية عن المنافسة الشريفة في الصراع السياسي وتنميطها للعمل الحزبي وانتشار السلوكيات الماسة بالنزاهة والمطبوعة بضعف الإستقلالية داخلها وضعف أو غياب الديموقراطية الداخلية وسطها.
وشعورا بما يفرضه تنامي بعض النزعات المناهضة للعقل والحداثة من التزام بخوض معركة شاملة للتأطير والتنوير وفرض إشعاع قيم الحداثة باحترام تام لمقتضيات الصراع المتحضر الراقي وباحترام للرأي المخالف وللحقوق السياسية المتساوية للجميع.
ووعيا بضرورة تجاوز كل معيقات بناء الديموقراطية الحقيقية والتصدي للقوى المناهضة للديموقراطية، سواء منها المخزنية التي نهبت وما تزال تنهب خيرات البلاد أو القوى التقليدية المحافظة الرافضة لقيم الحداثة والتقدم ومجابهة التحديات الكونية والعربية والجهوية فإن الهيآت الموقعة على هذا الميثاق :
تعلن التزامها بالعمل الجماعي على أساس برنامج نضالي مشترك، وتكثيف التعاون والتنسيق فيما بينها من أجل ترجيح ميزان القوى لصالح خيار الديموقراطية والتقدم، وتقرر تأسيس تحالف سياسي تحت إسم "تجمع اليسار الديمقراطي".
وتتعاقد حول برنامج عمل يحدد مهام المرحلة الراهنة :
1 ـ النضال من أجل إقرار دستور ديمقراطي يضمن فصل السلط واستقلال القضاء، يمكن الحكومة من سلطة فعلية منبثقة عن برلمان يلعب دوره الكامل في التشريع والمراقبة والمحاسبة.
2ـ مواجهة كل أشكال تزوير إرادة الشعب المغربي والتلاعب بأصواته.
3ـ محاربة منظومة الفساد والإمتيازات والرشوة، والنضال من أجل حماية المال العام.
4ـ توفير شروط بناء اقتصاد وطني قوي ومتضامن يستجيب لحاجيات المواطن المغربي في المدينة والعالم القروي وقيام الدولة بدورها الإستراتيجي كمحرك للإقتصاد الوطني على مستوى التخطيط والاستثمار والتوجيه والمراقبة.
5ـ النضال من أجل التوزيع العادل للثروة الوطنية والإنخراط الفاعل في نضالات الجماهير الشعبية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة.
6 ـ الدفاع عن حقوق الإنسان بمضمونها الكوني والشمولي وعن سيادة القانون وعن الحريات العامة والفردية ضد كل خرق أو تراجع ودعم الهيأت العاملة في هذا المجال.
7 ـ الدفاع عن حقوق النساء في العدالة والمساواة المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
8 ـ إعادة الإعتبار للثقافة واللغة الأمازيغية كمكون أساسي في الهوية الوطنية.
9ـ توحيد الجهود في واجهة النضال لدعم ونصرة قضايا الشباب والطلبة والمعطلين وضمان حقهم في الشغل والتعليم والتكوين والثقافة.
10ـ دعم العمل الجمعوي المستقل في المجالات الثقافية والتنموية والإجتماعية والبيئية.
11ـ الدفاع عن حقوق المهاجرين المغاربة وحمايتهم من مختلف أشكال الحيف والعنصرية والتمييز.
12ـ ربط جسور الحوار والتواصل بين الإطارات السياسية والمدنية الديمقراطية بالمنطقة المغاربية والنضال المشترك لتصبح هذه الأخيرة فضاء للسلم والتعاون والتكتل والتكامل الإقتصادي.
13ـ مساندة الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية المستقلة عاصمتها القدس وعودة اللاجئين وتعزيز جبهة مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني.
14ـ مساندة الشعب العراقي في كفاحه ضد الاستعمار والاحتلال الأمريكيين والوقوف في وجه الهجمة العسكرية العدوانية الأمريكية في المنطقة.
15ـ مجابهة الهيمنة الأمبريالية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ومناصرة القضايا العادلة للشعوب والانخراط في الجبهة العالمية المناهضة للعولمة الليبرالية المتوحشة.
وستعمل الأجهزة الوطنية والقطاعية والمحلية للهيآت المشكلة لهذا التحالف على صياغة المواقف المشتركة وخوض المعارك والتحركات التي يتطلبها تطوير مسار النضال الديموقراطي وتعبئة الجماهير الشعبية للنضال من أجل تحقيق مطامحها المشروعة والمصالح الحيوية للوطن.
وتعبر عن استعدادها للحوار والتعاون مع القوى التي تتبنى الديموقراطية وتلتقي مع اختيارات وبرامج التجمع وتتوفر على استقلالية قرارها.

الهيآت الموقعة على الميثاق:
حزب المؤتمر الوطني الاتحادي ، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، حركة النهج الديمقراطي، حزب السيار الاشتراكي الموحد و جمعية الوفاء للديمقراطية.



#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المغرب شرف تنظيم مونديال 2010مقال حول تداعيات عدم نيل
- التحولات الكبرى التي مست المجال الديني في المغرب
- المغرب يقدم مساعدات لاسبانيا من أجل محاصرة الجماعات الاسلامي ...
- تأملات حول دور ومكانة العلماء في محاربة التطرف الديني بالمغر ...
- مؤشرات وساطة إسبانية لحل مشكل الصحراء المغربية
- الحركة العمالية المغربية وسؤال مواجهة مخاطر العولمة
- أسس شرعية ومشروعية النظام الملكي بالمغرب تحت المجهر
- أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب، ي ...
- جهادي الحسين الباعمراني، صاحب -ترجمة معاني القرآن الكريم بال ...
- أمازيغيون يقاضون وزير التعليم المغربي ضد استغلال المناهج الد ...
- عبد الله حافيظي السباعي، باحث متخصص في شؤون الصحراء يتحدث عن ...
- المحجوب ابن الصديق يستمر في قبض نقابة الاتحاد المغربي للشغل ...
- تداعيات أحداث 16 ماي الدامي تلقي بظلالها على المؤتمر مر الوط ...
- المفكر التونسي عبد المجيد الشرفي يتحدث عن الفكر الديني، الإس ...
- أبعاد ومخاطر تكريس سياسة اللهجات الأمازيغية بالمغرب
- مثقفون وباحثون وجامعيون يتحدثون عن تجديد الفكر الديني
- جهادي الحسين الباعمراني ينجز ترجمة لمعاني القرآن باللغة الأم ...
- تأملات حول المخزن الثقافي في مغرب القرن الواحد والعشرين
- الملك محمد السادس يقوم بإصلاحات كبرى تروم تطوير الحقل الديني ...
- قراءة في تفاعلات تصريحات الصحراوي علي سالم التامك المناصر لج ...


المزيد.....




- نقطة حوار: هل تؤثر تهديدات بايدن في مسار حرب غزة؟
- إسرائيل تتأهل إلى نهائي مسابقة يوروفيجن الأوروبية رغم احتجاج ...
- شاهد: فاجعة في سان بطرسبرغ.. حافلة تسقط من جسر إلى نهر وتخلف ...
- المساعدات الأوروبية للبنان .. -رشوة- لصد الهجرة قد تُحدث الع ...
- بوتين يوقع مرسوما بتعيين ميخائيل ميشوستين رئيسا للحكومة الرو ...
- -صليات من الكاتيوشا وهجومات بأسلحة متنوعة-.. -حزب الله- اللب ...
- بالفيديو.. -القسام- تستهدف جنود وآليات الجيش الإسرائيلي شرقي ...
- سوريا..تصفية إرهابي من -داعش- حاول تفجير نفسه والقبض على آخر ...
- حماس: في ضوء رفض نتنياهو ورقة الوسطاء والهجوم على رفح سيتم إ ...
- كتائب القسام تقصف مجددا مدينة بئر السبع بعدد من الصواريخ


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - مصطفى عنترة - اليسار المغربي في رحلة جديدة للبحث عن لم شتاته وتقوية موقعه داخل الساحة الوطنية