أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عمر سعدي - حكاية من بلدي الزعيم والشيوعي الاحمر















المزيد.....

حكاية من بلدي الزعيم والشيوعي الاحمر


عمر سعدي

الحوار المتمدن-العدد: 2759 - 2009 / 9 / 4 - 08:01
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


في صبيحة يوم جميل من ايام الصيف،بدت فيه السماء صافية زرقاء وكان الجو لطيفا ونسمات خفيفة ناعمة تهب بين الفينة والاخرى.
حمل سلته وفيها بعض المطارق وعددا من الازاميل مختلفة الاطوال والحجوم،غادر البيت جذلا ومسرورا،ليباشر عمله مع بداية يوم جديد،تاركا وراءه اترابه يقبعون في نومهم ،وزملاءه يهيمون في شوارع القرية، يتسكعون في اماكن مختلفة منها وهم يرزحون تحت غائلة البطالة المستشرية .
استل ازميلا من السلة وتناول المطرقة وركز حجرا بين فخذيه المنفرجتين وانهال بضرباته القوية كما في كل صباح وطيلة ساعات النهار ، تهاوت الضربات على الازميل وعلى الحجر،فتهادت الى مسامع الجيران فسارع البعض منهم من الرجال الشيوخ والكهلة يتهادون ويتوافدون يندسون تحت السقيفه، فمنهم من تقعّد حجرا وتسمر فوقه ومنهم من اتخذه متكئا يتكئ عليه وهو يتوسطهم لا يضيرهم الاعتفار بالغبار او جلبات وطقطقات الازميل وهو يغب بالحجر وينهشه ، فاخذوا يتسامرون ويتمازحون يتقادحون ويتناظرون لقضاء ساعات النهار ، وراح صاحب الدار يعود ويجود لتقديم الاطباق الغنية بالتين والصبر والعنب والتبغ واضعا بكرج القهوة السادة ليجثم في الموقده بجوارهم طيلة ساعات النهار يحتسون القهوة متى طاب لهم ومتى شاءوا مع مجات من سجائرهم العربية الغليظة اللف فيتصاعد الدخان منها احبالا لولبيه متعرجة تتمازج مع الغبار الداكن المتصاعد فتعبق به السقيفة.
اما هو فيجدها فرصة سانحة لعرض افكاره الغريبة عنهم فيجدون فيها متعة يتحدث عن الاشتراكية جنة العمال والفلاحين على الارض وعن العدالة الاجتماعية والمساواة والاخاء مبددا ومفندا تلك الدعايات الممجوجة والسامة عن اباحية الاشتراكية ،فيتلقفونها بشغف ونهم ومع ساعات النهار الطويلة تتحول السقيفه والمكان الى منتدى للفلاحين والكهول من مقبل اليها من الماره ومدبر. تسربت الاخبار للزعيم عما يدور من حديث في السقيفه فضاق بها ذرعا ، وفي ظهيرة ذلك اليوم اشتدت درجة الحرارة ولم تجْد تلك النسمات الخفيفة الطفيفة من اطفاء لهيب الحر فكانت قطرات العرق تنضح من جبينه وتتساقط متسارعة عبر وجهه وذقنه المغبرين كنقاط دلف من بيت من طين في فصل الشتاء لتبلل سطح ذلك الحجر الذي لم يتوان في ضربه بلا هوادة او رحمة وهو لا يفتأ ان يمسح عرقه بظهر يديه بين الحين والاخر ، وجذاذات الحجر تتطاير عشوائية فتصيب البعض منهم وهم لا يكترثون.
وبعد ان غزا الاحياء وصال الزعيم وجال ،وفي طريق عودته شاهد ثُلّة الكهلة والفلاحين وهم يطوقون العامل اصاخوا السمع متسمرين فعرج على السقيفة واقتحم المكان فدب الرعب في قلوبهم ، فسووا مجاسلهم ، ومنهم من نهض وانتصب واقفا مرحبا به ليفيه التكريم والتبجيل فخلدوا الى الصمت والسكينة وانقطع الهرج والمرج وانعقدت السنتهم وكأن على رؤوسهم الطير .
وظل صوت العامل الدقاق يجلجل دون خوف او وجل يكسر ذلك الصمت الرهيب يتابع حديثه على مسمع ومرأى من الزعيم عن الظلم والظالمين، من جبابرة الناس وجلاوزة الحكام الى ان انتهى بذكر حديث نبوي (من رأى منكم منكرا فليقومه بيده وان لم يستطع فبلسانه وان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان) فلم يرق ذلك للزعيم الذي ظل واقفا يراقب بعينيه ما يحدث منتصبا بطوله الفارع كسارية في سفينة باناقته وبملابسه الفاخرة الحريرية وخيزرانه الجميل فاغتاظ وتلظى فراح يرمق بنظراته الشزراء هذا من الرجال ويحدج ذاك من الكهول ثم انتهر العامل وطالبه بالكف عن ترهاته والعدول عن سفاهاته وافكاره الفاسدة ناعتا اياه بالانسان الدجال وعميل موسكو وشيوعي احمر كافر لم يتوقف في اساءته عند هذا الحد فاوغل فيها، كما نعته بالكفر مرتين شيوعي احمر كافر و...انتفض العامل الدقاق دفاعا عن كرامته فناكفه الحديث بالحديث والاعابة بالاعابة .
فجن جنون الزعيم وخرج عن طوره. تأججت حمية صاحب الدار عندما غالى الزعيم في غضبه وحنقه وتمادى بالتقريع والاساءة للعامل فشعر بانتهاك حرمة البيت والمس بكرامته فراح الدم يغلي في عروقه كالمرجل فخلع قمبازه وظل بقميصه وسرواله الابيض وانتزع العقال عن رأسه والتثم بالكوفية وردها حول عنقه ولمع الشرر في عينيه وسارع وامتشق عصاه ، فخرجت عنه همهمات غير مفهومة ولج لجاجا ثم صاح(الموت ولا المذلة) فارتدع عندها الزعيم واعتدل فسوى كوفيته على رأسه واعاد عقاله الذي سقط ونفض الغبار عن قمبازه وغادر المكان وهو يتهدد ويتوعد بالويل والثبور .
انفض المجلس على غير المتوقع وعاد العامل وعلى غير عادته وقبل الاوان مكسوفا متكدر الوجه شاحبا .
هدأت العاصفة وعرفت القرية داهية الدواهي فكاهيا وكان احد رواد ديوان الزعيم الدائمين وظله الامين عرف بالخبر فآثر الثأر لقريبه صاحب الدار فعرف من اين تؤكل الكتف وبدهائه المعهود وفطنته القوية سارع وحاك حكاية خاط خيوطها من نسيج خياله ومن بنات افكاره. دخل الديوان بعد وقت وجيز مما حدث وكان واجما عاقد الحاجبين فاسترعت حالته انتباه الزعيم الذي كان يجلس مترنحا على اريكة فاخرة في ديوانه الواسع الضخم تظلله صورتان علقتا على الحائط لرئيس الحكومة بن غوريون ورئيس الدولة حايم وايزمن . فساءله الزعيم عما به فتأوه وتأخأخ ثم عض على نواجذه حتى عيل صبر الزعيم فنهض من مجلسه وركع وناخ قبالته وهو مترنح وسيجارة بين شفتيه وكان ادرى الناس بخباياه ملما باسراره فابلغه انه راى في التو الشيوعي الاحمر في طريقه الى عكا ليقاضيه عن طريق المحامي حنا نقارة وهو يعلم ان حكايته مع ذلك المحامي حكايه منغصه وطويلة فاهتز الزعيم لدى سماعه البلاغ وانكمش جسده وانتفض كمن لدغه عقرب ، امتقع وجهه واغبر وجف لعابه في فيه سرح بخياله وعادت به الذاكره وارتسم في ذهنه ذلك الشريط من مشهد ذلك اليوم المشؤوم عندما وقع بين يدي المحامي حنا نقارة في اعقاب اضراب طلاب المدرسه ضد ضريبة الرأس عندما وقف في المحكمة العسكرية يدلي بشهادته امام الحاكم العسكري ضد الشيوعي الاحمر ورفاقه .
حل المساء وادلهم الليل فتسلل الزعيم بصحبة صاحب الدار يخترق الظلام وهو يجتاز سراديب الصبار والمسارب الضيقة الشائكة ليصل الى بيت الشيوعي الاحمر في الطرف الآخر من القرية. اشرعت والدته الباب وفي غبش العتمة وعلى ضوء اصفر خافت من قنديل. اذهلت المفاجأة العامل عندما شاهد الزعيم بطوله الفارع يقف حاني الظهر وبصوت خفيض متهدج كسر فيه سكون الليل البهيم ، يتقدم بتوسلاته راجيا منه وهو يستحلفه بعيسى ومريم والعذراء وبستالين ولينين بالعدول عن مقاضاته استهجن ابراهيم الموقف واستغرب الحديث فاستوحى بنفسه ان شيئا قد طرأ وحدث وهو لا يفقه منه شيئا فانسياقا مع توسلات الزعيم قال: (اكراما واجلالا لابي فايز قضي الامر وانتهى ) .






#عمر_سعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحركة العمالية المصرية من النضال الفئوي إلى الصراع الطبقي


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عمر سعدي - حكاية من بلدي الزعيم والشيوعي الاحمر