أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح - عشوائية الزمن














المزيد.....

عشوائية الزمن


يحيى نوح

الحوار المتمدن-العدد: 2755 - 2009 / 8 / 31 - 07:26
المحور: الادب والفن
    


نسبية أنشتاين كانت في عمق الليلة الفائتة في محل اختبار، وما حصل لم يتم إلاّ بإرادة خارقة، أو ربما هي محض صدفة عشواء ومضت فيها الذات في فضاء الزمن اللامنتهي. الزمن، هذا البعد الرابع الذي لا يمكن الإمساك به، إنه يفلت من بين الأصابع ككرات زئبق متدحرجة، فكل الأزمنة افتراضية في عالم الوجود، لكنه كان بالأمس صلباً، راسخاً، لا يتحرك... الوقت بمقياس الأرضيين كان بعد ألف وتسعمائة واثنين وسبعين عاماً بعد ميلاد السيد المسيح، أما المكان فيفتقر للرسوخ والصلابة، إنه أثيري شفاف، فلا شمس ولا نجوم ولا ظلام، بل فجر دائم وضباب خافت يغمر كل شيء. سبعة وثلاثون عاماً مضت تمثل أكثر من جيل في عرف البشر، لكنها لم تكن سوى لمحة بصر كما في الانفجار العظيم. كان الجسد يغط في نومه كما يفعل كل ليلة، لكن شيئاً ما قد حصل لا يمكن كشف خفاياه، نقل كل شيء إلى العوالم المجهولة في رحلة أثيرية عبر هذا البعد العجيب. لقد كانت هي.. بجسدها الجميل، وسمرتها الشاحبة.. الصديقة القديمة التي انطوت ذكرياتها في عمق المجهول، كانت تقف أمامه بكل ملامحها العذبة، نظرت إليه بشغف أزالت فيه كل شكوكها وارتكاساتها الماضية، إنها ما زالت تحبه، لقد أفصحت له بكل شيء دون تكلف، فصوتها المتلألئ كان يتداخل مع ذرات جسده في نغم رخيم. كانت تنظر بعينيها الذابلتين إلى وجهه الجميل، كانت تحاوره بهمس وشفتيها المكتنزتين يمور فيهما العشق السادر. تأبطت ذراعه وسارا سوية والأرض تحتهما تدب نحو الوراء. هذه الأشكال الغريبة من دنيا لم يتعرف عليها ولم يألفها في سني حياته يراها شاخصة أمامه. كان يحس بذاته وهي تلتصق بهذه المخلوقة التي كانت له معها حكاية طويلة في زمن البغض والشكوك والأخلاق البشرية المصنوعة من هشاشة الجليد. فتشا عن مكان منعزل ليتهامسا فيه، كانت الحديقة الغناء تفيض بالعشاق الصامتين وسكون الهواء لا يحرك إلاّ خلجات النفس الغامرة. وجدا مقعداً خشبياً في ركن بعيد يتسع لجسديهما فقط، تقدّمته بخطوات سريعة وأصابعها تشتبك بكفه، جلست إلى جانبه والتصق لحمها الناعس بجسده المتشنج وتداخلت أنفاسهما وامتزجت بالضباب الخافت، كان يدس رأسه كطفل رضيع تحت إبطها يشم منها رائحة الجسد الحالم، ويدها تطوقه بحنو وحنان فائض كما لو كانت تحميه من عوالم غريبة مرعبة، كانت الأرض الندية تحت أقدامهما تفوح منها رائحة العشب الخضل، والرذاذ المنبعث من نافورة الماء يقبل وجهيهما بدعابة، تحاورا بهمس غير مسموع، وأنفاسها المتلاحقة تحرك صدرها بضربات رتيبة نحو الأعلى والأسفل، وراحت أصابعه تبحث بين أوراقها عن كلماتها الجامحة التي طالما انبجست في سكون ليله المظلم. استمرت الصور في عدوها المتلاحق، والحديقة تستقبل كل لحظة ضيفين جديدين.. وغرقا في نشوة الاقتراب التي لم تخضع لعقارب الزمن... ثم غاب كل شيء في غموض ليس له منتهى.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هزات اللاوجود


المزيد.....




- باب كيسان.. البوابة التي حملت الأزمنة على أكتافها
- -بدونك أشعر أني أعمى حقا-.. كيف تناولت سرديات النثر العربي ا ...
- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...
- حين تتحول البراءة إلى كابوس.. الأطفال كمصدر للرعب النفسي في ...
- مصر.. الكشف عن آثار غارقة بأعماق البحر المتوسط
- كتاب -ما وراء الأغلفة- لإبراهيم زولي.. أطلس مصغر لروح القرن ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح - عشوائية الزمن